إغلاق
 

Bookmark and Share

الحب في الجامعة بينَ الحلم والواقع ::

الكاتب: د. وائل أبو هندى
نشرت على الموقع بتاريخ: 27/08/2003


الحب الذي أتكلم عنه هو حب ما بينَ الشباب في الجامعة والحب في الحقيقة ليس مقصورًا على الشباب لأنه يستطيع أن يداهم الإنسان في أي وقت من عمره ولكن إلى أي حد يكونُ تأثيرهُ على الإنسان وإلى أي حد تتأثرُ تصرفات الإنسان وتوجهاته في الحياة لأنه أحب!! هذا هو ما يجعل الحب في سنين الجامعة أهم وأولى بالمناقشة من غيره لما هو معروف من ثراء هذه السنوات من عمر الإنسان والحب دائما ما يبين للإنسان جوانب لم يكن يعرفها في نفسه ودائما ما يترك الكثير من العلامات على شخصيته وسلوكياته وهو ما يجعل الحب موضوعا لعلم النفس و للطب النفسي بالتالي.

وما أحب أن أشير إليه قبل الدخول في موضوع المقال هو أن الحب بمفهومه العربي أي المفهوم الذي يفهمه الإنسان العربي من الكلمة حب وهو المفهوم العاطفي أو الرومانسي للكلمة هو مفهوم عربي كلية لأن الباحث في المعنى التاريخي لكلمة (LOVE) الإنجليزية سيجد أنها ظلت دائما تعني ممارسة الجنس ولا شيء آخر فلم تكن تعني العاطفة ولا الهوى إلى أن دخل المفهوم العربي على الثقافة الغربية في القرن الثاني عشر الميلادي من خلال الشعراء الأوربيين المتجولين التروبادور الذين أخذوه أصلا عن العرب في الأندلس ومن يقرأ كتاب طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي يعرفُ كم كان الإسلام رائعا في موقفه من الحب وكم كان المجتمع الإسلامي جميلا!

الحقيقة أن العنوان يعطي إيحاء بأن الحلم جميل والواقع ليس كذلك وهذا ما سوف نحاول التأكد منه؛ كنا في الماضي عندما نحب نتخيل ونحلم بأن يصبحَ الخيالُ واقعًـا وكان ذلك ممكنا إلى حد كبير أما هذه الأيام فإن ما تمكن تسميته "بالخيال سابق التجهيز" أصبحَ يحتل عقولنا وأصبحنا نحاول أن نجعل الواقعَ كالخيال؛ أصبحنا نفعلُ عكسَ ما كنا نفعل أي أصبحت لنا تخيلاتنا الجاهزة التي نحاول أن نجد الواقع الذي يكون أقرب ما يمكن منها وهذا ما يحرمنا إلى حد بعيد من الكثير من المشاعر والتخيلات الإنسانية التي تنتج عن إحساس الإنسان بأن هناك ما يجهلهُ! في الماضي كان الشخص يحب ثم يتخيل أشياء عن محبوبته أما الآن فإنه يبحث عن المخلوقة التي توافق خياله السابق التجهيز وهذا ما يجعل الأمور أصعب! خاصة وهنا تكمن المشكلة التي نعاني جميعا بسببها وهي أن الخيال السابق التجهيز الذي أصبح يحتل عقولنا هو خيال مستورد لا يعبر عنا نحن كمجتمع له خصوصياته! والمشكلة أيضا أن هذا الخيال السابق التجهيز فيما يتعلق بالحب هو خيال "منزوع القيم" لأن المجتمع المبدع لهذا الخيال مجتمع منزوع القيم.

إن ما أرمي إليه في كلامي الآن هو أن الخيال أو الحلم هذه الأيام ليس مع شديد الأسف معبرًا عنا؛ لكننا في معظم الأحيان لا ندرك ذلك!! لأن الحلم الذي أتكلم عنه لم ينتج بالشكل الطبيعي المناسب لنا فإذا سألنا أنفسنا عن مصادر الحلم عند كل منا لوجدناها على سبيل المثال لا الحصر هي الأفلام السينمائية؛ الأغاني الشبابية؛ الرافد الأجنبي متمثلا في الإنترنت والقنوات الفضائية؛ أما الحلم القديم فلم تكن له مثل هذه المصادر بقدر ما كان ينشأ كنتيجة لوجود الحب نفسه وبالتالي يجيء نابعا من الواقع؛ ولذلك كان تحول الحلم إلى واقع ممكنا أما الآن فإن الحلم السابق التجهيز أصلا لا هو بالنابع من ثقافتنا ولا هو بالمعبر عنا؛ ولا يستطاعُ بشكل طبيعي أن نحول الواقع الذي نعيشه إلى ذلك الحلم! فلا يكون أمامنا إلا أن نأخذ موقفا انفعاليا منه إما أن يُضطر الواحدُ منا للانفصال عن واقعه والعيش بعيدا عن العصر وإما أن ينسلخ الواحد من جلده فيعيش مسخا ثقافيا في مجتمعه؛ وهناك من يخلطون بين هذا وذاك لكنهم أيضا لا يستريحون!

