من خلال متابعة الأحداث والتطورات الأخيرة في مصر والظروف الحالية التي تمر بها البلاد بعد مرور هذا الوقت على ثورة الشعب في 25 يناير 2011 فقد رأينا إصدار هذا البيان بعد دراسة وتحليل الحال الذي وصلت إليه الأمور والآثار والتداعيات الاجتماعية والنفسية للأحداث الأخيرة. وبحكم موقعنا المهني في مجال الصحة النفسية والطب النفسي إضافة إلى وضعنا كمواطنين مصريين فإننا هنا بصدد إعلان لموقف واضح يتلخص في النقاط التالية:
أولا: تفجرت مؤخرا موجات من الاحتجاج كامتداد لثورة يناير العظيمة وعاد الشباب ليتقدم الصفوف بعد أن تعرضت مسيرة الثورة إلى خطر الالتفاف عليها وتفريغها من مضمونها من خلال ثورة مضادة تضمنت تشويها وحربا نفسية ضد مبادئ الثورة والثوار قمنا برصد آثارها السلبية.
ثانيا: لوحظت حالة من الفوضى والانفلات الأمني الذي يبدو متعمدا أو على الأقل مسكوتا عنه وقد أدى هذا إلى تدهور الحالة الاقتصادية فضلا عن انعدام الشعور بالأمن, وكان هذا يخدم الثورة المضادة ويدعم أركان النظام البائد.
ثالثا: تأخرت كثيرا عمليات التطهير لمؤسسات الدولة من رموز وكوادر النظام السابق, كما تأخرت محاسبات ومحاكمات أركان الفساد والمسيئين للشعب المصري وقتلة المتظاهرين مما شكل هاجسا بعودة النظام القديم بأسماء مختلفة.
رابعا: في دراستنا وتحليلنا من وجهة النظر النفسية لسلسلة من الأحداث على مدى الشهور الماضية تم رصد مجموعة من الانتهاكات والتعديات على حرية وكرامة الإنسان المصري في مناسبات متعددة تفوق الحدود التي يمكن التغاضي عنها أو احتمالها وتتمثل فيما تم توثيقه من جانب بعض المنظمات العالمية والجهات التي تهتم بحقوق الإنسان من قتل وتعذيب وترويع ومحاكمات غير قانونية وعنف ضد المظاهرات والاعتصامات السلمية، ونحن نؤكد من موقعنا كمهنيين في مجال الطب النفسي والصحة النفسية نعمل في هذا البلد على رفضنا التام لهذه الممارسات تحت أي ادعاء وندعو إلى وقفها فورا ومحاسبة كل من تورط فيها مهما كانت صفته أو موقعه.
خامسا: رصدنا خلال الفترة الأخيرة الكثير من الظواهر التي حدثت عمدا أو نتيجة قرارات متناقضة وكان من شأنها تفاقم الحاجز النفسي بين الإنسان المصري في مختلف المواقع وبين السلطة الممثلة في الجهات القائمة على اتخاذ القرار، ونرى أن التضارب والارتباك في كثير من القرارات في الفترة الماضية قد أسهم في الحالة الراهنة من الخلط والارتباك لدى قطاعات كثيرة من الناس، ونحذر من نتائجها السلبية على الأداء الفردي والجماعي والمزاج العام للجميع، ويتطلب الأمر مواجهة رشيدة للمشكلات العامة من جانب السلطات التي عليها أن تدرس الآثار المختلفة لكل قرار يمس حياة الناس قبل أن تتخذه بنزاهة وموضوعية وشفافية.
سادسا: نؤكد أن الأحداث الأخيرة التي أسفرت عن ضحايا من شهداء ومصابين بصورة مبالغ فيها قد تسببت في صدمة هائلة للمجتمع لن تقتصر آثارها على ردود الأفعال الحالية لكنها ستؤدي إلى الكثير من التداعيات والمضاعفات السلبية متمثلة في كم هائل من حالات الاضطراب النفسي نتيجة لمشاهد العنف المأساوية التي تابعها الجميع في أنحاء العالم مثل إهانة جثث الشهداء، وإصابات العيون المتعمدة, واستخدام أسلحة مختلفة وغازات سامة ضد المتظاهرين السلميين، وكما تؤكد مراجع الطب النفسي فإن هذه المشاهد المأساوية الصادمة تتسبب في حالات اضطراب الضغوط التالية للصدمة المعروف اختصارا PTSD ، وهي حالة نفسية لكنها تؤدي إلى عجز وإعاقة لمن يتعرض لهذه الممارسات, ولأعداد كبيرة حتى من الذين يقيمون في أماكن بعيده عن مسرح الأحداث، ويشاهدونها على شاشات التلفاز.
سابعا: نطالب من بيدهم أمر إدارة البلاد (المجلس العسكري والحكومة) بالإسراع في خطوات التحول الديمقراطي السليم من خلال استكمال المسار الانتخابي وتكوين المؤسسات الدستورية وإرساء قواعد المجتمع المدني, وسوف يذكر التاريخ المصري بكل فخر واعتزاز كل من ساهم في قيام الثورة ومن ساهم في حمايتها وعمل على تحقيق أهدافها من أبناء الشعب المصري مدنيين وعسكريين.
ثامنا: من موقعنا المهني في مجال الصحة النفسية والطب النفسي وانطلاقا من واجبنا في خدمة الوطن فإننا نؤكد اتخاذ موقف الانحياز للإنسان المصري في هذه الظروف، والتواجد الفعال مع المواطنين لتقديم العون والمساندة النفسية لكل قطاعات المجتمع، مع دعمنا المطلق لمبادئ وأهداف الثورة، وتقديم الخدمات المتخصصة لكل من يحتاجها وبكل الأساليب المتاحة والتواصل مع المواطنين لتقديم الدعم النفسي على المستوى الفردي والجماعي، والإسهام في جهود الوقاية والعلاج والتأهيل والاستشارات النفسية المتخصصة، ونرى أن هذا واجب وطني حان وقت القيام به في هذه الظروف التي يمر بها الوطن.
وأخيرا فإن هذا البيان نعلن فيه بوضوح أننا في حالة متابعة مستمرة لما يحدث في بلادنا حاليا، ونطلب من زملاء المهنة توثيق أي انتهاك أو اعتداء مادي يتسبب في الأذى النفسي والمعنوي لأي مواطن حتى يتم توفير الحماية والمحاسبة الجدية, ونطلب منهم أيضا تقديم الخدمة العلاجية النفسية للمصابين وأسر الشهداء دون مقابل، ونذكر هنا ما قمنا به قبل ذلك من دراسة وتحليل من وجهة النظر النفسية لملفات هامة لم يعبأ بها صناع القرار -رغم وصولها لهم- مثل حالة الأمن، والحاجز النفسي بين المواطنين والسلطة، وثقافة البلطجة, والتغيرات التي أثرت على الشخصية المصرية، وحلول مقترحة لمواجهة مشكلات الإعلام والتعليم وغيرها، وسنكون دائما يدا تمتد بالعون والمساعدة للجميع وتتواجد في قلب الأحداث تأييدا للثورة وانحيازا ودعما للإنسان المصري في كل موقع, وحقه في الحرية والكرامة والحياة.
نفسانيون من أجل الثورة
عنهم:
الأستاذ الدكتور محمد غانم
الأستاذ الدكتور محمد المهدي
الأستاذ الدكتور لطفي الشربيني
الأستاذ الدكتور وائل أبو هندي
الأستاذ الدكتور خليل فاضل
الأستاذ الدكتور أحمد عبد الله
واقرأ أيضاً:
مجموعة:نفسانيون من أجل الثورة المصرية