ملامح الشخصية المصرية، في ثورتها وفسادها، قبل وبعد الثورة
"يوجد نظام في مصر، لكنه ليس ظاهرا للعيان لأنه يتطلب تفكيراً عميقاً ودراسة مستفيضة للتعرف عليه وتكوين صورة عنه، وفي الواقع، هناك نظم مصرية متعددة تحت هذا النظام المصري من الصعب التعرف عليها".
كانت هذه أطروحة إدوارد شيلز عن الكون الذي رأينا فيه مصر فطبقنا تصوره من خلال رؤيتنا الخاصة له.
النظم المصرية المتعددة لها أسماء واتجاهات وشخصيات، ولها خفاياها وأسرارها، وهي أقرب إلى المفهوم الفسيفسائي، بمعنى أن مصر مثل قطعة مركبة متعددة الألوان والأشكال، لكنها متحدة ملتئمة، ولعل ميدان التحرير في أيام كثيرة خاصة أيام الجمعة وقت الصلاة كلوحة فيفسائية منتظمة بعدد كبير من القطع الصغيرة الملونة، تكون بمجملها لوحة بشرية رائعة اهتمت بالتفاصيل (حياة الناس وهمومهم وغضبهم وحزنهم وكبتهم وحنقهم، طيبتهم ولوعتهم وبالطبع ثورتهم، تتلاحم وتتشابك عبر كل دلالاتها).
وعلى الرغم من أن روبرت فيسك قد رأى أحيانا أن ما حدث في مصر في 25 يناير 2011 ليس بثورة، وفي نفس الوقت قال أنها ثورة إلا أن ما حدث كان حدثاً ثورياً خاصاً جداً بالمصريين، وبشخصيتهم وبخصوصيتهم.
وعلى الرغم من أن (إيهاب عبد الحميد) في (ملاحظات على الثورة المصرية) في صفحته على الفيس بوك يرى أن مسمى "ثورة" نفسه مسمى خادع: لأنه مسمى "فضفاض" يمكن أن يرفعه الجميع، مما قد يؤدي إلى ضياع مفهوم الثورة وغياب ماهيتها، إلا أن المواجهة بين جموع الفسيفساء كانت في مواجهة أسراب الخفافيش بشكل علمي وربما أيضا أدبي ذا دلالة جمالية خاصة.
الخفاش هو الحيوان الثديي الوحيد الذي يستطيع (الطيران)، وهذه دلالة وليست إحالة من قلب رأس الحدث الذي كان سَمْته الأساسي (الطيران)، وهذا ليس ليّْ عنق أو استخدام واجتهاد لأمور علمية من المفيد أن نقرؤها سوياً.
الخفافيش: أيديها وسواعدها تحولت كأجنحة تطير بها وتنتقل بالسماء (المظلمة) إلى مناطق جديدة تتغير فيها ملامحها، كما تتغير ملامح الناس (المولودون الجدد، الموتى على قيد الحياة، الغارقون في البحر والنهر، المرضى بسنوات عمرهم الضائعة دون استمتاع بأدنى حق في حياة بسيطة كريمة).
يوجد حوالي (ألف) نوع من الخفافيش تأكل (الفاكهة) وتتغذى (بالدم) ـ لاحظ الدلالة ــ تفضل الأماكن ذات الطعام الوفير والملاذ الآمن، تنام وتستريح معلقة أرجلها الخلفية ورأسها لأسفل (حتى لا تستهلك طاقة بهذا الوضع المقلوب ــ سياسياً هناك شبه تطابق)، تتجمع في كل البيئات المختلفة وتتواءم معها!
الأجنحة بها ثلاثة أزواج من عضلات الطيران لتعطي قوة، ولها أضراس وأنياب حادة لتمزيق اللحم وسحق العظم.
تطير ليلاً، ترى وتشم وتسمع وتصدر أصواتاً ترددية مرتدة لتهتدي بها (موقف مشابه لموقف أحمد عز مع نواب مجلس الشعب وغيره).
تسبب للإنسان العادي الخوف والإزعاج، وفي سنة 2009 هاجمت الفيلات في مصر الجديدة، مصدرةً أصواتاً مزعجة، ربما تشبه السيرينات وأصوات الموتوسيكلات والطائرات في المواكب المختلفة المعروفة سلفاً، (كشف مكتب النائب العام (2009) أوكاراً للخفافيش، وطلب من معهد بحوث وقاية النباتات مكافحتها، إلا أن المعهد أقنعه بأن الخفاش نافع وليس ضاراً (لذلك قمنا فسقط بإبعادها ولم نقتلها).
