1- عن ظاهرة الحـلـْـقة
لعل المتصفح للأسواق المغربية خاصة القروية منها؛ يلاحظ كثرة "الحلايقية" أو المشعوذون المتجولون ممن يتقنون فن النصب والاحتيال على أرزاق العباد.. فتراهم يجتهدون في عرض بضاعتهم الكاسدة بأسلوب شيق وكلمات جذابة؛ بل ويذهبون مذاهب شتى حتى أنهم يحلفون بأغلظ الأيمان ويتمنون لأنفسهم الموت والهلاك إن لم يكونوا يقولون الصدق فيما يبيعون... ولو شئنا أن نصنف هذه الحلقات؛ لوجدناها تتلخص في ثلاثة أنواع من الحلقات:
1) نوع من الحلقة يقدم الألعاب البهلوانية والألعاب السحرية والتمثيليات والشعر –خاصة البربري– وغير ذلك مما يدخل في العمل المشروع الذي لا غش فيه.
2) نوع من الحلقة مختص في مجال السحر وإبطال السحر و"التوكال" و"التابعة" و"العكس" أي الحظ المتعثر، وغيرها من المصطلحات التي يزعمون أن لها علاقة بالسحر أو الجن.
3) ونوع آخر من الحلقة مختص في مداواة الأمراض المستعصية وبأثمان بخسة للغاية.
الخطر كل الخطر يكمن في الصنفين الآخيرين؛ حيث يشتغل المتخصصون فيها بابتزاز ونهب أموال العامة. ولأن أغلب الناس أميون... ويؤمنون ببعض الأفكار البالية كالسحر والجن..الخ، فإنه ما أسرع ما يقعون ضحية هذا النصب والاحتيال؛ وما أسرع ما يمدون أيديهم إلى جيوبهم لاقتناء الوصفات السحرية السهــلة الاســتعمــــال والرخيصة الثمن معا. وإذا بحثنا عن الأسباب التي تدفعهم إلى التعامل مع هؤلاء النصابين بامتياز؛ فإننا سنجد ثلاثة أسباب واضحة:
أ – كونهم أميين يؤمنون بكل شيء ويعتقدون في كل شيء؛ بل إن بعضا ممن هم مثقفون وواعون يحذون حذو الأميين في الإيمان بهم والاستسلام لهم.
ب – كونهم يعانون من أمراض مستعصية جدا؛ فأغلبهم كانوا قد زاروا الطبيب لأكثر من مرة لكن بدون جدوى... فأمثال هؤلاء يسهل عليهم التعامل مع هؤلاء النصابين ولو من باب تجربة الدواء المزعوم.
ج– الأسلوب والشيق والأخاذ لهؤلاء النصابين... حيث يحلفون بأغلظ الأيمان ويعدونهم بالشفاء العاجل.. وأنه عليهم الإيمان بهم ووضع كل الثقة فيهم وإلا ضاعت منهم الفرصة التي لن تتكرر. وحتى لا تضيع هذه الفرصة المزعومة من هذا المريض أو ذاك المسحور؛ فإنهم يقتنون منهم ما يبيعون.
لست أدري لماذا الناس كانوا ومازالوا في سبات عميق يتعاملون فيما بينهم بكثير من الحيطة والحذر... وأمام "الحلايقية" يستسلمون.. يفوضون أمرهم لله ثم يصدقونهم؟ لست أدري لماذا لا ينفضون عن أنفسهم غبار الأمية وتداعيات الإيمان الأعمى ببعض الخزعبلات التي ما أنزل الله بها من ســلطـــان؟ أتــســــــاءل وأتساءل... والتساؤل يكاد يطير بصوابي عندما أرى أفهام الناس منغلقة؛ مع أن هناك مؤشرات تفضح بما لا يدع مجالا للشك أنهم مجرد نصابين ومحتالين لا غير؛ ومن هذه المؤشرات:
أولا: كون أحدهم –أو إحداهن– يأتي إلى السوق تم يختفي إلى الأبد... وإذا عاد فإن ذلك لا يكون إلا بعد عشر سنوات أو أكثر. فهل يعقل أن يثق الناس في هؤلاء وتلك عاداتهم؟ ألا يدل ذلك على أنهم فعلا نصابون وأبناء نصابين؟ إذ لو كانوا جادين وصادقين فيما يدعون؛ فلم يختفون عن الأنظار حيث يصبحون ولا يبيتون؟؟
ثانيا: كون أحدهم –أو إحداهن– يبيع دواء نافعا لكل الأدواء يقدم لهم قنينة خليط ما أو كيس مسحوق ما؛ على أنه يشفي قرحة المعدة... ألم الأمعاء... يقتل الديدان بأنواعها... يشفي القصور الكلوي... الضعف الجنسي... القلب ويشفي ويشفي... والضحايا لا يتساءلون أنى يكون هذا؟ هل هناك بالفعل دواء واحد لجميع الأدواء؟ إنهم لا ينتبهون إلى أن الأطباء يتخصصون في مرض واحد؛ حيث ينقطعون للدراسة سنوات عدة؛ قبل أن يعينوا أخصائيين في هذا المرض أو ذاك. فهذا الطب الحديث –وما أدراك ما الطب الحديث- يقف عاجزا أمام حالات مرضية كثيرة؛ ثم يأتي محتال ويدعي المعجزة الكبرى؛ والله هذا شيء غريب....
