اضطراب نفسي شديد
السلام عليكم؛
أولا، أرجو منكم الحفاظ على السرية التامة في حال نشر الاستشارة وعدم ذكر بياناتي الخاصة، أرجو أيضا إذا ممكن أن يجيبني الدكتور وائل أبو هندي أو الدكتور أحمد عبد الله لأني أثق بهم كثيرا.
أنا من .....، أحضر لرسالة الماجستير في الجامعة العبرية، تزوجت وتطلقت بعد سنة لأني اكتشفت أني أخطأت في الاختيار وأنني لا أتوافق معه على الإطلاق، ولفارق السن فهو يكبرني 13 سنة، ولصعوبة في الحمل أثرت على العلاقة أو كانت نتيجة العلاقة السيئة، لست أدري.
توجهت لكم لأني أثق بكم ولأني بحاجة إلى طبيب نفسي مسلم، لقد توجهت في بلدي إلى طبيب نفسي يهودي لكن كان من الصعب لي أن أفهمه مشكلتي، أعتقد أنني تجاوزت مشكلة الطلاق، وأشكر الله أن الطلاق تم قبل مجيء أطفال.
أنا كنت محجبة لـ3 سنوات تقريبا باختياري الكامل، وخلعت الحجاب باختياري أيضا... وكان هذا قبل الزواج، أعمل وأتعلم في داخل المجتمع الإسرائيلي، هذا كان أحد أسباب خلع الحجاب، فقد شعرت أنني مختلفة وملفتة وبأنهم يصنفونني مسبقا بسبب الحجاب، أما الآن فأشعر براحة لأني مثل الجميع ولا ألفت النظر بالحجاب، وأرتدي ملابس محتشمة، ولا أحد يميزني بسبب مظهري. وأعرف أن هذا حرام، وربما هذه هي المشكلة، أنني أعرف تماما، لكني لا أحب أن أستمع إلى الشيوخ لأني لا أثق بهم ولأنهم يتحدثون في أمور تافهة أحيانا بنظري ولأنهم ينقصهم الكثير من العلم بالحياة، ولأنهم منشغلون بتاريخ المسلمين أكثر من حاضرهم!!!
مشكلتي مع الدين ومع الحياة ومع الإنسان، أتخيل الإنسان بأنه حيوان حقيقي ولكنه أذكى قليلا، وبذكائه يحاول تغطية حيوانيته ويعطي تصرفاته الحيوانية أطرا دينية أو ثقافية... أشعر أني مسجونة داخل جسدي، أشعر أن جسدي غريب عني، أشعر أني جئت إلى الدنيا بدون إرادتي، وأريد أن ينتهي هذا الأمر، لا أريد أن أكون، أشعر أني أحلم أحيانا، ولا أعرف إن كنت حقا موجودة، ربما أتخيل كل شيء من حولي، هل أنا موجودة حقا؟؟
أفكر كثيرا في الله، ما هو ولماذا خلق الحياة المسرحية، ما قيمة الحياة، أشعر أن عمري قصير جدا مهما طال لأن الموت قادم (أليس الصبح بقريب)، ولأني أشعر أن الموت قريب جدا أشعر بصعوبة شديدة في الحياة.
أتخيل أنه لا يوجد الله لكني أصاب بالجنون، لأني أسأل من أين جاءت المادة، وعندما أعود إلى الله وبأنه هو من خلق المادة أصاب بجنون أعظم لشعوري بشدة عظمته وخوفي الشديد من هذه العظمة التي لا يستطيع عقلي إدراكها، أنا لا أصدق أني موجودة لأني غير قادرة على استيعاب هذا الأمر.
أستمع إلى القرآن كثيرا، طوال الليل، علي أجد ما يشفي مرضي وتعبي، أحاول التدقيق في الكلمات، وأتخيل أن الله العظيم خالق المادة وخالق الكون والكواكب والبحار والجبال والخلية والشمس والقمر بأنه هو من يتكلم في القرآن، أحيانا للأسف الشديد أتخيل أنه من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم (أستغفر الله)، طوال الوقت أسأل لماذا القرآن بالعربية، ما ذنب الشعوب التي لا تعرف هذه اللغة، أفكر أن الله بهذه العظمة غير المدركة يجب أن يكون كلامه بلغة عالمية وليست العربية، وأقول ما ذنب اليهودي أنه يهودي، فمنهم أشخاص طيبون. وأشعر أن ما يجيبني القرآن طوال الوقت أن لا أسأل، وأن أؤمن فقط، وأن هذه حكم الله التي لا نعلمها.