أنثى الخفاش معمرة ويصل عمرها إلى 30 سنة!!
الخفافيش الماصَّة للدماء تتغذى ليلاً بالدماء، ومن الصعب عليها إيجاد غذاء دائم، وستحظى بوجبة جيدة إذا نجحت في إيجادها (من دراسة لدي.جي. أس... ويلكنسون).
عندما يبزغ الفجر، يتبين أن خطر بعض الخفافيش عاثراً، عادت وهي جوعانة، في حين تمكنت الخفافيش الأخرى من العثور على ضحية من امتصاص فائض الدماء، وفي الليلة التالية قد تتغير عجلة الخطر، وتتبرع بالدم (رجال الأعمال) عن طريق الاجترار للخفافيش الأقل حظاً، وتميل للتصرف كزملاء جسم واحد، أي أنها دوماً قادرة على التفاعل المستمر مع بعضها البعض باستمرار كما هو مطلوب في لعبة معضلة السجين المتكررة، وما رأيناه من نظام مبارك بكافة صوره ورموزه وأشكاله، حتى وهو داخل القفص يلعب لعبة السجين المسكين استدرارا للعطف على سرير مريض ينزل فيه بعد انتهاء الجلسة ليمشي كالحصان إلى سيارته وسط نفس الحراسة المشددة، ولعبة السجان الذي يراه الناس عادلاً يخلصهم من البلطجية الذين يستخدمهم في مآرب أخرى ومن الإخوان المسلمين الذين سيمنعون الملذات وسيشيعون الإرهاب (على حد تصوّر آلته الإعلامية ومع كل التحفظ على بعض سلوكيات الإخوان).
الخفافيش (مبارك ونظامه ورموز حكمه) تحكمها مجموعة القواعد تتباين ما بين التعاون والانشقاق هناك مكافأة للفساد، هناك إغراء السلطة وبطش القوة الساذج (الشعب سابقا ــ بإغرائه وإلهائه بمباريات كرة القدم، بالفضائح، بالجوع، وبالحرمان).
الجينة الأنانية ليست مجرد جزء مادي صغير من الحمض النووي الريني المنقوص الأكسوجين، هي مجموعة صور طبق الأصل من جزء معين في الحمض النووي.
استغرب بعض الناس سقوط هيلمان الحكم في 18 يوما لكن هذا مفهوم جداً في إطار أن النظام كان يستمد أمانه من (الداخلية)، وبسقوطها تهاوى الحكم كورق الكوتشينة وهنا يبدو أكثر ما يبدو في تقييم عام نظام له.
الحكم: نظام مبارك بكل رموزه له تراتيبه كتل البناء الخاصة به، ويعيش بالــ DNA الناقص الأوكسجين داخل الجسد، ولا يتركز في جزء محدد من الجسد بل يتوزع بين الخلايا (أحمد عز مثالاً).
الفلول: الجينات مسئولة ــ جزئياً ــ عن بقائها مستقبلاً؛ لأن بقاءها يعتمد على فعالية الأجساد التي تعيش داخلها، والتي ساعدت على بنائها؛ فالطباع المتوارثة جينياً يمكن تعديلها وتحويرها، كما تعلمنا جيناتنا أن نكون أنانيين، ولكننا لسنا مجبرين على الامتثال لها طول الوقت.
أما العلم فمن الممكن أن يكون منفرداً ومزعجاً العيش فيه ولسوء الحظ فإن استنكارنا لذلك لن يؤدي إلى تعديله، إذن فلنحاول تعلم الفهم الشامل للأشياء، استيعاب الصورة بكل أبعادها كمكعب للحقيقة، وأن نحاول فهم مخططات جيناتنا الأنانية كي نستطيع إفساد خططها بالبحث، بعدم السلبية (فعل التلقي)، بالمواجهة، المصارحة، الوضوح، الفهم، وأن نعتمد المنطق ونحترم الآخر. (الجينة الأنانية ــ الساقي والبابطين ــ ريتشارد داوكينز 2009).
نأتي إلى جموع الناس في مصر، يعني (الجماهير) أو (الشعب)، ونحاول فهم لماذا وتحديداً بعض السيدات في منتصف العمر تعاطفن بل وبكين لحظة ظهور مبارك في القفص، إنه رد فعل انفعالي عادي جداً متعلق بتركيبة الشخصية المصرية، لكن ما رصدناه في العيادة النفسية، أنه وبعد 5 دقائق فقط أحست هؤلاء النسوة بأن مبارك طلع لهن لسانه وضحك هازئاً علينا وعليهن، إنه موقف بعيد عن الكناية والاستعارة الأدبية بقدر ما هو رصد واقعي لما حدث وما يحدث.
