الجهاز المشترك ! ما شأن مجانين ؟
لماذا أنا سيئة مع نفسي
السلام عليكم؛
وعذرا على الإلحاح ولكن يبدو أن الرسالة الأولى المفصلة لم تصلكم والرسالة الثانية كانت مختصرة وعليّ أن أوضح لكم أساس مشكلتي وهي أنني عدوة نفسي للأسف هذا ما اكتشفته لأنني لو كنت أحب نفسي لما ورطتها وقسوت عليها هكذا.
أقسى شيء أن يكتشف الإنسان أنه عدو نفسه شعور مدمر والله الآن أنظر إلى الوراء بفزع وأقول ماذا فعلت بنفسي؟
صدقوني أنا أدمر نفسي وأنكل بها وأعاقبها بقسوة لأتفه الأشياء وأحملها ما لا تطيق من واجبات وأبخل عليها حتى بالراحة والسكينة وإلا لماذا أورطها بعلاقة بائسة لا خير فيها كهذه؟؟ وحتى حين حاولت انتشالها كان الطرف الآخر بأنانيته يضغط علي وكنت بغبائي أرضخ ولو كنت طيبة مع نفسي لما رضخت.
أنا المسؤولة عن جميع كوارثي وأريد تصحيح أفكاري الخاطئة المعششة منذ الطفولة عن نفسي أريد أن أحبها وأصالحها فهي تستحق كل الحب مني قبل غيري فهل سأنجح؟ هل ستسامحني نفسي؟
أرجوكم قولوا لي عن أيسر السبل لذلك لأن الآخرين مجرد مؤثرات خارجية والمشكل الأساس في نفسي في نفسي والله في نفسي بارك الله فيكم
وشكرا
25/04/2013
ثم أرسلت مرة أخرى تقول: لا أدري وصلت المشكلة أم لا
السلام عليكم؛
للتو أرسلت مشكلتي عن علاقة حب بائسة بكل معنى الكلمة والندم حول ضياع الوقت فيها تقريبا 3سنوات مع شخص غير مناسب من جميع المقاييس ورغم إدراكي بأنه غير مناسب لم أستطع الانسحاب لأنه أوهمني أنه سيموت لو تركته.
وفي فترة حرجة من حياتي بدل الانسحاب تركته يستغلني لأنه في الأخير هو الذي تركني ولم يمت ولا هم يحزنون صدقوني كنت موسوسة جدا من فكرة أن أتسبب في موته لأنه كبير جدا بالسن 67 سنة وأيضا مصاب بالسكر والضغط.
ولكن لا أدري وصلتكم المشكلة أم لا إن وصلتكم أرجوكم لا تقولوا لي لو أنك فعلت كذا لما كان كذا أرجوكم لا تقولوا لي كان عليك ألا تفعلي كذا أو كان عليك أن تكوني كذا لأن ما حدث حدث ومهما تحسرت لن يعود الزمن للوراء ولن أستعيد شبابي الذي ضيعته على من لا يستحق.
ما أرجوه منكم أن تدلوني على حلول عملية أستعيد بها توازني بسرعة لأن الوقت يمضي والقطار سيفوت وأتمنى لو الحق نفسي قبل فوات الأوان هل هناك أمل؟ وكيف أصالح نفسي وأتعلم كيف أحبها وهل ستسامحني على ما فعلته وأفعله بها؟
عذرا على الإلحاح وبارك الله فيكم.
