الوساوس تقتلني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
جزاكم الله خير الجزاء على هذا الموقع.
دكتور لدي مشكلة الوسواس القهري، كنت قد عانيت منه قبل 4 سنوات وشفيت منه ثم عاودني من جديد بعد رمضان هذه السنة، فجعل حياتي نكداً، لا أنام إلا وقد انتهيت من البكاء، ولا أشتهي الطعام، ولا أحب مخالطة الناس والمزاح والضحك.
في بداية الأمر وسوست في صيامي حيث أنه قد بطل بمختلف المفطرات، مثلاً أبصق وبعد بصقي أجد قطع بعد مسحي لشفتي بالمنديل أو الخرقة ثم أبتلعها وأقول بهذه الحال صيامي قد بطل! وكنت قد قرأت أن الريق إذا خرج إلى الشفة ثم عاد فإنه يفطر بذلك، فصرت أمسح شفتي في كل حين حتى سببت لي جفاف وتشقق، ومرةً كنت أبكي فوصل الريق إلى أبعد من الشفتين ثم أدخلته مرةً أخرى فقلت إذاً بطل صومي بذلك، وأيضاً في الاستنشاق أحاول التحفظ، ولكن الوساوس تغلبني فقد توضأت مرة وبالغت في الاستنشاق والظاهر أنه وصل حلقي، فلما انتهيت من الصلاة وارتحت في الفراش قمت متعمدة ببلع ما وصل إلى حلقي واستنشاق الباقي في الأنف وبلعه، فقلت إذاً بطل صومي، وأيضاً أحس كثيراً بوجود قطع في فمي فعندما أبصق لا أجد شيئاً، وعندما أبتلعها أحس بتأنيب الضمير، وأحياناً أبتلعها دون محاولة الإخراج وأحس بها تصل إلى حلقي فأقول صيامي قد بطل.
علماً أني سألت شيخاً موثوقاً يأخذ علمه عن ابن عثيمين رحمه الله، سألته عن كل حالاتي فقال لي لا تطيعي الشيطان وإن أعدت فالإعادة تقع نفلاً، ولكن والله تأنيب للضمير يقتلني، فأحس أن عبادتي باطلة، لأني أقول أن الشيخ يظنني أتوهم أو أتخيل ولكني أشعر بها حقيقة وأفعلها عمداً! مع أني أوضحت للشيخ أن ما أشعر به حقيقة ليس خيالاً فقال لي الكلام الذي ذكرته بالأعلى، ولكن الوساوس تنتابني في كل لحظة، وأتحسر وأقول كيف جاءتني هذه الوساوس وأقارن نفسي بصيامي في العام الماضي، كنت في قمة الراحة.
أيضاً، حصل لي في رمضان أن وجدت لمّاعاً له شهرين، فضاقت بي الدنيا وقلت أن صلاتي لم تقبل ولا صيامي، فأفتى لي الشيخ بأن صيامي صحيح لأن اللماع كان خفيفاً وغير واضح.
فبعد هذه الحادثة صرت أشك بأظافري أن عليها حائلاً، فعندما طهرت قبل خمسة أيام، طهرت ليلاً وعندما قضيت الصلاة تحسست بأذني فإذا يوجد بها حناء فعدت اغتسالي، ثم عندما قضيت الصلاة وجدت في أظافري لماعاً فعدت اغتسالي في الصباح، وعندما مررت قرب المرآة وجدت مغصاً كثيراً بين حاجبي أي في أعلى أنفي وفي جبهتي، فقلت بالطبع هذه وسوسة!!! ولم أعدها لكن بعد صلاة المغرب عاودتني الوساوس فعدت الغسل مرة أخرى، وحينما جلست مع أهلي قمت بتقشع أظافري دون النظر إليها، فأحسست بقشع جرم كبير إلى حد ما، فقلت لن أعيد! لأني تعبت كثيييييراً؛
وقرأت في فتوى أنه إذا تيقن أو غلب على ظن المرء وجود الحائل في فترة فإنه يعيد اغتساله منذ تلك الفترة، وأنا غلب على ظني أنها قبل الاغتسال! لأني لم أخرج من الحمام أعزكم الله إلا قبل فترة بسيطة! فكيف جاء الحائل إذاً وأنا لا أذكر أني لمست شيئاً!! ولم أسأل الشيخ عن هذه النقطة، ولي الآن خمس أيام أصلي منذ اغتسالي الأخير الذي لم أعيده وقلقة جدا جدا جدا من أن صلاتي ووضوئي غير صحيح بسبب هذا الحائل!