إن قطع .الفسيفساء في تمازجها وتناغمها، بل وفي اختلافها وتنافرها أحياناً هي وحدة واحدة، وكما يصعب فصل عناصر الشيء بعد استدماجها؛ فإن الكل يعني الكل ولا يعني مجموع الأجزاء، بمعنى أن مبارك ورموز نظامه ومن ابتغوا فساده وأكدوا حكمه، لا يمكن التعاطف مع أي منهم أو التماس العذر له.
كما أن كل الثائرين في 25 يناير بدءا من الفيس بوك وتويتر حتى الاستشهاد في شوارع وميادين مصر لا يمكن فصلهم مع اختلاف مشاربهم، وهنا نطرح سؤال اللحظة الفارقة: من نحن بالفعل؟ ماذا نفعل؟ ما الذي حلّ بنا؟ كيف ولماذا؟!… رغم كل محاولاتنا للرصد والكشف والتحليل والغوص وسبر الغور، تظلّ كل المُبْهمات ويظل الغموض؟! لكن لنا شرف محاولة الاقتراب من هذا الشأن العَصيّ على الفهم حتى لو بدا واضحاً كالشمس...
نعيد السؤال بصيغة أخرى: هل هناك ـ بالفعل ــ خصوصية لنفسية الإنسان المصري؟
هذا موضوع خاص جداً، خاص بكل المقاييس لأنه يتناول أدق وأصعب مكونات الإنسـان، نفسه، المرآة التي تعكس كيـمياءه، روحه، انفعالاته، وحياته بشكل عام.
نعم هناك خصوصية لنفسية الإنسان المصري، ببساطة لأن المصري يتكون من عجين تتمازج فيها مكونات كثيرة متنافرة ومتناغمة متقاربة ومتباينة، تاريخ وحضارة، سياسة وعلاقات داخلية وعربية، طريقة خاصة في التعبير، لغة الجسد، التلويح بالأيدي، طريقة الكلام، الصياح، الصراخ، البكاء، الضحك، إلقاء النكت، النواح، البوح، إمساك الكلام، الوجوم، الحزن الشفيف والدفين، الألم الذي يعتصر القلب، والذي يشدّ الرقبة والرأس، الإبداع بكل صوره، العنف بكل أشكاله، الطيبة والسماحة، الغلظة والفظاظة، التوتر اليومي الذي كاد أو بالفعل أن يصبح عادة، فقدان الأمن والأمان، التشتت والضياع، الأصول والثوابت، القِيَم والمحبة، التواجد والهجرة، الجنون والمجون، الشروخ التي بانت في ظهر البلد، والتجاعيد التي ظهرت على وجه الشباب، الفرحة والبهجة، التدني في الذوق ومحاولة التمسك بالرقي في المعاملة والفن، الفلوس وما جلبته من مصائب ومن غنائم، انعكاسات التغيرات في مظاهر الشوارع والنجوع والقرى، الأطباق الهوائية اللاقطة (الدِشَّات) وهوائيات التلفزيون، ماء الترعة وماء النهر ماء البحر. كل هذا وأكثر مما لا يتسع له المجال يشكل القاعدة الرئيسية لخارطة النفس في مصر.
نحتاج إلى تحديد مكونات الفسيفساء: العمال والشباب والناس العاديون: هم المسيسون، وينقسمون إلى منظمين كتجمعات وأحزاب اليسار، الليبراليون، العلمانيون، التيار الديني: بكل رموزه: الإخوان المسلمون، السلفيون، الصوفيون، الجماعة الإسلامية، ولا ننسى إطلاقاً جموع المتعاطفين معهم ــ الوسط الحاضن وهو كبير ومؤيد لأن مزاج المصريين ديني ولأن القهر والتعذيب والقتل والسجن الذي تعرض له الإخوان المسلمون تحديداً أدّى إلى تعاطف مؤثر وكبير، ولا ننسى الأقباط في خضم هذا الطرح بكل مشاركتهم وانضمامهم ومصريتهم الجلية كالشمس، وأيضاً بكل مشاكلهم.
