صامت
لن أجد كلمات أصف بها حبي لموقعكم الكريم الذي زاد من خبراتي في الحياة وأطلعني على كثير من مطويات وأسرار النفوس، أكتب إليكم بعد أن فاض قلبي بالحزن وأصبحت مأساتي لا تحتمل........ سوف أحكي قصتي من البداية:
منذ ولادتي وأنا طفل مطيع هادئ جدا.. حتى أن بعض أقاربي كانوا يحسدون أبي والسبب ببساطة هو أنني هادئ جدا، لا ألعب مع رفاقي ولا أضحك أو أجري ولا أسبب المتاعب أبدا، إذا وضعني أبي في مكان, لا أتحرك منه أبدا وأجلس كالصنم بلا حراك لا أتكلم، بل حتى لا أتنفس كنت أظن أن الصمت صفة جميلة (حينما كنت في المرحلة الابتدائية) فلطالما امتدحني أساتذتي لكثرة صمتي وهدوئي.
ومع الوقت تكونت لدي نظرة خاطئة مفادها: أن اللعب هو نوع من تضييع الوقت وأن المزاح دليل على الفشل فصرت أبتعد عن زملائي كثير اللعب حتى لا أكون فاشلا مثلهم ومما زاد من مشكلتي هو شخصية أبي أبي: طيب جدا ومجتهد جدا حتى أنه لا ينام إلا ساعات قليلة وقد تزوج بعد اجتهاد شديد في عمله, فلم يساعده أهله في الزواج بل هو من ساعد إخوته في الزواج (فهو الأكبر) ولم يكن هو أيضا محبوبا من إخوته........ فقد كان عاشقا للتنظيم وإعطاء الأوامر ولا يعرف ماذا تعني كلمة (ترفيه) أتعجب جدا حين أفكر في زواج أبي........
وكيف استمر هذا الزواج 22 عاما لحسن حظ أبي أنه تزوج من إنسانة طيبة جدا ومطيعة فلن توجد أي امرأة في العالم تتحمل الحياة مع هذا الرجل الذي لا يتكلم إلا بالأوامر والفرامانات ولا يعرف عن الحياة سوى أنها حرب, لا يوجد مكان للخطأ وإلا فسوف تفقد حياتك أو تمضيها في دفع ثمن غلطتك (الشك والحرب والخوف) هي المبادئ التي طبعها أبي في (طبعا عن حسن نية منه) فصرت أخاف من الناس في الشارع وأخاف من المستقبل الذي أخرج فيه للحياة وأتعامل مع الذئاب البشرية التي لن تألو جهدا في إيذائي ونصب الأفخاخ لي
أبي يحبني ويحب إخوتي كثيرا ومن شدت حبه لي, لا يسمح لي بالخروج من المنزل إلا لسبب طارئ وهو ذهابي للجامعة التي تبعد عن بيتنا ربع ساعة سيرا وفي تلك الحالة يجب أن أتصل بأبي حين وصولي للجامعة وحين خروجي منها وفي مرة من المرات قابلت صديقا لي، وتحدثت معه وقد تأخرت ساعتين عن موعدي (ولسوء حظي كان هاتفي مغلقا) وحين وصلت البيت فوجئت بأبي يجهش بالبكاء وأمي قد احمر وجهها وظلت تحمد الله وقالت لي أنها أظهرت تماسكها أمام أبي ولم تظهر أمامه شعورها بالانهيار والخوف علي ولك أن تتخيل أنني قد قاربت على التخرج من الجامعة، وحتى الآن لا أستطيع الذهاب الذهاب بعيدا كثيرا عن البيت، لأنني ببساطة سأتوه....... أبسط المعالم والمناطق والمحلات والمتنزهات التي يجب أن أكون على دراية بها......... لا أعرفها
