ما أريده وما أنا عليه!
بداية أحب أن أبارك لكم على الشكل الجديد للموقع، وفعلاً واضح المجهود المبذول فيه، جعله الله في ميزان حسناتكم... في الحقيقة لا أعلم من أين أبدأ، فما أشعر به أكبر من وصفه في سطور، لا أعلم إن كنت مريضة أحتاج لعلاج أم أن هذه حياتي ولا بد أن أقبلها هكذا.
مشكلتي الرئيسية هي أنى أبداً لا أشعر بالرضى عن شخصيتي، فثقتي بنفسي ضعيفة، هذه المشكلة عندي منذ صغري فلم أكن أستطيع أن أشارك في النشاطات المدرسية، ولم أكن أستطيع المشاركة في الفصل، مع أني كنت أرغب بذلك كثيرا. وكنت متفوقة بل ومتميزة لكني كنت -وما زلت- أعانى الخجل وأكره -أو أخاف- أن أكون موضع الاهتمام أو محط الأنظار فأشعر بتوتر وقلق وبالطبع هذا يظهر عليَّ فأسيء التصرف.
عانيت كثيرا في صغري من هذا الأمر وكنت أعتقد أنه سيختفي عندما أكبر وأدخل الجامعة، ولكن الأمر استمر معي كما هو، فأنا أيضا لا أستطيع التحدث مع الدكاترة -خاصة أمام الطلبة- لا أستطيع أن أناقشهم كما يفعل زملائي، حاولت ولكن أكثر ما وصلت إليه هو التحدث بثبات لكن دون فهم ما يقوله الدكتور لأني أكون مشغولة بالموقف أكثر من انشغالي بما يقوله أو يشرحه. ويتفاقم الأمر أكثر في الامتحانات الشفهية حتى أني أظهر أقل من مستواي بكثير لأني لا أجيد التفكير بينما أنا تحت المجهر!!!
ولا يقتصر الأمر عند المدرسة والجامعة فحسب، بل يمتد أيضا إلى الاجتماعات العائلية فأنا أحب عائلتي كثيرا ولكني لا أجيد التعبير عن هذا ولا أجيد التواصل معهم -مع أن لي أصدقاء كثيرين-. أريد أن أذكر أني أهتم كثيراً لرأي الآخرين فيَّ، فإذا شعرت بإعجاب من حولي بي، أشعر بثقة في نفسي وأكون في أحسن حالاتي، والعكس إن شعرت بعدم استحسان وترقب ممن أمامي أفقد تركيزي وأظهر بشكل سلبي... ما أريد قوله أن ليست لي شخصية محددة أو موقف ثابت، حتى إني أشبِّه نفسي بالإسفنجة ما أمتصه أخرجه!!!
أستغرب لماذا أنا هكذا مع أني لا ينقصني شيء إطلاقا بل أعلم أن هناك من يغارون مني ويحسدونني على ما لدي... أحزن لما أنا فيه لأني أشعر أن حالي يجب أن يكون أفضل، فأنا بنعمة من ربي -وبشهادة من حولي- أتمتع بذكاء ليس بقليل وكما يقال عنى "دماغي نظيفة" ولكنى لا أنتفع بذلك!!!
مشكلة أخرى لدي وهي أحلام اليقظة، ربما تكون شيئا طبيعيا، ولكنها معي ليست طبيعية، أكاد أعيش حياتي في عالم آخر مع أناس آخرين، ولن أبالغ إن قلت إني أسرح بالساعات فأتخيل حياة بأكملها وأشخاص بأسماء وطباع ومواقف فأعيش كل ما أتمناه، والحق أني أحياناً أهرب إليها عندما أتعرض لضغط قوي فتمنحني هدوءاً مؤقتاً وتغير مزاجي إلى حد كبير، أتذكر أن هذا الأمر أيضا معي منذ الصغر حتى قبل دخولي المدرسة وكنت دائما حريصة على ألا يلاحظ والديَّ ذلك وكأني أفعل شيء خطأ!! قرأت أن هذا الأمر قد يكون طبيعياً في الطفولة ولكن لا أدري لماذا استمر معي هكذا!! لا أعلم إن كنت سأتوقف يوماً ما عنها أم لا فهي تعرقلني بشدة، خاصة أني أدرس بكلية الطب وأحتاج لكل دقيقة من وقتي وحتى الآن أنجح العام بعد الآخر بستر من ربي.
