أنا في صراع دائم مع كل شيء حولي !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا غبيّة حمقاء، لا أدري لمَ عليّ أن أعيش أصلًا! ربما سأكتب وأكتب وأكتب وفي النهاية لن يكون لما كتبته أي أهميّة! بحق أنا أعيش في صراع دائم مع نفسي، أشعر دائمًا بأنّي أجهل نفسي أجهل قدراتي، وأقف عاجزة أمام أي مشكلة ولو كانت بسيطة، فأنا لا أجيد سوى الهروب وهكذا تعودت منذ صغري نشأت في بيئة متدينة وعائلة مترابطة بفضل الله، انتقلنا من الوطن منذ ما يقارب الأربع سنين حين كنت في الرابعة عشر من عمري.. ولأن مكان إقامتنا الجديد مختلف كثيرًا عن الوطن، وبطبيعتي الخجولة جدًا والمنطوية جدًا لم أتوافق مع المجتمع الجديد الذي أُدخِلتُ فيه رغمًا عني، كنتُ سابقًا معروفة بشخصيّتي القوية الثابتة في الأسرة وأنّي أكثر إخوتي ثقة بنفسي وتميزًا، لكن مرّ العام الأوّل في الغربة ولم أتعرّف على أي صديقة وكذلك إخوتي، لكن في العام الثاني من الغربة اندمج إخوتي مع المجتمع وتعرّفوا على الأصدقاء، أما أنا فكنت أنحدر.. وأنحدر ببطء مستمر نحو الأسفل، نفسيّتي ساءت جدًا، ثقتي بنفسي أصبحت في الحضيض..
أصبحت انطوائيَة بحيث لا أخرج من غرفتي إلا لتناول الطعام مع الأسرة، وبالطبع لم أسلم من انتقاداتهم القاسية حول تصرفاتي وحزني وغضبي الدائم وتعاملي الحاد الجاف مع الجميع، لم يكن أحد يعلم بمعاناتي لأني صاحبة طبع كتوم ولا أثق بأحد لأطلعه على مواطن ضعفي، وأكثر ما كنت أتألم له هو تجاهلهم لألمي مع علمهم أنّي كنت أتألم، عامي الثالث في الغربة أسمّيه العام الأسود! بدأت أعاني الرهاب الاجتماعي.. خوف بل فزع ليس له مبرر من الناس، الرعشة التي لا تفارق يدي وصوتي.. يصيبني الدوار كلما خرجت إلى الأسواق، وكانت حالتي النفسيّة سيئة للغاية، وكنت أتعب جسديًا كثيرًا وأتلوى من ألم معدتي مع القيء المستمر والإعراض عن الطعام وكنت أتناول أدوية لالتهاب المعدة وكانت تُريحني مؤقتًا ثم لا يلبث أن يعاودني الألم، ونال مني الاكتئاب وأصبحت شاردة دائما لا أجدني أستحق الحياة أو التنفس، وأصبحت أعاني من عدة أشياء منها الأرق وسماع أصوات مبهمة وأحيانا أسمع صراخا بالليل، وكنت قد كسبت بجدارة كل من حولي أعداء لي.. مرّ العام هكذا حتى خرجتُ عن كتماني وأخبرت أمي بما أشعر كتابةً وليس نطقًا، وكان هذا قبل الإجازة بقليل، في الإجازة سافرنا في زيارة إلى الوطن وتحسّنت أحوالي قليلًا بعد تخلصي من عادة الكتمان، ورغم أن أمي لا تقدم لي الكثير لكنني أصبح بحال أفضل بعد أن أحكي لها ما بي، المهم أنه تمت خطبتي.. وأعني هنا مجرد خطوبة بالكلام فقط، وليس عقد قران.. وبالفعل كنت أتحسن وربما زواج أختي الكبيرة وابتعادها عني كان له أثر في تحسني لأني كنت دوما أغار منها وكانت هي تؤلمني دوما بكلامها القاسي الجارح.. تحسنت وبدأت أكوّن أحلامي وأهدافي وأسعى نحوها وبعد أن عدنا إلى الغربة، صمدت قليلًا ثم بدأت أتراجع مجددًا، بسبب سوء حالي في المدرسة بلا صديقات.. حينما أفكر أنا لا أتخيل كيف عشت 3 أعوام من عمري.. العمر الذي أحتاج فيه للانطلاق وللمرح مقيّدة هكذا بلا صداقة بلا حب بلا اختلاط بالآخرين!