حين دخولي المرحلة الثانوية، بدأت أشعر أن شيئا ما خطأ فلم أعد قادرا على استذكار دروسي ولم أعد متفوقا كما اعتدت، وعلى النقيض رأيت زملاء لي يخرجون كثيرا ولا أراهم يمسكون كتابا ولكنهم تفوقوا كثيرا أصبحت الأمور تتضح لي، حين دخلت الجامعة فوجدت نفسي مختلفا، خرجت من قوقعتي لأرى عالما ضخما لم أكن قادرا على استيعابه ولم أجد حلا لخجلي الزائد عن الحد وارتفاع الأصوات بالضحك والاستهزاء حين أمر على مجموعة من شباب الجامعة ولذلك صرت لا أذهب إلى الجامعة كثيرا, واكتفيت بالمذاكرة في البيت، حيث أن عدم ارتياحي في الجامعة كان عائقا كبيرا يمنعني أن أفهم أي شيء، فحين أدخل لحضور المحاضرات, أفكر في شيء واحد وهو: متى سأعود للمنزل (النقطة الحصينة)؟؟
مع الوقت بدأت أتغلب على الخجل نهائيا باتباع طريقة سهلة جدا وهي: لاعتقاد بأني غير موجود.. لا يمكن لأحد أن يراني أو يسمعني وصرت لا أبالي بردود أفعال الناس، فقد اسهزؤوا بي لدرجة أن الاستهزاء قد انتهى كما أنني تعرضت لمواقف كثيرة أهانت كرامتي أمام الجميع وصرت مادة حديث ممتعة للسخرية وشعرت أنه بعد الآن، لم يعد لدي شيء لأخسره مرت السنين وقد انقسمت الدفعة لأقسام فوجدت نفسي ضمن مجموعة صغيرة هم دفعتي الجديدة
الفصل الثاني : الصدمة
كل ما مر من حياتي شيء وما سيأتي شيء آخر أو بمعنى أصح: حياة أخرى فقد رأيت فتاة ضمن دفعتي الجديدة، ونظرا لصغر عددنا فقد سنحت لي الفرصة أن أراها كل صباح وأجلس خلفها أستمع لعذوبة حديثها مع زميلاتها وكثيرا ما أسمع ضحكاتها الممتلئة بالأنوثة أحببت كل شيء فيها: ملابسها -عطرها- كلامها وصمتها وتفكيرها -احمرار خديها بعد يوم طويل من المحاضرات وصرت أعشق تصوير دفاترها والمذاكرة من مدوناتها المكتوبة بخط ناعم جدا كما أنها ذكية جدا ولا تسمح لأحد بأن يتخطى الحدود ظللت حوالي سنة على هذا الحال، وبالصدفة تمكنت من التواصل مع أفراد قسمنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحين تواصلت معها أخبرتها بحبي لها اندهشت كثيرا لأن هذا الفعل صدر مني ولأنها لا تثق في نفسها ولا تفكر كثيرا في تلك الأمور العاطفية أو بمعنى آخر لا تدع مجالا للتفكير بهذه الأمور وكانت تذكرني دائما بأن أتقي الله في حديثي معها.
هي شخصية اجتماعية جدا ودائمة الابتسام ولأننا أصبحنا أسرة صغيرة في الكلية حاولت التحدث معها بشكل عادي وهنا كانت الصدمة، اكتشفت أن رأسي فارغ جدا ولا أجد ما أقوله، بل أنني حتى لا أجد ردا على كلامها تلك هي الصدمة التي أفاقتني من غيبوبتي، شعرت بنوع غريب جدا من الفوضى في رأسي مثل شعور الحاسب الآلى بالرغبة الملحة في إعادة تثبيت النظام بكيت كثيرا لتفاهة العائق الذي حال بيني وبين حبيبتي تمنيت لو يعود بي الزمن للفصل الابتدائي,
فألعب وأضحك وأصنع الفوضى وأعيث في الفصل فسادا "لما أكن أعلم أن القفل الذي أضعه على فمي، لن أتمكن يوما من فتحه مرة أخرى" كان هذ هو حالي مع بقية زملائي في الجامعة لا أتحدث ودائم الصمت, وبتلك الصفة تميزت عن بقية زملائي فدائما ما يسألني أاساتذتي: لما أنت صامت إلى هذا الحد أصبح هذا الوضع لا يحتمل يمر علي يوم كامل ولا أتفوه إلا بكلمات قليلة جدا وهي: وعليكم السلام -الحمد لله بخير- وداعا صارت أمي تحزن كثيرا لأنها لم تعد قادرة على فتح مجال للحديث معي وكثيرا ما تشتكي لي وتقول: أشعر أنك غير موجود معنا............