ثم يأتي المسيسون المستقلون أو الذين كانوا افتراضيون (على شبكة النت) تبلور بعضهم ثم انشق على نفسه كحركة 6 ابريل، وكلنا خالد سعيد وغيرهم، واستثني هنا الأحزاب التقليدية الموجودة شكلاً منذ فترة، أحزاب الجريدة والزعيم والتليفزيون والتصريح (الوفد، الناصري، التجمع وغيرهم).. ثم يأتي الأمن [الداخلي في وزارة الداخلية بالـــ 20 قطاعاً بكل عيوبها وذهنيتها وبطولاتها وفسادها ودور وزراءها المتعاقبين في إفسادها وإفساد روحها تحديداً في صورة مباحث أمن الدولة ــ والخارجي الذي تحول داخلياً هو دور المؤسسة العسكرية بكل أعبائها وبكل ما يمكن أن يؤخذ عليها من ملاحظات نتيجة انعزالها عن الناس لسنوات طويلة وإنهاكها ومص دمائها في حروب 48، 56، 62 اليمن، 67 الهزيمة الكبرى، حرب الاستنزاف، وبالطبع 73 ، ولعل أكبر تلك الانتقادات هي المحاكمات العسكرية، واللهجة غير المناسبة لبعض لواءات المجلس العسكري، سواء في تصريحات علنية أو تليفزيونية أو مداخلات هاتفية أو مؤتمرات صحفية.
ثم يأتي البلطجية الذين استخدمتهم الداخلية في حروب الانتخابات وغيرها ومما عرف بأنه التغاضي عن جريمة لضبط جريمة أخرى، لكن وكما ذكرت عن (أولاد الشوارع) سابقاً، بأنهم أولادنا الذين خلفناهم ونسيناهم؛ فإن هؤلاء (البلطجية) بكل بشاعتهم وفظاعة أفعالهم، ما هم إلا جزء منا، نحن مسئولون عنه ولعل د. أحمد حسني إبراهيم في رسالته للدكتوراه عن البلطجة، كان موضحاً وكاشفاً، ونرى معه أنها ظاهرة محورية ذات أبعاد مختلفة، اجتماعية ثقافية، سياسية، واقتصادية، أمنية، وتاريخية]؛ فعدم وجود جهاز للتخطيط والهجرة الداخلية والعمل بجد وبحب وإخلاص لتقليص دور الهجرة الريفية ــ الحضرية ودورها في نشأة العشوائيات.
والبلطجي جدّ متصل بنوعية الحياة في مصر، وهنا نرى أن ازدياد نشأة العشوائيات في مصر مرتبطاً بالنظام السياسي والحكم المحلي وطبيعة العلاقات بين الشعب والنظام وانتشار الأمراض الاجتماعية والعضوية والإنسانية وتفشي سلوكيات وأخلاقيات وجد بعضها متماثلاً في الطبقة "الواصلة" على حد تعبير يسرا زهران في عرضها لكتاب لمؤلفه مارك باترسون CONNECTED in Cairo مثل تفشي إدمان الكحوليات والمخدرات، الانحلال الجنسي بكافة أشكاله، التداعي الأخلاقي العام، العبثية، استعراض الذكورة واستخدام الأنوثة بشكل مَرَضي مُبالغ فيه.
بعد كل هؤلاء يأتي الناس العاديون المتضررون من الحياة اليومية في برّ مصر بكل قسوتها ولوعتها، وهم الذين كانوا يهانون يومياً في أقسام الشرطة وفي المكاتب العامة وكافة المؤسسات الخدمية، وهم المحرمون من حق الحياة بكرامة وصحة وإنسانية، مع الحق في الترفيه والتعليم والعلاج والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات.
قد يكون الإنسان العادي ميسوراً مرفها ورأيناهم كثر في ميدان التحرير والميادين الأخرى؛ لكنهم مظلومون بطبائع الحكم واستبداده ومضرورون بالتخلف والقهر الذي يحدث يومياً، وقد يكون الإنسان العادي خرسانة الثورة ووقودها مشوشاً أحيانا يطلب السلامة ويرغب في الاستقرار.
ولقد عشنا في مفهوم الرعية كثيراً، يطرح عدنان حب الله في حواره مع مصطفى صفوان في (إشكاليات المجتمع العربي ــ قراءات من منظور التحليل النفسي)، مفهوم الرعية: فالتطور البدائي ينفي وجود الفرد، والثقافة العربية لا تعطي الأولوية للمواطن كعنصر فاعل في بيئته (لأن انتقاله من الرعية إلى المواطنة يسبب حيرة، ارتباك، تشوش ذهني TRANSITIONAL PERIOD ).