فإذا أردنا الكلام عن معالم حلم الحب العصري فإن أهم المؤثرات فيه هي:
أولا الصورة: نحنُ نعيش ثقافة الصورة في هذه الأيام وفيما يتعلق بالحب وكيفية التعبير عنه بالصورة نجد إعلاء مبالغا فيه لقيمة الجسد على قيمة المعنى وهذا في حد ذاته افتئات على المشاعر البشرية في موضوع الحب.

ثانيا؛ سرعة إيقاع العلاقة العاطفية كنتيجة لسرعة إيقاع الحياة بشكل عام؛ وهناك بالتالي استعداد سريع للملل وهو ما يتنافى مع طبيعة الحب البشري فقد أصبح هناك ما نستطيع تسميته بالعلاقات التيك أواي أو الشريك الذي يستخدم مرة واحدة مثل السرنجة!

وأما ثالث المؤثرات وأخطرها فهو التحول بشكل عام من إسباغ الخصوصية الروحية والنفسية على مفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة إلى جعلها نوعا من الترفيه وكسر الملل! وشتان ما بين المنظورين!! ويتزامنُ ذلك مع حدوث نفس الشيء للفن بكافة صوره ومن يرى أغاني الفيديو كليب الشبابية وما يحدث فيها يدرك معنى كلامي فقد وصل الحال في بعض هذه الأعمال إلى جعل الكلام المغنى شيء والصور المصاحبة له شيء آخر! وأصبح هناك من يتفرج على الأغنية ولا يهتم بسماعها!

ورابعا: تأثير ظاهرة شبابية كظاهرة "الروشنة" على العلاقة بين الشاب والفتاة فإنه كبير ولا شك لأن الروشنة مفهوم غير محدد المعالم لأنه "لا تقليدية" كل ما يشترط فيها هي أن لا تكون تقليديا وعندما يصبح الحب طقسا من طقوس الروشنة فإنه الحب الذي يتحرر من كل ضوابط السلوك البشري يتحرر التالي من الحب نفسه لأن الحب سلوك بشري رفيع وكل السلوكيات البشرية الرفيعة هي سلوكيات تحمل منظومة قيمية في طياتها؛

وتحدثُ وسط ذلك كله تفاعلات ما بين المفاهيم التي تحاصر عقولنا من كل جهة وبين مقتضيات الواقع وضغوطه وبين البقية الباقية فينا من قيمنا ومبادئنا فتكون النتيجة ظواهر لا تفسر بسهولة فمثلا ظاهرة الزواج العرفي لا يمكن أن نقول بأنها دليل على التفسخ القيمي بين الشباب بقدر ما هي تعبير عن الأزمة التي يمر بها المجتمع ككل فهي محاولة للتعامل مع الأزمة وهي بتعبير أدق محاولة لاستخدام بعض أحكام الفقه الإسلامي بشكل روش أي أن الدين نفسه غير معصوم من الروشنة.

فإذا أردنا أن نناقش ظاهرة يسميها البعض انحسار الرومانسية أو ندرة وجودها فإن الأمر في الحقيقة ليس انحسار الرومانسية بقدر ما هو انعدام الشروط اللازمة لوجودها فالرومانسية لا تعيش إلا من خلال مشروع فكري ملهب للمشاعر أو على الأقل في وجود مفارقة اجتماعية أو مكانية على سبيل المثال فأما من ناحية المشروع الفكري فمعظم مشاريعنا الفكرية التي كانت تستقطب الشباب قد انهارت وأما المفارقاتُ فإن من معالم عصرنا اختفاء المفارقات فمثلا لم يعد البعد المكاني في وجود الإنترنت يمثل مفارقة كما كان ولم يعد الزواجُ الذي يتخطى الطبقات بين زميلين في الجامعة ممكنا لأن المساواة في فرصة العمل المتكافئ التي كانت مكفولة للخريجين جميعا من قبل لم تعد موجودة! الحب الآن لا يجب أن يكون رومانسيا بالشكل الذي كان في الماضي ووجود الرومانسية عند طرف من الطرفين في ظل غياب المشروع والمفارقة إنما هو دليل على عدم النضج وربما السذاجة وهذا ما يتسبب في صدمة كبيرة عندما يحدث ما يحدث غالبا وتنتهي بسببه العلاقة العاطفية؛

المشكلة هي أن ما نحتاج إلى مواجهته كمجتمع وكشباب ليس فقط كما يقول الكثيرون هو الواقع المتأزم ولكن هناك أيضا الخيال السابق التجهيز الذي لا ندري به والذي كما قلت لا يعبر عنا بقدر ما يعبر عن مبدعيه وأصحابه!!