وأخرى، مما يضايقني أيضاً أني عصبية ومزاجية فشيء بسيط جداً ربما يتعرض إليه كثيرون دون انفعال كفيل بأن يعصبني ويفقدني توازني ويفقدني شهيتي للطعام - وهذه مشكلة أخرى وحدها لأني لا أشعر بالرضى عن شكلي بسبب فقدان الوزن، حقا لم أصل للنحافة المرضية لكني سوف أصل إليها إن لم يتغير طبعي- أحاول السيطرة على عصبيتي ولكن أكثر ما وصلت إليه هو كتمانها داخلي، فأضع قناعاً هادئاً على وجهي بينما يكون في صدري بركان.
شيء آخر يؤرقني وهو اكتئاب ما قبل الدورة، ففي هذه الفترة يصيبني اكتئاب شديد وبكاء وحساسية حتى أني أمتنع عن الاختلاط بالناس والذهاب للجامعة قدر ما أستطيع!!! والمأساة حقاَ - ما حدث معي العام الماضي- عندما تتصادف مع الامتحانات ينتهي الأمر بما يشبه الانهيار!!!
أعلم أن رسالتي طويلة ومشاكلي كثيرة ولكن للأسف هذا ليس كل شيء لأني لا أجيد التعبير عما بداخلي، أريد أن أعلم هل بإمكاني أن أغير من نفسي؟؟ هل بإمكاني أن أبني شخصية جديدة متينة وأصبح الإنسانة التي أتمناها؟؟ للأسف لدي طموحات كثيرة وأملك ما يؤهلني لها ولكني لا أستطيع الوصول لشيء، فهناك فجوة كبيرة بين ما أريده وما أنا عليه!!! شخصيتي تقف حائلا دون ذلك.
وللأسف مؤخراً بدأت ألقي باللوم على أبي وأمي لما أنا عليه الآن، أرى أن ما وصلت إليه هو بسبب قصور في تربيتي لأن كل ما أعاني منه الآن هو صورة مكبرة لما كنت أعانيه في صغري، حقاً أريد التغير، أشعر أن أجمل سني عمري تمر دون أن أتمتع بها رغم أني كثيرة الخروج والفسح والرحلات ولكني مع ذلك لا أشعر برضًا داخلي أرى أن كل ذلك أمور سطحية، أشعر بفجوة لا أستطيع ملأها!!!
أريد أن أعلم هل أنا مريضة؟؟ وهل يمكنني اجتياز ذلك وحدي، أم عليَّ طلب المساعدة؟؟ وما طبيعة ما أحتاجه؟ هل علاج دوائي أم معرفي سلوكي؟ وممن أطلب المساعدة؟؟
هل أستشير طبيب نفسي؟ أم أخصائي نفسي؟؟ مع العلم أني لا أجيد التعبير عن نفسي بدقة!!!
حقاً لكم شكري ودعواتي، وتمنياتي لكم بالتوفيق...
وجزاكم الله كل خير على جهودكم في هذا الموقع، ومرة أخرى أبارك على ثوب الموقع الجديد.
26/11/2010
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
الإجابة على أسئلتك التالية: هل أستطيع التغير؟ هل أستطيع امتلاك شخصية قوية؟ هل يمكن أن أصبح الشخصية التي أتمناها؟ هل يمكن أن أجتاز ذلك وحدي؟ نعم كبيرة جدا لربما بمقاس 72 وهو أكبر رقم في جهازي ولكن يمكنك أن تحاولي رقم أكبر مع جهازك، كرري أسئلتك مرة أخرى وانظري للإجابة عليها "نعم".
لديك حالة انسحاب اجتماعي لا أعتقد أنها قد وصلت لحد الرهاب الاجتماعي ويمكنك كطالبة نجيبة أن تبحثي عن أعراض الرهاب الاجتماعي في تصنيف الطب الأمريكي.
لا أعتقد أنك تحتاجين لمعالجة دوائية، ولكن بعض الدعم النفسي المعرفي والتدريب السلوكي سيكون مفيدا إن لم تستطيعي الالتزام وحدك بخطوات البرامج الموجودة على الموقع، ولنبدأ منذ الآن تغيير بعض الأفكار التي تغذي شعورك بالقلق وتدفعك للانسحاب والغرق في أحلام اليقظة وكذلك بعض الأفكار السالبة عن نفسك.
