لماذا نتزوج؟! الأصل، السائد، والمختلف
بداية أعتذر عن الإطالة، وعن عدم ترتيب البيانات بشكل جيد. اسمي محمد وبس أبلغ من العمر 23، أدرس في إحدى الكليات العملية. نشأت في أسرة متوسطة ماديا، ملتزمة ديناً وخلقا (الصلاة والصيام وخلافه)، في دولة من دول الخليج، نظرا لظروف عمل والدي.
منذ نعومة أظافري وأنا أعاني أنا وأخوتي من الكم الهائل للمشاكل التي تقع بين أبي وأمي (أذكر تقريبا من 3 ابتدائي).. لازلت أذكر وأنا ما زلت في رابعة ابتدائي حينما كان أبي يشكو أمي لي -كنوع من الفضفضة مع ابنه البكر- وكان في ختام حديثه الذي طالما تكرر يذكّرني أنه لولا أنا وأختي لكن الطلاق هو الحل الأمثل بينهما ومثل هذا الموقف كان يحدث مع أمي أيضا وكانت تصف لي كم تتحمل لأجلي أنا وأختي، ما لا أفهمه هو كيف لمثلي وسني أن يستوعب هذه المشكلات!!
تقدمت بنا السنوات، وزادت المشكلات، وما زاد الطين بلة ما يتبع هذه المشاكل من فضفضة مع الأهل ومما ترتب عليه توتر العلاقات بين أهل أبي وأمي وأهل أمي وأبي، لا أذكر في صغري أسبابا أو مشكلات بعينها، غير أن ما يعلق بذهني كيف كانوا يعبرون عن هذه الخلافات كيف كانوا يتناولون بعضهم بالسباب أو الضرب أحيانا، واسمح لي أن أذكر لك بعضا من صور هذه الخلافات:
- كنا في نزهة غرضها الأول والأخير الترويح عن النفس، وحدث خلاف بينهما، وتطور الحديث إلى أن وصل الأمر بأبي أن خلع نعله وانهال على أمي بالضرب، ونحن في السيارة، ما زالت هذه الصورة تعلق بذهني رغم تقدم السن.
- مرة أخرى اختلف أبي وأمي على أمر لا أعلمه، وتعالت الأصوات، وتنابزا بالألقاب، فوجئت بأبي يحمل سلما خشبيا طوله 4 أمتار وأمي تركض أمامه ويريد أن يضربها به.
- صباح يوم امتحاني في 2 ثانوي، اختلفوا، واحتد النقاش، بدأ الضرب، ذهبت أمي للمطبخ وأبي خلفها، رفعت عليه سكينا، وتدخلنا نحن لنهدئ الموقف ونذكرهم بالله، وخرجت أنا لامتحاني والدموع هي رفيقة دربي حتى قاعة الامتحان.
- مع تزايد مطالب الأسرة خرجت أمي للعمل، وهنا كان منحى أخر للمشكلات، فكل ما تطمع فيه أن يكون لها نصيب من أجرها، ولكن أبي يرفض ويقول أنه "هو الراجل" ومفيش حاجة اسمها أن الست يبقى معاها فلوس.
- أبي ينام في غرفتي أنا وإخوتي الصبيان وأمي في غرفة البنات، ولا يدخلان غرفتهما إلا في الصباح الباكر لتبديل الملابس والنزول للعمل ونحن على هذا منذ ما يزيد عن 9 سنين أي منذ أن بدأت أعي الأمور.
- أمي تشكو لي من أن أبي لا سمعها كلمة شكر أو حب، حتى ولو كلمة "تسلم إيدك" وحينما أناقش أبي يقول "أنا ما بقولش يسلم إيدك، لو لقيتني سكت يبقى الأكل عجبني، لكن تسلم إيدك والكلام ده، احنا خلاص كبرنا عليه".
- ضرب أبي أمي ذات مره، فرفعت يدها عليه، فأمسكها، وثناها حتى كُسرت يدها، وبقيت أمي في الجبس ما يزيد عن أسبوعين.
