تاراباتاتوووه ومدخلتش غزة 9
أم عمر صيام زوجة وأم لأربعة أبناء أكبرهم فتاة تدرس في موريتانيا خرجت أم عمر صيام لتزويج ابنتها في موريتانيا وحدثت الحرب أثناء ذلك فهرعت للعودة لتعرف ما ألم بأسرتها وخلال رحلة السفر الشاقة من موريتانيا حتى رفح المصرية كانت تحاول أن تعرف ما الذي حدث لباقي أسرتها وبعد فترة من الخوف والرعب والمحاولات المستميتة في الاتصال عرفت أن بيتها هدم وزوجها استشهد وبقي لها ولد وفتاة أخذتهم إحدى جاراتها ليعيشوا معها حتى تعود أم عمر صيام، ولم تشفع دموعها وتوسلاتها لتعبر! وأبلغوها من خارج البوابة أن عليها أن تذهب لأمن الدولة لتعرف هل عليها أي "كومنت" أم لا ويا ليتها لم تذهب فقد احتجزوها في السجن لمدة ليلة ثم أخرجوها وقالوا لها لا غبار عليك فاذهبي للمعبر وجاءتنا يبدو عليها الحزن والذل والمشقة ودموعها جفت من كثرة البكاء والرجاء هل دخلت أم عمر صيام؟ طبعا لا...
كل تلك الأحداث من حولي تمر وتعلم بداخلي علامة وتجعلني أصر أكثر على البقاء وعلى تقديم الدعم النفسي لتلك الأسر وأطفالها فحين كانت تشتد الأزمة على المعبر وتصرخ عبير وتبكي أم عمر كانوا الأطفال يدخلون في نوبة بكاء هستيري غير مسبوق وكأنهم يتعرضون لقصف فوق رؤوسهم! وكانت المهمة بحق شاقة ليس فقط لتقديم المساعدة ولكن لأن من يقدم المساعدة صار يحتاج إليها!
وبدأت أستثمر وقتي مساء حتى لا أظل أفكر فيما سيحدث غدا صباحا، فسجلت حلقة إذاعية في إذاعة شمال سيناء وقمت بإلقاء محاضرة في إحدى الجمعيات الأهلية وتلقى بعض الحالات للعلاج وتعرفت على نفسي وعلى العريش وكذلك بعض الشخصيات الرائعة في شمال سيناء، فعلى المستوى الشخصي تيقنت أن قرار الوقوف على المعبر ليس عملا أخبلا خارقا ولكنه موقف لإثبات حالة وكشف الحكومة والتعبير عن رغبة الشعب في المساندة ودعم العالقين وتيقنت كذلك بأني اخترت الموقف الأصعب، فالذين عبروا قاموا بالتنفيس المطلوب لشعور العجز الذي شمل معظم المصريين من عدم القدرة على تقديم أو فعل شيء حقيقي أمام تلك المجزرة، ومن عاد شعر أنه حاول القيام بفعل شيء وظل صامدا وعاد بدافع من العقل والمنطق لاستكمال مشوار الحياة أما من اختار أن يقف على المعبر دون وجود أمل في فتحه فقط ليثبت موقف لن يشاهده أحد سوى من كان على المعبر أتصور أنه أصعب وأتصور أنه يعلم "تقوية" الإرادة وأن يكون إنسان حقيقي،
أما العريش فعرفتها لأول مرة بعيدا عن فكرة أنها مصيف رائق هادئ فيه نخيل كثير العدد، فالعريش وشمال سيناء هي كنز من كنوز الله في أرضه فنحن نجد النخيل على شاطئ البحر!! فالبحر مياهه مالحة والبلح يحتاج للماء العذب! فسبحان الله فرق أقل من 20 سنتيمتر بين المالح والعذب يخرج لنا آلاف الفواكه والزراعات المختلفة وهناك ثمار تخرج من دون تربه! فالعريشية شخصيات مبدعة جدا تتعامل مع التربة بمنتهى الذكاء والحب لتجعل من حياتها الشاقة القلقة حياة تمد محافظات مصر بما طاب ولذ! وأثناء السير من العريش لرفح تمر بعدة قرى مثل قرية الخرّوبة والشلاقة وزويد وكل تلك القرى رهن الحظ والظروف! فالتمليك فيها ممنوع لا بيوت ولا محال ولا أراضي ولا زراعة ومع ذلك تجد الشخصية العريشية الصلبة تضع يدها على مساحات شاسعة وتبني بيوتا وتزرع وتعمر وتعيش! عرفت شكل شجر اللوز والخوخ رغم وجود فارق غاية في الدقة بينهما وعرفت شكل شجرة الغرقد وصورتها ورغم فرحي بما وجدته في قلوب العريشية من إيمان وصلابة وانتماء تحاول الصحف بأخبارها وغيرها أن تشكك فيه إلا أني خفت عليها! فسيناء صحراء فارغة لا يوجد بها بشر كافيين ومنزوعة السلاح فلو أرادت إسرائيل أن تأخذها فلن يأخذ منها هذا الأمر أكثر من نصف ساعة...
ويتبع >>>>: تاراباتاتووه ومدخلتش غزة 11
واقرأ أيضًا:
تاراباتاتوووو / يوميات مجنونة صايمة / من أنت؟