والآن أحاول أن أقضي الصلوات لأني بعد الاغتسال لم أقضي صلاة أبداً ما عدا صلاة الفجر والظهر من يومي الأول الذي طهرت فيه، وبقي: العصر المغرب العشاء، واليوم الثاني: الفجر الظهر العصر المغرب العشاء، وأجد صعوبة جدااا في إعادة هذه الصلوات.
وحين أصلي أقبض مخرج البول أعزكم الله خوفاً من خروج نقاط البول، فتخرج هذه النقاط! فأذهب للتأكد فأجد ريحاً في ملابسي أعزكم الله، وهذه النقاط تحدث معي أحياناً وليس كل صلاة، وهي ما تعقدني بحيث أقول إذا كانت لا تحصل لي كل صلاة إذاً هي نقاط بول حقيقي وليس توهماً!
ولي الآن ثلاث صلوات لم أعدها وأنا قد أحسست فيها بالبول، وأحاول أن أعيد لكن مثلما قلت مسبقاً القضاء يصعب علي كثيراً، وما يخيفني أنه في صلاتي أكون متيقنة أنها كاملة وأن وسوسة الشيطان هي ما توسوس لي أنها ناقصة، لكن مع ذلك أزيد ركعة في الصلاة، ولدي صلاتين زدت بهما وقلت أنهما بطلتا بسبب الزيادة، لكن كيف أقضي وأنا أتعب في الوضوء والصلاة!!
ساعدوني جزاكم الله خيراً
29/08/2013
رد المستشار
الأخت الغالية ريم...
آسفة لِكَمِّ المعاناة التي عشتِها بسبب تأخري في الإجابة... كان من عادتي ألا أتأخر على موسوس أبدًا لعلمي بشدة معاناته وقلقه، لكن كل شيء في سورية تغير!!
بكل بساطة يا ريم، جميع ما في الاستشارة ليس كما تتصورين...، كلها مشكلات أوحى الوسواس بها إليك، والحقيقة أنه لا مشكلة لديك البتة!!
- أما ابتلاع الريق في الصوم، فلا داعي للقضاء ولا تشقي على نفسك...، صيامك صحيح في مذهب الحنفية 100% فعندهم ابتلاع النخامة، وما كان على الشفة من ريق لا يفسد الصوم، عمدًا ابتلع الصائم ذلك أم سهوًا...
ولعل الوسواس يعود فيقول لك: ولكن صومي ليس صحيحًا عند غير هذا المذهب!!
ولا أدري أقرأت عن الوسواس في مجانين أم لا وعلمت أن العلاج الأمثل للموسوس ألا يعمل بما يأمره به وسواسه، وأن الأولى له شرعًا أن يعمل برخص المذاهب، لأن في ذلك شفاء له، والدين يقدم مصلحة البدن على الإتيان بالعبادة على وجهها المعمول به عند الأصحاء...، وكما تعلمين هناك رخص كثيرة في الشرع للمرضى...
إن كنت تريدين الشفاء حقًا، فلا تطيعي وسواسك ولا تقضي، طالما أن صيامك صحيح في مذهب من المذاهب... صحتك النفسية مقدمة على إحسان العمل يا ريم...
- نأتي لقصة اللماع الغريبة!!
الصيام صحيح قطعًا إذ لا يشترط الاغتسال من الجنابة ومن الحيض بعد الطهر لصحة الصوم، الصوم صحيح حتى لو تأخر الصائم بالاغتسال أيامًا...، ولا قضاء عليه. لكنه طبعًا يأثم لترك الصلاة...
لكني أشك في كون ما رأيته لماعًا أصلًا!!! لا أظن أنهم اخترعوا لماعًا يبقى شهرين دون أن يزول ويتقشر لوحده، وخاصة أنك استخدمت المزيل قبل شهرين...
اللماع يتقشر، والظفر يطول ويتعرض للقص، حتى الجلد الذي على الحواف يتغير، ولا يمكنني أن أقتنع أبدًا بما ذكرت...
إذن ما الذي كان على ظفرك؟
قد يكون جزءًا تقشر من الظفر نفسه وظننته لماعًا، وهذا يحصل في أحايين خاصة عندما لا يكون الظفر في حالة جيدة صحيًا. ومن هذا النوع غالبًا قولك: (وحينما جلست مع أهلي قمت بتقشع اظافري دون النظر إليها، فأحسست بقشع جرم كبير إلى حد ما، فقلت لن أعيد! لأني تعبت كثيييييراً)...