- أبي يشكو من أن أمي "ناشز".. "مسترجلة".. تحب التسلط وأن يكون لها اليد الطولى في البيت، أنا الاحظ حقا بعض هذه الملامح في أمي وفي بعض خالاتي وهي تهميش دور الزوج.
- دائما ما يعدل أبي على تصرفات أمي أمامنا، وإن اختلفت هي وأخي الأصغر وقامت بعقابه، ورأى أبي أن قرارها غير سليم فلا بأس من يعدل قرارها أمامنا جميعا ويقول لها "لأ انتي غلطتي الولد ما عملش حاجة" يعني زيها زينا، ولا كإنها أم ولا حاجة!!
- لطالما اقترحت عليهم الذهاب لطبيب نفسي، فيرد كل منهم على حدة.. "ليه شايفني مجنون".
- كلما حدثت مشكلة بينهما جمعنا أبي أنا وأخوتي الصغار لنحكم بينه وبين أمي.
- حتى بعد سفري ونزولي بلدي لاستكمال دراستي، أجد بين الحين والحين رسالة على البريد الإلكتروني، يستنجد أخي الصغير بي (يبلغ 13 سنة)، لما يجده من مشكله حدثت بينهما اليوم.
- السؤال الآن يا سيدي هو لماذا نتزوج؟! إن كان الأمر سينتهي بنا بتحمل بعضنا بعضا غصباً لأجل عيون الأولاد، وكيف سينشأ مثل هؤلاء الأولاد في ظل هذا الجو الصاخب المليء بالكره والحقد، أعلم أن كل بيت ملئ بالمشاكل، ولكن ألا توجد طريقة ألطف لعلاج مثل هذه المشكلات، طريقة لا تشعر الأبناء – إلى حد ما – أن هناك مشكلة.
والله والله يا سيدي لا يمر يوم إلا وتحدث فيه مشكله، إما في الصباح، على الغداء، عند العشاء، المشكلة ليست في أن هناك خلاف، ولكن الإشكال أن يتصاعد هذا الخلاف هل حقا هذا هو الزواج؟ هذا هو السكن والموده والرحمة، ثم إني نشأت في هذا الوسط، أيعني هذا أنني سأتصرف غدا مع مشاكلي أنا وزوجتي – ولو لا واعيا – على هذا النحو.
تناقشت مرات مع بعض أقاربي فأرى أغلب الآراء أن الزواج هو جميل في بداياته قبل مجيء الأبناء، وبعدين الزوجين بينسوا نفسهم في دائرة الحياة، للاهتمام بالأبناء، ولا يراعي كل منهم الآخر، وهل يعقل أن يكون هناك زواج بلا أبناء!!!
أنا حقا مشوش، مهموم ومغموم، كثيرا ما ينتابني ألم في المعدة عندما أتذكر هذه الأشياء، ولكني أرجو من الله أن يرزقني حياة أفضل، وسؤالي يا سيدي:
أولا: كيف أساهم في حل مشاكل أبي وأمي.
وثانيا: كيف أتغلب على مجموع العقد التي بداخلي.
وثالثا: كيف تكون العلاقة بيني وبين زوجتي وكيف أتغلب على المشكلات.
9/4/2010
رد المستشار
ربما يجدر أن أخاطبك وكأنك ولدي بالنظر إلى اعتبار السن، وربما الخبرة، وأشكر ثقتك وأنت تطرح سؤالا مهما يغيب في غمرة المسلمات الكثيرة التي تدور حياتنا في إطارها دون أن نتوقف لطرح أسئلة نحتاج بشدة إلى طرحها لنفهم أفضل!!
لماذا نتزوج؟! في الأصل جاء الزواج كتنظيم اجتماعي لاحتياج نفسي وتكويني يختص بالميل الذي ركبه الله في نفس كل جنس تجاه الآخر، وكذلك ببناء مجتمعات متجددة بإنجاب أطفال ورعايتهم وتربيتهم، وهذا ما نسميه نحن أحيانا: سنة الحياة، أي طريقتها وضرورياتها!!
