(380)
كامب ديفيد
لا أعتقد أنه من مصلحة إسرائيل مطلقا التفكير في إلغاء اتفاقية كامب ديفيد للسلام، لأنها ببساطة شديدة إن فعلت فهذا يعني تحرير مصر من قيد يمنعها من التحرك عسكرياً بأي شكل من الأشكال ضد إسرائيل. فلقد حققت اتفاقية كامب ديفيد لإسرائيل أكثر بكثير مما حققت لمصر، وأول ما حققته من فوائد لها أنها ضمنت أنه لن تكون هناك حروب في المنطقة نهائياً طالما تم تحييد مصر من الصراع العربي الإسرائيلي. الفائدة الثانية أنها أصبحت تفعل كل ما تريد بالفلسطينيين وهي واثقة من أنه لن يتحرك أحد في المقابل.
الفائدة الثالثة أنها استطاعت أن تضخ الأموال التي حصلت عليها من أمريكا مقابل السلام إضافة إلى الأموال التي كانت تنفقها على التسلح في بناء اقتصاد وتصنيع قوي جعل اقتصاد إسرائيل يحقق قفزات هائلة، ولولا الفساد في مصر لاستطعنا أن نحقق بعضاً من هذا الإنجاز إن لم يكن كله. أما الفائدة الرابعة فإنها استطاعت أن تقنع يهود العالم أن إسرائيل دولة آمنة لا حرب فيها مما يجعلها جاذبة للهجرة.
الفائدة الخامسة أنها لم تعد في حاجة إلى تجييش الجيوش على الحدود المصرية مما يعني توفير كل هذه الطاقات البشرية للعمل في تنمية الداخل الإسرائيلي. الفائدة السادسة أنها فتحت تجارة مع دول المنطقة حققت لها الكثير من الأرباح التي دعمت بها اقتصادها إلى أكبر درجة ممكنة. كل هذا يعني أن إسرائيل هي الرابح الأكبر من السلام مع مصر ومن توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وأن إسرائيل ليست بالغباء لتفقد كل هذه الميزات بأي قرار من شأنه هدم اتفاقية السلام لتعود إسرائيل إلى حالة الحرب.
وكل ما يصدر عن إسرائيل وبعض من قادتها أمثال ليبرمان إنما هو كلام فارغ ليس مقصود به سوى إحداث فرقعةً قد يجنون من ورائها بعض الميزات هنا أو هناك. فلو حدث وأن قامت إسرائيل باحتلال سيناء فهذا يعني بداية هدم صورة إسرائيل أمام العالم ثم تأتي تباعاً إعلان حالة الحرب والتي تعني إمكانية إعادة تسليح مصر دون قيد أو شرط ومن أي مصدر للسلاح وليس كما هو الحال الآن وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد. نعم ستقوم إسرائيل باحتلال سيناء ولكن في المقابل ستجد إسرائيل نفسها ثانية في حالة حرب، وفي مواجهة العرب جمعياً. وإن عاجلاً أم آجلاً ستتحرر تلك الأراضي المصرية ثانية، ولن تحصل إسرائيل أبداً على مثل ما حصلت عليه من امتيازات في كامب ديفيد؛ لأنه لن تكون هناك ثقة حتى نترك لهم سيناء خالية ولن يجدوا سادات آخر ليوقع لهم على بياض.
(381)
حائط الصواريخ
كانت إسرائيل أيام مبارك تتلذذ باصطياد العسكريين والمدنيين المصريين في الأراضي المصرية، ثم تكتفي بإرسال برقية اعتذار لمبارك. فما كانت تقوم به من انتهاك يعطي لإسرائيل حكومة وشعباً شعوراً بالقوة والسيطرة وأنه مازال لها اليد الطولى في المنطقة، وأنها تستطيع أن تفعل ما تريد وقتما تريد فيمن تريد. ثم جاءت ثورة 25 يناير والتي أصابت إسرائيل بحالة من الذهول، يبدو لي أنها لم تفق منه بعد؛ فما قامت به إسرائيل من عدوان في سيناء يكشف عن أنها قيادة وشعباً مازالا يعيشان حالة إنكار ورفض داخلي لحقيقة أنه قامت ثورة في مصر. لهذا كتب توماس فريدمان في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بعنوان "انتهاء بيع الشرق الأوسط بالجملة"، فكتب يقول أنه على مدى السنوات الثلاثين الماضية تمتعت إسرائيل بالسلام مع مصر بالجملة، من خلال سلام مع رجل واحد فقط هو مبارك، فمكالمة هاتفية واحدة من جانب إسرائيل له كان يمكنها إيقاف أي أزمة في العلاقات، لكن هذا العصر قد انتهى بعد ثورة 25 يناير؛ فإسرائيل الآن مضطرة للبيع بالتجزئة لتحقيق السلام مع 85 مليون مصري.
