فشل اجتماعي
أساتذتي الأعزاء تحية طيبة وبعد أنا فتاة في السادسة والعشرين من العمر أسكن مع عائلتي في إحدى دول الخليج، مستوى تعليمي جامعي وأعمل منذ ست سنوات كما أني أكملت دراساتي العليا. جميع إخوتي تزوجوا ويعيشون في نفس البلد. شخصيتي انطوائية إلى حد ما، أشعر بنقص في المهارات الاجتماعية عززها نقص العلاقات مع الأقارب فمعارف أهلي شبه معدومين في هذه البلد أو حتى بلدنا الأصلي.
شعرت بحزن شديد عندما زارتنا صديقة واحدة فقط من صديقات أمي بالعيد. أشعر بالحزن الشديد عندما نسافر إلى بلدنا فنزور قريبين فقط هما أختي أمي ولا يزورنا أحد غيرهما. أكيد لست بصدد لومهم فأنا وصلت لمرحلة من العمر لا يحق لي أن أنتظر شيئا منهم إلا أني أصف الحال كما هو.
ألوم نفسي لأني لم أحتفظ بعلاقات من المدرسة فقد كنت انطوائية أيضا ولا من الجامعة إلا القليل جد، والآن أحاول أن أتواصل مع زميلات العمل إلا أني أفشل كما فشلت في المرحلتين السابقتين. منذ الطفولة والشباب المبكر أعاني من الوحدة اعتقدت أن هذا الشعور سيضمحل عندما أكبر إلا أن المسألة تزداد سوءا خصوصا إذا أضفنا لها الآن الخوف من المستقبل، احتياج الحب والاهتمام والروتين الذي يفرضه العمل. عندما التحقت منذ ثلاث سنوات ببرنامج الدراسات العليا تعرفت على أحد زملائي وتحادثنا كثيرا من خلال النت. أعجبت به وأحببته خصوصا أنه من نفس بلدي وكنت أتمنى أن يبادلني هذه المشاعر ولكن ذلك لم يحصل أبدا.
تطورت علاقتنا إلى بعض المحادثات الهاتفية وقابلته ثلاث مرات في هذه السنوات الثلاث إلا أن الأمر لم يخرج عن كونه صداقة فهو إنسان مهذب على الرغم من تلميحاته المستمرة بالإعجاب لي إلا أنه أبدا لم يتجاوز حدود الصداقة. أخبرته قبل أن نتقابل أني لا أقابل أحدا لا أحبه أو لا أنتظر منه حبا ومع ذلك قابلته وأشعر بالندم الشديد لذلك. منذ سنة تقريبا اكتشفت أختي أني أتحدث معه، أخبرتني أني بلا كرامة ولا أخلاق، حزنت لذلك وتمنيت الموت لأني أعلم أن هذا الأمر غير صحيح ولكني أبرر تصرفاتي بدافع الاحتياج إلى الحب والاهتمام والشعور المقيت بالوحدة والقلق.
قررت حينها أن أحدثه بصراحة فإما أن يقرر قطع علاقته بي أو أن ينتقل بها إلى واقع آخر. أرسلت له رسالة سألته "هل تحبني؟" أجابني "سؤالك صدمني، سأتصل بك عندما أعود إلى المنزل أم تفضلين التشات؟" فتحدثنا معا على التشات، قلت له أني أريد أن أعرف ماذا أمثل له؟ تمنع بداية عن الخوض بهذا الحديث على التشات لأنها طريقة لا روح فيها إلا أنه وبعد إصراري أني لن أقابله لنتحدث، أجابني أني جزء من حياته وأنه معجب بي أشد الإعجاب إلا أنه لا يعلم إن كان يحبني. قلت له حينها أن الأفضل ألا يحبني قبل أن يعرفني ولن يعرفني قبل أن يتعرف على أهلي ومحيطي وطريقة تعاملي مع الناس لذلك عليه أن يسعى بذلك. رد علي "إن شاء الله خير" قلت له أني سوف أتصل به غدا لمناقشة الموضوع أكثر إلا أني لم أتصل ولم يتصل هو.
