إغلاق
 

Bookmark and Share

الفن للفن أم الفن للمجتمع (2) ::

الكاتب: د.عمرو أبو خليل
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/10/2005

الفن للفن أم الفن للمجتمع (1)
 

2- فيلم ثقافي:

يعتمد الفيلم على كوميديا الموقف من خلال مجموعة من الشبان حصلوا على فيلم جنسي ويبحثون عن مكان للمشاهدة ومن خلال ذلك يستعرض معاناة الشباب نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى صعوبة الزواج ويقدم المعاناة الجنسية كأحد صور هذه المعاناة الفكرة جديدة وجريئة وتفجر الضحكات من خلال أشد المواقف مرارة وهو ما يجعل المتلقي يقف مع نفسه ليسأل ما الحل.. الفيلم يحاول تقديم الحل بسطحية شديدة..

ولو كانت السطحية هي المشكلة فقط لهان الأمر ولكنها سطحية ملغومة.. لأنها توصل رسالة خطيرة للشباب بصورة عامة وللمراهق بصورة خاصة.. الحل يقدم من خلال لقطتين في الفيلم.. اللقطة الأولى حيث يلتقي الشبان الثلاثة بفتي وفتاة في سن المراهقة حيث تبدو الفتاة تحمل فوق ظهرها حقيبة الدراسة وتلبس الزي المدرس لتأكيد سنها وانتهائها إلى عالم المراهقة ويدور حوار بين الشبان الثلاثة وهذا الفتى وهذه الفتاة يبادرهم فيها أحدهم بقوله ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهم فترد الفتاة وتقول ولكن لم يقول يغلبهم الشيطان فالفتى والفتاة هما اللذان يستطيعان التحكم في أنفسهما ووضع الحدود لعلاقتهما فيرد أحد الشبان ولما أنتم واثقون في أنفسكم لماذا تختفيا عن أعين الناس فيرد الشاب لو قبل المجتمع علاقتي بها وقبل الأهل لكانت علاقتنا في النور..

وينتهي المشهد بما يدل على إقحام منطق الفتى والفتاة للشباب حيث ينهي الفتى حواره معهم بقوله أنني لن احتاج للأفلام الثقافية مثلكم ويمضي ماسكا بيدي فتاته والشباب يعلق متحسر ألا تدري أنني وقد بلغت سبعة وعشرين عامًا لما أمشي مع فتاة وأمسك يدها... ويعود الفتاة والفتاة ليظهرا في النهاية الفيلم ليلتقيا بالشبان الثلاثة معلنين أنهم قد اشتروا كمبيوتر سويًا.

وأنهما وضعاه في بيت أحدهما وأن الأهل قد وافقوا على أن يتبادلا الزيارة للاستفادة والإطلاع عليه.

ماذا يريد أن يقول الفيلم.. ما هي الرسالة التي تحملها هذه المشاهد وهذا الحوار.. أن الحل ببساطة عند أصحاب الفيلم لابد أن يبدأ مبكرا.. في سن الثانوي في بداية المراهقة.. ويكون في صيغة المصاحبة كما يسميها الشباب أو الصيغة البوي فريند والجيرل فريند Gril friend وboy friend في التسمية الأصلية لها. .

إن على كل شاب وفتاة أن يبحث له عن صاحب من الجنس الآخر منذ بداية المراهقة وعلى المجتمع أن يشجع ذلك ويقبله حتى يصبح مواكبًا لعصر الكمبيوتر وأن في ذلك الحل لمشاكل الشباب لأنه عندها لن يشعر الشباب بأي حرمان نفسي أو عاطفي أو جنسي ولن يضطر لمشاهدة الأفلام الجنسية أو الشعور بالكبت وهو يطالع الفتيات من حوله وهن يلبسن غريب فلديه فتاته التي يصاحبها في كل مكان وقد تشابكت أيديهما وحتى لو كان الشيطان ثالثهما فإنهما سيتغلبان عليه.. وبالطبع لن تكون هناك مشاكل في الزواج.. فهذه الصيغة قد حلت المشكلة بحيث يصبح الزواج أمر غير وارد ولسنا في احتياج له.. أليست مشكلة الشباب هو إحساسه بالضغط تحت وطأة احتياجه العاطفي والبيولوجي مما يضطره إلى العمل والكفاح من أجل الزواج وبناء بيت يسكن فيه إلى زوجته... إذا فلو أزلنا هذا الضغط وأرحنا الشباب وجعلنا له صاحبة يفرغ فيها طاقته منذ بداية مراهقته فلا مشكلة ولا أزمة.. ومن أراد الزواج بعد ذلك فهذا اختياره إن شاء تحمل مسئوليته وإن شاء بقي كما هو وإذا رفضت صاحبته هذه الصيغة ونظرت إلى ارتباط وزواج فعندها يتركها إلى صحابة أخرى

