المفعول بنا: نسكب اللبن ام نفرز العسل؟!
بداية: لا أعاني من أمراض نفسية ولم أتناول أي عقاقير، وليس بعائلتي من هو مريض نفسيا، علاقاتي مع أسرتي الآن مضطربة كما سأبين بعرض لمشكلتي. لن أصف معاناتي، ولن أسترسل فيها، لعلكم تستنتجون ما أنا فيه، فلا أعرف كيف أصفه أو بما أسميه.
منذ كنت طفلة، ابنة الـ 5 أعوام كان أحد من يعملون عند أبي يحاول التحرش بي جنسيا، في ذلك الوقت كنت طفلة لا أعي شيئا، كذلك ليست لدي القدرة على أن أتفوه بكلمة؛ لا أتذكر كم استمر ذلك ولكن كما أسعفتني ذاكرتي لم يتعدَ السنة ولا يقل عن شهر.
وتمر الأيام وننتقل من منزلنا هذا، وإذا بي وأنا أبلغ الـعاشرة من العمر يبدأ أقرب من لي في الدنيا بمحاولاته بالتحرش بي أيضا ألا وهو أخي، شقيقي.... نعم حاول أخي الذي يكبرني بـ 4 أعوام التحرش بي، عندما أيقنت أن هذا ليس إحساسا وأنه حقيقة، قررت التحدث، واجهت أمي بذلك وكان هو معنا، لم تقدر أمي تحمل الموقف وحدها وقررت إعلام أبي بذلك، لم أعرف بذلك، ولكن فوجئت بأبي ذات مرة يقول لي اعتذري لأخيك، لم أفهم ماذا يحدث، واعتذرت له.
وعندما سألت أمي عرفت أنها قد أخبرت أبي بذلك؛ والنتيجة أنهم كذبوني دون أي تحري أو تقصي عن الحقيقة، معتقدين بذلك أني قد مرضت بمرض نفسي لأني أنا وأخي كنا نعيش بعيدين عنهم في ذلك الوقت. ويتمادى أخي في تحرشه بي، فبدلا من أن كان يفعل ذلك بي وأنا نائمة خوفا من أشعر به، أصبح ذلك نهارا وليلا، في يقظتي وفي منامي، لا يخشاني ولا يخشى شيئا، وماذا يخشى إذا كان أمي وأبي كذبوني، ظل الوضع هكذا، لا يتغير هو يتحرش بي وأنا أقاومه قدر استطاعتي لأحافظ على نفسي، كنت أتجنب قدر المستطاع أن نبقى وحيدين بالمنزل، وذات مرة نفذ صبري منه ولم يتركني هربت منه لحديقة المنزل ولم أخضع لتوسلاته بأن أدخل المنزل وظللت بها حتى خرج هو من المنزل.
وعندما بلغت الرابعة عشر من العمر، حاول أخ لأستاذي التحرش بي أيضا.... وعندما بلغت الخامسة عشر من العمر، جاءنا ابن عمي ليقضي يومين معنا، وبذات ليلة دخل عليّ غرفتي مساءا وحاول هو الآخر التحرش بي....
كل هذا وأخي لم يتوقف عن محاولاته معي، كل هذا ومحاولاته مستمرة للنيل مني، ولمتى؟؟؟ أتعلمون لمتى؟ حتى صرت أبلغ من العمر العشرين، 10 سنوات من تحرش أخي بي، وأنا صامتة، أعاني وحدي، وأصرخ وحدي، لا أحد يسمعني ، ولا أحد ينجدني من براثنه.
وحينما تخرج هو من الجامعة كنا نتحدث عن زواج أخي الأكبر فقلت لأمي أن تزوجه هو لا الأكبر وعندما قالت لي: الصغير قبل الكبير؟ استحلفتها أن لا تقول ما سأقول لأحد إلا بعدما تقول لي. ووافقتني وقلت لها أن تفكيره بي ليس سليما وأن أسلم شيء أن يتزوج. انزعجت ولم تفهم ما أقصد وطلبت من أن أوضح لها، عندها ذكرتها بما قلته لها منذ عشر سنوات ولم تصدقه، انهارت وسألتني إلى أي مدى وصل تحرشه بي؟ فرفضت أن أخبرها بما كان يفعله بي تفصيليا.