بعد أسبوع أرسل رسالة اعتيادية يسألني بها عن حالي!! لا داعي للومي على إهدار كرامتي بهذه الطريقة، كنت أتمنى منذ سنة أن يقول لي لا أحبك أنت مجرد صديقة حتى أنهي تعلقي به الذي أعتبره مرضيا. الواضح أنه لا يريد شيئا ومع ذلك ما زلت أتحدث معه وما زال عندي أمل أن يحبني كما أحبه، أتوقف أياما طويلة عن التواصل معه لا يسأل عني هو خلاله، أعيش حينها أيام عذاب ثم أعود بلحظة ضعف إلى محادثته.
قرأت قبل شهر رمضان أنك عندما تريد أن تتوقف عن حب شخص ما عليك أن تقطع الأمل، إحدى الطرق المقترحة هي الاعتراف بالحب. هذا ما فعلته سابقا تقريبا إلا أني قررت هذه المرة أن أرسل له إيميل أقول به أني أحبه وأني أعلم أن شعوري غير متبادل لذلك فأنا لن أحادثه مرة أخرى وأتمنى ألا يحادثني، وإن حادثته فأتمنى منه أن يعتبرني كأخته ولا يحدثني. فعلا أرسلت الإيميل انتظرت ردا منه لمدة خمسة أيام ولم يصلني. ما وصلني بعد الأيام الخمسة هو رسالة نصية يسألني بها "أين أنت الآن، مررت من أمام منزلك ولم أرى سيارتك" حينها تيقنت أنه لم يقرأ الإيميل. رديت عليه وطلبت منه أن يمحي إيميلي له دون أن يقرأه، فعل ذلك ومحاه.
أكان علي أن أدعه يقرأ رسالتي حتى أنهي الأمر حينها أم أن هناك طريقة أخرى لأقطع الأمل دون إهدار كرامتي؟ لا أستطيع أن أمنع نفسي من حبه، لا أستطيع إلا أن أسعد عندما يصلني منه رسالة أو اتصال، لا أستطيع إلا أن أسعد عندما أراه بالصدفة كما أني لا أستطيع أن لا أتمنى ذلك. واقعي وانعدام فرصي للزواج والحب يعززان المشكلة ويجعلانها غير قالبة للحل. أحببت أن له أسرة كبيرة وأقارب تمنيت أن أكون جزءا من هذا كله إلا أني متيقنة بالمنطق أنه لا أمل لحدوث ذلك.
عندما أناقش الأمر منطقيا مع نفسي أتوصل إلى أنني علي أن أمتنع عن محادثته حتى وإن لم يكن يؤذيني إلا أني أنا من أؤذي نفسي. إذا مر أمامي قصة عن فتاة سيئة في التلفاز أو الواقع أتخيل أني هذه الفتاة وأهدر وقتي بالندم والبكاء. أريد الحل لهذا كله وأريد حلا يخلصني من صداقته، مع العلم أني أعمل، أدرس لبعض الشهادات المهنية في مجال عملي، وأمارس الرياضة. وحاليا لا أفوت أي فرصة للقاء مع معارفي وأصدقائي والاتصال بهم ومع ذلك مشكلة الوحدة وتمني الحب على حالها. تمر علي أيام لا أتوقف عن البكاء خلالها وأيام أخرى أعود لطبيعتي.