إخوتي الصغار لهم أصدقاؤهم يخرجون معم ويمرحون ويضحكون، وأنا الفاشلة بينهم، فاشلة وفاشلة جدًا جدًا في كل شيء! ها أنا في عامي الأخير بالمدرسة، بل ها هو قد انتهى واقتربت الاختبارات وخرجت من المدرسة بفشلي، لم أتغيّر.. أنا حتى لم أحدد بعد التخصص الجامعي الذي أريده.. ليس لي أهداف لأني أرى نفسي فاشلة في كل شيء.. ورغمًا عني أجدني أحطم نفسي، لم أعد أخبر أمي بشيء كما كنت أفعل سابقًا، فقد بدأت أشعر بانزعاجها مني.. وعلى كل حال أنا لا أحتاج أحدًا، ولا أريد أن أخالط أحدًا، أتمنى فقط أني لم أكن موجودة، لأني أسبب لمن حولي الحزن، وأغضبهم وأجرحهم، أنا لا أكره شيئا في الوجود كما أكره نفسي! بدأت بعض الأعراض القديمة تعود لي، العزلة والانطواء.. الحركات اللاإرادية وانتفاض أطرافي الفجائي، رعشة اليدين، بجانب الذهول المفاجئ الذي يصيبني.. وقد كان يصيبني في عامي الأسود لكن ليس كثيرًا كما الآن.. بدأ حينما كنت في زيارة ووجهت لي فتاة بمثل عمري الكلام تسألني عن شيء.. فنظرت لها لأجيبها وحينها شعرت أني أنفصل عن العالم، أنفصل عن المجلس الذي نجلس فيه، وأغرق في داخلي، في الفراغ.. أرى شفاهها تتحرك وأسمع صوتها لكن كأني مغيّبة عن الوعي لا أقوى على الكلام، لا أقوى على الحركة، ولكن انتهى الأمر بعد لحظات وعدت إلى رشدي، بعد ذلك أصبح يتكرر معي كثيرًا في المدرسة، مع تصلّب في حركاتي، كأني أشعر أني أريد أن أحرّك يدي لكن لا أملك القوة على تحريكها،..
ربما تأتيني تلك الحالة كلما أشعر بأني مُراقبة أو أن أنظار شخص ما تتجه لي، لا أدري حقًا.. وعلى كلٍ فأنا أشعرُ دومًا بأني مكبلة الحرية، حينما أنظر لإخوتي يضحكون يلقون التعليقات هنا وهناك ويتحركون ويقفزون بحرية أشعر بالأسى على حالي، لأني لا أملك الشجاعة لأفعل هذا حتى أمام أسرتي! شيءٌ آخر وهو أن علاقتي بربي سبحانه ليست جيدة وليست سيئة، أحيانًا أرتفع وأرتفع ثم أهبط بسرعة ويصعب علي الارتفاع ثانية.. حاليًا أمر بحالة عجيبة من التقلبات، أضحك وأضحك على أي شيء وأكون مرحة بشكل غير طبيعي وأساعد الآخرين وأنجزُ الكثير وأكتب قائمة طويلة بأحلامي أي باختصار أصبح إنسانة أخرى تمامًا، ثم أجدني فجأة أو لأجل تعليق جارح من أحد أو فشل ما.. أبكي وأكتئب وأتألم وأغرق في حزن عميق، وأحيانًا تصيبني لامبالاة عجيبة من الحياة فأنام كثيرًا كثيرًا وأفيق من النوم لأنام مجددًا، وتبدأ دوامة الكسل وضيق الأفق!