والأغرب من ذلك أن يجد من يصدقه ويؤمن به؛ والأغرب من ذلك كله أن يقف المسئولون موقف المتفرج... أو موقف اللامهتم بما يجري حوله وكأن لسان حالهم يقول: احترم الحدود الحمراء ثم افعل ما بدا لك.
إني أتساءل لما لا تهتم الجهات المسئولة بهذه المظاهر الاجتماعية التي لا تفرخ إلا الجهل والبلادة؟ لم تعطي الضوء الأخضر لاستغلال وابتزاز بسطاء الناس؟
وأنا من هذا المنبر الرائع، أقترح على أصحاب بعض البرامج الحية؛ لا أصحاب برامج الأكل أو الرقص؛ حيث تبث برامجهما وتعاد وتعاد إلى حد الملل؛ تخصيص حلقات لهذا الموضوع.... لأن هنا قلعة من قلاع التخلف والجهل.... بالإضافة طبعا إلى قلاع أخرى مثل "الشوافة" أو العرّاف... السحر... الجن....
هذه القلاع هي التي يجب أن تـُـدكّ دكّا إن أردنا بالفعل أن نتقدم كباقي الدول المتقدمة... يجب معالجة هذه المواضيع مادام لها تداعيات خطيرة على أرض الواقع؛ وإلا فإننا سنكون كمن يمشي ولباسه لباس القرن العشرين فيما عقله عقل القرون الوسطى. ولعل هذا ما ترجمه على أرض الواقع أحد الأساتذة ممن زاروا الديار المقدسة؛ حيث علق على سطح منزله الجديد عجلة مطاطية سوداء في جهة وآنية "مقراج" أسود في جهة ثانية وذلك بهدف رد العين.... أما الأوساط الشعبية فحدث ولا حرج..... إن من العيب علينا أن نساهم في نشر ثقافة الخرافة...
ثقافة متخلفة ومتعفنة تتناقض والمنطق السليم والسلوك الصحيح. والأدهى من هذا أن نجد بعض الناس يعلمون مسبقا أنهم مجرد محتالين؛ لكن ما أن يقعوا تحت وطأة مرض عضال... أو يقعوا ضحية حالة نفسية معينة؛ حتى يطرحوا موقفهم هذا جانبا؛ ثم ينخرطون في طابور المؤمنين بالشفاء العاجل على يد هذا المشعوذ أو تلك الشوافة. وليس المشعوذ الرباطي غير مثال صارخ واحد؛ أم الآخرون... والمنتشرون في كل مكان فهم أكثر من أن يحصى عددهم.
