الرهاب الاجتماعي..!؟
أحب أن أشكركم على هذا الموقع الرائع الذي حل الكثير من المشكلات ووضعنا على الطريق الصحيح في التغير.
هذه أول مرة أكتب إليكم فأنا أعاني من الرهاب الاجتماعي ولكني أريد أن أتخلص منه لأنه يسبب لي الكثير من المشكلات. فهذه المشكلة بدأت عندي في سن صغيرة جداً منذ مرحلة الطفولة حيث أهلي لا يتكلمون مع بعضهم البعض وقليلاً جدا يتحدثون معي أو مع إخوتي ولا يعرفون ماذا نحب أو نكره. ولكن في هذه السنوات بدأت تتحسن علاقتي بهم (أو بمعنى أصح عندما كبرت تعودت على هذا الأمر).
فوجدت مع أختي أحاديث كثيرة وتشاركني نفس الاهتمامات ولكني أتعامل معها ومع أهلي وأصدقائي (المقربين) على طبيعتي فأتحدث وأمزح معهم، وعندما أخرج في الأماكن العامة والتي يوجد بها أشخاص غريبة أكون بالشخصية الانطوائية المرتبكة ولا أتكلم إلا قليلا. وعندما أبدي رأي وأتكلم مع أشخاص لأول مرة أشعر بدقات قلبي شديدة جداً وأن هذا الشعور يتكرر كثيرا كأنه لا إرادي ولا أتحكم فيه وحتى عندما أتواصل مع أشخاص لا أعرفهم على المنتديات أو الفيس بوك أشعر بنفس الشعور وهذا يجعلني أتوتر أكثر
وبعد مرحلة الطفولة ودخولي مرحلة المراهقة تقريباً في سن 13 سنة بدأت أهتم بالتنمية البشرية وبالكتب في هذا المجال والتي تتحدث عن تنمية الذات والثقة بالنفس وكيف تكون ناجح في حياتك، وبدأت أسمع لإبراهيم الفقي (رحمة الله عليه) وطارق سويدان وصرت مولعة بها لأنها كانت سبيلي في التخلص من النقص الذي كنت أشعر به فبدأت أتحدث في مواضيع أكبر من سني ونسبة إلى الفرق الكبير بيني وبين أختي فكنت أتحدث معها وبالتالي أهتم بالمواضيع التي تهتم بها وأنا أريد أن أصادق الأشخاص الذين يكبرونني في السن (وما زلت حتى الآن)، فوجدت نفسي في عزلة مع أصدقائي الذين في مثل سني لم أجد معهم أي أشياء مشتركة وكنت أشعر بتفاهة المواضيع التي يتحدثون عنها (ولا أقصد بهذا تعاليا أو تكبرا) ولكن هذه كانت ظروفي فلم أتحدث كثيرا معهم ولم تكن صداقتي بهم متينة فإنهم كانوا أصدقاء مدارس يتغيرون إذا غيرت مدرستي
وهذه المشكلة ما زالت موجودة حتى الآن وأنا في سن 18 في تعاملي مع أصدقائي لا أتكلم كثيرا معهم شعرت أن هذه طبيعتي فأنا لا أحب أن أتكلم كثيرا بقدر ما أسمع الشخص الذي يتكلم. وأنا أيضاً كتومة جداً لأني عمري ما تكلمت في مشكلاتي أو أشارك أسراري مع أي أحد من أصدقائي أبدا وحتى أختي أحياناً لا أقول لها على مشكلاتي لأني أحب أن أحلها بنفسي
وأنا الآن اتخذت قرار بأني أريد أن أتغير وأن أصبح أكثر اجتماعية فبعدت عن كل أصدقائي لأنهم مختلفون عني كثيراً من حيث شخصياتهم وأنهم يؤثرون علي بالسلب وفي تراجعي من حيث كلماتهم (إنت هادية أوي، إنت خجولة، إنت مملة، إنت معقدة)، وسبب لي هذا انعدام بالثقة بالنفس حيث أني شخصية شديدة الحساسية فإذا سمعت مجدداً أي كلمة من هذه الكلمات أو أي نظرة تعبر عن هذا فأشعر أني أتراجع وأبدأ من الصفر.