لا بد للفرد من الحركة والإنجاز والتفاعل وما لا يستطيع تحقيقه في الواقع لضعف شخصيته أو لفقر بيئته أو لظروف قاهرة سيعوضه بالأحلام ألم تسمعي قول الشاعر أعلل النفس بالأماني أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، وأمير الشعراء حين قال الأماني حلم في يقظة ولكن السؤال لماذا الاكتفاء بالحلم، تعلمين بالطبع أن الحلم يحتاج إلى طاقة وهذه الطاقة لو وجهت للعمل سيتحقق الحلم، استخدمي هذه القناعة لتوقفي أحلامك التي تقضي على الوقت الثمين، واسمحي بها لتخفف من ضغطك أو تستحث همتك في الوقت الضائع مثل المواصلات أو المهام الروتينية، مع اكتسابك للقدرة على التعبير العميق عن نفسك ستتراجع حاجتك للأحلام.
تخلصي من فكرتك السالبة عن نفسك وانزعاجك من حاجتك للتشجيع والتقدير من الآخرين فالحاجة للتقدير والاحترام من الحاجات الأساسية والتي لا يكتفي منها المرء لست وحدك بل جميع الناس، ألم تقرئي أثناء دراستك عن شعراء المدح لذوي المناصب فما حاجتهم للمدح وحرصهم على تقريب الشعراء إن لم يكن لإشباع حاجتهم للتقدير الذي قد لا يستحقونه بأفعالهم، من الآن فصاعدا لن تصفي نفسك بأنك أسفنجة فالدعم والتقدير يساعد على إخراج أفضل ما لدينا، انظري للأطفال الذين يكررون كل سلوك يقابله الكبار بالابتسام والتقدير.
تعلمي فن الإدارة الذاتية الذي يطلب منك تحديد المهمة بدقة بكلمات واضحة وإجرائية ماذا تريدين من نفسك في أي موقف بالتحديد، كرريه لنفسك بصوت مرتفع عدة مرات، ثم بصوت أكثر خفوتا واكتبيه، ليعرف عقلك المطلوب تماما، ثم تكلمي مع نفسك إيجابيا مع كل خطوة تخطينها نحو تحقيق المهمة واستخدمي كلمات مثل أنا أستطيع، وها أنا أحاول، جيد أنا قريبة من الصورة التي أريد. كما تعلمين أن كل مهارة مثل الكتابة والقيادة والطباعة وحتى الطبخ تحتاج إلى تدريب وبعضنا أسرع من غيره في اكتساب المهارات ماذا نفعل هكذا خلقنا لسنا كاملين ولا مثاليين ولكن نسعى لتحقيق الأهداف.
لا يعنينا في الوقت الحالي سبب مشكلتك فلا تشغلي نفسك وتشتتي طاقتك في لوم أهلك فالأهل في معظم الحالات مساكين مرهقين بين تنشئة الصغار ومطالب الحياة ومشاكلهم الشخصية ولن نلومهم إن خلطوا بين طفل منسحب اجتماعيا وشخص هادئ ملتزم يقارب الملاك.
إن تعلمت التعبير عن نفسك وثابرت على التدريب سيقل شعورك بالغضب لتستطيعي التعبير عنه بصورة لائقة فلا يعود كالبركان يحرقك داخليا تاركا فجوات تدفعك بعيدا عن الحياة والناس.
يبقى تأثير التغييرات الهرمونية الذي يخفف من تأثيرها بالتأكيد تخلصك من فكرة سطوتها عليك لتتراجع لمجرد شعور بالانزعاج مع تزايد أفكارك الإيجابية عن نفسك وحول قدرتك على السيطرة على نفسك، وعندما تأتي تلك التغييرات لتجدك ثابتة وسعيدة سيخف تأثيرها لمجرد شعور بالانزعاج ولكن مع حالة القلق العالي والغضب المكبوت بأنك لا تحققين نفسك سيكون تأثيرها بالتأكيد كبيرا. هناك بضع نصائح عامة تخفف من تأثيرها مثل تجنب الكافيين، والإكثار من شرب الماء وتناول الخضار، والتقليل من الملح, والآن بنيتي المنسحبة لنهاجم الانسحاب والخجل وأسبابه من الأفكار اللاعقلانية بعد أن طلبت استشارة مختص نفسي وحصلت على بعض جوانب العلاج المعرفي السلوكي.