أنهيت مقال الأسبوع الماضي بتساؤل يقول: هل تحتمل هذه الزاوية أن نبدأ بتقليب مفهوم الحرية الأسبوع القادم؟
"الفرض" الذي يشغلني بعد تعرفي على معالم ثورة التواصل والمعلومات، هو أن العالم اليوم، خاصة الشباب، مشغول، قصدا، أو تطورا حتميا، بتشكيل ما أسميته "الوعي العالمي الجديد"، فى توجّه ضامّ، هذا إذا كنا لن ننقرض. لم يعد الإعلام والتواصل حكرا على السلطات المركزية بتمويلاتها المشبوهة، وعملقتها الاحتكارية، أتصور أن ما يجرى بين عموم الناس هو عملية تراكم وعى الأفراد فالجماعات فالمجتمعات، بدون حاجة إلى أخذ إذن الحكام ومحتكرى الإعلام المالى المركزى السلطوى، إن ما حدث منذ 25 يناير هو جزء من هذه الثورة العالمية، حتى لو كنا نلعب مع المحرّكين المجهولين لعبة القط والفأر، شريطة أن نكسب الدور فى النهاية.
حين راجعت ما نشر هنا الأسبوع الماضى عن خبرة طفولتى مع صدور "أخبار اليوم" التى ظهرت حين كنت أتابع بهامش وعيى أخبار الحرب العالمية الثانية يوما بيوم، تأكدت أن هذ التشكيل الجمعى الكونى الجارى حالا ليس حركية جديدة إلا فيما يتعلق بامتلاكنا -نحن البشر- أدوات تواصل وإعلام لامركزية جديدة وفائقة، وقد وعدت فى نهاية المقال أن أفتح ملف "الحرية" خاصة والكلمة تتردد بتوتر غامر، وسهولة مخيفة، قلت ما دامت الحكاية قد بدأت عندى طفلا، فلأبدأ مناقشتها من مدخل ما قدمت من أراجيز للأطفال، وقد شجعنى على ذلك تلك الأسئلة الذكية التى طرحتها رئيسة تحرير برنامج "طعم البيوت" ومقدمة فقرتى الخاصة فى القناة الأولى السيدة الفاضلة "مها حسنى"، وحين وصلنى كرم ضيافة الأستاذ رئيس التحرير السيد النجار، ونائبه الأستاذ مجدى العفيفى، قلت ننتهز هذه الفرصة ونساهم قصدا وعلى قدر المتاح فى تشكيل ما أسميته "الوعى المصرى الكونى الجديد"، واسمحوا لى أن أؤكد ابتداء أننى أتكلم عن "الوعى العام" وليس عن "الرأى العام" ولا عن "الوعى العالمى" أو"النظام العالمى" لا الجديد ولا القديم.
ولأننى لن أنقل نص الحوار (بالعامية) الذى دار فى البرنامج سوف أتخيل شابة من شباب 25 يناير تناقشنى بدلا من المقدمة الفاضلة، حتى لا أتجاوز فى تقويلها ما لم تقله:
سألتنى الشابة، ماذا تقصد بقولك فى الأغنية
"الحرية إنك تقدر ترمى طوبتها" هل هذا معقول؟ كيف يكون الواحد حرا لو استغنى عن الحرية هكذا؟
قلت لها: لو سمحت، نقرأها على بعضها، أكملى، قالت:
الحرية إنك تقدرْ ترمى طوبـِتـْهَا
لو مش قادر انك تحمل إلا خِـيـبـِتْها
قلت: إسمعى يا ابنتى: أحيانا يخطر ببالى أن الأمانة التى عرضها ربنا على السماوات والأرض والجبال (وليس على الإنسان)، فأبَيـْن أن يحملنها وأشفقن منها، هى "الحرية"، لكن الإنسان تصدى لها وحملها، وأحيانا أخرى أتصور أنها القول الثقيل الذى ألقاه ربنا على نبينا صلوات الله عليه، وهو يبصّره بعبئه: "إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا"، ثم أتلفت حولى، قبل وبعد 25 يناير، وأتعجب من استسهال استعمال لفظ الحرية بهذا الشكل، والتهليل لها، حتى تقديسها، وأدعو الله أن نكون قدر حملها، وأن نتجاوز خيبتها كما قالت الأغنية، إلى خيراتها.
قالت الشابة: أنت بهذا تصعـّب المسألة وكانك تلوح لنا بالتنازل عن هذه الجوهرة الثمينة التى عثرنا عليها، فنعود إلى ما كنا فيه.
قلت لها: نحن نصنع الحرية صنعا، لا نعثر عليها، نحن دفعنا المقدم غاليا وعلينا أن نواصل دفع الأقساط، الإنسان لا يكون إنسانا إلا إذا كان حرا، ولا يمكن أن أساهم فى التنازل عن إنسانيتنا تخوفا من خيبتنا، إن خيبتنا البليغة هى أن تلهينا هتافات الديمقراطية عن أن نكون أحرارا بحق، إن الكلمة تتردد كأنها إعلان فى "موَلَ الديمقراطية" الذى افتتحته أمريكا مؤخرا فى الشرق الأوسط الجديد، وكأن الديمقراطية هى مرادفة للحرية ودمتم؟
قالت الشابة: أليست هى كذلك!!؟، قلت لها: "لا طبعا"، ربما تكون الديمقراطية من أهم السبل التى توصل إلى الحرية، لكنها ليست كذلك، الحرية أعمق وأهم وألزم من الديمقراطية خصوصا إذا كانت البضاعة المعروضة مشبوهة، أو مستوردة مضروبة، قالت الشابة: أرجوك لا تصعبها حتى أفهم، قلت لها، وهل أنت أقل ذكاء من الأطفال الذين كتبت لهم عن ذلك؟ قالت لا أعرف، ولكنك لخبطتنى،
قلت ليكن، ولنلتق فى الأسبوع القادم.
16-8-2011
واقرأ أيضاً: