مشاركة في بعض القناعات والهموم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ يسعدني متابعتكم بأخباري، فقد بات تصفح موقعكم الكريم بشكل يومي جزءًا من هواياتي سأتكلم معكم في السطور التالية عن أمور كثيرة تشغل بالي، أو قناعات توصلت إليها وأحب أن أشارككم بها:
الأمر الأول: يشغل بالي كثيرا ما يجري في العالم، خصوصا فيما يخص المسلمين والعرب، فما يجري من أحداث في مالي وسوريا والعراق ومصر وغيرها من بؤر الصراع يشعل حيزا كبيرا جدا من وقتي، وباعتباري متابع جيد لموقعكم الكريم فقد لاحظت تباين الآراء والرؤى حول الأحداث في تلك البلدان، فمن منتقد بشدة وقسوة لتولي الإسلاميين السلطة في بلدان الثورات (مثل: الدكتور محمود أبو رحاب والدكتور سداد التميمي)، وبين متدارك ومنتقد لأخطاء الإسلاميين (مثل: الدكتور أحمد عبد الله والدكتور محمد مهدي)؛
وبين مؤيد لحكم الإسلاميين (قلما أجد مقالات في هذا الاتجاه) في الواقع تعدد الآراء يثري مدارك الإنسان ويجعل تفكيره أكثر انفتاحا وتقبلا للآخرين، لكن بعض الكتابات تخرج عن الرؤية الموضوعية لتدخل في مساحة التجريح غير المبرر (مثل اتهام الدكتور محمود لبعض التيارات الإسلامية بالاختلال النفسي)، ومع ذلك ففي المجمل الكتابات في الموقع رصينة وجديرة بالمتابعة. ويلفت نظري في مسار الثورات العربية حتى الآن ضبابية وتشويش الرؤية لدى أبنائها فلا يمكن فهم حدة الاستقطابات على الساحة في حين أن البلاد على وشك الانهيار(لا قدر الله)، ما يجري الآن في مصر بالذات سيحدد مصير المنطقة لعقود قادمة لذلك على أبنائها أن يكونوا واعيين لخطورة ما يقدمون عليه كيلا تصح عليهم الآية الكريمة: "يخربون بيتهم بأيديهم"، وآمل أن تكونوا على قدر المسؤولية الثقيلة الملقاة عليكم.
الأمر الثاني: نشهد على الساحة مناقشات حادة بين الإسلاميين من جهة وبين القوميين واليساريين والعلمانيين من جهة أخرى، وهذه ظاهرة صحية بلا شك ما لم تخرج عن حدود اللياقة والاحترام المتبادل ولا شك أنه نقاش جدير بالاهتمام لأنه يحدد مسار الأجيال القادمة لن أطيل عليكم بالعظات والنصائح وسأطرح ما بجعبتي من أفكار وانطباعات: ربما يستطيع طرف أن يفرض وجهة نظره على الآخر على المدى القريب، لكن هذا سيعود بنا إلى المربع الأول لنجتر التاريخ الرديء من جديد. فالتعايش بين القوى هو أمر ضروري لانتعاش واستعادة حيوية المجتمع ومن دون ذلك سينطبق علينا المثل العربي: "كأنك يابو زيد ما غزيت"، فأرجو من العقلاء تدارك هذه النقطة كذلك البعد عن التكفير والتخوين والتجريح فلكل من القوى رؤيته عن الحياة والدين وهذه الطرق لن تؤدي إلا إلى مزيد من تفتك وترهل المجتمع.
وعلى التيارات الإسلامية على وجه الخصوص الإدراك إن رؤيتها الدينية غير ملزمة للآخرين وأن احتكارها للإسلام لن يفيد الإسلام بل سيزيد من الفجوة بينه وبين باقي فئات المجتمع المسلم وعلى القوة العلمانية الإدراك إن ازدرائها وتحقيرها للتيارات الإسلامية لن يفيدها في تحقيق أهدافها بل سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان ولدينا كثير من النماذج من دول تعايشوا مع بعضهم البعض بالرغم من الخلافات الدينية والطائفية والعرقية (ماليزيا مثلا) ولا بأس من الإطلاع على هذه التجارب لا سيما أنها لاقت مثل تلك المطبات التي نراها هذه الأيام في بلدان الثورات العربية.
