(376)
الفزاعة
بعد التشكيك في جماعتي 6 إبريل وحركة كفاية وأنهما يعملان لحساب جهات أجنبية، وبعد التشكيك في ولاء اثنين، فيما يبدو أنهما من أقوى مرشحي الرئاسة، أنهما يعملان أيضاً لحساب دولاً أجنبية. وبعد أن بدا واضحاً أن هناك ضوءاً أخضراً لتقوية شوكة الإسلاميين وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، اعتماداً على أنهم يعانون من قصر النظر؛ وسيظنون أن العصر عصرهم وأن الآن أوانهم، فيملئون الدنيا هتافاً إسلامية... إسلامية. بعد كل هذا هل يحق لنا إبداء الشكوك في أن الهدف من ذلك هو ألاّ يصبح صوتاً عالياً في الساحة لغير الإسلاميين؟ وهل يعني ذلك أن هناك من يسعى لجعلهم الفزاعة حتى تظهر كل المخاوف الداخلية منهم؛ فيتفق الجميع على أن أمر واحد وهو أن حكم العسكر هو البديل الآمن لحكم الإسلاميين، فينتهي بنا الحال إلى ما كنا عليه يوم أربعة وعشرين يناير؟
(377)
الشفافية
يتم بناء العقلية العسكرية على مبدأ سرية المعلومات، فأية معلومة هي سر عسكري ولا يجوز تداولها؛ فقد يستفيد منها العدو مهما كانت المعلومة تافهة. لهذا تجد لافتة عند أي مستشفى عسكري مثلاً مكتوب عليها "ممنوع الاقتراب والتصوير"، فعلى بساطة المبنى وأنه مجرد مستشفى كأي مستشفى إلا أنه طالما ينتمي للمؤسسة العسكرية فهو منطقة عسكرية ويحظر الاقتراب منها والتصوير، كما يحظر تداول أية معلومات بشأنها. لهذا فنحن لا نعرف في مصر ماذا جرى وقت الثورة، فالمجلس العسكري لا يصرح؛ فكل ما حدث هو أسرار ولا يجوز الحديث عنها. وأقصى طموحاتنا أن نعتمد على التسريبات، فنسترق السمع لتسريبات تقول بأن المجلس رفض قراراً بإطلاق الرصاص على المتظاهرين.
نسترق السمع لتسريبات تقول بأنه كان هناك قرار من مبارك بعزل المشير طنطاوي وأنه لهذا صدر في المقابل قراراً من المجلس بإجبار الرئيس على التنحي. نسترق السمع لتسريبات تقول بأن أمريكا وإسرائيل كانتا على وشك القيام بعملية عسكرية على مصر بهدف دعم مبارك، أو حماية إسرائيل في حال نجاح الثورة واستيلاء الإسلاميين على الحكم. ولهذا أيضاً لا نملك إلاّ تلميحات بأن جماعة من الجماعات تتلقى تمويلاً من الخارج وأنها تخدم أجندة أجنبية، أو أن مرشحاً للرئاسة هو في حقيقته عميل.
وكل هذا الاجتهاد في استراق السمع أو الاجتهاد في محاولة فك طلاسم الشفرة والتلميحات إنما يعود لأن العقلية العسكرية وقاموسها لا يوجد فيه مصطلحات مثل الشفافية، أو حرية تداول المعلومات. فالعقلية العسكرية لا تعرف الديمقراطية ولكنها تعرف فقط الطاعة وتنفيذ الأوامر، ولهذا كثير ما يفيض كيل العسكر من الثوار، ولذلك يرفض الثوار حكم العسكر، فإذا ما جلس هؤلاء العسكر على الكرسي فعلى الثورة والديمقراطية السلام.
(378)
السادات
السادات الله يرحمه مطرح ما راح كان فيه تلات خصال أساسية كان لها أشد التأثير على حياتنا، الخصلة الأولى هي الدهاء والثانية هي الشعور بالعظمة أما الثالثة فهي الرعونة. ظهرت الخصلة الأولى بوضوح في اختبائه بالجحر طوال حياة عبد الناصر لدرجة أن كل اللي حواليه تصوروا إنه أرنب وح يعرفوا يتحكموا فيه، وفجأة أظهر لهم السادات الوش الثاني ودخلوا كلهم السجن في حركة ماكرة سماها السادات ثورة التصحيح. الخصلة الأولى ظهرت برضه في التمويه على تنفيذ حرب أكتوبر، وقدر السادات يضحك على اليهود والأمريكان وكل أولاد الكلب.
