السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد انتهيت لقرار إرسال مشكلتي بعد أن أُقفلت الأبواب في وجهي، واستحكمت حلقات مصيبتي حول عنقي حتى خنقتني، وملأت قلبي نارا تحرقني كل ثانية من عمري، فأنا مصابة بأمر لا أجد تفسيرا له، ما حدث هو أنني كنت على علاقة بشخص كان يتعمد إثارتي بالحديث عن القبلات، وللأسف كنت أسمح له؛ لأنني أردته وعشقته لدرجة الجنون، وكان لا يمكن أن يكون هناك أدنى شك في أننا سنتزوج، إلى أن جاءت الطامة الكبرى على رأسي، وكشفت زيف مشاعره، وأنني كنت واحدة من مجموعة فتيات كان يسري عن نفسه باحتوائهن، وإبداء الاحترام الزائف للأفكار الدينية والمعتقدات التي يؤمن بها ضحاياه، ومهما شرحت فلن تتصوروا كيف أنه استطاع خداعي، فأنا ذكية، ولا يمكن بسهولة اللعب علي والتسلي بي، ولكن ماذا أقول؟ هل أقول: إن فوق كل ذي ذكاء ذكيًّا!! هذا الظاهر.
أثناء علاقتي به كنت أشعر بإثارة دائمة حتى في الأوقات التي كان يقول بها كلامًا عاديًا، كان مجرد سماع صوته يثير الرغبة في أن نكون معا زوجًا وزوجة، ونمارس حقوق الزواج الشرعية، ولكن حصل شيء غريب هو أنني أثناء هذا أصبحت أشعر بإحساس غريب يسيطر عليَّ فجأة من تارة لأخرى، وهو أنني أريد الفتيات، ومع أنني أرفض هذه الرغبة فإنها كانت تسيطر علي، وكنت أجاهد في إبعادها، فأفقد التركيز في الصف الذي أدرس به، وأتعلل بالذهاب لقضاء أمر ما لأبتعد عن الفتيات، وأبكي وأدعو الله أن يذهب هذا الإحساس، ولكن لا جدوى، ثم بعد أن قطعت علاقتي به؛ لأنني أعملت عقلي، وهو أنني لن أتزوج بكاذب فقد أخفى علي أنه متزوج ولديه أطفال!!
المهم استمر إحساسي بالرغبة الشديدة والإثارة الدائمة، واستمر إحساسي تجاه الفتيات، ولاحظت أنني أمعن النظر في الجميلات، وذوات الجسد الممشوق، وأتخيل ما تحت ثيابهن رغما عني فأعود لألعن نفسي، لقد استحالت حياتي لجحيم، وأصبحت أعيش في رعب دائم من أن أؤذي فتاة، وأصبحت أشعر أنني مختلفة حتى إنني تساءلت: لماذا يصيبني الله بهذه المشاعر ويطلب منى مجاهدتها؟ أليس هذا عذابًا؟ ثم هل أنا في الواقع ذكر، وأحتاج لعملية تحويل؟
أنا لا أريد أن أتحول لذكر، وكما أنني أهتم بجمالي وأناقتي كفتاة هذا كله طبعا أثر على علاقتي بصديقاتي، وجعلني أنعزل خوفا من إيذائهن، أشعر بفراغ عاطفي كبير جدًّا، ولا أعرف ماذا أفعل برغبتي الشديدة وإحساسي تجاه الفتيات؟ كما أنني لم أعد أستطيع الصلاة، فهناك أفكار عن الدين تسيطر علي عن وجود الله، وما فائدة الدين؟ ومن قال إن القرآن صحيح، ربما هو محرف! وتخاريف كثيرة!!
بت أحتقر نفسي، وأشعر كأنني جرثومة، على المجتمع إبادتها فورا، حاولت العلاج دوائيا، لكن الطبيب فشل في علاجي؛ إذ إن كل المعالجات كان لها تأثير جانبي علي؛ مما منعني من مواصلة العلاج، وقال الطبيب: إنه لدي حساسية ضد الأدوية النفسية، لقد استعملت السيروكسات، الفافرين، السبرام، ريسبردون، ولكن لا جدوى، حاولت العلاج سلوكيا، ولكن عدة جلسات في كل مرة تقول طبيبتي: "عليك بالانشغال"، وتكتفي بهذا، ثم تحكي لي تاريخ عائلتها، وضاع ثمن الجلسات دون فائدة، أنا أريد منكم اهتمامًا بمشكلتي؛ لأن هذه هي المرة الثانية التي أبعث بها بالمشكلة، على الأقل أعطوني ما أخفف به من حالتي لأعيش نصف طبيعية، والأمل فيكم بعد الله،
أختكم التائهة.