ترخي بالمصاحبة والاستمتاع بدون مسئولية أو بيت أو أطفال ولتذهب هذه التي تريد الزواج إلى الجحيم أولا تذهب فهي مشكلتها لأنها لم تفهم النظام ولم تحترم قواعده مثلما تفعل زميلاتها في الغرب... هذه هي الرسالة ببساطة.. رسالة لا تخطئها العين.. لا ندري هل كان يدرك أصحاب الفيلم وهم يقدمونها خطورتها.. وخطورة محتواها.. لأن السؤال الذي يطرح نفسه هل تحل صيغة "المصاحبة" فعلا مشاكل الشباب. إن هذه الصيغة بالرغم من أنها في أوروبا وأمريكا قد نشأت على خلفية ثقافية تسمح بقيام هذه العلاقة بين الفتى والفتاة من غير زواج فإن ما ترتب من مشاكل اجتماعية ونفسية جعل الكثيرون يطالبون بإعادة النظر في هذا النامي إن مشكلة الأمهات المراهقات تحت سن العشرين بدون زواج وما يترتب على ميلاد أطفال لآباء وأمهات لسن على قدر المسئولية لرعاية هؤلاء الأطفال فضلا عن مشكلة الأطفال مجهولي النسب ومشكلة الأعراض عن الزواج وتحمل مسئولياته وما يقع على المرأة من ظلم في تحمل مسئولية رعاية أطفال قد هرب آباءهم من تحمل مسئولياتهم واكتظاظ الملاجئ بالأطفال الذين تنصل أبويهم من تحمل مسئوليتهم لأنه لا يوجد ما يجبرهم على ذلك وتعدد العلاقات الجنسية بدون حدود بل وزيادة الشره الجنسي والرغبة في الاستمتاع التي تصل إلى تقنين العلاقات الشاذة والذهاب فيها إلى أبعد مدى لا يتصور عقل أو فطرة سليمة... كل ذلك كان بعض النتائج الاجتماعية لهذا النظام والذي هو ابن ثقافتهم وبنت في أرضهم ويوجد قبول جمعي له.. فأي نتائج نتوقعها من هذا الحل الغريب عن ثقافتنا المصادم لأعرافنا وتقاليدنا التي تقوم في الأساس على أنه لا علاقة عاطفية بين فتى وفتاة إلا من أجل الارتباط وفي إطار شرعي رسمي.

إن التفكير الاستقطابي أو ذا القطبين الذي لا يري إلا الأبيض والأسود فإما كبت ولا علاقة بين الجنسين أو علاقة مفتوحة بدون حدود أ, ضوابط... إننا نستطيع صياغة صورة للعلاقة بين الجنسين تناسب خصوصيتنا الثقافية وتسمح لعلاقات صحية بين الجنسين ونحن نتفق مع الفيلم في أن الأمر لابد أن يبدأ مبكرًا ربما قبل المراهقة بقليل ليس بعلاقة مصاحبة ولكن بتعليم وتربية لمفاهيم صحيحة للمراهقين بنات وبنين تقول لهم في يسر وبساطة..

