الفن حرام.؟
أنا ممثل مسرحي، وأريد أن أعرف هل المسرح حرام؟
25/11/2010
رد المستشار
أهلًا بك يا حسين، وبارك الله بك،
قد سألت عن أمر يمكن أن يكتب فيه رسالة ماجستير أو دكتوراه، غير أني سأحاول تلخيص الأمر قدر المستطاع.
لم يكن التمثيل موجودًا عند المسلمين من قبل، وإنما هو فن دخل عليهم فيما بعد، وقد وقف منه الفقهاء المعاصرون موقفين اثنين:
الأول: تحريم التمثيل من حيث هو فن دون النظر إلى موضوعه وما يحتويه.
والثاني: إباحة التمثيل من حيث هو فن من الفنون، لكن مع وضع شروط كثيرة ليكون جائزًا شرعًا.
فأما من حرم التمثيل فقد اعتبره كذبًا، وهذا الدليل ليس قويًا، لأن الكذب هو أن يخبر الشخص عن أمر على خلاف ما هو عليه في الواقع، والممثل لا يكذب، ولا يقول: أنا فلان من الناس بذاته، وإنما الكل يعلم أنه يقلد فلانًا، ويحكي أفعاله.
وقال المحرمون أيضًا: إن فن التمثيل مأخوذ من أقوام غير مسلمة لا تعرف الحلال من الحرام، ولا يجوز للمسلم أن يتشبه بغير المسلمين. وهذا الكلام غير وارد الآن بعد أن أصبح التمثيل فنًا عالميًا لا يختص بقوم دون قوم. نعم يمنع التشبه يغير المسلمين داخل المشاهد، لكن هذا راجع إلى شرائط حل التمثيل لا إلى حكمه كفن قائم بذاته.
وأما من أباح التمثيل، فقد استدل لجوازه بعدد من الأدلة، غير أن غالبها ضعيف وفيه تكلف، ولا مجال لذكرها هنا، وأقواها أن التمثيل تقليد لا كذب، وأنه مجرد أفعال يؤديها الإنسان بطريقة معينة.
وحتى هذين الدليلين لا يخلوان من مقال، لأن الكلام على فن له شروط وقواعد وليس على مجرد تقليد يقوم به شخص ما...، وحينها لا بد أن يتناول التمثيلَ الشروطُ العامة للفنون واللهو في الإسلام زيادة على الأحكام الأخرى المتعلقة بالتقليد وسائر الأفعال.
وقد سبق لي أن بحثت في هذه المسألة، ودرست أدلتها، والذي ظهر لي:
أن التمثيل ليس كذبًا بل هو تقليد وتشبيه، وأنه ليس محرمًا كَفَنٍّ قائم بذاته ولكن له شروط:
1- التمثيل فن، وللفنون وسائر أنواع اللهو والترفيه شروط مشتركة، أهمها ألا يصبح الفن شغل الإنسان الشاغل، ولا يكثر بحيث يطغى على الواجبات وما هو أهم منه في الحياة. وحينها يصبح مكروهًا أو محرمًا حسب نوع الفن، ومقدار الانشغال به.
2- ينبغي أن يتنبه الممثل إلى قصده من التمثيل، فيمثل لهدف مشروع، ولأداء رسالة، وليس لمجرد اللهو أو التكسب، أو طلب الشهرة، أو تحقيق المتعة... لأن هذا يجعل التمثيل لهوًا يطغى على الواجبات، وهو أمر مذموم عقلًا وشرعًا كما هو واضح وجليّ...
3- يجب الانتباه إلى أن كل فعل محرم خارج التمثيل يبقى محرمًا داخله، والغاية الشريفة من المسرحية لا تبيح الأفعال المحرمة داخلها، فمثلًا إذا مثل شخص أنه أب لفتاة ما، أو زوج لها، فلا يجوز له أن يعاملها أثناء التمثيل على أنها كذلك فعًلا، فلا يقبلها ولا يضمها، ونحو ذلك... ولا ينظر إليها متأملًا فاحصًا لمحاسنها...، وإذا كان يمثل دور سِكِّير فلا يحل له شرب الخمر، بل ولا شرب سائل آخر على نفس الهيئة التي يجلس عليها المخمورون، ولا تمثيل مشهد داخل مرقص.... وغير ذلك وكل هذا واضح ويقاس عليه سائر الأفعال المحرمة...