لكن يبقى السؤال لماذا وكيف، أقول لماذا يحدث ما يحدث لأطفال سوريا وفلسطبن، لماذا يرعبنا الله، عندما نقوم بتجارب على الحيوانات نحاول قدر الإمكان أن لا نؤلمها، لماذا يؤلمنا الله... أنا أنظر إلى البشر كأني أنظر إلى حيوانات بما فيهم نفسي، وعندما أذكر الموت أشعر برعب لأني لا أعرف إلى أين أنا ذاهبة، وأحيانا أقول أين كنت قبل أن أخلق؟؟؟!! وأقول هل ممكن أن يعذب الله الإنسان عذابا أبديا، يا له من مسكين الإنسان، جاء بدون إرادته وخلق بشهوات حيوانية في النهاية يعذب بسببها، وهل العذاب الأبدي الرهيب في القرآن هو عادل؟ وما يستفيد الله من تعذيبنا وما يستفيد من خلقنا، يقول القرآن لكي نعبده، ولكن هل هو بحاجه لعبادتنا، أشعر أنها لا تسوى شيئا مقابل عظمته...
هذه الأفكار تسيطر على عقلي، أشعر باختناق شديد وبحاجة إلى التقيؤ كلما راودتني... لا أشعر بأي قيمة للحياة، أشعر أني مشاهدة من الخارج، لا أعرف من أنا وما هو ديني... كل مرة تراودني هذه الأفكار أشعر بالصدمة من جديد أشعر بالوحدة الشديدة وعدم الانتماء نفسي تتألم
أشكركم جزيلا على هذا الموقع، جعله الله في ميزان حسناتكم!!
أرسلت لكم استشاره بعنوان اضطراب نفسي شديد وأردت أن أضيف نقطتين، -أعتذر عن الفوضى في أفكاري وكلامي- عندما أستيقظ من النوم أستغرب أنني ما زلت على قيد الحياة وأبدأ بتفحص العالم من حولي وبأن كل شيء مكانه، وأن قوانين الفيزياء والكيمياء ما زالت تعمل، أتخيل لو أن الله يترك العالم لثانية واحدة ماذا سيحدث، مثلا لو توقفت قوى فان در فاليس بين جزيئات المادة فسيتفتت العالم بأكمله... عندما أنظر إلى أي شيء من حولي لا أراه، أرى فقط مادة وكل شيء يبدو مشابها. لا أريد ولا أرغب أن أنجب أطفالا حتى لا يتعذبوا مثلي
شكرا على سعة صدركم
09/02/2012
رد المستشار
كانت المفاجأة كبيرة، وأنا أشاهد مع طلاب كليتي نهايات فيلم "الآخرون" نراه طوال الفيلم بإدراك معين، إنما هو على العكس تماما فيما بدا من سياق الأحداث!!!
من كنا نراهم موتى كانوا هم الأحياء، وبالعكس... لكنها مسألة إدراك، والإدراك عرضة ـ طوال الوقت ـ للتلاعب والخداع والتأثير، وأحسب أن هذا هو المدخل الصحيح لفهم وضعك، ولا أقول مرضك، ولا أقول اضطرابك!!!
بحثت في سطورك مرة ومرات عن أعراض هذا "الاضطراب النفسي الشديد" فلم أجد شيئا من هذه الأعراض، وأنت لم تذكري لنا أي تشخيص، أو تعليق الطبيب النفساني الذي زرته!!!
دعيني قبل أن أسترسل في حديثي لك أن أحدد رؤية المدرسة التي أنتمي إليها في تشخيص "الاضطراب النفسي"... حيث ترى هذه المدرسة أنه حيثما كان العطل عن القيام بالوظائف الحياتية يمكننا تشخيص اضطراب نفسي، ومن هذا المدخل وحده، فيما يتضح من سطورك، هل يمكننا أن نقول أن لديك اضطرابا ما؟!!!
إذا كانت هذه الأفكار تتكرر بشكل تسلطي قهري لا تزيده مقاومتك له إلا تكرارا، فهل نحن عندها نكون إزاء حالة من الوسواس القهري؟!
ووقتها هل ما تشعرينه تجاه إحساسك بوجودك كما في قولك: "ولا أعرف إن كنت موجودة، ربما أتخيل كل شيء من حولي.. هل أنا موجودة حقا؟! هنا هل نحن إزاء حالة من اضطراب "اختلال الآنية"؟!!
أعتقد أنك تدركين صعوبة التشخيص "عن بعد"!!!
وأي طبيب متخصص يمكنه أن يفصل في هذه الناحية.