الأمر الثالث: توصلت لقناعة أن الصراعات لن تنتهي ما دمنا أحياء، فقد كنت في السابق أكره الصراعات وأسعى إلى حلها ولو على حسابي، ربما هذا يعود إلى النشأة المتوترة في البيت التي نشأت عليها لكن ما هو مؤكد أن السعي إلى حل صراع الآخرين على حسابي هو أسوأ شيء فعلته في حياتي فذلك يحول الإنسان إلى مجرد شبح أو دمية تحت أيدي الآخرين الصراعات هي طبيعة الحياة التي نعيشها، قد يبدو الأمر قاسيا لأول وهلة لكن هي حقيقة لا بد من التعايش معها من أجل حياة مستقرة.
الأمر الرابع: التعامل مع العالم برؤية ملائكية ستؤدي إلى إرهاق تفكير الإنسان وإيصاله إلى طريق مسدود، لا يعني كلامي أن نتحول إلى رؤية شيطانية للعالم بل التوازن بين الرؤيتين، فكل إنسان مهما بدا لنا طيبا يجب أن لا نغالي لنوصله إلى ما يشبه درجة الملائكة، وكل إنسان مهما بدا لنا سيئا لا بد من وجود خصال طيبة به.
الأمر الخامس: محاولة التعلق بأشخاص لا "تتعايش" طباعنا مع طباعهم سيؤدي إلى مشاكل لا حصر لها، وقد يفعل الإنسان هذا بشكل غير واع عندما يكون متعطشا للحنان فيرتبط بأشخاص يظن أنهم يمدونه به ليتبين في النهاية أنهم مجرد أشخاص انتهازيين رأوا ضعفه وحاجته فاستعبدوه من حيث لا يدري.
الأمر السادس: عزلة الناس والانزواء عنهم درئا للفتن وللبعد من أشرارهم لا يلائم جميع الناس، فصحيح أن بعض السلف كانوا يوصون بهذا عند انتشار الفساد لكن العزلة قد تكون فساد أكبر للإنسان من دون الدخول إلى تفاصيل كيف يكون ذلك.
الأمر السابع: مواجهة أخطاء الأهل والمربين لا يكون بالعناد ومواجهة الأخطاء بأخطاء نعم قد تكون بعض الأخطاء فادحة لكنها نابعة من حسن نية وإذا أحسست أنك في بيئة تعاني من "غباء" المشاعر فحاول أن تتعايش معها فذلك أسهل من محاولة إصلاحها.
الأمر الثامن: أن تعيش تابعا للآخرين هذا شيء سيء لكن التهرب من تلك التبعية بالعزلة هو شيء أسوأ من الأول، لأنه سيوقعك في تبعية من نوع آخر...
الأمر التاسع: المبالغة في الاهتمام بتطوير النفس والثقة بالنفس يضر ولا ينفع، وليس دائما يستطيع الإنسان تحقيق النصائح فالبيئة تلعب دور كبير في تحديد وتشكل شخصية الإنسان.
الأمر العاشر: محاولة حل المشاكل عن طريق مواقع الاستشارات فقط هو أمر ذو فائدة محدودة جدا في أغلب الأحيان.
وفقكم الله
وبارك الله فيكم على حسن القراءة
28/02/2013
رد المستشار
شكراً على رسالتك إلى الموقع. لا شك أن النقاط الثمانية الأولى في الرسالة تستحق التقدير. طرحت في هذه النقاط الثمانية الأولى رأيك الشخصي المستند على قراءتك للتاريخ والمجتمع في إطار موضوعي، وأبديت فيه احترامك لآراء الآخرين وضرورة اختلاف الآراء من أجل دفع المجتمع العربي إلى الأمام.
النقطة التاسعة والعاشرة تتعلق برسالة الموقع في مجال الصحة النفسية والاجتماعية. يقدم الموقع خدمة الاستشارة لجميع الناطقين باللغة العربية من الذي يشكون من اضطرابات ومشاكل نفسية أو اجتماعية. يمكن تقدير عدد الاستشارات السنوية بأكثر من 600 استشارة. هذه الاستشارات تتطرق إلى جميع الاضطرابات النفسية وفي عام 2012 تضمنت جميع أصناف الصحة النفسية وهي:1- الأمراض العضوية.
