إغلاق
 

Bookmark and Share

الحرية في الله..ثورة بلا دماء ::

الكاتب: د.مجدى سعيد
نشرت على الموقع بتاريخ: 05/08/2004

إذا أحسست يوما بالقهر من قوى البغي في العالم، واهتزت ثقتك في قدرتك على مواجهته، فتذكر أن إيمانك بالله وعبوديتك له، يمكن أن تحقق لك ما ترنو إليه من تمام الحرية، فقط عليك أن تتحقق من "إرادة الحرية" في داخلك، وهل هي إرادة حقيقية أم متوهمة؟ وفي هذا المقال نبحر في معاني الإرادة و الحرية والعبودية لله، لعلنا نستطيع التوصل معا إلى تحققها.

الله والإنسان:
يوم خلق الله الإنسان خلقه مختلفا عن سائر مخلوقاته في أمر جوهري هو "العقل" الذي يميز به بين الحق والباطل، والذي يرتب به الإنسان الأشياء وفق منطقها، ويرتبط بهذا العقل المميز غير منفصل عنه "حرية الإرادة الإنسانية" التي تستطيع اتخاذ القرار الذي تراه "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وقد أنزل الله النبوات والرسالات لتساعد الإنسان على إزالة الغشاوة عن عقله واستعادة لوضوح رؤية ذلك العقل، ومن ثم استعادة لحرية الإرادة الإنسانية في معناها الكامل، ومن ثم وصف مهمة الأنبياء والرسل والدعاة من بعدهم بـ"البلاغ المبين".

ولعل الذكر العجيب الذي يردده المسلمون صباح مساء والذي يقول: "رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا" هذا الذكر يكشف لنا بكل بساطة عن جوهر" عملية" الإيمان كما تريده الشرائع السماوية، وهو "الرضا"، والرضا لا يكون إلا مع العقل وحرية الإرادة.

وقد شاءت إرادة الله جلت حكمته- أن يجعل من نفسه غيبا غير منظور ولا محسوس بالحواس المادية، لكنه -سبحانه- جعل نفسه مدركا بالعقل المميز، ومستدل عليه بالمحسوس والمرئي من الآيات التي تستثير في العقل تفكره "أفلم يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض". وغيبية الله سبحانه- تلك، ذات أثر بالغ في سريان إرادته بجعل الإنسان حر الإرادة، إذ لو كان سبحانه متجسد بسلطانه وجبروته، ومتجل في تجسده ذلك للإنسان لانتفت تلك الحرية.

وقد وضع الله بناءا على ذلك قانونا طرديا ذو اتجاهين، مبني على إيمان الإنسان به بملء إرادته، ومن ثم التسليم له بالإلوهية والربوبية، ومن ثم العبودية له وحده دون سواه، إذ كلما زادت عبودية الإنسان لله، وتسليمه له مع غيبيته وانتفاء الإكراه في الاعتقاد به، كلما ازداد تحرر إرادته من كل ما هو متجسد متأله من البشر أو متسلط على النفس من شهوة البطن أو الفرج أو شهوة الرئاسة والجاه والسلطان أو الطمع أو الشح. وفي المقابل كلما زادت حرية إرادة الإنسان، بتحريره لها أو بمعاونة غيره له على ذلك، كلما هدته فطرته إذا سلمت- إلى الإيمان بالله والتسليم له. ومن ثم فإن حرية الإرادة الإنسانية، والعبودية لله لا ينفكان أحدهما عن الآخر.

العبودية التامة لله -------> تحرر الإرادة الإنسانية

تحرير الإرادة الإنسانية جوهر الدين

تحرر الإرادة الإنسانية ------->الإيمان بالله والتسليم له

العقل والحرية شرطان للإيمان:
لما كانت خلقة الإنسان الأصلية هي على ميزتين: العقل المميز وحرية الإرادة، كانت تلك الميزتان شرطان لازمان للإيمان، وبالرغم مما يبدو من تمايز هاتين الميزتين فإنهما كما قلنا غير منفصلتين إحداهما عن الأخرى.