وهناك في مجتمعنا من يتخيلُ أنه يواجه الواقع المنافي لقيمه ومبادئه بينما هو في الواقع يواجه الخيال السابق التجهيز الذي أشرت إليه والحقيقة أن معاناة الشباب في مجتمعاتنا معاناة كبيرة وأكثر هؤلاء الذين يعانون هم الذين يحاولون الالتزام بقيمهم أو دينهم لأن معظم هؤلاء يجهلون الكثير من دينهم ويتعذبون بسبب ذلك فهم يتصرفون حسب فهم غير كامل ولا أقول مشوه للدين! ناتج عن هروب مرضي من الواقع وأنا شخصيا أرجع ذلك إلى انفصالنا عن جذورنا الحقيقية وعدم تواصلنا بها ولا بتراث المفكرين المسلمين إلا من خلال دراسات علمائنا المحدثين الذين تصرفوا كما يتصرف من أقر بهزيمته الفكرية وراح ينقي من تراثنا ما يجعله متماشيا مع الأفكار الغربية التي سادت وروج لها أصحابها على أنها المفاهيم العالمية العلمية الصحيحة والوحيدة وهم غير ملومين في ذلك لأنها أفكارهم أما علماءنا نحن فلا أقول إلا غفر الله لهم وأثابهم على نواياهم؛ ولكي أعطي المثل على ذلك فإنني أرى مفهوم الأسرة في الإسلام خير مثال على ذلك لأن الإسلام يركز على وحدة اجتماعية أكبر من الأسرة وهي الجماعة الاجتماعية وعندما فوجئ مفكرونا بذلك راحوا يبحثون في تراثنا عما يعضد اهتمام الإسلام بالأسرة وكأن الشكل الاجتماعي الوحيد الصالح هو الشكل الذي يسود في الغرب وعلى نفس الطريق كانت الاشتراكية في الإسلام وغيرها.

ومن يشاهد الملصقات المنتشرة في الجامعة والتي تهدف إلى محاربة الزواج العرفي مقارنة إياه بالزواج الشرعي أو التي تدعو إلى الحجاب مقارنة إياه بالتبرج يعرف كم ينفصل الخطاب الإسلامي عن الواقع رغم حسن وصدق نوايا أصحابه في معظم الأحيان فإذا أخذنا الملصق الأول وقد كتب تحت عنوان الزواج العرفي ظلام، كارثة، فضيحة، خوف، قلق، مأساةٌ دمار!! وتحت عنوان الزواج الشرعي فرحة، سعادة، علانية نور، استقرار أسرة مودة ورحمة؛ لتبادر إلى الذهن على الفور سؤال مؤداه: هل هناك أصلا من يقول بأن الزواج العرفي أفضل من الزواج الشرعي؟؟ بالطبع لا ولكن أين هي الإمكانية للزواج الشرعي؟ ثم الملصق الثاني فأنت ترى فتاة تسير مع شاب وقد عرت شعرها وفي النصف الثاني ترى فتاة محجبة وإلى جوارها القرآن الكريم ولا أدري ما هو المقصود؟

هل يريدون أن يقولوا أن على الفتاة إذا أرادت أن تكون مسلمة بحق ألا تتعامل مع زميلها في الدراسة؟ من قال أن هذا هو الإسلام؟؟؟ إن الإسلام في تعامله مع المرأة وعلاقتها بالرجل لم يكن دينا جامدا أبدا وأنا أدعو كل المطالبين بالفصل ما بين الجنسين إلى الدخول على موقع مجانين صفحة الاستشارات لمعرفة مدى ما يعانيه المجتمع السعودي من مشاكل بسبب الفصل الذي نتج عن فهم قاصر للدين خلطوه بالعرف وظلوا جامدين!

فهل معنى ذلك أن الإسلام يوافقُ على التجاوزات التي تحدثُ الآن في الجامعة ما بين بعض الطلاب والطالبات؟ بالطبع لا ولكن الذي يهمني إيضاحه هو أن الإسلام لا يحرم وجود علاقة بين الزملاء في الجامعة إناثا وذكورا ولكنه يفرق ما بين العلاقة العامة بين الزملاء وبين تحولها إلى علاقة خاصة ما بين ولد وبنت فإذا أردنا أن نتحول من العام إلى الخاص وجب علينا أن نتصرف تبعا للأحكام الواضحة في الشريعة الإسلامية؛ وأما سؤال هل الحب حرام أم حلال فهو سؤال خاطئ من أساسه لأن أحكام الشرع إنما تتعلق بأفعال المكلفين الإرادية والحب فعل لا إرادي أصلا "د. سعيد رمضان البوطي" ولكن الحب كعاطفة شيء وتصرفات الإنسان المترتبة على هذه العاطفة شيءٌ آخر وفيما يتعلق بالتصرفات الإرادية فإن أحكام الشرع واضحة ومعروفة للغالبية منا؛

وهناك حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "اللهم هذا قسمي فيما أملك فاغفر لي ما لا أملك" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو إقرار من سيد الخلق بأنه لا يملك توجيه قلبه كيفما شاء.

أقولُ ذلك لأنني أقابلُ الكثيرينَ من الملتزمين نساءً ورجالاً يحسون الكثير من الذنب المتعلق بالحب ويعانون بسبب ذلك مع أنهم كما قلتُ أناس ملتزمون ولكنهم يحاسبون أنفسهم على ما هم عاجزون عن مقاومته وهم في ذلك يظلمون أنفسهمْ.



الكاتب: د. وائل أبو هندى
نشرت على الموقع بتاريخ: 27/08/2003