25/04/2013
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك أخيرًا في عالم الواقع وعالم النضوج الذي غبت عنه منذ سنوات وسنوات، والحق أن الرد على طلبك من العودة لنفسك وحبها ليس بالأمر السهل عليك ولكنه بالفعل نقطة البداية الصحيحة وأحييك بصدق أنك بذكائك توصلت لمربط الفرس ألا وهو "التعامل الصحي" مع ذاتك، وسأضطر للإطالة بشكل ما حتى أتمكن من توصيل ما أريده لك ليساعدك فتحمليني يا ابنتي، فنحن حين نولد نكون إنسانا بفطرة سليمة ونقية، وهي الذات الحقيقية لنا وحتى يكتمل بنائها ونضوجها لتقوم بأدوارها في الحياة لابد أن تحصل على الاحتياجات الجسدية والنفسية الضرورية جدًا لبقائها في حالة صحية؛
وسأتحدث عن الجزء المظلوم دومًا في حياتنا المتلاحقة المجنونة وهي الاحتياجات النفسية الأساسية؛ فالطفل والذات الحقيقية مفطورة على الحب؛ فهي تحتاج أن تُحِب وأن تُحَب بتلقائية وببساطة، وحتى يحدث ذلك فهي تحتاج من "الأبوين" تحديدًا وليس غيرهما، أو القائمين على الرعاية بشكل رئيسي ومباشر للحاجات الأولية التي تغذيها للتعامل بالذات الحقيقية ومنها؛ الأمان، الاحترام، القبول غير المشروط، الثقة، الحرية، الاستماع، الصدق، التعزية، التقدير، الشعور بالإنجاز،....الخ؛
فكلما كان الأبوان في حالة توازن نفسي ونضوج كلما تمكنا من إعطاء الذات الحقيقية للابن ما يجعلها تتنفس وتنضج بتوازن، وكلما كان هناك تقصير في إعطاء تلك الاحتياجات بقصد، أو بدون قصد يحدث للذات الحقيقية حرمان وجوع وهو ما نسميه علميًا بالإساءة النفسية، فتحاول الذات الحقيقية الرائعة أن تتكيف مع ما تتلقاه من قسوة، أو سخرية، أو إهمال، أو حماية زائدة، أو غيره من الأخطاء في التعامل التربوي وتظل تضع حولها سياجا وراء سياج حتى تدافع عن ذاتها من التشوه، والألم، وهذه السياجات قد تأخذ شكل عدوان، غيرة، سيطرة، لتحصل على ما تريد، أو تصل لدرجة "التسول العاطفي"، من أي آخر لتقوم بعملية تعويض فاتتها!.
وتظل الذات الحقيقية في حالة "خنقة" وضغط وتتربى حولها الكثير من السياجات بأسماء كثيرة جدًا ومبررات لا تنتهي حتى يتكون فوق الذات الحقيقية المفطورة على الحب والصدق، والتقبل غير المشروط بذات "مزيفة" كلها دفاعات لتحمي الذات الحقيقية المساء إليها، وقد نظل نحيا بالذات المزيفة لسنوات ونستخدم دفاعات الذات المزيفة مثل الإنكار، أو التقمص، أو غيره ونتصور أننا نتخطى الإساءة والحقيقة عكس ذلك؛
فالدفاعات والذات المزيفة ستنهار ستنهار بعد وقت طويل أو قصير، وستفرض مساحات الحرمان في الذات الحقيقية وجودها وقد لا نتمكن من تلبية احتياجاتها التي تم إنكارها لسنوات طويلة من خلال تجارب وخبرات مؤلمة كما مررت بتجربة الحب المزيف لسنوات ثلاث كان الوراء منه دون أن تدري ألم وصراخ طفلتك الداخلية التي لم تحصل من البداية على ما يغذيها فتتوازن نفسيًا وعاطفيًا، وحتى لا أطيل عليك سأقول لك ما أراه لعلاج تلك الإساءات المتكررة لطفلتك الداخلية الحقيقية، وسيحتاج ذلك لجهد ووقت وصبر وإرادة، ولكنه طريق الشفاء يا ابنتي، ولقد قمت بفطرتك الجميلة وذكائك بتحديد أول خطوة وهي:
1- طلب المساعدة؛ فطريق التعامل الصحي والحب للذات والتوازن يحتاج ليد ناضجة متفهمة مساعدة لتثبتك وتنير لك طريق التعافي، وليس شرطًا أن يكون المساعد متخصصا نفسيا فقط، فقد يكون شخصا لديه خبرة كافية، ولا يكون شخص متزمت يهرع للحكم، وألا يعدك بالشفاء السريع، وأن يكون هو نفسه متوازنا بين تقديم التفهم والاحترام وبين الحزم في الوقت المناسب لدفعك للأمام.