ودعونا نفهم الواقع أكثر ونطرح هنا بعض المفارقات الداحضة لهذا الإيمان الأعمى بأن المشعوذين "عندهم ما يكلوا" وأنهم "دْقّ بَطـْـلَ" للسحر... العكس... التابعة.. التوكال.." إلى غير ذلك من المصطلحات الفارغة... قد يقال على سبيل المثال أن هناك فتاة لم تتزوج قط... وأنه لم يخطبها خاطب على الرغم من أن عمرها وصل ثلاثين سنة أو يزيد "راه ديك البنت مسحورة... مافيهاشْ" وهذا شاب يعاني من الضعف الجنسي "حتى هو الدّارْ ليهْ الثقافْ وهذا شغل الفقيه وليس الطبيب" لكن لنفرض جدلا أن تلك الفتاة ذهبت إلى فرنسا أو إيطاليا؛ فهل ستظل عازبة أم أن مصيرها سيتغير بين عشية وضحاها؟!! هل ستبقى تعاني حالة "العكس" أم أن الخطاب سيدقّـون بابَـها بالعشرات بمجرد عودتها من الخارج؟!! وإذا كان الأمر كذلك؛ فأين ذهب العكس وأين راح السحر؟.
ثم هذا الذي يعاني من الضعف الجنسي؛ لماذا يشرب قرص "فياكرا" من فئة50أو 100 فإذا به يحس بالحرارة تسري في أوصاله... وإذا بالانتصاب يبلغ مداه؟!! فهل هزمت "فياكرا" سحر الساحر وثقاف الحاسد؟!
هل يعقل ونحن أبناء القرن الواحد والعشرين ؛أن يتداوى الناس بالأشعة... والتحاليل... والسكانير؛ ونتداوى نحن بالهمْـهمات... والغمْـغمات والأبخرة... وبالنوم في الضريح الفلاني أو ذبح الديك الأسود الأول والثاني؟!!.
إن الذي يدفع الناس إلى أحضان المشعوذين كما أسلفت، مرض مستعص أو حالات تعثر في الحياة في هذا الجانب أو ذاك كالعنوسة وتكرار الفشل... والمرض والعنوسة.
2- المرض:
أختي الكريمة أخي الكريم، إذا سقطت طريح الفراش فاصبر، اصبر على قدر الله ولا تجزع. نعم من المفروض البحث عن الدواء، فقد قال الرسول (ص) تداووا فإن لكل داء دواء، لكن إذا عجز الطب ولم تجد الشفاء العاجل فإياك والجزع! لا تعتبره مصيبة نزلت عليك بلا هوادة... أو انتقاما من الله الذي وسعت رحمت كل شيء، بل قدرا وابتلاء. فبالمرض يا أخي ستعي أهمية نعمة الصحة، للآن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى كما يقال. وهكذا ستعمل مستقبلا على الاعتناء بها.
والمرض يا أخي فرصة لتحفيز العلم والطب على المضيّ قـُدُما في البحث والاكتشاف، فآلامنا وأسقامنا هي التي تصنع الدواء; وتخترع مختلف التحاليل وأشكال العمليات... والمرض يا أخي فرصة للتزاور بين الأهل والأحباب... فكمْ لحظة َمرضٍ نسجتْ خيوط محبة ووئام؟ وكم لحظة زيارة دفنت الخلافات والنزاع والشقاق إلى الأبد أو إلى حين؟
وبالمرض يا أخي سيمسح الله عنك الذنوب والخطايا... ستأخذ حماما ساخنا ينظفك من أدران السيئات، حتى إذا لقيت الله لقيته وأنت في أحسن حال. وهل عبثا نصح الرسول الكريم تلك المرأة التي كانت تـُصْرع -مرض نفسي- بقوله إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت ولك الجنة.
فتداوى... اصبر لكن لا تهرع ْ إلى المشعوذين والمشعوذات، فلأنْ يكون معك الله خير من أن يكون معك مشعوذ أو مشعوذة، فكلنا نعلم الحديث القدسي الذي جاء فيه أن الله تعالى قال: يا عبدي مرضتُ ولم تعـُدْني، قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين; قال: مرض فلان ولم تعـُـدْ ه، ولو عدته لوجدتني عنده.