ومن أجل أن يحقق الزواج هذه الأهداف ينبغي أن يكون مسبوقا بإعداد واستعداد، وتكوين شخصي وذهني ووجداني، وأن يكون مصحوبا بكثير من الحكمة والحب والحد الأدنى من التمويل والهدف والمعنى، ولكن هذا الأصل يبدو أنه ضاع في غمرة تطورات كثيرة حصلت للإنسانية كلها، ولم تكن كل تفاصيل وتداعيات هذه التطورات إيجابية أو بناءة، وكما طالتنا هذه التطورات تحالفت معها انهيارات خاصة بنا أوصلنا إلى حضيض مدهش لا نكاد ندرك معالمه، فضلا عن سبل الخروج منه!!
وبالتالي صار السائد عندنا أننا غالبا صرنا نتزوج مدفوعين بأسباب مضحكة أو مبكية، ونصل بأنفسنا ـ عبر الزواج ـ إلى مصائر مذهلة في بؤسها!!
البنت مضغوطة بمرور العمر، وسنوات الخصوبة معدودة، وانتقادات أهلها، والمحيطين بها، واحتياجاتها الإنسانية نفسيا وجنسيا، وبالتالي تحاول أن يكون الزواج هو المهرب والملاذ وفرصة الانعتاق من الإحباط، والشعور بالفشل، وعدم التحقيق، واللاجدوى، وكذلك تحقيق حلم الأمومة.
هذه بعض أسباب الزواج عند الفتاة في طموحها إلى الاستقرار بالزواج، فهل سمعت أحدا يتلو علينا ما يتطلبه الزواج من استعدادات، وما تحتاجه رعاية زوج، أو تربية أبناء من مهارات ومعارف؟!
هل سمعت أحدا يناقش العلاقة بين ما تدرسه الفتيات طيلة سنوات التعليم المدرسي والجامعي، ومقتضيات النجاح في بناء الأسرة؟! وهل رأيت برامج غير دراسية أي خارج مسار التعليم الذي تتلقاه الفتاة نظاميا بحيث يتطرق إلى تكوينها كزوجة وأم؟! أم أننا جميعا ننتظر وحيا ينزل من السماء على كل أنثى لتصبح امرأة ترعى زوجا، وتحتضن أطفالا، وتدير بيتا؟!
وبالمثل هل سمعت الرجال في مجالسهم أو مدارسهم يذكرون شيئا عن علم الوالدية أو أسرار النجاح في القيادة بواجبات الرجل في إطار الأسرة؟!
هل توجد مناهج منظمة في أية دوائر أهلية أو رسمية لتكفل المعارف المتداولة فيها نجاح هذا الكيان، وهذا المشروع الأساس في بناء ونجاح أي مجتمع؟!!
ببساطة فإنه حين تغيب المعرفة والخبرة، والاهتمام، والبحث العلمي، وحين يتحول الزواج إلى رمية نرد من الاختيار، وحتى الانهيار المتوقع الذي نشاهده على أكثر من شكل سواءا بالصراع اليومي، أو الطلاق الصامت غير المعلن، أو بالعلاقات خارج إطار الزواج حين يخون الرجل، وتخون المرأة، وغيرها من صور فشل الزواج في تحقيق الأهداف المنوطة به، والمتوقعة منه!!
وبدون تعميم فإن المقدمات البائسة ستؤدي غالبا إلى النتائج التي رأيتها في بيتكم، وأنت مرشح لتكرار الأمر بحذافيره، أو للفشل بلون آخر ما لم تتدارك نفسك لتتعلم كيف تتجنب الفشل، وتحصد النجاح.
والتعلم يكون من خبرة الآخرين المرصودة في كتب ومقالات وأبحاث، ومن الاستماع إلى تجارب الآخرين في ندوات أو دورات، أو حتى تبادل الآراء مع من هم أكبر سنا، وعلى وعي بأخطاء مروا بها ويستطيعون إفادة غيرهم لتجنبها مما يوفره موقع مثل الفيسبوك أو هنا في مجانين، وهكذا.
وربما يساعدنا كثيرة أن نبدأ بطرح أسئلة قد تبدو للوهلة الأولى بسيطة أو بديهية، وقد تبدو مدهشة أو محيرة، وربما تطرح الإجابة عليها أسئلة جديدة لأن الحياة ذاخرة بالمواقف والمسائل والملابسات.
الأسئلة مطلوبة لذاتها، ونحن ثقافة كاتمة للأسئلة، وربما لأننا نخاف المغامرات، ولا نحب التوتر المصاحب لاكتشاف الجديد باختيار، وربما لا نحب ولا نشجع الحوارات المعمقة المستندة إلى أفكار ومعلومات مثلما نحب النكت، أو الشكوى، أو تدوال الكليشيهات، وكل الأفكار سابقة التجهيز!!!
هذا هو السبيل الوحيد العملي حتى يرزقنا الله عبره حياة أفضل لكن يبدو أننا مثلك نكتفي بالشكوى والفضفضة والدهشة والتريقة والنقد والحسد ثم نتوجه بالدعاء إلى مولانا الذي لا تنفذ خزائنه أن يرحم موتانا، ويهلك أعداءنا، ويصلح أحوالنا، ويهدي أبناءنا وبناتنا، ويرزقنا حياة أفضل!!
نفسد حياتنا بالجهل والغباء، والاستسلام للفشل ثم ندعو الله أن يصلحها لنا، وهذا هو السائد والشائع، وليس مقصورا عليك.
أما المختلف فهو أن نطرح السؤال، وندمن البحث عن معرفة مستندة إلى برهان ودليل، وأن نتدرب على طرق مختلفة في التعامل والتناول، وأن نقدم نقدا عميقا لأحوالنا، وأن نبدع ونتبنى حلولا أفضل لمشكلاتنا في الزواج وغيره.
نعم.. يمكن أن نقرر التوقف عن هذا الهدر والهذر والتهريج المسمى زواجا!!!
نعم.. يوجد زواج بلا أبناء، وتوجد صيغ واتفاقات كثيرة لإدارة العلاقة بين الرجال والنساء بحثا عن السعادة والتوافق والإشباع.
نعم.. الفشل الذي نشكو منه ليس قدرا، هناك من ينجحون ونحتاج لمعرفة أسرار نجاحهم، والحكمة متوافرة من حضارات وثقافات وتجارب إنسانية ثرية، وشرع الله واسع المرونة، ومستوعب للمتغيرات، لكنه يحتاج إلى عقول تعي، وحوارات تبدأ بأسئلة مستكشفة، ولا تمل من محاولة الوصول إلى صيغ أفضل لإسعاد البشر، وإعمار الكون، ومن حقك أن تختار أن تعيش النظام السائد حيث تسير القطعان المستسلمة المنتظرة، وتكفي نفسك متاعب الأسئلة، ومستويات التفكير في إجابات مختلفة، أو البحث عن مسارات أنجح، وعليك وقتها أن تدفع الثمن، ويمكنك أن تختار المسار المختلف عن الشائع بالتقكير والمعرفة والحوار والسؤال والبحث والحجة والبرهان، لكن هذا سيدعك في وضع السابح ضد التيار، ولكل اختيار ثمنه يا عزيزي، فاختر لنفسك ما يحلو!!
إذا قررت اتخاذ المسار المختلف ستجد لديك أسئلة مثل: كيف نتزوج؟! وهل فشل عندنا نظام الزواج لدرجة استحالة إصلاحه؟! هل النظام الحالي للزواج يحقق مقصود الشارع له أم هو نظام ضد الشرع والعقل والنجاح؟! وهكذا.