رد المستشار
الأخت الكريمة، أستطيع أن أقسم ردي على رسالتك إلى ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: يتعلق بما تسمينه بالرغبة والإثارة الدائمة.
- القسم الثاني: يتعلق بالمشاعر والنزعات الجنسية تجاه البنات من نفس جنسك.
- القسم الثالث: يتعلق بالأفكار التسلطية أو الوساوس التي تعانين منها.
فأما القسم الأول فإن وجود الرغبة الجنسية طبيعي تماما في كل وقتٍ وفي كل عمر، وخاصةً في مرحلة الشباب التي تعيشينها الآن، وأما الإثارة الدائمة فلا نستطيع فصلها عن الرغبة، لكن الواضحَ أنك تعيشين في مجتمعٍ يفصل تماما بين الجنسين؛ وهو ما يجعل المثيرات الجنسية حتى البسيطة منها أكثر قدرة وأمضى في التأثير على الناس، لست أدري بالطبع هل هناك إمكانية للزواج أم لا؟ بمعنى هل يتقدمُ الخطاب لخطبتك الآن، أم أنك لم تبلغي سن الزواجِ حسب الشائع في المجتمع الذي تعيشين فيه؟ فأنا أرى أن الزواج من شخص مسلم ملتزم تَحُسين معه بالراحة والثقة والحنان الذي تحتاجين إليه سيكونُ فيه الحل لمعظم مشاكلك إن لم تكن كلها في هذا المضمار.
ولكن الواضح أن كثيرًا من الصبر ينتظرك؛ لأنك لم تشيري من بعيد ولا قريب لتقدم الخطاب لك، وفي مثل هذه الحالة يكون لزامًا عليَّ أن أقول لك: إن عليك ألا تنخدعي مرةً أخرى وألا تغتري بذكائك أيضًا؛ لأن لما حدثَ من الشخص الذي كنت تحبينه بالتأكيد دور فيما أصابك من إثارة دائمة.. فأنت يا أختي لن تستطيعي إلا أن تزيدي من عذابك بمثل هذا النوع من العلاقات التي لا تستطيعين فيها إعطاء ما تحبين إعطاءه كاملاً ولا أخذ شيءٍ مما تحتاجين إليه، ولن تتعرضي في مثل هذا النوع من العلاقات إلا لمزيدٍ من الإثارة، واتقاد النار التي لا تنطفئ إلا بالحلال. وننصح الشباب في مثل هذه الحالة -فضلا عن عدم اعتبار المشاعر الجنسية جرمًا في حد ذاتها؛ لأنها ليست كذلك وإنما هي جزء من طبيعتنا التي خلقنا الله عليها- بالتقرب من الله عز وجل، وبذل المزيد من الجهد في ذلك، ولكنني في حالتك مضطر لإرجاء هذا الطلب بسبب الأفكار التسلطية التي تعانين منها والتي سأتناولها في الجزء الثالث من الرد.
أما القسم الثاني فهو المتعلق بمشاعرك التي تستغربينها في نفسك تجاه الفتيات، وهذه المشاعر في حالتك -كما هو واضح- لا علاقة لها أبدًا بكونك ذكرًا؛ لأنك تحسين مشاعر الأنثى كاملةً غير منقوصةٍ، كما أنك تسلكين سلوكها، والأمر ناتج من الوتيرة العالية للرغبة الجنسية والإثارة التي تعانين منها، فضلاً عن حاجتك للحنان الذي تمثلُ الأنثى رمزًا أبديًّا له.
وهذه المشاعرُ في الحقيقة يمكنُ أن تكون جزءًا من اضطراب الوسواس القهري إن أخذت طابعًا قهريًّا في شكل رغبات مُلحة أو اندفاعاتٍ قهريةٍ لفعلٍ جنسي ما تجاه الفتيات، كما يمكنُ أن تكونَ بسيطةً ناتجةً من استغلال الشيطان لوجود الرغبة المتقدة داخلك، وتوجيهها تجاه الإناث خاصةً في ظروف مجتمعك الذي أظنُّ أنهُ يفصل بين الجنسين فصلاً تامًا، وفي هذه الحالة تكونُ الاستعاذة بالله من الشيطان كافيةً وحدها للخلاص من هذه المشاعر، كما سأبينُ في القسم الثالث من الرد.