ويوجد أيضا مشكلة هي عندما أقابل أشخاص وأريد أن أصادقهم ولهم نفس اهتماماتي ويتكلمون في مواضيع لي رأي فيها لا أتكلم معهم أيضاً وأحس بهذا الشعور دقات قلبي ترتفع فأشعر بالتوتر. حيث أريد أن أكتسب أصدقاء جدد يعرفوني على طبيعتي الحقيقية وما أنا عليه حيث أصدقائي السابقين يتهموني بالغموض وهم ما زالوا حتى الآن لا يعرفوني جيداً.
ولماذا ينظر مجتمعنا على أن الشخص الذي لديه أخلاق (الطيب) كما نسميه هو شخص عديم الثقة بالنفس وأنه ضعيف أو أنه أتى من كوكب آخر وأن الشخص المقبول لديهم هو الشخص القوي الذي يأخذ حقه بالصوت العالي ويحترموه أكثر. فأنا لا أدعي بأني إنسانة صالحة وأن لدي أخلاق أو أني مثالية بل أسعى إلى تحقيق ذلك (حتى لو كنت في سن صغيرة كما يرون) فلماذا مجتمعنا يمنعنا من تحقيق ذلك وكيف يطالب بوجود أشخاص مثل ذلك وفي نفس الوقت يسخر منهم ولا يحترمهم.
فكيف أنمي مهاراتي الاجتماعية وكيف أبدأ في تحقيق ذلك؟
وكيف أتغاضى عن الناس الذين يؤثرون علي بالسلب؟
وهل أحتاج إلى دواء بسبب أعراض الرهاب الاجتماعي؟
وما هي أخطائي فيما فعلت حيث أني لم أستفيد بكل ما قرأت في التنمية البشرية وكيف أطبقه؟
آسفة على الإطالة
وشكراً مجدداً على مجهودكم.
13/09/2012
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك يا ابنتي، سعيدة أنا بدأبك في تطوير ذاتك ومتابعتها، وحتى تكتمل مهمتك مع نفسك لابد أن تعرفي بعض "الحقائق" طبعًا "العلمية"؛ حتى تتسع رؤيتك فتتعاملين مع نفسك بشكل أفضل وأكثر واقعية؛ فنحن نتكون نفسيًا من خلال ثلاث مسارات تتداخل وتتفاعل؛ فنكون "نحن" وهذه المسارات هي:
الوراثة؛ أي من جيناتنا التي ورثناها من أهلنا، وليس معنى أهلنا أي: الأب والأم فقط، ولكننا نرث من العائلة؛ كالعم والخال والجد وهكذا، وهذه الجينات ليست فقط في اللون والملامح والأطوال، ولكن هناك جينات تخص الذكاء، العصبية، الحرص، العاطفية إلخ،
والمسار الثاني هو: النمط التربوي: أي كيف كانت طريقة التربية؛ هل كانت سليمة مرنة متزنة، أم كانت باردة تحمل من الإهمال أكثر من الاهتمام، أم كانت ناقدة ساخرة قاسية، أم كانت مُدلِلة وتحمي الأبناء حتى من الهواء لو تمكن الأبوان من ذلك؟، فالتربية من أعمق المسارات التي تؤثر في تكوينا النفسي ولعلها أكثر امتدادًا في شخصياتنا لمرحلة طويلة من عمرنا،
والمسار الثالث هو: خبراتنا في حياتنا والتي نحصل عليها من خلال احتكاكنا بالبشر، والمواقف، والأزمات، والنجاحات، والإحباطات، وغيره مما يجعلنا "نكون" مفاهيم، أو "دروس" تجاه الحياة والبشر، وكلما كانت تلك المسارات متوازنة ومتفاعلة بشكل سليم كلما كان الإنسان متوازنًا مستقرًا سويًا على المستوى العقلي والعاطفي والسلوكي، والعكس صحيح،
المشكلة ربما تأتي من أن بعض الهواة في التنمية البشرية يتحدث عن التغيير والقدرات والاستراتيجيات؛ فيجعل الناس يتصورون أنهم لابد وأن يكونوا عمالقة في التفكير والتأثير والعمل والحياة ويظل الواحد منهم في حالة شحن مستمرة وضاغطة للآخرين متناسيًا الوراثة، متناسيًا المناخ التربوي الذي عاش فيه البشر على اختلافهم؛ فنجدهم يقدمون العون للبعض بالفعل، ولكنهم يحطمون البعض الآخر دون وعي!،
