إنه المشهد العجيب: ثورة ينكص أهلها عن استكمالها، فتبدو تداعياتها أقوى منها!!!
بنفس المنطق الذي جرت به الثورة المصرية في بداياتها تحصل الآن احتجاجات واسعة تلف العالم: مواطنون من خلفيات متنوعة يطرحون جانبا آراء ومواقف النخب السياسية التقليدية، ودوائر الإعلام ونزلوا إلى الشارع متحدين القمع الشديد للأنظمة!!!
اكتشاف لقوة التوحد والاجتماع، والغضب المنظم للأغلبية صاحبة المصلحة في تغيير حقيقي لمعادلات المال، والعدل الاجتماعي، والتعبير عن احتجاجات الناس، وحل مشكلاتهم، نفس الحلم الذي دفع بأجمل ما في مصر إلى ميادينها، ثم بعد أن ملأنا الدنيا، وشغلنا الناس، رحلنا عن الساحة يوم أن رحل مبارك عن قصره!!
اتفق النشطاء باحثين عن موطأ قدم، أو مطل يخاطبون الناس عبر شاشة، أو مساحة ضوء، أو سبيل يكملون عبره ثورة لم يمنحوا أنفسهم الوقت الكافي ليفهموا منطقها، أو نواحي قوتها وتميزها، ولم يبذلوا الجهد الكافي بعد حتى يتعلموا وينضجوا عبر الأخطاء، والزمن، والوقائع!!!
النظام المصدوم التف يضمد جراحه، ويمارس تمارين استعادة التوازن، وامتصاص واستيعاب وتبريد الزخم المتوهج لطاقة الرفض الشعبي العارمة، ويفكر ويخطط ويستشير كيف يدخلنا إلى متاهات وسراديب التشتيت والترويض، ويضع في طريقنا الألغام والعراقيل!!!
النخب القديمة اعتبرت ما حصل "فرصة العمر" لتحقيق ما فشلت، وعجزت عن تحقيقه عبر التكيف، واللعب القديم مع النظام، فذهبت إلى اللعب الجديد معه، ولا بأس من كلمات تشجيع للثورة، ورثاء الشهداء، أي تفصيل قماش الثورة الواسع الممتد على مقاس سياسة بائسة، وبرلمان مقيد، وحكومة ستواجه الأهوال، ونظن أن هذه هي الديمقراطية والمستقبل، والنجاح!!!
في الوقت الذي يحتج ويتظاهر ويقمع من عاشوا نفس الخبرات واكتشفوا أن السياسة على طريقة برلمان، وأحزاب، وحكومة (فقط) هي محض لعبة تعيد إنتاج الفساد، والسرقة، ويملئون العالم رفضا لما نعتبره نحن الأمل، وغاية المراد!!!
بقية الناس في مصرنا المحروسة يتابعون في صمت وحسرة، ومقيدون بعجز السنيين عن المبادرة الذاتية، والرفض لما يحصل، وتقعد بهم أمراض التخلف، ومخاوف الجديد، وأوهام البحث عن الاستقرار والأمان والرخاء، وينتظرون أن يحقق لهم "شهاب الدين" ما فشل فيه أخاه، رغم أنهم يعلمون جيدا أن: "شهاب الدين أفشل من أخيه".
اختصار الثورة في السياسة خيانة لهما معا، وخيانة لمصر، وخيانة لدماء الشهداء، ولخبرات الخلق الذين سبقونا على نفس الطريق منذ عقود، والبحث معهم عن حلول أخرى فرض عين لمن أراد أن يستكمل الثورة، وأن يتوق لمستقبل أفضل!!
هذا ما قلته، وأكرره، وسأظل أفعل ما حييت، وهو أقل واجب نسبة لمن ضحوا بحياتهم أو عيونهم أو أحد أطرافهم!!!
أندهش وأحزن أحيانا حين أرى قومي مبعثرين مذهولين تائهة خطواتهم عن استكمال ثورتهم، ولكنني هذه الأيام أشعر ببعض الهدوء والرضا حين أرى العالم كله قد فهم ما لم نفهمه من ثورتنا التي يخونها أهلها، ويستكملها آخرون في أرض الله!!!
أرى وجوه الشهداء تبتسم، وأرواحهم تحلق الآن في أكبر ميادين الدنيا وأسمع هاتفا ينادي:
يا شهيد نام وارتاح... لندن تكمل الكفاح..... وعجبي!!
واقرأ أيضاً:
أهم من الاستفتاء، وأخطر من ثورة مضادة/ قنا: البحث عن.. جملة مفيدة/ كشف الطيش.. في مسألة الجيش/ إطلالة نفسية على الثورة المصرية