أشعر بالحقد على المجتمع الذي يمنعني من حقي بتكوين أسرة مع أنه لا ينقصني لا قدرة مادية ولا معنوية. أفكر كثيرا بالتخلص من حياتي وأتساءل لم الانتحار محرم؟
ألا يحق للإنسان أن يتبرع بنعمة من نعمه مثلا إذا تبرعت بأجزاء جسمي للمحتاجين من الناس ألا أنال حسنات على ذلك، وإذا نلت حسنات وأفدت الناس لن سيكون مصيري النار؟
15/09/2011
رد المستشار
صدمتني آخر سطورك يا صديقتي، وجعلتني أرى أن لديك مشكلة في الإدراك، والمشكلة حين تكون في الإدراك تجعل الشخص يضخم الصغير ويتفّه الكبير، ويقوم بعمليات تبديل وإحلال بين ما لا يمكن أن يحدث في حقه ذلك، فالانتحار محرم لأنه قمة السخط على أقدار الله عز وجل، وقمة الجحود لعظيم نعمه الظاهرة والباطنة، وقمة الضعف الإنساني، وينسى الإنسان حينها أن معظم ما نقع فيه من مآزق نكون أصحاب اليد الطولى فيها، وننسى أن فقدانا لنعمة "ما" يقابله الكثير من النعم التي ما زالت لنا، وننسى أن الله عز وجل خلقنا لنقوى بالعبادة والكد والمثابرة، فيمثل في النهاية الانتحار قمة عدم الرضا للدرجة التي تجعل الإنسان في لحظة ذهول عن العقل أن يتجرأ على إنهاء حياته التي هي أعظم نعمة أنعم الله بها علينا وينسى في تلك اللحظة أن جسده شيء من ضمن أشياء كثيرة ليست من الأساس ملكاً خاصاً له، فتمس في النهاية جزء أصيل وعميق حقيقة العبادة لله والعقيدة التي نؤمن فيها بالقدر شره وخيره فتكون الكارثة؛
وانظري معي لمن انتحروا وماذا كانت أسبابهم؛ فمن انتحر لفراق حبيبه، ومن فعلها لضيق الرزق، ومن فعلها لفشله في حل مشكلاته المالية أو الاجتماعية، وهكذا، ألا تجدي معي أن أصابع الاتهام تعود للإنسان وقصوره في التفكير والإدراك الذي جعله يرى من "سَم الخياط" فلا يرى أملاً!!، فالأمر يختلف كل الاختلاف عن قصة التبرع بأعضاء "لإحياء" آخرين بأعضاء ماتت، وبصدقة جارية توضع في ميزان صاحبها بعد موته فضلاً وكرماً من الله عز وجل رغم أننا لا زلنا لا نملك جسدنا ولكن الله سبحانه يحب الخير، ويحب العطاء، ويحب الصدقات.
والآن أعود لمشكلتك العاطفية والتي أراها كما قلت بنفسك هي تطور طبيعي لحالة الفراغ الاجتماعي والعاطفي الذي يحيطك من كل ناحية، فأنت ضعيفة العلاقات، ضعيفة المهارات الاجتماعية، ووصلت لقمة أنوثتك التي صارت تصرخ شئت أم أبيت باحتياجها لشريك حياة يعطيها دفئاً وحناناً وشراكة وعفة، ولكن لا يوجد علاقات ولا تنوع اجتماعي ولا أنشطة ولا تواصل مع عائلة أكبر والعلاقات الدراسية محدودة وتتعثرين فيها بشكل ما، فما أن ارتحت لأحدهم صببت عليه كل ما تحتاجينه لتروي الظمأ الشديد بداخلك، فتركت نفسك تُقدمين مشاعرك دون حساب ولا تحكم، ولفظت حديث العقل وتنغيص الكرامة على تصرفاتك؛
والحقيقة أنه لا يوجد شيء اسمه "حب من طرف واحد" فحين يعطي إنسان مشاعر وأحلام وأماني-يحياها وحده- ولا يشاركه فيه الطرف الآخر يكون هو "استنزاف" المشاعر عينها؛ فألف باء الحب "التبادل"؛ في المشاعر، والاهتمام، والعطاء، والرعاية... إلخ، ففقدان التبادل ينسف المعادلة تماماً، وعلى رغم قسوة الحقيقة إلا أنها أهون بكثير مما أنت عليه وما تدفعينه كل لحظة من أعصابك ونفسيتك ومشاعرك وتوترك، فالرجل واضح جداً ولم يخدعك وقالها لك صراحة أنه لا يشعر تجاهك بالحب وأكدت تصرفاته ما يشعر به، ولأنه يحمل لك "معزة" لم يرد أن يغلق الباب بقوة واكتفى بأن تتفهمين وحدك إلا أنك تصرين على وجوده رغم غيابه، وأعلم أن قدراً كبيراً مما قلت توصلت له وحدك، ولكن أريد أن أترك لك تلك المعاني لتتدبريها:
* من حقنا أن نحب ونختار، ومن حق الآخرين كذلك أن يختاروا فهل نسرق حقهم؟.
* المشاعر عند الأنثى أنفس كنوزها، ولأنها غالية جداً وسيترتب عليها الكثير والكثير من العطاء، والصبر، والجهد، والتقبل... إلخ لابد وأن تنتبه الأنثى لمن ستهب مشاعرها وقلبها، فلا يكفي أن يكون شخص "جيد" ولكن يجب أن يكون شخص "يستحق ويقدر" تلك المشاعر.
* ليس معنى أننا نتضور جوعاً أن نأكل ما يتاح لنا، وحين حدثنا الله عز وجل في سورة الروم آية (71) عن مواصفات الزواج كما أراده لعباده، وكما يجب أن يكون ليقوم بمهمته في نفوس الأزواج والحياة الزوجية من سكن ومودة ورحمة أنهى الآية الكريمة بقوله "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، فالتفكر وفهم قصة التكافؤ بين الزوجين في كل شيء حتى في نوعية العلاقات الاجتماعية في حياة كل منهما، وطبع العائلات وسلوكها الاجتماعي، والتكافؤ النفسي والثقافي،..الخ هو أساس الاختيار الناجح لزواج ناجح، فأين التكافؤ بينكما على كل المستويات والتي منها أساس الأساس وهي المشاعر؟، والتكافؤ ليس المقصود به التماثل، ولكن يعني ألا يكون الاختلاف بينهما اختلاف كبير فيضيع التناغم والتوافق بينهما.
* مهارات التواصل والعلاقات الاجتماعية أمور يتم اكتسابها بالتدرج والتكرار والتحفيز، فقط خذي القرار بجدية وستجدي اختلافاً كبيراً، فكفاك حزناً وحسرة على ما فات ولا تتنصلي من مسئولية تغيير ما تحتاجين لتغيره كما تتمني لنفسك.
* هو يمثل لك كل الحياة، لذا فكرة فراقك له تصيبك في مقتل، وتجعلك تتراجعين وتقبلين على كرامتك ما لم تكوني تقبليه، والحقيقة أننا مهما أحببنا ومهما ارتبطنا بأحد لا يجوز أن يكون كل الحياة وبدونه ينهار كل شيء، فهذا إدراك آخر خطأ، فحياتنا لا ولن تتوقف على شخص، أو موقف، أو مكان.
* ستتألمين من الفراق وستشعرين بمشاعر سلبية كثيرة تعود للفراق وتعود لكونه النشاط الوحيد الذي تقومين به في حياتك بكل طاقتك، فلتبحثي عن حلم آخر يملأ كيانك وتهوينه من هوايات وأعمال تطوعية، ورياضة، ودراسة، وحينها ستستعيدين عافيتك، وستدركين أفضل، وستكونين أقوى، وستخطين سطوراً غاليةً في حياتك من وراء تلك التجربة تتعلمينها بنفسك عن نفسك وعن إرادتك وعن مشاعرك،..الخ، وفقكِ الله سبحانه وقواكِ.
ويتبع........: سم الخياط م