أنا لستُ بخير، وفقدت الأمل أن أكون يومًا فتاة طبيعية اجتماعية لها صديقات، تحب الآخرين وتثق بنفسها، بل فقدت الأمل أن أكون يومًا ما شيئًا في الحياة! لأكون صادقة، ولأنصف نفسي أنا من أولئك الناس الذين يرتاح إليهم الآخرون بسرعة، صاحبة ابتسامة جميلة وأسلوب عفوي بسيط حين أتصرف على طبيعتي، أما عن المظهر فأنا عادية، جميلة ورقيقة، هكذا عرفت نفسي في تلك الفترة البسيطة التي تحسنت فيها قبل أن أهوي مجددًا.. أعترف أني أستسلم بسرعة وأهرب من كل شيء، ولا أطيق الفشل، وأعترف أني عميقة جدًا، وأظهر دائما بمظهر الإنسانة الغامضة الحكيمة أمام الآخرين، لكني بطبيعتي مرحة.. حقًا أنا أشعر بأني اجتماعية جدًا في داخلي، أريد أن أنطلق وأبدع وأتعرف على قدراتي وأنمي مواهبي، لكن بقدر ما أريد ذلك أشعر بالإحباط بالألم بالوحدة حين لا أجد أحد يشجعني، بل أظنني أحيانا أشحذ كلمة استحسان أو إعجاب من أمي أو أبي.. هكذا تعودت في الأسرة، أني دومًا المهمشة المنبوذة، لماذا ؟ لأنهم يظنون أني قوية الشخصية ولا أحتاج تشجيعًا، يظنون أني سأتكبر وأغتر بنفسي إن مدحوني، وبالبعد عن الغرور والثقة بالنفس أصلًا!
كتبت كثيرًا ولا أدري إن كنت عرضت مشكلة ما في كلامي.. باختصار، أشعر بأني فقدت شهيتي للحياة، فقدت شهيتي لكل شيء، ألا يمكن أن أختفي من الوجود؟ كأني لم أكن؟! حينما أقنع نفسي بأن الدنيا زائلة وعلي أن أعيش لله فقط ولا أبالي بشيء غيره، تصدمني الحياة.. لأنها تجبرني على الحزن، ترغمني على الاهتمام بها.. لأني لا أستطيع أن أعيش متجاهلة ما يحدث حولي ومن هم حولي.. ربما من الأفضل لي أن أعيش حياة الزهاد في منطقة مهجورة نائية، أود هذا حقًا، أن أعيش وحدي مع الله حتى أموت مؤخرًا أصبحت فجأة أشعر بجزع شديد شديد من الحياة، يؤلمني ذاك الشعور، يؤلمني بحق.. لكني أستسلم له وأقول يا ربي مالي غيرك يدفع عني هذا الشعور، وألجأ للنوم، النوم أصبح ملاذي تقريبًا! لا أريد أن أُعيد قراءة ما كتبت، فقد كتبت وهذا ما خرج مني يصف حالي.. ولا أدري إن كنت ما كتبته عن نفسي صحيح..
أريدُ أن تخبروني ماذا علي أن أفعل؟ كيف يجب أن أعيش حياتي؟ كيف أتغير؟ كيف أكون فتاة طبيعية؟ كيف أتخلص من الاكتئاب والخجل وعدم الثقة بالنفس؟ كيف أتخلص من جزعي من الحياة؟ وأهم شيء كيف أتخلص من عادة تحطيم ذاتي وجلد النفس على كل صغيرة وكبيرة؟ أنا أتعلق بكم بعد الله في أن تخرجوني من حالتي بنصيحتكم.. أرجوكم اكتبوا لي أي شيء.. لا تردوا علي باقتضاب وتملل من كلامي، ولا تبخلوا علي بنصائح قد تغير مجرى حياتي، فأنا حقًا أتأثر بكلام الآخرين وأطبق أي نصائح واضحة ينصحني بها غيري..
سأنتظركم،
وجزاكم الله خيرًا ادعوا لي بالهداية والثبات ورضا الله عنّي والجنة.