والحقيقة أن ليس كل البشر قادة وزعماء، وليس كل البشر يمتلكون نفس الطاقات والقدرات، وليس كل البشر يتمكنون من تجاوز المناخ التربوي الذي يعيشون فيه ليل نهار على الأقل وحدهم، وليس حديثي معناه ألا نجتهد ونبذل الجهد في التغير، بل العكس؛ فالتغيير هو مهمتنا الرئيسية في الحياة، ولقد حثنا الله تعالى عليها ولكن التغيير يحتاج"لبصيرة" حتى نتمكن من تهذيب وتطوير ذواتنا دون أن نمرض ونيأس ونحزن، ونحن نتغير لنقف في المساحة التي تناسبنا.... كل حسب قدراته وطاقاته وظروفه؛ فنجد اختلافنا وقد جعل حياتنا ثرية فيها شخص متميز في كل مكان ومساحة كبرت أو صغرت، ظهرت أو اختبأت،
والحقيقة الأخرى المهمة هو أننا نعمل كبشر وفقًا لنظام؛ فنحن نتصرف نتيجة نظام بداخل كل واحد منا؛ فالنظام يبدأ بالتفكير؛ فنحن لدينا أفكار في رؤوسنا جاءت من طريقة التربية التي ترسخ مفاهيم وترفض مفاهيم وتضع حدود وأصنافًا للصح والخطأ، وجاءت كذلك من خبراتنا التي تعلمناها من خلال المواقف التي مررنا بها، ومن الأحداث من حولنا، ومن علاقاتنا بالآخرين، وكل هذه الأفكار يتم تخزينها في عقولنا ونغلق من ورائها الباب: أي يتم التعامل معها على أنها أفكار "مقدسة" فلا يمكن أن تكون خطـأ، ولا تحتمل المراجعة، أو النقاش، ولا يجوز نسفها والعمل بغيرها، وهي ما تُعرف علميًا "بالأفكار الأوتوماتيكية"؛ وهي بالمناسبة في غالبها إن لم تكن كلها أفكارًا سلبية، ثم تتحول تلك الأفكار بداخلنا لمشاعر تملأ الوجدان ونصدقها، فتتحول تلك المشاعر بدورها لتصرفات،
وحتى تتضح الصورة لك أكثر أذكر لك مثالًا مما ذكرت؛ فكان لديك فكرة أنك انطوائية لا تتحدثين وآرائك قد تكون خطأ، أو تافهة، فتحولت الفكرة لمشاعر ضيق، خوف، دونية، ثم تحولت المشاعر التي ملأت وجدانك وصدقتيها لتصرفات فكنت تصمتين، وترتبكين إذا اضطررت للحديث، فحين عدَلت الفكرة وأصبحت "أنا أستطيع أن أثق بنفسي وأطورها"، تحسنت المشاعر وصرت تشعرين أنك جيدة، ولديك آراء، ومبادرة، فصدقت واستوعبت تلك المشاعر في وجدانك، فتحولت لتصرفات فتحدثت وتناقشت مع آخرين، ولكن أين المشكلة الآن؟؟، ولماذا بعد كل ما سمعت وعرفت تجدي كلمة واحدة ، أو نظرة واحدة تجعلك تبدئين من الصفر؟؟،
الرد ببساطة أنك "متعجلة"؛ فتعجلك جعلك تُعدْلين أفكارك دون مناقشة وتحليل؛ فعدلت فكرة عدم ثقتك بنفسك وهي فكرة سلبية لفكرة أخرى وهي أن صديقاتك تافهات وسنهم رغم أنه من سنك إلا أنك تحتاجين من هم أكبر وكانت النتيجة الصادمة أن الأكبر، أو الذين يتحدثون في اهتماماتك تقفي معهم موقف الصمت من جديد!، وهذا يرجع للاستعجال الأكثر خطورة، وهو أنك لا تتعاملين مع نفسك بالنظام البشري السليم الذي يبدأ بالأفكار ثم يمر بالتجربة الشعورية والاستيعاب: أي التصديق وليس مجرد المعرفة، ثم تترجم تلك المشاعر لسلوك؛ فقفزت من الأفكار للسلوك دون أن تأخذي وقتك في التجربة الشعورية: أي دون أن تمري بالاستيعاب؛
