أنا متزوجة، وعندي 8 أطفال، مشكلتي أن زوجي قد تغيرت تصرفاته معي ومع أولاده، أصبحت أشك فيه، أشعر أنه على علاقة بامرأة أخرى.
كلما حدث بيننا خلاف رفض النقاش، ولا أدري ما السبب، هل هو ملل زوجي؟ مع أنني ضحيت كثيرا من أجله.
أريد أن أعرف هل له علاقة بامرأة غيري أم هو الملل مني؟ علماً بأن لي فترة طويلة متزوجة بلغت 29 سنة.
التزمت الصمت نزولا على رغبته؛ لأنني عندما أتكلم يسكتني ويقول: أنت لا تفهمين..
أريد حلا، وأعدكم بأن أنفذه حرفيا، ولكن راعوا مشاعري وإحساسي، وشكرا على هذا الموقع الرائع.
* تم نشر هذه الاستشارة سابقاً على صفحة مشاكل وحلول بتاريخ 30/12/2003
30/12/2003
رد المستشار
هذه الرسالة من أختنا الفاضلة تجسد لكل ناظر يعي ويفهم مشاعر زوجة محبة لزوجها وأم لـ 8 أبناء، هذه الزوجة، هذه الإنسانة، رغم كل مسئولياتها فإنها تذبل؛ لأن زوجها الذي وهبته قلبها وروحها وحياتها يبدو كأنه تحول عنها بمشاعره.
والمشكلة تبدأ برجل يريد أن يتزوج لأسباب متعددة، يختار زوجته التي تناسب ظروفه واحتياجاته في هذا الوقت فيتزوجها وتنجب الأولاد، ثم تنشغل بهم وبمتطلبات المنزل ومسئولياته التي لا تنتهي؛ فتتوقف عن تطوير نفسها وشخصيتها، والزوج من حولها يتحرك في دروب الحياة، يرى نساء غيرها بأشكال مختلفة وشخصيات مختلفة، والزوجة كما هي لم تتغير، لها الاهتمامات نفسها، ومشاغل الحياة اليومية نفسها التي تستغرقها تماما ولا تسمح لها بأي مساحة من الوقت لتطوير شخصيتها وتطوير وسائل التواصل مع زوجها.
وتبدأ الهوة بين الزوجين صغيرة ثم تزداد اتساعا مع الوقت، وكلا الزوجين لا يفكر في بذل أي جهد لرأب الصدع، وإصلاح الشروخ الحادثة في جدران الحياة الزوجية.
كلا الزوجين يستسلم للأمر الواقع وللتباعد الحادث بينهما، وفي الأغلب الأعم يحمل الطرف الآخر السبب في حدوث هذا الشرخ، حتى لو حاول أحد الطرفين الاقتراب وعبور هذه الفجوة فإنه في الأغلب يحاول بأسلوب واحد مكرر، وسرعان ما ييأس عندما يواجه بأي صد من شريك الحياة.
والسبب في هذا هو جهلنا الاجتماعي المركب الذي يعيقنا عن التواصل السوي مع شريك الحياة، وبعد سنوات من حياة تبدو في الظاهر مستقرة، وبعد سنوات العرق والكد تجد الزوجة زوجها ينفصل عنها معنويا، وتجد سنوات عمرها تتسرب من بين يديها حين تصورت أن الحصاد قد آن أوانه.
ويضاعف من هذه الأزمة أن الزوج قد بدأ يشعر أن شبابه يولي راحلا فيهتف مع القائلين: "ألا ليت الشباب يعود يوما"، ويسعى جاهدا وراء أي سراب يتصور أنه سيعيد له أيام الصبا والشباب حيث كان محط أنظار جميع النساء، فالزوج يريد أن يشعر أنه مطلوب ومرغوب فيه لذاته.
وفي هذه الأثناء تقترب الزوجة من الأربعينيات، والأولاد قد شبوا عن الطوق، وأصبح لكل واحد منهم عالمه الخاص.
والمرأة هي الأخرى تريد أن تشعر أنها ما زالت أثيرة عند زوجها الذي ضحت بالكثير من أجله، ومن أجل راحته، والتغيرات الهرمونية والنفسية التي تصاحب هذه الفترة من حياتها تجعلها أكثر حساسية وأكثر احتياجا للإشباع العاطفي، فأين تجد هذا الإشباع إن لم تجده مع الزوج والحبيب؟!
الزوجان كلاهما يحتاج أن يضمد جراح الآخر، وأن يقدم لشريك حياته ما يحتاجه في هذه الفترة الحرجة من العمر حتى يتمكنا سويا من إكمال المسير بسلام إلى نهاية العمر، فمن يعي ومن يفهم؟! ومن يقدم على الفعل ويثابر عليه وعلى تطويره بعد مرحلة الوعي والفهم؟!