أولا: العقل المميز:
و"العقل المميز" هو الذي "يثمن" حرية إرادة صاحبه، ويختارها، وينحو إليها ويسعى ويجاهد في سبيل نيلها، كما أنه هو الذي يستدل بالآيات الكونية على وجود الخالق، وهو الذي يعقل الآيات المقروءة في كتب الله فيختار الإيمان بها بعد تفكره فيها وتبينه لصدقها.

والعقل المميز أيضا هو الذي يملك القدرة على الرؤية النقدية للأمور، وفي مستوى أعلى، هو العقل الذي يملك القدرة على إبداع حلول لتلك الأمور محل النقد. والعقل قد تعتريه من الأحوال السلبية ما تنزع عنه صفة التمييز،من ذلك ما يكون خلقيا أو مرضيا، دائما أو عرضيا، كالجنون أو التخلف العقلي. ومن ذلك ما يفعله الإنسان بإرادته مثل أن يتناول المسكرات أو المخدرات.
 
والفطرة التي هي أساس العقل قد تتعرض لعوامل الانحراف والتشوه، كما قد يتعرض العقل لعوامل تؤدي إلى غلبة الظنون والأوهام عليه، وإما أن تكون تلك العوامل هي البيئة الاجتماعية بمكوناتها الاستاتيكية، أو عوامل التنشئة الاجتماعية وتفاعلاتها الديناميكية التي تقوم بها مؤسسات التربية والتنشئة المختلفة، أما ثالث تلك العوامل فهي تلك التي تسهم في بناء التركيبة العقلية وما ينطبع فيها من تصورات عن الكون والحياة والإنسان.

ثانيا: حرية الإرادة:
أما حرية الإرادة فهي أداة الفعل.. فعل الإيمان، وإذا سلبت تلك الأداة سلبت القدرة على الفعل، ومن ثم بطل كل فعل صادر عن الإنسان مسلوب الإرادة. وسلب الإرادة إما أن يكون:
0 بإغشاء العقل أو سلبه.
0 أو أن يكون بالسيطرة على تلك الإرادة إما بالإرهاب أو التخويف، أو الإغراء بشهوات وحظوظ النفس.
0 أو بالقهر الجسدي للإنسان إما بالسجن أو التعذيب.

العقل والإرادة..بين التحرر والتحرير:

الإيمان بالله إذا قائم في المبتدأ على" الرضا"، ومن ثم على العقل المميز وحرية الإرادة. لذا فلا منطق في أن يؤدي الإيمان بالرضا، إلى سلب الإنسان عقله أو حرية إرادته. ومن ثم فإن العقل المميز وحرية الإرادة مطلوبين لصحة الإيمان ابتداء، والعقل المميز وحرية الإرادة هما نتيجة للإيمان انتهاء، ومن ثم فإن على كل الشرائع أن تجعل ديدنها الحفاظ على تحرر العقل والإرادة، وإذا عرض عارض لهما ينتقص من تحررهما فإن الإيمان بالله يدعونا إلى العمل لإزالتهما ليس فقط عن ذات الشخص، ولكن عن غيره، وذلك هو أساس معنى "الجهاد" الحقيقي الذي يعيد الإنسان فردا،ويعيد المجتمعات الإنسانية إلى جوهر معنى إنسانيتها الحقيقية،وليس إلى المعنى المزيف للإنسانية، وذلك بتحريرها من كل عوامل القهر السياسي والاقتصادي الذي ترعاه قوى الهيمنة العالمية، وبتحريرها كذلك من كل عوامل القهر الاجتماعي أو القهر باسم دين من الأديان.. فأيما دين قاد الإنسان إلى محو العقل، أو غياب تمييزه، أو إلى التحكم في حرية إرادة الإنسان ظلما وجورا وعدوانا.. أيما دين أو نظام اجتماعي فعل هذا يقتضي من أصحابه إعادة النظر في نظامه أو فهمهم المغلوط له.


روابط موضوع الحرية في الله:
 الغنوشي..الحرية أو الدمار ،  أيهما أولا..الحرية أم الشريعة؟ ، حرية الحقوق لا حرية الفسوق ،  السبيل..لاهوت تحرير فلسطيني ، لاهوت التحرير..مسيحية المعدمين



الكاتب: د.مجدى سعيد
نشرت على الموقع بتاريخ: 05/08/2004