بطريقة مطلقاتنا: حب الخير، وكراهية أبي!!
أستاذي الكريم،
أولاً: أود أن أشكرك على سرعة الرد على رسالتي، فلم أتخيل أن يصلني بهذه السرعة.
ثانياً: أرجو أن تقبلني صديقة لهذا الموقع الرائع الذي أتمنى أن أكون في يوم من الأيام أحد مستشاريه وأن أشارك في تحسين الصحة النفسية لأناس لولاكم لضاعوا أو سلكوا طريقاً خاطئاً أو على الأقل عاشوا في هذه الحياة يائسين بلا فائدة يصنعونها ويضيفونها قبل أن تضيع أعمارهم ويجدوا في يوم من الأيام أنهم لم يصنعوا شيئاً في حياتهم سوى الحزن، ولا ينفع وقتها الندم. وأتذكر هنا قول الحبيب (صلّى الله عليه وسلم): "اغتنم خمساً قبل خمسٍ: فراغك قبل شغلك، وصحتك قبل سقمك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك" وأعتقد وقتها سأنال الكثير من الدعوات بظاهر الغيب وهي من الدعاء المستجاب بإذن الله.
ثالثاً: أود أن أطلب منك أن تعلمني من خبرات الحياة التي ربما كما قلت أفتقدها كغيري من الفتيات الطيبات، وأن تخبرني كيف أكسب قلب أبي؟ وكيف أدير أموري مع أمي؟.... لكن ليس قبل أن أحكي لك عما كنت أفعله قبل ذلك... قبل أن تدري أمي أني على علاقة بأبي، وسبحان الذي له حكمة في كل شيء، فقد علمت بالصدفة البحتة التي ليس لي ولا لأبي يد فيها.
أعترف أني كنت أشعر بالرعب والقلق في كل شيء أفعله (رغم أن هذا القلق بدأ يقل تدريجياً)، لكن لم أكن أتراجع عن أي خطوة أفعلها! فقد حرصت على إبقاء علاقتي بأبي لمدة 5 شهور بمقابلة كل شهر أراه فيها وأتعرف على إخوتي اللذين لم أراهم إلا مرة واحدة يوم ذهبت إليه (بغض النظر عن الأمور المادية فعلها أم لا وقد أعلمته بذلك)، إلا أنه بعد ذلك رفض الاستمرار في هذا الوضع، ومع هذا لم أقطع علاقتي به وإنما حرصت على اتصالي به في كل مناسبة ومصافحته في الطريق إن قابلته (رغم خوفي من أن يراني أحد معه ويبلغ أمي) ليبقى بيننا ولو حتى خيط ضعيف، وكنت أدعو الله دائماً كل ليلة أن يهدي لي أبي وأن يعينني على برِّه وأن يسترنى فيما أفعل...
على الجانب الآخر كنت أُشعِر أمي أنها فوق رأسي وأني سأعوضها عن كل ما ضاع من عمرها لأجلي، وكنت وصلت معها كما قلت لك إلى مرحلة عالية جداً من الود والتفاهم كنت أحسد نفسي عليها... لكن إن أتيت على سيرة أبي فإنها تنقلب معي 180 درجة، رغم أني جربت معها كل الطرق الممكنة بالإقناع واللين والاستعطاف في أغلب الأوقات وقليل جداً ما كنت أجادلها في أن هذا حقي وليس لها أن تمنعني، وبعد حوارات مريرة تغضب مني وأعتذر لها بأني كنت مخطئة! لذلك فقد امتنعت عن التحدث معها في هذا الأمر، وإن ذكرته هي لا أبدي أي اهتمام لأني كنت يئست من محاولة إقناعها، وأني طالما أفعل ما أراه من وجهة نظري صواباً فلا داعي لتعكير حياتي معها.
استمر الوضع كذلك عاماً ونصف، كنت فيها أسعد حالاً مما أنا عليه الآن، وكانت أمي تستشيرني في كل صغيرة وكبيرة وتعتبرني حقاً ثمار كفاحها وشبابها، إلى أن جاء يوم علمت بالمستور... لا أستطيع وصف تصرفها معي من إيذاء نفسي وجسدي (أتدري ألم الزوجة عندما تكتشف خيانة زوجها؟.. هكذا كانت تشعر أمي)، تحملته صابرة لأسبوع ثم هدأت العاصفة تدريجياً وحاولت أمي أن تعيد العلاقة بيننا طبيعية مع التأكيد دائماً على أن ما فعلته خطأ جسيم وإن فعلته ثانية فلن تغفر لي وتكون نهايتي، وإن خالفت حرفاً مما تقول- ألا أرد على مكالمات أبي وأن أنكره إن رأيته أو أي فرد من عائلته- فلأنصرف إليه من الآن ولا أعود، وستكون غضبى عليّ لنهاية العمر... هكذا قالت أمي!