فوفقاً لتقرير قوات حفظ السلام الدولية بسيناء بعد معاينة خط الحدود، خاصة المنطقة التي وقعت بها الاشتباكات، قال بأن وحدة إسرائيلية قامت بالتوغل في الأراضي المصرية في سيناء عند النقطة ٧٩ وإطلاق الرصاص على الجنود المصريين. كما لم يؤكد التقرير على وقوع أي تسلل لفلسطينيين عبر سيناء إلى داخل الحدود الإسرائيلية. لهذا أعتقد أن ما قامت به إسرائيل هو تصرف هيستيري تحاول فيه أن تثبت لنفسها أن الوضع لم يتغير وأن المجلس العسكري مثله كمثل مبارك سيكتفي باعتذار تليفوني، وأن الشعب المصري لن يتحرك كما كان دائما.
لهذا كان انزعاج إسرائيل كبيراً بسبب رد الفعل الشعبي بعيداً عن رد الفعل الرسمي، فقامت تبحث في إجراء تحقيق حتى تقول فيه لجنودها يبدو أن الوضع قد تغير وأننا لم نعد قادرين ثانية على اختراق الحدود المصرية وقتل جنودها. إن هذا التحرك الشعبي وحجم ما تعانيه إسرائيل من صدمة يذكرني بصدمتها بعد نشر مصر لحائط صواريخ سام 6 في فترة حرب الاستنزاف والذي منع الطيران الإسرائيلي من اختراق الأجواء المصرية وضرب مصر في العمق. نعم إن الشعب المصري هو حائط الصواريخ الذي تم نشره في مواجهة إسرائيل ليمنعها من التفكير في التطاول ثانية على مصر وعلى حدودها.
(382)
أحمد الشحات
أعتقد أن إسرائيل ستجري تحقيقاً داخلياً لتعرف كيف يحدث هذا بعد أن فعلت كل ما فعلته بالمصريين حتى لا تقوم لهم قائمة. كيف يمكن بعد أن ملأوا البطون بكل هذه الأغذية المسرطنة، فصار في كل ركن مصاب بالسرطان وبكل أنواع الأوبئة، كيف يمكن بعد أن نشروا المخدرات في كل مكان وبكل الأنواع وبأبخس الثمن، كيف يمكن بعد أن صارت أغانينا وأفلامنا تافهة وأبطالنا تافهون، كيف يمكن بعد أن أطمئنوا أنه لا يشغل بال شبابنا إلا كل ما له علاقة بالجنس.
كيف يمكن بعد أن ظنوا أن مصر لم تعد للمصريين وأن شبابها لا انتماء له، وأن الحلم الأكبر لدى أي شاب مصري هو الخروج من الوطن بلا تفكير في العودة. كيف يمكن بعد كل هذا أن يفعلها المصريون ويقولون لا للطاغية ويقولون لا لإسرائيل، ويعلنون أنهم لها كارهين؟ كيف يمكن بعد كل ما فعلته إسرائيل أن يفعلها الشاب المصري أحمد الشحات ويتسلق المبنى الذي يتكون من سبعة عشر دوراً والذي تقع به السفارة الإسرائيلية لينزع العلم الإسرائيلي أمام العالم ويضع مكانه العلم المصري؟ كيف يمكن لشخص أن يفعلها على الإطلاق فكيف لمصري أن يفعل إذن؟ لقد أصاب الشاب المصري أحمد الشحات العالم بالذهول وأصاب كل إسرائيلي بالهلع.
21/8/2011
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (81)
واقرأ أيضاً:
مشروع الثورة، والوعي الجمْعي الجديد / ماذا حدث؟ ماذا حدث؟ بعد 25 يناير؟ / الأعراض الجانبية للثورة / فرصة للتصالح الاجتماعي / 50 % & 50 %، ... فماذا يتبقى لنا؟ / حكاوي القهاوي