2- التعافي من حمل الذكريات والإساءات، ثم التقييم لمفاهيمك التي تعتقدينها عن نفسك وعمن حولك وظهرت لك من خلال تلك المواقف، أي: تكتبي أكبر موقف صادم لك بلا تفاصيل ولكن اكتبي أفكارك عن سبب ما حدث في رأيك من حيث: الأمان، الثقة، التحكم، الكرامة، أن العالم مثلًا سيء، الناس لا يمكن الوثوق فيهم، الشر أكثر من الخير، أنا منحوسة،..الخ، وكل يوم تقومين بقراءة هذا الموقف مع تعديل وإضافة ما تريدينه لمدة أسبوع.
3- اكتبي ذكرياتك الواضحة خلال مراحل حياتك فمثلًا كما كنت تسمعين عن نفسك من عائلتك حتى سن الخامسة، ثم من 6-11، ثم من 12-19، ثم من 20-27، وهكذا، ثم اكتبي ملخص حياتك حتى اليوم كما تقينمه من وجهة نظرك؛ فأنا أذكر أن شخصا بعد أن أتم العام السابعة والخمسين من عمره قال لي في هذا الملخص أنه اكتشف أن حياته كلها كانت تدور حول حادث إساءة واحد في حياته، وأنه سيبدأ الآن في إعادة بناء حياته في ضوء ما اكتشفه.
4- النحيب.. نعم النحيب والنوح من خطوات الشفاء!، فالاعتراف بأننا لا زلنا نحتاج للاحتياجات النفسية التي أوضحتها هي بداية العودة لطفلتك الداخلية، وهنا أتمنى أن تكتبي مواقف مرت بك وتنعشي ذاكرتك السابقة لمواقف حدثت لك ممن حولك سواء والدك، أو والدتك، أو جدك، أو أي ممن كانوا ملاصقين ومؤثرين فيك وتكتبين بعد الموقف شعورك، هل كان غضبا، إحساسا بالخجل، إحساسا بالعار، وهكذا كل يوم موقف وشعور.
5- الجواب..اكتبي جوابا لمن ترينه كان يسبب لك إساءة نفسية ووجهيها له هو تحديدًا حين جرحك، حين انتقدك أمام الكل، حين أحبطك، حين أذلك، حين أهملك،..الخ، ولا تتصوري أنك هكذا ستغرقين في الكثير من الماضي المزعج، أبدًا يا ابنتي فالتعبير والبوح والكتابة هو ما ينفس الطاقة السلبية ويخفف الحمل عن جهازك النفسي الذي صار يئن منذ فترة وسيرتاح بذلك؛ لأنك ستعبرين وتنتحبين وتحزنين ولن يتبقى سوى خطوتين بعدها.
6- أولهما أن تتقبلي بنضج فكرة ما حدث لك على أنه واقع، ولا أقصد أن تتقبليه برضاء له، ولكن أن ما حدث قد حدث بالفعل، وأنك تمكنت من فهم ما يحدث معك، وأنك ستبدئين في التواصل مع ذاتك الحقيقية التي لن يعطيها ما تحتاجه سواك أنت أولًا حتى تحصل ما تحتاجه ممن حولها ثانيًا، فبعد التصالح مع الماضي المؤلم وقبول حقائقه ستلتفتين لمهمة غاية في الأهمية وهي مهمة "صنع" المستقبل التي تريدين أن تكوني عليه.
فالآن أنت تعرفت على ما سببته لك الإساءة من تشويه وإعاقة في العلاقات ستبدئين في مسئولية عمل علاقات صحية جديدة خالية من المعتقدات المريضة القديمة وستؤسسين معتقدات صحية أكثر بكل أنواعها فتصححين مثلًا أن القوي من حقه أن يفعل ما يشاء، ليس مهمًا ما أشعر به، لا يجب أن أعبر عن ضعفي لأي شخص ؛ لأنه سيدوس علي، أو يستغلني، قيمتي الوحيدة في إني أعطي الآخر، ما أقدرش أقنع حد تاني برأي، الأسهل دائمًا إني ألوم نفسي، الواجب إني أعطي جسدي لمن يقدم حبه لي واهتمامه الحقيقي لي، وهكذا تصححين الأفكار الخاطئة فكرة بعد فكرة.