أخبرت أبي، وانهار أبي وعندها لم يملك أعصابه و"زعق" فيه بشده وسبه، لم يتحمل أخي نظرات أمي وأبي وأخينا الأكبر له وترك المنزل.. وبعد أربع أو خمسة أشهر تقريبا توفي والدي رحمه الله بحادث سيارة ورجع أخي المنزل ولكن هذه المرة بدون تحرش، بل بخوف زرعه بداخلي منه، وللآن يشعر بأن أبي قد توفي غاضبا عنه.
بعد وفاة أبي شعرت بالوحدة والألم، شعرت بأني وحيدة ليس لي من يحميني، ولكن سرعان ما ظهر بحياتي شخص قد تقدم لخطبتي ووافقنا، أحببته حبا جما، وكيف لا وهو أول من يدخل قلبي وبرباط شرعي، بعدما أحببته شعرت أن الله يعوضني به عن كل ما مررت به من ألم، قلت لنفسي: سأنسى ألمي وجراحي به، ولكن "يا فرحة ما تمت" فبدلا من أن يخفف على جراحي وجدت في النهاية أنه قد زادها، فبالرغم من حبنا لبعضنا البعض فضل المال عليّ بنهاية المطاف وتركته بعدما زاد من جراحي جرحا جديد ينزف للأبد؛ إن لم يكن عليه فعلى قلبي الجريح الذي لا يكف الناس عن جرحه.
تعافيت من حبه بعد عام من انفصالنا وصرت حزينة على حالي لا على حبي. الآن، وكلما تقدم أحد لخطبتي وأجد أننا نسير في الطريق بإيجابية، أخاف بشدة، أخاف لأني أشعر بأن مسلسل الأحداث الذي مر سابقا سيتكرر مرة ثانية، أرفض ومن أسباب رفضي أن أخي الأكبر يحل محل أبي في حياتي ولا أريد ذلك، فقد سبب لي المتاعب بكثرة بخطبتي الأولى، والمشكلة أن أمي تقتنع برأيه بشدة وتوافقه على كل شيء، والجميع خطأ وهو صح.
منذ 5 أشهر، حملت لي صديقتي برنامج للشات على الهاتف المحمول، وكانت تعبر عن استيائها لما يحدث بالشات ومن كثرة غرف السكس به، دفعني حب الفضول لأن أرى ما فيها، وبالفعل دخلت تلك الغرف وصرت أمارس السكس شات، قد لا أمارسه كيفما يفعلون، فأنا فقط أتحدث، وقد أكون لا أريد ذلك وأفعله، بعد كل ما مررت به شعرت أني خلقت لذلك فقط، ودائما كنت ألوم حالي على ما أفعل وكيف أغضب ربي ولكني كنت أفعل.........
ولكن الحمد لله الآن قد هزمت شيطاني وقررت أن أكون طاهرة مثلما كنت... أنا دائما حزينة، أبكي لحالي، لا أريد أحدا، لا أريد أن أتحدث، أحب الجلوس وحيدة، أكره الدنيا وبشدة، فقد آذتني كثيرا، فكرت بالانتحار أكثر من مرة، ولكن خوفي من ربي يمنعني، أريد أن أموت أو أن أمرض بالكانسر وأعيش بالمشفى بعيده عن الجميع حقا لا أدعو ربي إلا بذلك...
أحتاج للمساعدة، أحتاج محلل نفسي يخرجني مما أنا فيه، فإذا كان من منكم أيها المجانين محلل نفسي وعلى استعداد أن يساعدني فأرجو أن يخبرني فأنا أحتاجه بشدة..
ملحوظة: هذا ليس اسمي الحقيقي وهذا ليس إيميلي الأساسي ليس فقدان ثقة بالمجانين ولكن من يريد مساعدتي سيعرف عني المزيد ليس فقط اسمي وإيميلي..
أنتظر المساعدة من أحد المجانين.