2- الفصام والاضطرابات المشابهة له مثل الاضطراب الوهامي.
3- الاضطرابات الوجدانية من اكتئاب وهلوسة.
4- اضطرابات القلق والوسواس والرهاب والأكل وغيرها مما نطلق عليها الاضطرابات العصابية.
5- اضطرابات الشخصية بأنواعها.
هذه الاستشارات الغاية منها إرشاد مستخدم الموقع الى الطريق الصحيح لتلقي العلاج أولاً. أما وظيفتها الثانية فهي علاجية جماعية. مشاركة الإنسان غيره من الناس بمشاكله يساعده على تجاوز محنته ويبعده عن الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية.
الجانب الآخر من الاستشارات هو التعليمي. هذا الجانب يستهدف عامة الناس من المختصين في مجال الصحة النفسية إلى الأفراد في بداية عمر المراهقة. موقع مجانين يكاد يكون الفريد من نوعه عالمياً في تقديمه هذه الخدمة التعليمية الحديثة والتي نطلق عليها الآن التعلم القائم على المشكلة Problem Based Learning . هذه الطريقة في التعليم تستخدمها الكثير من كليات الطب، ولكنها من خلال الموقع يتم توفيرها بصورة مبسطة لجميع مستخدمي الموقع.
هذا التعليم لا يشمل الطب النفسي فقط وإنما يتطرق إلى أبعاد اجتماعية وحضارية وثقافية من صميم المجتمع العربي من المحيط إلى الخليج.
يحرص الموقع كذلك على توفير التعليم بالأسلوب التقليدي في جميع أمور الصحة النفسية عن طريق المقالات العلمية وتلاحظ أن هناك حقولا خاصة للفصام والاكتئاب وغيرها.
بعد التطرق إلى النقطتين التاسعة والعاشرة لا بأس من العودة إلى النقاط الثمانية الأولى في رسالتك والتي تتعلق بالجانب الثقافي من السياسي إلى الأدبي. هذه المقالات بعضها يمس الجاني السياسي العربي الحاضر وبعضها يناقش الفن العالمي. هذا الجانب الثقافي ضرورة لفسح المجال لجميع مستخدمي الموقع للتعبير عن آرائهم بحرية مع ضمان احترام الرأي المعاكس. هذه هي نقطة البداية لولادة مجتمع عربي يضمن الكرامة والرفاهية لكل من ينتمي إليه.
وفقك الله.
التعليق: بداية أشكر الدكتور سداد على إجابته، وأشكره لأنه أدخل السرور البالغ إلى قلبي عندما قال: (موقع مجانين يكاد يكون الفريد من نوعه عالمياً في تقديمه هذه الخدمة التعليمية الحديثة والتي نطلق عليها الآن التعلم القائم على المشكلة)، هذا فخر كبير للدكتور وائل ولنا جميعًا في مجانين.
ثم، سرني ما كتبه الأخ محمد. أظنك يا محمد صاحب الاستشارات والمشاركات الكثيرة جدًا، وصاحب المعاناة والتفكير المستمر لاكتشاف ما حولك.
أخيرًا يا محمد وصلت إلى النتائج السديدة بعد معاناتك المريرة في اكتشاف الحق والعالم من حولك، فالحمد لله
فباستثناء النقطتين الأخيرتين التي أشار إليهما د.سداد، كل ما ذكرته سرني لأنك أجبت به عن أسئلتك السابقة التي كنت تطرحها على مستشاري مجانين.
ولي تعليق أخير على البند التاسع، وقد فهمت لمَ وصلت إليه لمعرفتي بما كنت تطرحه من قبل. إن كنت تهتم بتطوير النفس لتصبح (سوبرمان) ثم بعد المحاولة وجدت نفسك ما زلت غير هذا، فداخلك اليأس، فطبعا الاهتمام بهذا الشكل يضر ولا ينفع، أما إذا كنت تهتم بتطوير ذاتك فترى صفاتك الإيجابية فتستغلها وترى السلبية فتحاول تعديلها قدر الإمكان، فهذا فيه النفع كله...
وفقك الله