أستاذي الكريم؛ أنا لا يؤلمني فراق أبي أو أني حرمت منه طوال السنين الماضية -لأني أعلم أن الله سيعوضني خيراً بزوج صالح في الدنيا أو بالعوض الأكبر في الآخرة- بقدر ما يؤلمني خشيتي من الله أن أكون قاطعة للرحم- خاصة عندما أضع نفسي مكان أبي، رجل بخيل يظن أن ما يدفعه لي من ملاليم عن طريق المحكمة تكفيني وزيادة... وتمنعه مطلقته من رؤية ابنته، وهو ليس رجل مثالي، فأرى أن معه حق في تصرفه. كما أني إن عدت لاتصالي بأبي فأخشى أن تدري أمي مرة أخرى كما حدث من قبل، وأنا لا أريد أن أعيش مرة ثانية في قلق وخوف، ولا أعلم كيف أتصرف الآن! من فضلك يا أستاذي أرشدني ماذا تفعل خبرات الحياة في موقفي هذا؟.
أنا الآن قد أخذت بجزء من نصيحتك وأعدت علاقتي مع أمي كما كانت وربما أفضل واتفقت معي أنها ستنسى الماضي- بعد أن ظللت قرابة شهر لا أتحدث (إلا لأعلمها أنها مخطئة في حقي بما تفعل وأن الله لا يرضى عنا، ولا آكل إلا ما يقيم أودي، ولا أخرج إلا للضرورة القصوى، ولا أمارس أي نوع من ترف الحياة.... ربما كنوع من الإضراب لتغيير أمي ولكن بلا فائدة)... فأخذت الجزء الأول من نصيحتك وأعدت علاقتي بها كما كانت ولم أتحدث معها في هذا الموضوع ثانية لا بالتأييد ولا بالمعارضة (رغم إطلاقها أحياناً بعض الكلمات كالقذائف لتؤكد لي أني مخطئة، ولكني أتجاهلها وأميل قليلاً لتمر بسلام)، والحمد لله تحسنت حالتي النفسية وزاد تركيزي واستعدت بعض مرحي، وإن كنت ما زلت أتذلل إلى الله أن يرحمني ويعف عني ويهديني إلى الصواب ويحنن قلب أبي عليّ.
أما بخصوص الجزء الثاني من نصيحتك والتي تتعلق باستمرار علاقتي بأبي لأنها حقي وحقه وواجبي وواجبه... فلا أظن أنه يمكنني فعلها إلا بالطريقة التي عرضتها أمي أو العودة لحياة القلق... وأنا أريد أن أعلم الرأي الشرعي الديني في علاقتي بأبي، وهل أنا قاطعة للرحم كما كان يقول أبي لي دائماً؟ لأن هذا ما يهمني حقاً، وإن كان سيؤلمني أيضاً أن أغضب أمي.
وشكراً لك.
11/06/2010
رد المستشار
أهلاً بك مرة ثانية، وشكراً على كلماتك الطيبة.
الحقيقة أن أوضاعنا العامة في الأغلب جعلت من مجتمعاتنا بيئة توليد علل نفسية واجتماعية مزمنة، ونعرف أنه لا يكفي للتعامل معها مجرد كلمات على موقع ما زال مجهولاً للكثيرين، وأحسب أن أبسط حقوقنا عند من يشعر باستفادته، أو بنفع ما نقدمه أو بعضه، نحسب أن أبسط رد ليس هو المديح، وكلمات التقريظ، على الرغم من سعادتنا بها، إنما ألا يدخر زوار موقعنا، والمستفدون من خدماته وسعاً في التعريف به على أوسع نطاق، وهذا ما أراه فرض عين على كل زائر يرى أننا نقدم نفعاً، وهو واجب متعين في كل وقت، حتى يصل صوتنا إلى كل من يحتاجه وهم كثر، وحماية هؤلاء من الضياع أو اليأس أو الانحراف أو الشعور باللاجدوى أو اللامعنى، أو اللاهدف (كما فهمت من كلماتك) هي مسؤوليتكم في البلاغ والإبلاغ، والتبليغ والترويج للموقع، دون أن يكون واجبكم هذا بديلاً عن الدعاء لنا بظاهر الغيب، وهذه هي المشاركة، أو بعض المشاركة التي ننتظرها.