ونصيحتي: لا تتعمدي التفتيش في يديك إن لم تتيقني وجود شيء، فالأصل خلو اليدين من أي شيء، ولست ملزمة شرعًا بالبحث هل يوجد شيء أم لا؟
فإن لم يكن جزءًا من الظفر، وكان مادة عازلة فعلًا لكنك لا تعرفين متى التصقت بالظفر، فالقاعدة الشرعية أننا نرد الأمور الحادثة (أي التي حدثت ووجدت بعد أن لم تكن)، نردها ونرجع زمن حصولها إلى أقرب وقت كان من الممكن أن تحصل فيه. فإن لم تتذكري شيئًا منطقيًا لالتصاق الحائل على ظفرك، واحتمل حصوله في أي وقت، نقول: إن هذا الحائل حصل قبل لحظات من علمك به...
ثم ما المشكلة في كون ما رأيته حصل قبل الاغتسال؟ اغسلي المكان الذي لم يصله الماء وكفى...
لا يجب إعادة الغسل كاملًا إن اكتشفت أن مكانًا ما من الجسد لم يصله الماء، يكفى أن تغسلي ذلك المكان فقط. يكفيك غسل الظفر، وكذلك غسل أذنيك بعد إزالة الحناء فقط وانتهى الأمر...
وبالمناسبة: فإن مذهب الحنفية –أيضًا- أن سيلان الماء على المكان يطهر حتى إن لم تنوي الاغتسال، فلو غسلت يديك بعد الطعام مثلًا، كفى هذا لصحة اغتسالك وصلاتك... فلا تقلقي صلاتك صحيحة ولا تشقي على نفسك بإعادتها..
- نأتي إلى خوفك من نزول قطرات من البول...
قبل أن أجيبك أجيبيني أنت: ما هو سبب خوفك من نزول القطرات؟
هل قال لك الطبيب بأن معك مرضًا في المسالك البولية –لا سمح الله- تجعل شيئًا من البول يخرج بين الفينة والأخرى؟؟؟؟
هل أنت طفل صغير لم يتعلم أن يمسك نفسه بعد؟
هل سمعت في حياتك أن امرأة صحيحة البدن خرج منها البول إن لم تقبض المخرج؟
إن لم يكن كل هذا موجودًا فما هو السبب المنطقي للخوف والقبض؟
ربما يكون، إحساسك بنزول القطرات مرة جعلك تتوقعين نزولها كل مرة، فتخافين...
ما الذي أدراك أن الإحساس صحيح؟
الإحساس لا يعتمد عليه بدليل ما روي عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ وَهُوَ فِي صَلاَتِهِ فَيَأْخُذُ شَعْرَةً مِنْ دُبُرِهِ فَيَمُدُّهَا فَيَرَى أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فَلاَ يَنْصَرِفَنَّ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً». رواه أحمد في مسنده.
فالإحساس بوجود شيء في الدبر لا يعتمد عليه، وكذلك في القبل إذ لا فرق.
تقولين ولكني أجد ريحًا! أولًا: لست ملزمة شرعًا بالتفتيش إلا إذا حصل لديك يقين لا مجال للشك فيه، بحيث لو طلب منك أن تحلفي على نزول شيء لفعلت دون حرج، أما إن كان الحال: هل نزل شيء يا ترى؟ فلست ملزمة بالتفتيش.
ثانيًا: لا يكون الريح دائمًا علامة، لأن الثياب الداخلية قد يكون فيها شيء من الرائحة بسبب التعرق ونحو ذلك، فتظنين أنه بول...، فإذا رافق شم الرائحة وسواس بوجود شيء جعل التوهم بكونها رائحة بول أقوى وأشد استحكامًا في النفس حتى ليحسب أن ذلك أمر حقيقي!
سأضرب لك مثالًا على توهم الرائحة، وإن كان مقززًا نوعًا ما...، رأيت من يومين مقطع فيديو على اليوتيوب لقطة تتبرز على المرحاض الأجنبي، وطبعًا تضمن الفيديو منظرها وهي تقضي حاجتها... فقرفت من المنظر وشممت رائحة براز القطط!!! وضحكت على نفسي لأن هذا مستحيل ولكنه حصل لمجرد القرف...