ولعل أشد الأمراض وقعا على النفس، مرض الضعف الجنسي. إنهم المعذبون الذين لا يعلمهم إلا الله... هم أشخاص يتألمون في صوت ويموتون في بطء.. لذا نجد من بينهم من يفكر في الانتحار.. ونجد من بينهم من يرتمي رأسا في تعاطي مختلف السموم أو يتخنث ويقلب الآية.. ونجد ونجد... مع أنه بالإمكان معالجة المشكلة بتعقل وأناة، فالضعف الجنسي لا يعني النهاية يا إخوان، إذ هناك نساء وفتيات باردات جنسيا أيضا، منهن من لا تتحمل الجماع بتاتا لسبب من الأسباب.. ومنهن من تطلق بسبب ذلك.. فليقم إذن أدهاكم وأعرفكم بعالم الإنترنت وليخلق موقعا خاصا بأصحاب الضعف الجنسي من أجل التعارف بهدف الزواج... نعم الزواج.. فربما تزوج بعضكم ببعض من أقصر السبل.. وربما كانت الفتاة المناسبة بجوارك وأنت لا تدري.. الخجل هو الذي يمنعكم، لكن بأسماء مستعارة قد يتعرف بعضكم ببعض.. ولأن تجد فتاة تحس بك وتشاركك الحياة خير من أن تعيش حياتك وحيدا مهموما مغموما... فأتوا البيوت من أبوابها وارموا عنكم غشاوة الجهل ومقابلة السحرة والمشعوذين.
3- العنوسة:
وأنت يا أختي العانس، تذكري أن العنوسة مرض اجتماعي حديث، لم يكن معروفا في السابق. فقد كان أجدادنا يتزوجون باكرا... وكانت الفتيات يتزوجن عن سن مبكرة. فأنت ضحية حالة اجتماعية جائرة لم تجد من يعالجها معالجة فعالة، فقط لا تتوهمي أنك مسحورة... أن إحدى الحاسدات وضعتْ لك عملا شيطانيا في طريقك فتخطيته! هذا كلام فارغ. أتدرين ما هو الحل؟ لو كنت خليفة للمسلمين لأصدرت مرسوما بالتشطيب على كل الموظفات من الإدارات العمومية، ماعدا بعض الحالات كالطبيبات والممرضات وأستاذات مدارس البنات الخ... لأن أغلب الموظفات يتزوجن بالموظفين فيذهبن بالخير كله: الرجال والمال!
لذا سأطردهن من الوظيفة وسأعوضهن بالعاطلين عن العمل من الشباب والرجال، هؤلاء الذين سيتزوجون عن بكرة أبيهم، وهكذا سأضرب عصفورين أو قولي غرابين بحجر واحد:
البطالة والعنوسة. فضلا عن الفراغ المميت الذي يرمي بشبابنا في أحضان الحشيش والخمور وكل أنواع الانحراف... إن قلعة المرأة هي بيتها فيما قلعة الرجل في خارج البيت... وظيفتها أن تخفف عن الرجل... أن تداويه بلمسات الحب والحنان... أن تربي أطفالها بيديها وترضعهم من ثدييها.
لكن في انتظار أن أصبح خليفة المسلمين الأول في هذا الزمان، فإني أوصيك بالصبر وعدم اليأس، وإياك والمشعوذين الذين لن يفعلوا أكثر من ملء دماغك المتعب بوعود لن تتحقق أبدا إلا أن يشاء الله تعالى. فاصبري واحتسبي ثم تبوئي مكانك في الجنة إن كنت مؤمنة تطيع الله قدر استطاعتها.
وختاما أود الإشارة إلى أنه في بلد متقدم، لا أظن أنكم ستجدون هؤلاء المشعوذين المتجولين، يتجولون في الأسواق ويضحكون على ذقون الناس. لأن المجتمع ليس من السذاجة والتخلف العقلي كما هو حال مجتمعاتنا العربية.. ولأن المسئولين عندهم ليسوا من الغافلين المستغفلين.
ولتعلم أخي الكريم أختي الكريمة أن المشعوذين مجرد نصابين، لذا سأذكر لكم قصة طريفة حصلت لأبي وقد كان يستمع إلى أحد المشعوذين وقد تحلق حوله خلق كثير؛ وعندما انفض الجمع؛ اقترب أبي من الرجل وشكا إليه حالة مرضية يعاني منها؛ فقال له المشعوذ:
- هات قالب سكر؛ أنا عندي الحكمة في القـنـّبْ (شريط يلف فيه قالب السكر)، فأجابه أبي: نـْجيبْ ليكْ غيرْ القنب، فصرخ في وجهه المشعوذ:
- أغربْ عن وجهي!
واقرأ أيضًا:
قيمة العقل في الإسلام! ماذا جرى؟ / نفس اجتماعي: سحر وحسد وتلبس، جهل نفسي / الجن.... بين الحقيقة والوهم!