أؤكد أنا لا أنفي ولا أثبت، ولكن أتساءل، وكأنني أضع عدسة مجهر على كلماتك أتفحصها، طالما لا أستطيع فحصك إكلينيكيا، ومباشرة!!!
إذا وضعنا هذا الجزء جانبا، وحاولنا النظر في محتوى الأفكار التي تقولين أنها تمثل مشكلة لك مع الحياة، والإنسان، والدين... وبقراءة محايدة ومتجردة أجد أن أسئلتك هذه طبيعية جدا، وكلها أسئلة بسيطة تنشأ في أي عقل نشط يتعامل مع الناس والأحداث، فهل "العقل النشط" صار اضطرابا؟! وهل إذا كانت الأغلبية قد اختارت تعطيل عقولها، فلا يسألون، ولا يحزنون!!! هل يمكننا تشخيص ما يجري في عقول "الآخرين" بوصفه اضطرابا؟!!
طبعا نحن أمام مفارقة مذهلة!!!
أمام دين يحث على النظر في الكون، والحياة الإنسانية، وفي أحوال البشر، ومن ينظر ويتأمل لابد أن يتساءل، ومن يبحث عن إجابات يسعى وراءها حتى يجدها فيطمئن، وربما ينطلق إلى أسئلة غيرها، إذا ظل عقله نشطا، وبحثه عن الحقيقة مستمرا!!! لكن واقع الأغلبية غير ذلك، حيث العقول نائمة أو مغيبة!! وأزعم أن لديك أسئلة أخرى كثيرة غير ما ذكرت، وأزعم أن الرد على أسئلتك التي أوردتها في رسالتك لن يكون علاجا نهائيا لحالتك لأنك ربما تتألمين من المبدأ، من أصل الحق، أي من القبول بوضعك العقلي "النشط"!!!
ولا أدري هل يمكن أن يقنعك كلامي إن قلت لك أن من حقك، وحق كل إنسان كرمه الله، بل من واجب إنسانيته أن يسأل، وأن السؤال يمكن أن يتوجه به الإنسان إلى خالقه، بل هذا هو الأصل!!!
ورسول الله يقول:"إذا سألت فاسأل الله"
هل خلق الله لنا عقولا ثم يمكن أن يغضب علينا حين نشغلها؟!
هل كلامي لك يعني شيئا إن قلت أن أكبر خطيئة نعيشها، ونتربى ونربي عليها أجيالنا هي أن يكون الخوف من الله هو محور وأساس علاقتنا به سبحانه، بينما هو في كتابه كله يوضح بما لا يدع مجالا للتخبط أن الأصل في العلاقة هو الحب، وأن من يؤمن، ولا يظلم أحدا فله كامل الأمن، وهو المهتدي!!!
ما قيمة كلامي وأنا أصرخ في البرية أن ما يحمله أغلبنا، ويمارسه، ويتوارثه على أنه دين الله، وصراطه المستقيم، ليس سوى أساطير وخرافات نلفظها، ونمررها، ونتواطأ على التغافل عن مخالفتها لأصل الإيمان، وسمو الرسالة، وعظمة التشريع!!!
الأمر الذي حمل أحدهم أن يؤلف "دين ضد الدين"، وآخر كتب كتابا أسماه: "إسلام ضد الإسلام"!!!
هل من قيمة لنصيحة أهمس بها في أذنيك، وهي أن تتدبري القرآن فهذا هو المطلوب منا، وليس مجرد القراءة أو الإنصات!!!
هل من قيمة لنصيحة أخرى بأن تقبلي نشاط عقلك المتسائل، وتبحثي تباعا عن إجابات للأسئلة دون أن تتعذبي بها، لأنه: "حتى الملائكة تسأل"، وهذا عنوان كتاب آخر لمؤلف أمريكي أسلم، وما زال يحتفظ بعقله ناشطا.
أنصحك أيضا بمتابعة محاضرات د. عدنان إبراهيم، وستجدين منها الكثير على موقع اليوتيوب، وأنتظر أن تتابعينا بأخبارك.
التعليق: أنا أعاني من نفس الأسئلة التي أرتعد خوفا عندما تخطر على بالي، بل أنطق الشهادتين خوفا من أن أكون كفرت، حتى خوفي من الكفر هو بسبب وجود النار، هكذا يحدث معي لكني أتجاهل وأتجاهل قدر الإمكان علما بأنه يبقى حسرة في قلبي أني لم أجد إجابة تقنعني لأني إنسان أريد أن أقتنع كي أصل إلى الحقيقة،
أنا بطبعي فضولي وأحب اكتشاف كل جديد ومثير، شيء يقتلني إن لم أشبع هذه النزعة في داخلي