وفي اليوم الثاني أريت المقطع لابنة أخي الصغيرة، وإذ بها تقول عن مشهد تبرز القطة: إف.. رائحة براز القطط!!!
إذن أليس من الممكن أن يكون الخوف والوسواس جعلك تشمين ما لا يوجد؟
أيضًا لم تذكري وجود بلل! فهل الثوب جاف أم أنك لا تعتمدين على هذا الدليل لكون الثوب الداخلي رطبًا من ماء الاستنجاء؟
إذا كان الثوب جافًا، فالتأكد من نزول البول لمجرد الرائحة لا معنى له! كيف تنزل القطرات دون أن تبلل المكان؟
وإن كان رطبًا، فلست أحسن حالًا من الرجال الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بنضح الثوب بعد البول بشيء من الماء، فإذا شعر أحدهم ببلل وشك بخروج شيء، قال: لا هذه الرطوبة من الماء الذي نضحته وليست بولًا ويصرف تفكيره عن الشك والوسوسة...
وأنت عندما تخرج القطرات لا تكونين متأكدة من ذلك بدليل قولك (فأذهب للتأكد)... ولست ملزمة بالتأكد...
كما أن الطرق التي تتأكدين بها ليست دليلًا على صحة إحساسك.. فالأولى بك أن تهملي هذه الأفكار برمتها ولا تعيدي وضوءك ولا صلاتك...
وأخيرًا بعد كل هذا الكلام: ما المشكلة في أن تنزل منك بعض نقاط البول في بعض الأحيان؟؟
فلتنزل، وإذا تأكدت من نزولها فما المشكلة أن تعيدي صلاتك؟
ما هو المخيف في الأمر؟ أما الحساب عند الله تعالى فلست محاسبة، وأما ما يترتب على ذلك فليس أكثر من ركيعات قليلة تصلينها!
لا أدري إن كان كل هذا الكلام والنقاش جعل عقلك يقتنع بأن يهمل الأحاسيس سواء جاءتك كل صلاة أو في بعض الأحيان..، ويقرر أن تسترخي أثناء الصلاة، لأنه لا داعي للخوف والقلق وشد الأعصاب...
على كل حال –سواء اقتنعت أم لم تقتنعي- عليك أن تفعلي لأن هذا دواؤك الوحيد.
وأخيرًا قولك (وما يخيفني أنه في صلاتي أكون متيقنة أنها كاملة وأن وسوسة الشيطان هي ما توسوس لي انها ناقصة، لكن مع ذلك أزيد ركعة في الصلاة)... هو الوسواس بعينه...
والموسوس إن زاد في صلاته استجابة لوسواسه لا تبطل صلاته، وكذلك لا تبطل إن لم يزد!!! وراجعي مقال: منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري (9)
باختصار: كل هذا القلق الذي تقلقينه لا داعي له وكل ما تخافين منه غير موجود!
عافاك الله وشفاك وتابعينا بأخبارك
التعليق: أولا شكرا للأستاذة رفيف على مجهودك الرائع وأسأل الله أن يفرج عنكم في سوريا وعن جميع المسلمين
وأحب أن أوضح للأخت ريم أن أكثر شيء أفادني كموسوسة للتخفيف من حدة الوسواس هو معرفة الكثير من الآراء الفقهية الخاصة بالموسوس....
ثانيا أود أن أسأل أ.رفيف عن تلك الجملة:
لصيام صحيح قطعًا إذ لا يشترط الاغتسال من الجنابة ومن الحيض بعد الطهر لصحة الصوم، الصوم صحيح حتى لو تأخر الصائم بالاغتسال أيامًا...، ولا قضاء عليه.
هل إذا انقطع الحيض ولم أغتسل وصمت فهل صيامي صحيح؟ حيث أنني أواجه مشكلة في رمضان فعند انتهاء الحيض أغتسل ولكني كثيرا ما أرى بعده من علامات مرة أخرى فأغتسل ثانية....لكن في غير رمضان لا أغتسل إلا عند التأكد تماما من الطهر
ففي رمضان أصوم غالبا في أيام الشك من انتهاء الحيض لأني أشعر بوجوب الصيام أما الصلاة فيمكن إعادة الصلوات في تلك الأيام
ما أريد أن أقوله انه إذا كان يصح الصيام بدون غسل بعد انقطاع الحيض فهذا سيريحني من إعادة الغسل عند الشك.....أرجو التوضيح