لو كان السادات أظهر شعوره بالعظمة أيام عبد الناصر، كان لا يمكن يكون نائب للرئيس ولا حتى في الحلم، ولكن بالدهاء عرف إيه اللي يظهره لعبد الناصر وكتب كتابه "يا ولدي هذا عمك جمال". أما الشعور بالعظمة فكان واضحا للأعمى في ملابسه خاصة العسكرية وما عليها من نياشين، ثم عصا المرشالية والبايب، وبسبب هذا الشعور بالعظمة لم يستمع لمعاونيه في أي ما يخص اتفاقية كامب ديفيد، وتنازل كثيراً سعياً وراء بقاء صورته العظيمة التي لعب على تغذيتها بذكاء شديد كارتر. فكان إغضاب كارتر وقول كلمة (لا) على أي من البنود إنما يعني سحب الاعتراف بهذه الصورة العظيمة له؛ فكلمة (لا) تعني فقد كارتر وفشل اتفاق السلام، ومن ثم ضياع صورته العظيمة أمام نفسه وأمام العالم الذي كافأه بجائزة نوبل للسلام لعدم قوله (لا).
أما عن خصلة الرعونة فكانت واضحة أشد الوضوح في قرار السلام المنفرد مع إسرائيل، وفي قراره بتعيين مبارك نائباً للرئيس، وبسبب الرعونة في قرار السلام راح العرب كلهم في داهية ومش حتقوم لهم قومة تاني، وبسبب الرعونة في قرار تعيين مبارك نائباً للرئيس؛ راحت مصر في داهية تلاتين سنة وياعالم حتقوم منها أمتى. علشان كده لازم نحمي نفسنا من رعونة أي رئيس قادم ونطالب بأن اللي يرشح نفسه رئيس لازم يقول اسم النائب بتاعه معاه في الترشيح. حرام إن كل واحد يختار نائب أضعف منه علشان يبقى قاعد مطمئن؛ ومش مهم عنده البلد تروح على فين. واضح طبعاً إن مبارك كان عنده مشكلة وملقاش حد أضعف منه علشان يحطه نائب له.
(379)
بلطجية ميري
معروف أن مهنة الدعارة هي أقدم مهنة في التاريخ، وأظن إن المهنة اللي بعدها على طول هي مهنة البلطجي. ولشرح المهنة دي ببساطة نقول أنها تقوم على البلطجي "طرف أول"؛ والذي يقوم نظير مقابل مادي بتوظيف قوته وعضلاته لخدمة شخص ما "طرف ثان"، ضد شخص آخر "طرف ثالث"؛ وهذا الطرف الثالث قد يكون شخص فعلي أو شخصية اعتبارية بمعنى أنها غير معروفة لدى الطرفين الأول والثاني. فمثلاً يقوم البلطجي بحماية الطرف الثاني من أي أذى محتمل يمكن أن يقع عليه من أي شخص غير معروف "اعتباري" لدى الطرفين الأول والثاني.
وعادة ما يأخذ البلطجي في مقابل خدماته إتاوة أسبوعية أو شهرية حسب الاتفاق من الطرف الثاني. وقد يقوم البلطجي بتقديم خدماته بحماية الطرف الثاني من شخص بعينه، وقد يقوم البلطجي أيضاً في إطار توظيف عضلاته وقوته بضرب شخص بعينه خدمة للطرف الثاني وهنا تكون المهمة خاطفة ومحددة المعالم والمدة.
كان البلطجي زمان بيحمي الحارة أو مجموعة محلات أو حتى مومس بتمارس الدعارة وعايزة حماية البلطجي من أي زبون رذل مش عايز يدفع. ولقد تطورت مهنة البلطجة في العصر الحديث وبقى أسمها الجديد بودي جارد؛ وده ممكن تلاقيه في كباريه أو ماشي ورا فنانة أو أي شخص ممكن يدفع علشان البلطجي يحميه. ثم تطورت مهنة البلطجة فجأة في عصر مبارك فإضافة إلى الشكل الكلاسيكي لها الذي يعتمد على استخدام المطاوي والسنج، ظهرت فئة من البلطجية يلبسون الزي الرسمي، وكل واحد منهم حاطط على أكتافه حاجات كتير بتلمع، ويجلس على مقهى الشرطة. فتلاقي البيه غير تحصيل الإتاوات من المحلات ومن الغلابة اللي في محيط منطقته، ممكن يجرجر اللي عليه القصد والنية ويعمل معاه الواجب في القسم؛ واجب ما يعرفش أي بلطجي من بتوع زمان يعمله؛ واجب يبتدي بالضرب والتعذيب وينتهي بتلفيق التهم.
السؤال هنا يا ترى مهنة البلطجة وخصوصاً البلطجة الميري انتهت بعد ثورة خمسة وعشرين يناير، ولاّ لسه زي ما هي؟
18/8/2011 ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (80)
واقرأ أيضاً:
ماذا حدث؟ ماذا حدث؟ بعد 25 يناير؟ / الأعراض الجانبية للثورة / فرصة للتصالح الاجتماعي / 50 % & 50 %، ... فماذا يتبقى لنا؟ / حكاوي القهاوي