إغلاق
 

Bookmark and Share

أحلام المدمنين (3) مناقشة النتائج وتفسيرها(1) ::

الكاتب: د.محمد حسن غانم
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/06/2005

أحلام المدمنين(1)
أحلام المدمنين(2)

مناقشة النتائج وتفسيرها (
1) :

أولاً : مناقشة نتائج الأحلام لدى المدمنين في حالة التعاطي :
يلفت النظر في النتائج لثلاثة أمور :
1- أن غالبية المدمنين في حالة التعاطي لدى المجموعتين معًا وتحديدًا لدى المجموعة السعودية لا يتذكرون أحلامهم أو يؤكد البعض أنه لا يحلم ، ولعل تفسير ذلك لا يعود فقط إلى كافة ضروب المقاومة أو الإنكار فحسب بل للتأثيرات التي يحدثها المخدر في المدمن مثل :
- الشعور بالراحة والسرور الذي يصل إلى درجة النشوة .
- الشعور بالشبع والاكتفاء وعدم الرغبة في شيء .
- هبوط وكفّ للميول والدوافع العدوانية والجنسية .
- الإحساس بحالة من الصفاء والنشوة .
ولعل هذه الحقائق أثبتتها العديد من الدراسات مثل دراسة المغربي (1966) وفاروق عبد السلام ( 1977) ومحمد رشاد كفافي (1973 ، 1980) وماهر نجيب (1986) وغيرها من الدراسات ، وقد ذكر العديد من المدمنين أنهم قبل التعاطي يشعرون بوجود فراغ في عقلهم ومع التعاطى يعود العقل كما كان ويسد الفراغ ويشعر بالامتلاء والرضا عن النفس بل وعن العالم ، ويذكرنا ذلك بما ذكره "مصطفى زيور" أن حالة التخدير تلغي كل تمايز بين الأنا والآخر ، ذلك التمايز الذي كان نقصه منبعًا لشقائه فها هو يخطو إلى الفناء الأخر عن طريق الابتلاع المتبادل بينه وبين الآخر المثالي ، فتنشأ بذلك وحدة بين ذات وموضوع وحدة المثالية يشيع فيها الوجدان الأقيانوسي فتكون النشوة القصوى بالقدرة المطلقة والحب الكامل بأوهام الخلود واعتبار الذات التي هي الكون بأسره ويسدل الستار في حالة التخدير النموذجية على نوم سعيد غَفِل يستعيد فردوس الرضيع (مصطفى زيور 1963) .

2- أن الأحلام الخاصة بتحقيق الذات وكذا الأحلام الجنسية تشيع بصورة أكبر لدى المجموعة السعودية ، وهي تشبع من وجهة نظرنا محاولة المدمن في أن يحقق ذاته ولو في الخيال ، فهو عاجز عن التعامل مع الواقع كما أن سلوكه اعتمادي طفولي يفشل في مواجهة الإحباطات ويسرع إلى الارتماء في أحضان المخدر على أساس أنه الملجأ والملاذ وبالتالي فهو يستعيض بالخيال عن الواقع في تحقيق ما يعجز عن تحقيقه على المستوى الواقعي ولذا فإن الأحلام في إحدى وظائفها تحقيق لما يعجز الفرد عن تحقيقه ، وإشباع للرغبات والأماني ولو على المستوى المتخيل المهتلس .

3- ويلفت النظر - وهذا شيء جديد حقًا لدى المجموعتين- أن المدمن -وهو متعاطي- يحلم أيضا بالتعاطي ، وإذا كان الحلم إنعكاس للواقع فإن أحلام التعاطي تعبر عن حقيقة : أن محور حياة المدمن  تدور حول هذا الأمر كما أن محكات الإدمان تعني ضمن ما تعني زيادة الجرعة وقد لا يعي المدمن مقدار تحمله ، ولعل زيادة الجرعة يؤدى إلى العديد من حالات الوفيات بين المدمنين ، وهو أمر شائع ومنتشر إضافة إلى العديد من الطرق التي تقود إلى الوفاة المفاجئة وخاصة بين مدمني الهيروين .

ثانيًا : مناقشة نتائج الأحلام لدى المدمنين في حالة عدم التعاطي أو المراحل الأولى للعلاج :
تلفت نظرنا عدة أمور في نتائج المجموعتين معًا :
1- كثرة أحلام الألم والهيلة والكوابيس والتي تقود إلى الاستيقاظ وما يتبعه من إحساس بالخوف والقلق وربما خشية النوم مرة أخرى لتكرار ظهور الحلم ، وإذا كان الحلم تحقيق رغبة وبالتالي يشعر النائم باللذة ، ولكن في حالة الرغبات المضادة للقيم والمعايير السائدة فانه يظهر العكس ; إضافة إلى أنها من المحتمل أن تكون أحلام عقاب أو عدوان موجه إلى الذات ، وهو أيضًا رغبة لا شعورية هي الرغبة في أن يعاقب الحالم لاندفاع راغب مكبوت وممنوع ( فرويد 1994، 547 : 548 ) ولعل كثرة الأحلام تمثلت في رؤية المريض كائن غريب ولكنه مخيف يود افتراسه أو أنه حبيس في حفرة لا يعرف كيف يصعد وأن الآخرون يرفضون مد أيديهم لمساعدته وإقالته من عثراته.. أو أنه قد سقط بين نار مشتعلة وزواحف وثعابين سامة وهكذا ; وهذا يقودنا إلى الحديث عن دلالة ولغة ومعنى أحلام الطيران وهى في مضمونها أحلام مفزعة بالرغم من أن فرويد يرى أن اللذة هي الطابع الغالب على هذه الأحلام وأن جزءًا كبيرًا منها ما هو إلا أحلام الانتصاب وأن فخر الحالم بقدرته على الطيران تمامًا كفخر الإنسان بقدرته على الانتصاب ( فرويد 1994، 397) وإذا كان المغربي(1966) يرى أن دلالة أحلام الطيران لدى المدمنين إنما تعنى معاناتهم من رغبات القدرة الجنسية والحاجة الشديدة إلى الانتصاب (المغربي 1988 ، 250) ، إلا أننا نضيف أنها تهدف إلى عدة أمور; مثل الرغبة في التخلص من الذات، أو الرغبة الدفينة في عقاب الذات أو الرغبة في الطيران المستمر تخلصًا وهروبًا من الواقع وقوانينه ، وقد تعكس الرغبة في الطيران كل ما سبق .
إضافة إلى إننا قد وجدنا نسبةً لا بأس بها من أحلام التعاطي وهذا شيء وارد مع الانقطاع وما يعانيه المدمن من حالات قلق واكتئاب وخجل وتدهور صورة الذات ، وهو ما أكدته العديد من الدراسات نذكر منها دراسة هوفمان (1970) على نزلاء مستشفى ولاية مينسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية متوصلاً إلي العديد من السمات التي تميز مدمني الخمور وكيف أن الانقطاع يقود إلى العديد من المشكلات وزيادة حالات الانتحار الناتج عن الاكتئاب وانخفاض سمات الاستقلال والسيطرة على النفس أو تحمل الآلام .