13/05/2011
رد المستشار
ابنتي الحبيبة، تغيرتِ في مشاعرك وسلوكك ومزاجك وعلاقاتك ونظرتك لنفسك ليس أسبوعاَ ولا شهراَ ولا سنة، ولكن لأعوام، منها ما أسميته العام الأسود، وانتبهت لما يحدث بك بشكل مستمر وكسرت الحاجز النفسي مرة وحكيت لوالدتك ما يجيش به صدرك من آلام واكتئاب وتغير، وهذا ما يجعلني أطلب منك أن تعيدي الكرة ولكن ليس على مستوى "الحكي" مع والدتك ولكن على المستوى الصحيح والذي تأخر كثيراَ وهو طلب المساعدة من متخصص نفسي يعالج بالعلاج المعرفي السلوكي، وحتى تتعرفي على التفسير الذي أعتبره نصف مشوار العلاج؛ فما حدث لكم جميعاَ حين غيرتم الوطن كان بمثابة صدمة نفسية لك، وهذا يرجع لأن استعدادك لذلك وطبيعة شخصيتك ومزاجك كان أكثر ممن حولك لذا ظهرت عليك أعراض اضطراب نسميه اضطراب التأقلم الذي تفاعل مع طبيعتك المنطوية والحزينة ليمتد به ويصل لما يعرف بالكرب الناتج عن الصدمة؛ وفي هذا الاضطراب تكون كل الأعراض التي تحدثت عنها على مستوى المزاج والاكتئاب والقلق وقلة التركيز والتشويش على التفكير وغيره، وهنا يكون الحل الأمثل هو التواصل مع متخصص نفسي يعالج بجانب بعض الأدوية بالعلاج الذي يتلاحم مع أفكارك وتصوراتك وتعديلها ومن خلالها سيتمكن من التعرف على مواطن الضعف في جهازك النفسي ليضع معك برامج سلوكية تتوافق مع قدراتك وطبيعتك فتحظي بالعلاج المتكامل الذي يتعلق بالتفكير والسلوك والمساندة الدوائية، وهناك حل آخر غير مثالي ويحتاج لقوة إرادة واستمرار بضغط من نفسك على نفسك لتتعافي مرة تلو الأخرى يتمثل في:
- تلتزمي بالقيام برياضة ولو بسيطة بشكل دائم ومستمر؛ فالرياضة متنفس صحي لخروج الطاقة السلبية وإحلال الطاقة الإيجابية مكانها، وكذلك على المستوى الجسدي والصحة العامة.
- الالتزام بأي أمر تشعرين معه ببعض القبول والراحة فقد تكون هواية، أو عمل، أو علاقة، أو تفاعل اجتماعي ما، فانخراطك في ما قد يجذبك سيجعل لحياتك معنى وضرورة حتى لو كان مجرد عمل تطوعي تحبينه.
- الالتزام ببرنامج إيماني بسيط يعينك على استحضار الأمل في التعافي وركونك لمن لا يترك عباده، دون التوغل في فكرة خاطئة من أفكار الاكتئاب التي توهمك بأن الحياة حدث سخيف خانق لا معنى له؛ فالله عز وجل خلقنا في الحياة لننغمس فيها ونتفاعل معها ونضيف فيها ونطورها بالخلق والدين الذي أراده لنا؛ وحين قال عز وعلا أن خلق بني آدم قال أنه سيجعله خليفة في الأرض، فهل الخلافة في التعبد المحض دون تفاعل ولا سلوك ولا تعايش؛ أعلم أن المكتئب لا يستطيع أن يرى أي معنى ولا هدف من أن يحيا في تلك الحياة ولكنه "تشويش" الاكتئاب وكلما انخرطت في الحياة على غير رغبة وسط أحبائك كلما تمكنت حقاَ من الخروج من تحت قبضة الاكتئاب.
وأخيراَ أرجو أن تتمكني من تعلية إرادتك وأخذ موضوع التواصل النفسي مأخذ الجد لأني ألمح بجانب الاضطراب الذي حدثتك عنه تقلب في المشاعر والوجدان والذي يحتاج ليد خبير لتمري بسلام من هذا الابتلاء.