4- المسرحيات التاريخية أو التي تتكلم عن أناس بعينهم لها شروط أشد من غيرها، وهناك من عد مجرد تقليد شخص، احتقارًا له واستهزاء به. فلا أحد يرضى أن يجلس شخص ما ويقلده في حركاته، وسيشعر بنوع من الحرج من ذلك قل أو كثر، ولو أن مدير مدرسة قام الطلاب بتمثيله ولو لغير الاستهزاء لعَدَّ ذلك قلة أدب من طلابه، ولآذاه هذا...
وهناك من قال: لا، نحن نخبر عن هذا الشخص بالفعل بدل اللسان، فلا مشكلة. ولكن الكل متفقون على أن الشخصيات الدينية التي لها قدر في النفوس، والتي تعد أفعالها مصدرًا للتشريع لا يجوز تمثيلها لخطورة ذلك، كالأنبياء، وكبار الصحابة، ونحوهم...
وأنا شخصيًا أميل إلى تجنب تمثيل شخص بعينه حذرًا من الكذب عليه، مهما كان ذلك قليلًا، واحترامًا له كائنًا من كان. وإن كنت لا أنكر على من يفعل هذا -فلهم أدلتهم-، ما لم يكن التمثيل للأنبياء وللشخصيات الدينية التي تؤخذ الأحكام من أفعالها، فمهما حاول الممثل فلن يستطيع تقليدها حرفيًا ولن يستطيع أن يبلغ مكانتها ويعبر عن حقيقتها... وفي هذا تشويه للأحكام التي يمكن أن تؤخذ من أفعالها، ثم إن فيها تقليلًا من مكانة هؤلاء الأشخاص -وبالتالي تقليلًا لمكانة الدين- في نفوس المشاهدين، ونفس الممثل قبلهم...
5- القصص المختلقة والتمثيليات غير التاريخية التي تكتب بقصد العبرة والعظة، ونشر الفضيلة جائزة، لأنها مثل ضرب الأمثال لتقريب الفكرة، ولأنه لا إيذاء فيها لشخص بعينه.
وباعتبارك خبيرًا في الأمر، أسألك بعد هذا، هل يستطيع الممثل المسرحي أن يلتزم بشروط التمثيل الشرعية برأيك؟ حسب ظني أنه مهما حاول فلن يستطيع تجنب المخالفات كلها، فالمسرحيات عندما تكتب ويتم تمثيلها وإخراجها لا ينظر فيها إلى الأحكام الشرعية، والممثل إنما يؤدي دورًا من الأدوار ولا يستطيع أن يغير كل شيء.
نعم في النطاق الضيق، كما يفعل في الحفلات الشبابية بين طلاب الجامعات ونحوهم، أو في الحفلات التي يقيمها بعض الدعاة من باب الترويح والعبرة، يمكن تجنب المحرمات، أما على مستوى المسرح فالأمر عسير...
التمثيل لو استغل بشكل جيد له أهميته البالغة، والممثل الذي يمثل لهدف وأداء رسالة له مكانته، فإن استطعت –وأنت أدرى بالظروف- أن تتجنب المحرمات أثناء تمثيلك، فبارك الله بك، وإن كان هذا متعذرًا بالنسبة لك، فالآخرة خير لك من الأولى، ولا مفرّ لك من إعادة النظر فيما اخترته لنفسك في هذه الحياة.
لكن ألا يمكنك وأنت الخبير بهذا الفن وأصوله أن تنشئ لنفسك مجموعة مسرحية تلتزم الأحكام، فتحقق ذاتك، ورسالتك فيها، وتفيد أمتك من خبراتك ومواهبك؟
فكر مليًا في الأمر فنحن بانتظار أمثالك، وستجد كثيرًا من العلماء، وطلاب العلم الشرعي، في خدمتك لبيان ما تريده من أحكام تتعلق بفرقتك المستقبلية والمسرحيات التي ستمثلها...