نقطة أخرى مهمة قبل أن أترك القسم الثاني من الرد، هي أنه ليست كل من تشعر بمشاعر تجاه الفتيات شاذةً جنسيًّا ولا ذكرًا كما تظنين؛ لأنه في مثل ظروفك يمكنُ أن يكون هذا الأمر مجردَ أمر عابر وينتهي، وأما المصابةُ بداء الجنسية المثلية فأمرها مختلف؛ لأنها تفضل ممارسة الجنس مع الأنثى بالرغم من وجود ذكرٍ متاح، وهذه مريضةٌ لا شك، وكثيرًا ما تحسُّ في نفسها بالرغبة في أن تكونَ ذكرًا، وهذا الحالُ غير حالك.
أما القسم الثالث فهو المتعلقُ باضطراب الوسواس القهري الذي تعانين منه، وهو أولاً الاجترار الوسواسي المتعلقُ بالشك في المعتقدات، والذهاب بعيدًا وراء الأسئلة التي لا إجابةَ عليها، وهذا النوع من الوساوس يمكنُ أن يكونَ من فعل الشيطان إذا كانَ محدودًا، وينتهي بذكر الله، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم حيثُ نجدُ في الحديث الشريف ما يلي:
* عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني لأحـدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة".
* عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينتهِ".
* عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء.. فمن خلق الله؟ فإذا جاءه شيء من ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل: آمنت بالله".
وأما الحالات التي لا تكونُ فيها الاستعاذةُ بالله كافيةً وحدها للخلاص من مثل هذه الأفكار الاجترارية التسلطية؛ فإنها تدخل تحت تشخيص اضطراب الوسواس القهري، وهذا الاضطراب الآن أصبح من السهل علاجهُ بالعقارات، وبالعلاج المعرفي السلوكي من خلال الأطباء النفسيين. وأما عن كونك حساسةً للأدوية فأنت -كما هوَ واضح- حساسةٌ لكل شيء، وهذه نقطةٌ معك وليست عليك، كل المطلوب هو أن تتناولي علاجًا يتناسبُ مع حساسيتك المفرطة تلك.
والمشكلةُ التي تواجهني الآن هيَ أنني لا أعرف من أي بلدٍ عربي أنت؛ لكي أستطيع وصف العقار المناسب، وإن كنتُ أستطيع أن أدلك على دواء من خلال الاسم العلمي، وهذا الدواء عبارة عن عشب طبيعي أنعم الله علينا باكتشاف تأثيره القوي ضد الأفكار التسلطية. وهذا العشب بالطبع ليست له الآثار الجانبية التي عانيت منها عند استخدامك للأدوية التي ذكرت؛ فهوَ لا يسبب اضطراب المعدة والأمعاء، ولا يسبب التوتر والضيق ولا قلة النوم ولا فقدان الشهية -كما أحس أنه حدثَ معك-. هذا العشب هو الهيبريكم بيرفوراتم hypericum perforatum، وتستخلص منه مادةُ الهيبرفورين hyperforin..... ويمكن أن تستخدمي معه أيضًا عقار السالبريد جرعة 50 مجم 3 مرات يوميا.
والمشكلةُ أنني لا أدري هل هو متاح في بلدك أم لا؟ وهذا ما يمكنُ أن يعرفهُ الطبيبُ النفسي القريب منك أينما كنت، وحتى إن لم يكن متوفرًا فإن من الممكن أن يتدرج الطبيبُ معك في جرعات أي من مضادات الاكتئاب التي ذكرت في رسالتك، وهي الثلاثة الأول مما ذكرت؛ بحيثُ يبدأ معك بجرعةٍ أقل من الجرعة العادية، ولا يزيدها إلا بعد فترة أسبوع على الأقل، ثم إن عليك أن تصبري؛ لأن بعض حالات الوسواس تحتاج إلى 3 شهور على الأقل من الاستعمال اليومي للعقار قبل أن تبدأ الحالةُ في التحسن، أي أن مشوار الصبر طويل أعانك الله وأعان طبيبك عليه. وعلى أي حال أشعرُ أنك تحتاجين إلى مساعدة من يستطيع استثمار ذكائك وحساسيتك في صالحك لا ضدك.
اقرئي على مجانين:
مراهقة تتساءل هل أنا شاذة؟ متابعة2
وسواس الشذوذ الجنسي: هل أنا شاذة؟
إثارة ناحية السيدات هل أنا شاذة؟
وساوس السب والشكوك: محض الإيمان مشاركة
وأخيرا أهلا وسهلا بك على مجانين، وأرجو أن تخبريني بما وصلت إليه بمجرد أن تبدئي الطريق، فباب استشارات مجانين معك دائمًا إلى أن تَصِلي شاطئ الأمان.