من المؤكد أن أمرا كهذا يحتاج لحكمة ويحتاج لتدريب، كما يحتاج لقدرة نفسية عالية وذكاء اجتماعي.
والتساؤلات المطروحة تبدأ بتساؤل يستنكر تمتعنا بالذكاء العاطفي والاجتماعي عند تعاملنا مع الآخرين، وغياب هذا الذكاء عند تعاملنا مع شريك الحياة، وذلك بالرغم من أن هذا أوجب وأكثر أهمية، فمن يضطلع بمهمة تدريب الأزواج والزوجات؟ ومن يضطلع بمهمة تعليم أفراد مجتمعاتنا مهارة اكتساب قلوب الآخرين والحفاظ على مفاتيحها بين أيدينا؟! هل يمكن أن نقول إننا في حياتنا الزوجية نعاني من أمية أشد وطأة وأكثر خطورة من أميتنا العلمية؟ إننا نحتاج لمن يعلمنا ألف باء العلاقات الزوجية، فهل من مجيب؟
وحتى يكشف الله هذه الغمة برحمته عنا، أقول لك يا أختي الفاضلة: إنك بالتأكيد قد شاركت -كما شارك زوجك- بجزء كبير في صنع المصير الذي آلت إليه علاقتكما سويا، وإن لكل منكما دوره الحيوي في إصلاح ما حدث، ولا بد أن تكوني أنت البادئة؛ لأنك مَن أدركت عمق الأزمة الحادثة بينكما، فعليك بالخطوات والوسائل الآتية:
٠ لا تشغلي بالك بأن زوجك على علاقة بامرأة أخرى، ولا تحاولي أن تفشي أسراره، ولا تتجسسي عليه بأي وسيلة، وكوني على يقين أنه حتى لو كانت هناك امرأة أخرى فإنك وبذكائك ومهاراتك وبرصيد العشرة الموجود بينكما قادرة على أن تستعيدي قلبه، وأن تعيدي الطير الشارد إلى عشه.
٠ فرغى جزءا من وقتك وقلبك وعقلك وجهدك لزوجك، واستعيني بالأبناء لقضاء بعض شئون المنزل.
٠ احرصي على أن تقدمي دائما لزوجك ما يحب، وكوني له "المرأة التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته"، وقدمي له الطعام الذي يحبه بالطريقة التي يحبها، وارتدي الملابس التي يحبها وتعطري بالعطر الذي يحبه، وحادثيه فيما يحب وقتما يحب، واصمتي عندما تجدين أنه يفضل الصمت، على أن تكوني بجواره وتشعريه بوجودك وبقربك منه.
٠ توددي إليه بكل الوسائل التي يحبها، بدءا من حسن الاستقبال عند العودة، والكلمة الحلوة والجو الهادئ الرقيق والهدية الجميلة التي تحمل كل معاني الحب.
٠ لا بد من مراجعة علاقتكما الجنسية بحيث تكون مرضية لكما سويا، ولا بد من أن تتصارحا سويا حول هذه العلاقة بغية تحسين الأداء، مع الحرص على التعرف على وسائل جديدة لتجديد حرارة العلاقة بينكما.
٠ المساحة المشتركة بينكما في الوقت والاهتمامات مهمة جدا، فاحرصي على تخصيص وقت لكما سويا، ويمكن أن تكون البداية بالإعداد لرحلة تستغرق عدة أيام، اقتربي في الرحلة من زوجك وشاركيه اهتماماته وهواياته، مع الحرص على مواصلة تخصيص وقت لكما سويا، والحرص على أن تشاركيه هواياته واهتماماته.
٠ عليك أن تدركي أن فشل أي وسيلة من هذه الوسائل لا يعنى فشلك أنت في التواصل مع زوجك. وأريد منك أن تكوني أكثر إصرارا ومثابرة؛ فإذا فشلت إحدى الوسائل فابحثي عن غيرها، وكوني ذكية في اختيارك لأوقات التقارب ووسائله من واقع خبرتك بزوجك وطباعه وأحواله النفسية.
أختي الكريمة، مع هذا الجهد لا تنسي الاستعانة بالمولى -عز وجل- فهو سبحانه نعم المعين وبيده مفاتيح القلوب، فاسأليه التوفيق والسداد، وقلوبنا معك، ودعواتنا أن يعيد الله لك زوجك، وأن يجمع بينكما على خير في الدنيا والآخرة. وتابعينا بأخبارك.