أما عن أوضاعك أنت؛ فأعتقد أنك تفهمين المنطق البسيط الذي ترتكز عليه مواقف أمك وأبيك:
من ناحية الوالدة فإن الألم الذي يعتصرها، والجهد الذي تبذله في رعايتك، وموقف أبيك منها ومن رعايتك، تبدو مسوغات لهذا الموقف المتشدد، وأحياناً المتشنج من اتصالك به أو اتصاله بك.
ومن ناحية الوالد فإن استخدام المقولات الجاهزة عن صلة الرحم، وقطع الرحم تبدو عنده كافية وبديلة لمراعاة ظروفك في علاقاتك بوالدتك، ولا أعتقد أنه مستعد لإقامتك معه ورعايتك، ولا أعرف إن كان هذا يناسبك أم ماذا؟!.
وأذكرك بما سبق وألمحت إليه في ردي السابق عليك من انشغال الأب والأم باعتبارات الصراع بينهما غالباً ما يحجب عن وعيهما وتفكيرهما، وسلوكهما وتصرفاتهما أي تخطيط سليم أو تقدير متوازن لمصلحة المشترك الأبدي بينهما، وهو الأولاد!! وأزعم أن سوء الإدارة للعلاقات بعد الطلاق هو الجرم الأكبر، وليس الطلاق نفسه، الذي ينبغي التسليم بأنه حق مشروع لطرفي علاقة نشأت باتفاق، وتنفصم حين تفتقد مقومات الاستمرار.
وعليك أنت أن تفهمي وتتفهمي موقف كل طرف، وخلفيات ومسوغات منطقة مع وضوح واستمرار سعيك الدائب إنضاج موقفك أنت المنحاز لموقعك ومصلحتك، وما يمليه عليك ضميرك، وبناءً على ذلك أقترح عليك ما يلي:
1ـ إذا كانت إقامتك مع والدتك هي الاختيار الوحيد والأفضل لديك، فإن الحفاظ على هذا الوضع له مقتضيات منها تنفيذ ما تطلبه الوالدة طالما أنت معها في البيت، أو خارجه (من عدم الرد على مكالمات الوالد...إلخ).
2ـ لا يمنعك هذا من المبادرة بالاتصال بالوالد في الأوقات التي تناسب ظروفك، وربما الالتقاء به من آن لآخر في أوقات وأماكن تختارينها أنت بلطف، ومرري بهدوء كلماته عن العقوق، وقطع الرحم.. إلخ.
3ـ يحتاج الأمر منك بعض التخطيط والتدبير والمداراة والتحمل، وربما لا تسير الأمور على وتيرة واحدة بل تخف الاتصالات أحياناً، وتزداد أحياناً أخرى، دون أن تنقطع تماماً، وهذا مرتبط بعوامل كثيرة منها حكمتك في إدارة أمورك.
4ـ سيكون الأمر أسهل بالنسبة للوالدة إذا تعلق الأمر في اتصالك بوالدك بمناسبات محددة مثل الأعياد، أو ظروف طارئة مثل أحداث الحياة المفرحة أو المحزنة لا قدر الله، وسيكون الأمر أصعب إذا كان الاتصال لغير ضرورة كما ترى الوالدة، هذا أمر تضعينه في حسبانك.
5ـ تفوقك وتقدمك الدراسي ثم الوظيفي هو قضيتك الأولى بامتياز، وتعرفين من حقائق الحياة أن الوالد والوالدة إلى زوال، كل في موعده، وأن هذا الخلاف بالتالي سينتهي إن آجلاً أو عاجلاً، وأن ما سيبقى لك حتى آخر عمرك هو المكان الذي تضعين نفسك فيه في الدراسة والعمل، وفي اختيارك للزوج الصالح كما تتمنين، وتفوقك سيجعل موقفك أقوى بكثير الآن في إدارة أمورك، ومستقبلاً.
6ـ أعرف أنك أنثى تقيمين للكلمات والمشاعر وزناً كبيراً، ومع ذلك أنصحك ألا تعطي وزناً كبيراً لكلمات كبيرة ومرعبة تسمينها قذائف تنطلق من أبيك ومن أمك، وهي مجرد قنابل دخان ملون نستخدمها في ألعاب الحياة، بل ولا نقصدها تماماً في بعض الأحيان... وتحياتي لك.