23/04/2010
رد المستشار
حين بدأت استقبال رسائل القراء على صفحة "مشاكل وحلول" في موقع إسلام أون لاين أدهشني العدد الكبير من الرسائل التي تدفقت تشير إلى التحرش كظاهرة متفشية بالمجتمعات العربية، وعبر عشر سنوات أدليت بالكثير حول هذه المسألة، ولا أحب التكرار.
يمكنك البحث عن الإجابات السابقة باستخدام "جوجل" بحثا عن كلمات مثل: التحرش، ضرار الإناث، الاغتصاب.
لا جديد في قصتك: نفس الخبرة تتكرر في حياة كثيرات كما ظهر لي في بحثي لنيل درجة الدكتوراه، والذي خصصته لهذا الموضوع محاولة مني لسير أغوار الظاهرة على مستوى الواقع الفعلي في أول رسالة علمية في مصر، وربما في العالم العربي تتناول هذه الظاهرة عبر عينة من طالبات المدارس الثانوية، ووجدت أن نسبة حصول التحرش تقترب من النصف، أي أن فتاة على الأقل من كل فتاتين قد تعرضت لدرجة من درجات التحرش في طفولتها، ولا جديد في قصتك من حيث رد فعل أسرتك، نفس الجهل أو التجاهل، نفس التلعثم الذي لا يكاد يصدق حصول هذا الفعل، ولا يعرف كيف يتصرف إذا حصل؟! وفي إطار عام من التعتيم والتهميش والاستعباط عن كل ما يحيط بالحياة والتربية الجنسية، والحصاد هو الثمن الذي تدفعه بعض الفتيات، ثمن الغباء والتغابي الذي نتواطأ على تمريره ليحكم حياتنا كلها!! إلا ما ومن رحم الله، وقليل ما هم لكن دعيني أقول لك أن هناك رؤية عامة سائدة وشائعة، ونظرة خاطئة مستشرية في إدراكنا لأمورنا، وتعاملنا مع أحوالنا وأوضاعنا الفردية والجماعية، هذه النظرة ملخصها أن الإنسان مفعول به، والفاعل هو القدر، أو الدنيا، أو الآخرون، وأنت تقولين: أكره الدنيا وبشدة فقد آذتني كثيرا، وتقولين: أحتاج محللا يخرجني مما أنا فيه!!
وعلى حد علمي لا يوجد محللين نفسانيين ضمن طاقم مجانين، أو لعلك ـ وأنت طالبة ماجستير ـ قد خلطت بين المستشار النفسي، والمحلل النفسي!!
وفي رأيي، وأنا طبيب نفساني، والتحليل النفسي شيء آخر تماما، لا أمارسه، أقول رأيي أن الاعتقاد الراسخ بداخلك، وبداخل الكثيرين من أنهم مجرد مفعول به تؤذيه الدنيا، وينتظر من ينتشله، هذا التصور الساكن السلبي هو مريح وسهل جدا للهروب من الاعتراف بالمسئولية عن الماضي، وعن الحاضر، وبالتالي عن المستقبل!!!
أفهم أن طفلة في العاشرة يتحرش بها شقيقها المراهق، وتشكوه لوالدتها ويحصل معها ما حصل معك فتصمت على تحرشه، مع محاولة التهرب، وأفهم موقف والديك الغبي الناشئ عن عدم معرفة كيف يمكن أن نتصرف كوالدين عندما يحصل أمر هكذا!!
ولكن لا أجد تبريرا منطقيا أن يستمر صمتك زهاء العشر سنوات مع استمرار تحرشه!!!
ثم تقولين أن الدنيا آذتك بدلا من أن تتأملي للحظات نصيبك في استمرار الخطأ هذه السنوات!!!
بدم بارد، وعين جامدة كما نقول في مصر نتملص من مسؤوليتنا عما يحصل لنا، ثم نذهب نشكو غدر الزمان، وشرور الدنيا وما فعلته بنا، بينما لا نعترف أنه ربما كانت أمامنا بدائل لم ندرسها في حينه!!!
