السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طيبة جدًّا، ومن الممكن أن أساعد أي إنسان في أي شيء، وأحب الوقوف إلى جانب أي محتاج، لكن أفاجأ بأن تعامل الناس معي ليس مثل تعاملي معهم، حتى إني لا أجد المعاملة الطيبة منهم
بالطبع لا يحدث هذا مع كل الناس، لكن سأضرب مثالاً على كلامي؛ أنا لي عمة مهما أساعدها وأقف بجوارها لا تعاملني معاملة طيبة، مع العلم أني أتعامل معها من قلبي وبدون تصنع وبأدب، بينما أخواتي اللاتي يصغرنني وحتى بنات عمي يعاملنها بأسلوب وقح، وعلى الرغم من ذلك تحترمهم وتتكلم معهن بطريقة جيدة.
وأنا أرى أن الدنيا تحتاج إلى إنسان وقح حتى يستطيع العيش فيها؛ ولكني لا أحب أن أكون إنسانة لا تحترم الآخرين، فكيف لي أن أتعامل مع الناس؟
أنا صدقًا متعبة، وهذا الشيء جعلني مكتئبة طول الوقت، ولا أحب مساعدة أحد، على الرغم من أني أشعر أن الناس تكون متلهفة لتتعرف عليَّ، ولكن بعد أيام تسير الأمور عادية، حتى إنهم لا يلتفتون لي.
هل أنا مخطئة؟ والله إني أحاول -قدر الإمكان- ألا يغضب مني أحد، وحتى لو أخطأت في حق أحد أعتذر، فكيف أتعامل مع الناس؟ أنا آسفة لأني أطلت عليكم، لكن سامحوني.
رد المستشار
الأخت العزيزة؛
أهلاً وسهلاً بك على صفحتنا استشارات مجانين، ونشكرك على ثقتك بموقعنا. في الحقيقة أرى كلامك رائعًا في صدقه وقدرته على نقل الطريقة التي تفكرين بها. إن مشكلتك أيتها الأخت الفاضلة تكمن في اختلال فن العلاقات بين الشخصية. ومن المهم قبل أن نخوض في تفاصيل ذلك أن أبين لك أنه في أي علاقة بين اثنين توجد صورة للشخص ولتصرفاته يراها هو، وتوجد صورة أخرى يراها الطرف الآخر في العلاقة، وليس هاتان الصورتان متماثلتين في كثير من الأحيان.
بعبارة أخرى:
إن من الممكن جدًّا أن أرى سلوكًا معينًا أقوم به أنا تجاه صديق لي وكأنه فعل عظيم وتفضُّل كبير مني، بينما يراه هو سلوكًا عاديًّا! ومن الممكن أن أتصرف أنا بشكل عادي من وجهة نظري ويرى هو في تصرفي تطاولاً أو تجاوزًا على حق من حقوقه!.
وأما ما أستطيع استنباطه من قولك في إفادتك:
(بالطبع لا يحدث هذا مع كل الناس، لكن سأضرب مثالاً على كلامي؛ أنا لي عمة مهما أساعدها وأقف بجوارها لا تعاملني معاملة طيبة، مع العلم أني أتعامل معها من قلبي وبدون تصنع وبأدب)، ما يستنبط من هذه العبارة هو أنك ربما تفرطين في تقدير الطريقة التي تعاملين بها الآخرين، أو في توقعك من ردود أفعال الآخرين، أو تفسرين طريقة الناس في التعامل معك بشكل زائد من الحساسية أو بحساسية. ماذا يا ترى سيكون رأي عمتك تلك إذا سألناها عن مقابلتها لمعاملتك الحسنة بالمعاملة السيئة؟ ماذا لو سألنا أخواتك الأصغر منك وبنات عمك؟ وهل يعتبرن أنفسهن وقحات؟
إن الوصول إلى استنتاج مثل استنتاجك هذا:
(وأنا أرى أن الدنيا تحتاج إلى إنسان وقح حتى يستطيع العيش فيها) لا يعني أبدًا أن طريقتك في الاستنتاج والاستنباط سليمة، فقد تكونين كتبت لنا وأنت في ساعة غضب وضيق مثلاً، وقد تكون لديك بعض المفاهيم الخاطئة التي تحتاج إلى تعديل من خلال جلسات العلاج النفسي المعرفي Cognitive Therapy والعلاج بين الشخصي Interpersonal Therapy؛ حيث يتم العمل العلاجي من خلال إصلاح تصور المريض عن الآخر وتوقعاته عنه وعن علاقته به، ويتم العمل كذلك في الاتجاه المعاكس، كما أن هناك برامج عديدة لتعليم كيفية التعامل مع الآخرين.
واقرئي على مجانين:
فن العلاقات: وعي غائب ، وفريضة ضائعة
البحث عن الحب والصداقة
الـزَّوَرُ (البارانويا) أنواع ، فأيّ الأنواع أنت ؟
وفي الحقيقة اعتدت أثناء ممارستي للطب والعلاج النفسي أن أسمع من المريض كلمات وعبارات مثل ما قلتِه أنت في إفادتك، ولكنني لا أستطيع بدء العلاج مكتفيًا بها، وأصر على مقابلة الأطراف الأخرى. وعندما أقابل بقية الأطراف أجد أن الصورة تتغير وتتبدل بالتدريج؛ فغالبًا ما يكون هناك إما تأويل خاطئ لتصرفات أو نوايا الآخرين، أو تقييم مبالغ فيه لأهمية علاقة ما، أو سوء تقدير لسلوك شخص ما، وهكذا...
يظهر بعد ذلك رد فعلك على خلل العلاقات بكل تأثيراته النفسية عليك في صورة اكتئابك وعدم مساعدتك للآخرين مثلما كنت في السابق. ويبدو أنك أيضًا أصبحت كثيرًا ما تحتدِّين على الآخرين ويتمكن منك الغضب، كما يفهم من قولك:
(والله إني أحاول -قدر الإمكان- ألا يغضب مني أحد، وحتى لو أخطأت في حق أحد أعتذر)، من الواضح إذن أن تغيرًا في حالتك المزاجية والسلوكية قد بدأ يستبد بك ويعذبك، وهذا قد يكون اضطراب اكتئاب حقيقي، وقد تكون بعض سمات الشخصية لديك هي التي تسبب لك وللآخرين كل تلك المعاناة، وهو ما يبدو من قولك: (إني أحس أن الناس تكون متلهفة لتتعرف عليَّ، ولكن بعد أيام تسير الأمور عادية، حتى إنهم لا يلتفتون لي. هل أنا مخطئة؟).
الحقيقة أن هناك احتمالاً لذلك بالفعل يا أختي، ولكن الفيصل في صحة كل تخميناتي تلك سيكون بعد أن يقيمك مختص بالطب النفسي أو علم النفس السريري Clinical Psychology، فبادري بطلب العلاج، وتابعينا بأخبارك .