وهي التي كانت تعلق علي الآمال وتحلم بيوم ترى فيه ثمرة تعبها وتحملها للآلام لست خجولا أبدا ولكن رأسي فارغ لدرجة الجنون أصبحت أجبر نفسي على الحديث مع زملائي فصرت أتفوه بكلام عابث، وفوجئت بسخريتهم وقد كانوا يظنون أن وراء صمتي شخصية تستحق الاحترام والتقدير
أعراض مصاحبة: أعاني من اكتئاب مزمن وعسر مزاج دائم ونظرة سلبية للحياة وتحكم زائد من الأهل وخوف من المستقبل وكثرة لوم النفس وتأنيب الضمير وانعدام الثقة بالنفس ولكن كل هذه ليست مشاكل بالنسبة لي, فهي تزول إذا تمكنت من حل مشكة الصمت الجنوني
أرجوكم أرشدوني إلى حل فقد أصبحت أقنع نفسي بعدم التعلق بأي فتاة وأن أستعد لأكمل حياتي عازبا, فلن أجد من ترضى الزواج من شخص غير موجود أصلا
أستحلفكم بالله أن ترشدوني لأسماء كتب بأي لغة كانت أو محاضرات أو صوتيات تجعلني أتحدث بلا نهاية.
29/11/2012
رد المستشار
استشارة نفسية علاجية Psychotherapeutic Consultation
نظرة عامة Overview : طالب في كلية طب عمره 22 عاماً يشكو من صعوبة في الاتصال كلامياً مع الآخرين.
التوصيات Recommendations
۰ شكراً على استعمالك الموقع.۰ حاول تقييم الأمور بصورة موضوعية وعملية. أنت طالب في كلية الطب، وليس هناك كلية طب لا تعني بمهارات الطلبة في الاتصال مع المرضى ومع بعضهم البعض هذا الاتصال بحد ذاته يشكل ما لا يقل عن 30% من درجة الامتحان السريري وفي كل حالة، ولا بد من النجاح في هذا الجزء من الامتحان.
۰ بلا شك سيكون لديك أكثر من حصة في مهارات الاتصال Communications Skills مع السنة الثالثة في كلية الطب. سيتم عمل ذلك من خلال مجموعات صغيرة تحت إشراف أحد المدرسين.
۰ عليك بالحديث أيضاً مع المدرس أو المرشد الخصوصي لمرحلتك أو ما نسميه Personal Tutor مشاكل صعوبات الاتصال معروفة في كلية الطب ويعني جميع المدرسين بتقديم العون والحرص على تجاوز الطالب لهذه المشكلة. سيرشدك المدرس أولاً إلى أحد زملائه في الطب النفسي لتقييم درجة القلق الاجتماعي الذي تعاني منه وفي الكثير من الأحيان يستعين بمعالج نفسي دون اللجوء إلى استعمال العقاقير بعد ذلك قد يتصل بأحد زملائه لكي تسنح لك الفرصة للجلوس مع أحد الأطباء في العيادة الخارجية وتشجيعك على الاتصال كلامياً معه ومع المرضى كذلك. في الغالبية العظمى يتجاوز الطالب المشكلة خلال أقل من 3 أشهر.
۰ ستجد في بداية الأمر سهولة تجاوز الصعوبة في الاتصال الكلامي مع واحد من الزملاء. بعدها تتحول إلى تجاوز الحديث ضمن مجموعة صغيرة وهكذا أما الشرائط والكتب والمحاضرات فلا أظن أنها الجواب للصعوبة التي تعاني منها والتي ستتجاوزها.
۰ الأعراض المصاحبة التي تطرقت إليها متعلقة بالقلق الاجتماعي المتمثل بصعوبة الاتصال كلامياً. هذا النوع من الرهاب يتماثل إلى الشفاء وخاصة بعد تلقي العون في الجامعة، وبعدها ستختفي الأعراض الوجدانية التي تكلمت عنها.
۰ حاول أن لا تصب اللوم على الوالدين، فقد جاهدوا، وربما أسرفوا، في حماية أطفالهم وربما كان لهم الحق في ذلك لا أنكر بأن الإسراف في الحماية والرعاية لعب دوره، ولكن تجاوز الرهاب الاجتماعي سيتم قريباً متى ما عملت بالنصيحة أعلاه.
۰ وفقك الله.
التعليق: يبدو أنني اسرفت في حديثي ولم أوضح مشكلتي
..فأنا لا أعاني من رهاب اجتماعي ولكني لا أجد ما أقوله حين أكون وسط الناس .......
قد يبدو لك الأمر تافها ولكنها مشكلة أرقت حياتي
كما أنني لست طالبا بكلية الطب ..بل أدرس بمعهد تمريض فهل من طريقة تلهمني الحديث ؟؟