2-  لعل الجديد في أحلام المدمنين في هذه المرحلة هو وجود أحلام تشبه حالة الفصام أو الهذيان وعدم قدرة المدمن في حالة الانقطاع وخاصة بعد التعاطي الطويل والكثيف على التفريق بينما يراه في الحلم وبين الواقع وقوانينه وسوف نكتفي بسرد أحلام مدمنين ثلاثة : ( مدمنين سعوديين ، مدمن مصري ) للدلالة على نوعية هذه الأحلام .

* الأول : مدمن خمر 26 عامًا من التعاطي الكثيف لدرجة أنه كان فور استيقاظه وقبل أن يفتح عينيه يمد يده لأخذ غرشة الخمر ويتعاطى ثم بعد ذلك يبدأ في ممارسة حياته حدث أن انقطع عنه الخمر في يوم .. وحلم أنه يتعاطى مع صديق له والمروج الذي يحضر له الخمر، ثم قام صديقه بقتل المروج ووضع جثته في درام ( صندوق ) القمامة ، ونهض من نومه وارتدى جلباب وهاتف الشرطة بالحادث بل وذهب بنفسه إليهم وقد حضرت الشرطة وفتشت في الدرام واتصلت بالشخصين (القاتل والمقتول) فوجدتهما مازالا على قيد الحياة !!.. كل هذا والمدمن مازال مصرًا على صدق أقواله ، وحين أطلق سراحه وتناول الخمر يقول : " كأن ذاكرتي عادت إلي وكأن هذا الفيلم الخرابيط ما عاد له وجود وعدت إلى نفسي ووجدتها ووجدتني" .

* أما المدمن الثاني ( مدمن مواد طيارة أو تشفيط لمدة 15 عامًا ) فقد ذكر أنه في حالة الانقطاع قد رأى في حلمه سيارة كبيرة الحجم تدخل مسرعة إلى منزلهم وقام من نومه فزعًا وأخذ يصرخ جاذبًا أفراد أسرته ، ناهيك عن الفضائح التي يحدثها لهم وتلوكها ألسنة الجيران مؤكدين على حقيقة أن التشفيط يلحس العقل ويقود إلى الخبل .

* المدمن الثالث كان يتناول المواد المنشطة وأحيانًا المؤدية للهلوسة أو ما يجده من مخدرات فقد ذكر أنه تنبأ بحدوث الزلزال في مصر قبل حدوثه وأنه كان يرى في أحلامه أن الأرض قد انشقت وأن كل ما هو موجود على سطحها قد دفن واستقر في قاعها وأنه كان ينهض من نومه فزعًا من هذا الحلم /الكابوس ولم يصدقه أحد وبعد حدوث الزلزال كان ينهض صارخًا من الحلم وقد صدقه العديد من الجيران إلا أنهم لم يعودوا يصدقونه اليوم بل ويتهمونه بالجنون .

- فما دلالة هذه الأحلام من الناحية النفسية ؟
لعل دلالتها أنها تؤكد ما أثبتته العديد من الدراسات حول الأضرار النفسية والعقلية ، فمثلاً يؤدى الخمر إلى إصابة الفرد المدمن بالهذيان وذهان كورساكوف وإضربات الذاكرة أو الخوف الكحولي والهلوسة الكحولية وغير المرضية ، إضافة إلى حالة التجوال النومي كما تكثر حالات وقوع حوادث انتحارية ( عادل دمرداش ، 1982 / 842: 85 ) إضافة إلى الشعور بالوحدة والانفصال عن الواقع أو الشعور بالاضطهاد مع وجود هلاوس مختلفة وهي تعد من أشهر الأعراض النفسية والعقلية التي تصيب مدمني المخدرات بكافة أنواعها ( عطوف ياسين ، 1988 / 269 : 270) إضافة إلى أن التعاطي يطلق قوى الكبت والعدوان سواء تجاه الآخرين وتجاه الفرد حيث أن التعاطي في حد ذاته يعد سلوكًا مدمرًا ، وهو ما يفسر أيضًا وجود أحلام بها تدمير للذات واضح وجلي وينعكس في تصور المدمن ، أي تعكس صورة المدمن كما يتصور ذاته .

المصدر : مجلة علم النفس عدد 67/68 (يوليو ديسمبر 2003)



الكاتب: د.محمد حسن غانم
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/06/2005