توقيت غريب ذلك الذي اختاره "السلمي" لتمرير وصايا العسكر فوق الدستورية... الانتخابات على الأبواب ولم يفصلنا عنها سوى ليالي ذي الحجة والأضحى المبارك، لكن هذا الغريب كان حتميا وضروريا ـ على ما يبدو ـ لدى الرجل المغلوب على أمره، فكان أشبه بمن يسابق الزمن.
نعم مغلوب على أمره، بعدما تكشف سريعا أن نائب رئيس الوزراء لا يعدو كونه موظفا، مدفوعا بأوامر صارمة لإنجاز مهمة محددة، وإلا ما الذي يضطر الرجل الستيني لخوض معركة بهذا الحجم، ومن هذا النوع، أمام الشعب الذي لم تكد دماؤه تجف بعد من هذه الثورة، ومن ورائه قوى سياسية وحزبية وحركات شبابية لا حد لها، وميدان "التحرير"، بل ميادين التحرير التي استُنسخت في كل قرية من قرى مصر.
المعركة إذا ليست مع "علي السلمي" بل مع "حماة الثورة" أعضاء المجلس العسكري، قادتنا الأشاوس، الذين بُحت حناجرنا من كثرة الإشادة بهم وبمواقفهم النبيلة، ودورهم المشرف في حقن الدماء، في واحدة من أحلك الظروف التي مر بها الشعب المصري على مدار تاريخه، خاصة كلما سمعناهم يعلنونها على الملأ: "أننا لسنا بديلا عن الشرعية" التي يريدها الشعب، وزاد من افتخارنا بهم ونحن نرى حماة الحمى في ليبيا وسوريا واليمن يخرجون من سكناتهم ليقاتلوا مواطنيهم العزل، وحجم الدمار الذي خلفوه في بلادهم والدماء التي سالت.
لكن ما هذا التحرك المشبوه الآن؟! ولما السير في الاتجاه المعاكس؟! ولمصلحة من هذه الحسابات الخاطئة؟!... هو انقلاب إذا على الشرعية، واغتصاب للإرادة التي استأمنتم عليها، ورغبة في فرض الوصايا المسلحة، وشهوة السلطة التي تذوقتموها.... حميتم الثورة فقلنا شكرا، وحملنا نحن الجميل فوق رؤوسنا، ورفعنا القبعات، وسنظل نحمله ونرفعها، لكن يبدو أنه غاب عن وعي البعض أن هذه الثورة الشعبية قامت بالأساس لتنادي بالمساواة، وانه لا فضل لمصري (عسكري أو مدني) على مصري أمام القانون، وأن الشعب والشعب وحده هو من يقرر، ومن ثم فمن ينشد تمييزا دستوريا أو وصايا عسكرية مع هذا الواقع، هو "حالم" لا شك، وأحوج ما يكون لمن توقظه من هذا الثُبات، وإلا من قال أن الملايين الغاضبة من المصريين خرجت إلى الشوارع والميادين وقدمت أبناءها قرابينا للقتل حتى تستبدل طاغية بمجلس من الطغاة، الأمر ليس كذلك.
المعركة إذا معركة خاسرة، لأنها ليست مع حزب أو جماعة، بل مع الشعب، وعلى مصر، وتاريخها، ومستقبل أبنائها، وسمعتها بين الأمم، والتاريخ شاهد على أن الشعوب لا تُقهر، وإرادة الأمم لا غالب لها.
أخشى ما أخشاه أن تَغلب العنجهية صوت العقل فيقع ما لا تحمد عقباه، فنقدم مصر على طبق من فضة للمتربصين بها في الشرق والغرب، وإن كنت أتمنى أن يتدارك العقلاء هذه الكارثة فينزعون فتيلها، لنعود إلى رشدنا، ونُغلب المصلحة العامة على أهواء فردية، ونحترم مبادئ العقد الذي توافقنا عليه، ونحترم إرادة الأمة، فلسنا بحاجة لمزيد من الخسائر ونحن ما زلنا نلملم جراح غضبة 18 يومًا لم نتعاف منها بعد.
ليس من المعقول أن نرى الأمم من حولنا وهي تتحرر، رويدا رويدا، وتنتزع إرادتها من حكم الجيوش ووصايا الجند، ثم ننقاد نحن بهذه السهولة لنضع الأغلال بأيدينا!! أولم يكفنا كل هذه العقود من التسلط، وما الذي جنيناه منذ انقلاب العسكر عام 1952 غير الذل والاعتقالات والتبعية ونهب الثروات والتراجع الحضاري حتى صرنا في ذيل الأمم.
واقرأ أيضاً:
هل معقول كلنا فلول/ سيمفونية في حب الوطن/ ظاهرة أبناء مبارك/ إسرائيل... إذ تضغط لتأجيل الانتخابات المصرية