كان يسعك مثلا أن تكرري شكواك من تحرشات شقيقك إلى والديك مرة ومرات حتى يدخلا لرفع الظلم، ووقف الهزل والإيذاء!! وكان يمكنك توسيع دائرة الشكوى لآخرين في العائلة، وكان يمكنك البحث عن خبرات مشابهة عبر الإنترنت التي تستخدمينه في الشات الجنسي، لكنك اكتفيت بالصمت بعد صدمة رد فعل والديك السلبي الغبي ردا على شكواك وأنت ابنة العاشرة، وأنا هنا لا ألومك فاللوم عقيم لا يصل بنا إلى شيء، إنما فقط أذكرك، وأشير لجميع من يقرأني أنه دائما تكون لدينا اختيارات مختلفة نحتاج لاستكشافها دائما، وفي كل موقف، حتى نستعرض كل اختيار بمميزاته وعيوبه، وقد تختارين الصمت بعد تفكير وموازنة للأمور، أو استشارة أحد أكبر تتوسمين فيه الحكمة، ولكن ساعتها ستختارين الصمت بمسئولية، إنما نحن تعودنا على غير ذلك، ونحن طبقا لما هو سائد ضحايا، دائمون، وغالبا ضحايا ومجرمون في نفس الوقت، فلكي يكون هناك ضحايا لابد من مجرمين، وأحيانا نكون ضحايانا، ومرة أخرى لا ألومك فقط أذكرك، والكلام لك يا جارة!!!
الكلام يطول يا عزيزتي، وأخشى الإملال، فقط قبل أن أتركك أشير عليك بمراجعة طبيب أو طبيبة لمعالجة الآثار النفسية للتحرش، وأنصحك بأخذ زمام المبادرة في تصحيح نظرتك لنفسك، وموقفك من صياغة حاضرك ومصيرك، حيث أنك وحدك القادرة على فهم ما حصل معك، وتجاوز آثاره عليك، على أن تصبحي إيجابية في حركتك لبناء شخصيتك ومواجهة ما يستجد من مواقف أو تساؤلات أو تحديات في حياتك، واتركي حكاية الدنيا آذتني هذه، لأنها لن توصلك إلى شيء، ولا أساس منطقي، ولا شرعي لها أنت مسئولة عما حصل لك بمقدار ما كنت تستطيعين، وما كان أمامك من اختيارات، ومفهوم جدا أنك لم تفكري في حلول ولا بدائل، ولا طرق لمواجهة عدوان أخيك، وكون ذلك مفهوما ومتفهما وشائعا لا يجعله سليما، ولا يعفيك من المسئولية، والأهم أن تستشعري هذه المسؤولية فيما هو قادم من أمورك، لأنك حين تختارين الضعف أو القوة، حين تنتظرين فارس الأحلام الذي يضمد جراح "الدنيا"، وما فعلته بك من أذى، وحين تنتظرين من يخرجك مما أنت فيه، وحين تتغلب عليك مخاوفك من الاستمرار في أي موضوع ارتباط، وحين تسمحين لأخيك بأن يحكم في حياتك بما يرى بدون تعقيب، ولا تذمر، ولا اعتراض، وحين تختارين الجنس الإليكتروني، وحين تختارين الحزن المستمر، والبكاء المستمر، والعزلة، والرغبة في الانتحار، أو الموت، هذه كلها اختياراتك، ولا أعرف لماذا لا تركزين في قدرتك على اختيارات أخرى مثل قولك: هزمت شيطاني، وقررن أن أكون طاهرة...إلخ، لمذا تختارين إدراك نفسك كضعيفة؟!
إذن أنت تقررين وتنتصرين أحيانا، فلماذا تستسلمين غالبا لموقف الضحية، المفعول بها، والمغلوبة على أمرها؟!!
أنت مسؤولة عن حياتك، وقادرة على اتخاذ قرارات، وتحقيق نجاحات، ركزي في هذا بمساعدة متخصص أو متخصصة، وأتوقع لك أفضل النتائج بدلا من البكاء على اللبن المسكوب كما يقولون، وتابعينا بأخبارك.