7- يبقى أن تعيدي التواصل بشكل أفضل مع حاضرك من كل الجوانب-جسدك؛ فتهتمين بصحتك، وممارسة الرياضة، واختيار ملابس جيدة، دراستك،.....الخ، وتعيدين التواصل مع الآخرين كما تريدينها على أن تكون علاقات صحية خالية من الخوف، ومن الاستغلال، ومن السيطرة،.....الخ.
تذكري أن تلك الخطوات ستواجهينها في أوقات كثيرة بالمقاومة، والحزن، والغضب، وقد تشعرين بأنك لا تريدين إكمال الطريق، ولكن العلاج في قدرتك على التقبل والرغبة في التعافي، ولا تتصوري أن العلاج ستكون نتيجته سريعة، وقد تظل الذكريات والمشاعر تتردد عليك مرات ومرات ولكن في كل مرة بتلك الخطوات سيكون أضعف وكل مرة تتعاملين مع تلك الذكريات بشكل صحي كلما اقتربت واقتربت من التعافي ولدي بعض الدلائل التي تساعدك على معرفة أنك في طريقك للتعافي منها:
- حين تجدين أن أعراض الإنكار، والصدمة، وعدم تصديق ما حدث لك بدأت تقل.
- حين تجدين نفسك أكثر قدرة على تحمل المشاعر التي تشعرين بها حين تتذكرين المواقف المؤلمة.
- حين تجدين نفسك أكثر قدرة على التحكم في ذكرياتك الموجعة فتستطيعين استدعائها وتستطيعين إبعادها جانبًا وتعيشين حاضرك.
- حين تجدين نفسك قادرة على سرد قصتك المؤلمة بترابط ووضوح وتناسق أي: تتذكرين بشكل كامل وتشعرين بشعور كامل في نفس الوقت.
- حين تجدين نفسك قادرة على تقييم نفسك بشكل إيجابي، وتستعيدين علاقاتك المهمة والقريبة في مستوى تتمنينه وبشكل صحي.
- حين تجدين نفسك قادرة على استعادة منظومة تفكيرك ومفاهيمك بشكل متسق ومتكامل رغم تعرضك للإساءة.
أكرر أن ما قلته يحتاج لجهد ودأب وإرادة، ولكنك ستنجحين؛ لأنك تريدين ذلك، ولقد قلت لك أقل مما أردت ولكن المجال لا يتسع لأكثر من ذلك، ولا تترددي في طلب المساعدة وإخبارنا بالتطورات، وفقك الله تعالى.
ويتبع>>>>> : العودة للذات... منهج يحتاج أن يُدَرَس م
التعليق: أريد أن أوضح أن هذا الرد المكتوب في سطور قد يحتاج إلى تعب وجهد ووقت ومحاولات متكررة حتى يمكن فهمه وتطبيقة.
سبحان الله نمر بتجارب مؤلمة حتى نفهم قوانين الحياة ونرى الواقع بعيدا عن مثالية الخيال.
أبشرك بأنني كنت أعيش في المدينة الفاضلة أغلب عمري ولم أكن أرغب في سواها، باعتبار أنها الخير وسواها هو الشر.
تألمت كثيرا وكنت أتلقى الضربة تلو الأخرى لأنني كنت رافضة لفهم معني الدنيا.
كنت أشعر بالإشفاق على نفسي وأنني لا أتحمل كل هذا بل وأرفضه وأريد العودة إلى مدينتي الفاضلة، ثم تجيء لي الفاجعة من داخل هذه المدينة الافتراضية، فقد كانوا بشرا وأنا من وضعتهم في مقام الملائكة.
حينما نكابر دفاعا عن منطقنا وقناعاتنا التي قد تكون مبالغة ومثالية، تأتي لنا الخبرات المؤلمة ليخرجنا الله من الظلمات إلى النور.
عمري قريب من عمرك، وحياتي ما بين يسر وعسر، وقلق واطمئنان وراحة وتعب .. لا تسير بي على حال ثابت مع أنني كنت أتحسر لعودة هذا الثابت.
هذه الحياة النابضة شيقة ومختلفة، اقبلي ما مررت به ولا تندمي على خير بذلته ولا تقلقي بشأن نفسك فستتصالحين معها قريبا والقطار لا يفوت أبدا ما دمت تتنفسين.