فمثلًا يُقال.... لكي تثق في نفسك.. قل لنفسك كل يوم أنت جيد، أنت قادر، أنت لديك ما تضيفه، فتتحدث بنبرة هادئة، وتركز في عرض أفكارك، الخ، فأين الاستيعاب هنا بين الفكرة والسلوك؟؟، فأفكار مثل... أنا جيد، أنا قادر "لابد" من أن تصدقيها من داخلك بالفعل حتى تتحول لسلوك طبيعي وتلقائي؛ فهناك فارق كبير بين أن نعرف وبين أننا نصدق ما نعرفه: أي ندركه؛ فحين تصدقين أنك قادرة، أنك جيدة، أنك واثقة من نفسك فعلًا ستحل مشكلة التصرفات الخارجية بشكل متدرج وتلقائي،
وما أحدثك عنه ليس سهلًا... فسيأخذ وقتًا وجهدًا، ولكنك تستحقين هذا الجهد يا ابنتي، فكل ما تحتاجينه هو الاستمرار في تعديل أفكارك السلبية، بالرصد والمناقشة الموضوعية والصدق الشديد مع ذاتك، ثم بعد تلك المناقشات الموضوعية تدركين أي: تصدقين تلك الأفكار فتتحول وحدها لسلوكيات فترضين عن ذاتك أكثر وأكثر وتتحسنين بمرور الوقت دون نكوص،
فمشكلة الثقة بالنفس والتي تترجم في شكل دقات قلب وارتباك ورعشة وبرودة وغيره من المشكلات التي تحتاج لوقت لعلاجها ولن يحلها فقط أن تتعرفي على ما هي الثقة بالنفس وما هي خطوات الثقة بالنفس!، ولكن ستتحقق وبقوة تتعجبين منها بعد ذلك حين تتعلمين مهارة رصد الأفكار السلبية، وتدوينها وتحليلها بشكل ناضج وواقعي ليتم تعديلها بصدق دون نصب على الذات!، فتتحول لسلوك بشكل متدرج وطبيعي،
وسأوضح لك بمثل مما ذكرت: أصحابي كلهم لا يعرفونني على حقيقتي سأقطع علاقتي بهم جميعًا، هذه فكرة سلبية خاطئة، نناقشها... لماذا لا يعرفونني؟، هل هم أغبياء؟، هل هم سطحيون؟، أم أن صمتي وردودي القليلة أحيانًا والمتفلسفة أحيانًا جعلتهم يحكمون على الظاهر فقط؟، أم لعلي حين طورت نفسي وفهمت أكثر وتعرضت لأمور لم يتعرضوا هم لها بدأت أتحدث بعيدًا عن واقعهم، فوجدوني مملة معقدة؟، ماذا لو كنت استخدمت تطويري لذاتي معهم كأنهم بروفة لي بدلًا من تركهم؟، هل أنا أعطيهم ما يحتاجون هم مني، أم أفكر في احتياجاتي فقط؟،
وهكذا ستتمكنين من تعديل الفكرة السلبية لتكون أفضل كأن تقولي... سأبدأ في التعبير عن نفسي بشكل واضح أكثر من ذلك ودون توتر، أو استعجال، وسأحترم واقعهم، فأبدأ في فهم شخصياتهم التي بالتأكيد تختلف عني فنحن مختلفون لأعرف احتياجهم وأقدمه لهم لتكون علاقتي بهم صحية أكثر؛ فأأخذ وأعطي،
مثال آخر.. فكرة أنني لا أشعر أني جيدة إلا إذا رأيت استحسان من الآخرين.. فكرة خاطئة؛ فالآخرون ليسوا هم الميزان الذي يحقق لك التوازن؛ فالثقة بالنفس ببساطة شديدة هي.... كيف أنظر لنفسي، فقد نجد شخصا يتصرف تصرفات خاطئة ولكنه ينظر لنفسه أنه هكذا جيد ويرضى عن ذاته فهذا الشخص واثق في نفسه! رغم خطأ تفكيره وتصرفاته من وجهة نظرنا نحن،
وهكذا ستجدين تصرفاتك تتغير تدريجيًا، وأعرف أنني كتبت لك أقل مما أردت ولكن أأمل أن "تستوعبي" ما قلته وأن تراجعي عدة روابط محترمة وواقعية تعينك على فهم وإدراك حقيقة الثقة بالنفس؛ لأنه مربط الفرس في علاج الرهاب الاجتماعي، دمت بخير يا ابنتي.
واقرئي على مجانين:
ملف تأكيد الذات
كيف تؤكد ذاتك؟
أحاول أن أفهم نفسي أكدي ذاتك
إبنِ لنفسك شخصية، تحقق ذاتك
كفاك خوفا: أكد ذاتك فورا
لا عيادة ولا غيره فقط أكد ذاتك