ولندقق هنا في السمات النفسية للشخصية المصرية -وهي محاولة دراسية نفسية، محاولة فعلاً ولن تكون غير ذلك-، ربما تكون تلك المحاولة محاورة وقراءة للشخصية المصرية. لكن في ضوء ما كان وما سيكون: هل هناك حقاً سمات نفسية محددة للشخصية المصرية أم أن الأمر محض مستحيل!؟
مما لاشك فيه أن هناك خصائص وسمات يختص بها الإنسان المصري دون سواه، وهذا ينطبق على الإنجليزي والمغربي مثلاً، كما في كل شعوب الأرض. هل التعميم واجب وهل هناك ضرورة للتحديد؟!
التعميم بشكل مطلق غير علمي، ولكن تحديد السمات والصفات الغالبة ضرورة لابد منها، لكن قبل كل ذلك يجب التركيز على أن الشخصية المصرية تحديداً متغيرة وبسرعة عبر العصور والأزمان، مفاجئة بكل المقاييس، يصعب التكهن بها، متبدّلة عبر المكان وفي مختلف الأحوال ومن ثم فإن محاولة رصدها وتأطيرها (هنا والآن) محاولة شاقة، تكاد تكون مثل محاولة الإمساك بالزئبق (ولهذا فشل جهاز أمن الدولة الجهنمي والأجهزة السيادية الأخرى ذات الصيت العالي، والموساد والـــ CIA بكل عملائه وتكنولوجيته الفائقة وأقماره الصناعية التي تملأ السموات السبع الفاشلة عن تحديد خطوة شاب باتجاه مدرعة، أو هجوم جدع على قوات الأمن المركزي ليوقع منهم ثلاثة صفوف كقطع الدومينو).
المصري انبساطي بطبعه وهو أيضاً انطوائي، بمعنى آخر أن الظرف يخلق جوّه النفسي العام من فرح ومرح وابتهاج (ليست كل الشعوب كذلك، والإنجليزي مثلاً خير مثال على ذلك)، كذلك فإن الظرف يجعله يحزن ويكتئب، وقد ينبسط وينطوي في فترة زمنية قصيرة، وقد يكون انبساطه هذا متصلاً مرضياً بمعنى أنه نوع من الحيل الدفاعية (الإنكار ـ Denial )، فقد يضحك على المُحزن ولا يبالي بالذي يدعو للترقب والحذر (تكوين عكسي).
كل تلك الأمور تعتمد إلى حد كبير على الاتجاهات الداخلية والخارجية: الداخلية بمعنى عالمه الخاص، رؤاه، أحلامه، خيالاته (فانتازياه)، العوامل الوراثية التي تجري في دمه وتشكل طبعه، والخارجية بمعنى درجات تفاعله وردود فعله تجاه الحدث صغيراً كان أم كبيراً، ومدى توحده بما يستمتع به داخل بيته، في عمله، في الشارع وفي الوطن عموماً.
غير أن هناك أنواعاً من الشخصية تمثل أبعاداً عميقة للغاية. ومن ثم يمكن فحص مسألة "الانبساطية" كطبع في الشخصية لا "كحالة فرح"، وذلك من خلال رؤيتها كمنظومة نفسية على درجة عالية من الدقة لسمات ليست لها أبعاد محددة مثل الاختلاط بالآخرين، النشاط الاجتماعي، الحيوية، الاندفاع، والسيطرة الوجدانية على المحيطين.
المصري عاطفي، رومانسي في آماله وأحلامه، رومانسي جداً في حبه لمصر (وكأن مصر هي الكون كله)، ورغم المنغصات يتمسك، أو يحاول التمسك بهذه الرومانسية، لكنه تدريجياً يفقد الثقة في أحلامه وفي عاطفته، فنجده يُصفع من أصدقائه، يُهزم، ويحزن، وتدريجياً لسلْب عاطفته حتى يصبح خشناً وفظاً، يائساً وفاقداً للحلم.
المصري صبور وكأنه الجَمَل، يحب اجترار أحزانه وأفراحه، يحزن، وينفجر فجأة، يتحمل حتى لو كان رقيقاً، يخاف المستقبل ويخشاه ويعمل له ألف حساب، يتألم بشدة ويخشى الزمن وتقلباته، في داخله إحساس دفين بعدم الأمن والأمان، ولا يثق في الآخرين بسهولة على الرغم من أنه ـ أحياناً ـ قد يصدق، رغبة في التصديق، أو رغبة في الهروب.
المصري طموح، يسعى ويجتهد ويبتكر وينفعل، لكنه ـ أحياناً ـ يصاب بالبلادة نتيجة الإحباط المستمر والفشل المتكرر، رغبته في تحقيق ذاته عالية، وإذا ما اصطدمت بالظروف والعقبات تألم ونعى نفسه وقعد في ركن ينزوي ويمضغ أحزانه.
واقرأ أيضاً: