إخلاص أم جنون؟؟؟؟
أرسل إليك برسالتي هذه وأتمنى أن أجد الحل. فأنا بالفعل على وشك أن أفقد عقلي.
وسأحاول جاهدا إيجاز مشكله حياتي في هذه السطور القليلة، لأنني لو تحدثت بالتفصيل فسوف أحتاج لعقود طويلة حتى أنتهي من حديثي.
أنا شاب في الرابعة والعشرين من العمر. لم يكتب لي القدر أن يكون لي أخوه وأخوات. عائلتي صغيرة جدا مكونة مني ومن والدتي فقط. أما والدي فقد توفى منذ عدة أعوام.
لي الكثير من الأصدقاء، ولكن لا أحد منهم يعتبر كصديق حقيقي بل مجرد زملاء لا أكثر ولا أقل.
لن أطيل عليك، وسوف أشرح لك تفاصيل المشكلة:
عندما كنت في السادسة عشر تعرفت على فتاة كانت هي كل شيء في حياتي، كانت العائلة التي حرمت منها، والصديق الوفي الذي لطالما افتقدته، والأخت التي لم أحظى بها، رأيت فيها كل شيء، الأم والأخت والصديقة أحببتها بجنون، وهي أيضا أحبتني، كانت بالنسبة لي الماضي والحاضر والمستقبل.
أحببتها أكثر من أي شيء آخر في الدنيا وعشت معها أجمل أيام حياتي أيام لازلت أعيش على ذكراها حتى الآن!
فكيف لي أن أنساها، وهي أجمل أيام عمري؟!
كانت كالحلم الذي تتمني ألا تفيق منه أبدا...، ولكن للأسف هذا الحلم لم يكتب له البقاء طويلا، وصحوت منه على قسوة الواقع، فلم أجدها بجانبي!!!
لم يمهلني القدر طويلا حتى أخذ مني أكثر شيئا أحببته في حياتي، وتمنيت أن يكون لي، وأعيش بجابنه أجمل أيامي.... توفيت بسبب مرض لعين لم تتحمله!
رحلت وأخذت معها عمري وأيامي وحياتي... من وقتها وأنا أعيش بقايا إنسان.
قضيت من عمري -بعد وفاتها- أربع سنوات أجهل إن كنت حي أم ميت! كنت أنظر إلى نفسي، وأقول: هل أنت حي أم ميت؟؟؟
فقد مات الإحساس والشعور والقلب. ماتت من كنت أحيا بها ولها. ضاع الحلم الذي لطالما حلمت به، ولكنني ما زالت أتنفس وأتحرك! ولا أعتقد أن هناك ميت يستطيع فعل كل هذه الأشياء!
ومن سنوات قليلة اكتشفت أننى مت نفسيا وعاطفيا وحسيا، ولكنني لازلت أحيا جسديا فقط!
مر على رحيلها ثمان سنوات كل يوم أبكي عليها أكثر مما بكيت بالأمس. أفكر بها دائما فهي بالنسبة لي لم ولن ترحل أبدا فهي دائما موجودة في نفسي وعقلي وقلبي وكياني...
قطعت كل علاقاتي مع الجنس الآخر بوفاتها، فمن يوم رحيلها حتى يومنا هذا لم أحب غيرها، بل لا أكذب عليك لم أتحدث حتى إلى غيرها.
أرفض معرفه أي فتاة على الرغم من أن هناك فتيات كثيرات حاولن التقرب مني، ولكنني كنت دائما أقابل هذه المحاولات بالرفض.
أرفض معرفه غيره، أرفض حتى التحدث إلى غيره، أريد أن يكون آخر صوت أسمعه لفتاة تحدثني هو صوتها هي.
أعجز عن الاستمرار في حياتي، ومواجهة نفسي بأنها لم تعد في عالمنا ثمان سنوات، وأنا أموت كل يوم!
حاولت أن أشغل نفسي بأي شيء عن التفكير بها، ولكنني كنت عاجزا تماما عن ذلك، فعقلي يرفض أن يفكر بغيرها، كما رفض قلبي أن يحب سواها، وكذلك لساني الذي أبى أن يتحدث لفتاة غيرها طوال هذه السنين!
كل شيء من حولي يذكرني بها لا أستطيع أن أنساها ولو للحظة واحدة.
فكيف أنسى من منحتني الحياة، وأحسست بجانبها أنني إنسان.
إنني لم أرسل لك بهذه الرسالة لكي تجد لي الحل في نسيانها لأن ذلك درب من دروب المستحيل.
ولكن جل ما أطلبه منك، وأرجو أن تساعدني فيه ان تجد لي طريقة لكي أستمر في حياتي من بعد فراقها. فأنا لازلت في مقتبل العمر، ولدي العديد من الطموحات والأحلام التي أسعى لتحقيقها، ولكنني فقدت هذه الرغبة بعد وداعها. فقد فقدت الأمل الذي أحيا به، والذي كنت أفعل كل شيء من أجل إسعاده.
فمنذ أن تركتني وأنا لم أتحرك خطوة واحدة في حياتي حتى الواقع والدنيا التي نحياها نسيتها، وعشت معها في عالم كونته في خيالي... وكيف أعيش دنيتي وهي ليست بها؟
وفي النهايه أشكرك لاهتمامك بهذه الرسالة وسعة صدرك وآسف على الإطالة؛ لأننى بمجرد أن بدأت بالحديث انهمرت مني الكلمات التي حفظتها بداخلي طوال سنين...
وأتمنى أن تمد لي بطوق النجاة الذي ينقذني مما أعاني منه، وتجد لي الحل كي أعود إلى حياتي مرة أخرى... تلك الحياة التي فقدتها بمجرد رحيلها عني!
17/02/2011
رد المستشار
أسلوبك في الكتابة رائع، يعكس رهافة للحس، وتمكن من اللغة، والكثير الكثير من الألم.. ولكن للأسف يا صديقي لا يوجد علاج لآلام القلب، إلا الزمن. وأحيانا يظل الألم موجودا ليس بنفس الضراوة، ولكنه يبقى موجودا وحقيقيا ونابضا.
كثيرا ما تساءلت لماذا لا يعيش الأتقياء كثيرا؟ ولماذا عمر الزهور قصير؟
وكأن لا وجود للون الأبيض في حياتنا! لابد أن تلوثه أو تغطيه ألوان أخرى لكي يتمكن من البقاء.. أثق أنك لا تريد كلمات للتعازي، وربما أنت بحاجة الآن إلى بعض القسوة..
قد أحتاج أحيانا لمسك المبضع وقطع يديك لإخراج الصديد من جرح ملوث.. ليس الصديد في حالتك هو قصة حبك، ولا ذكرياتك بل استسلامك للوجع، ونسيان حقها عليك.
فلو سألتها فبالتأكيد لم تكن لتود أن تراك متخاذلا وضعيفا... وكثيرا ما سمعنا حكايات زوجات أصبن بالسرطان واخترن لأزواجهن شريكة حياة قبل موتهن.
إنها لم يكن لها اختيار في حياتها أو موته، ولكن أنت لك الاختيار، وسأستعير لك بيتا من شعر نزار قباني قد يلخص لك الحل رغم قسوته: "حب الصيف- ياصديقي- يمحو عادة حب الشتاء.."
والسلام.