إن هذا الولد الذي تتعاملين معه في المدرسة أو تقابليه في النادي وهذه البنت التي تراها في الشارع أو تتعامل مع في الدرس هي مثل أختك ومثل أخيك الذي يعيش معك في البيت ولكن الله قد ركب مشاعر فطرية لديك بالميل ناحية الجنس الآخر.. هي مشاعر طبيعي وصفها الله في الناس من أجل إعمار الكون حتى يسكن الرجال إلى النساء والنساء إلى الرجال فيتزوجوا وينجبوا ويعمروا الكون.. إذا فهذه المشاعر طبيعية ولكنها من أجل الارتباط والزواج ولذا فإنها لا تتطور إلى حب وعاطفة إلا في الوقت المناسب والمكان المناسب والشخص المناسب..

هذا الوقت عندما نكون في سن يسمح بالارتباط حيث تتوفر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لذلك والشخص المناسب هو الذي يصلح أن يكون شريك الحياة.. وحيث أن هذا لن يكون والشاب والشابة في المرحلة الثانوية أو الجامعية فماذا عليه تجاه ما يشعر به من ميل فطري وكيف يتعامل مع زميله أو زميلته... أه يدرك أن هذا الميل هو الذي يملك تطويره إلى حب... ولأن الحب من أجل الارتباط.. والارتباط الآن غير وارد فإنه يحافظ على علاقة نسميها " الزمالة الملتزمة"..

زمالة العلم أو العمل التزام في القول والفعل والزي.. يؤدي إلى إدراك كل طرف أن العلاقة بينهما تقوم على الاحترام المتبادل الذي لا يؤدي إلى تحريك المشاعر فهو زميلي و هي زميلة ربما أشعر بالإعجاب لخصاله أو خصالها ولكنني لن أطوره الآن لأي عاطفة فأنا أتعامل معه ويتعامل معي بمنطق المشاركة في هذا المكان والتواجد في هذا الزمان للدراسة والعمل..

فليس بالضرورة أن تقوم علاقتنا على الغواية.. غواية أسعي إليها أو أهرب منها.. فالصياغة الأولى هي الزمالة الملتزمة فلا لفظ خارج ولا موضوع جارح ولا إشارة مبتذلة ولا لبس مثير ولا نظرة جائعة.. وعندما يأتي الوقت المناسب الذي أشعر فيه بالاستعداد للارتباط فأحد هؤلاء الزملاء أو الزميلات..

سيقترب أكثر أمام الجميع وليس في خلوة أو لقاء بعيد عن الأعين.. معلنا استئذانه لمزيد من التعارف لاكتشاف إمكانية الارتباط.. فإذا اتفق الطرفان على إمكانية ذلك.. اتفقا على مدة لهذه الزيادة في التعارف يقفا بعدها ليقررا هل هما صالحان للارتباط عاطفيًا وعقليًا أم أن الأمر يقف عند هذا الحد فإذا كانت الإجابة بلا انقطعت فترة التعارف وعادت الصيغة إلى الزمالة الملتزمة وإذا كانت الإجابة بنعم فليدخل الرجل من الباب وتتحول العلاقة إلى ارتباط رسمي أمام كل الناس..

تنمو فيه العاطفة بدون خوف أو اختفاء فالحب كعاطفة في القلوب لا غبار ولا حجر عليه ولكن الاعتذار به من أجل كسر الحدود والقيود.. هو الذي يجب الوقوف عنده.. ليس الخطأ في الحب كعاطفة ألقاها الله في القلوب ولكن فيما يترتب على هذه العاطفة من تصرفات وأفعال وأقوال أما تزيده سمو أو تجعله ينزل إلى أسفل سافلين.

هذه الصيغة التي يجب أن نعلمها لبناتنا وأ,لادنا... تجعلهم معتدلين في مشاعرهم وأفكارهم.. لا ينظر كل طرف إلى الآخر نظرة توجس وخوف أو نظرة غواية ورغبة في الإيقاع بالصيد الثمين.. فلدينا الزمالة الملتزمة ولدينا العاطفة المهدفة ولدنيا الارتباط الشرعي الذي يتوج كل ذلك.. في إطار من النظافة النفسية أن صح التعبير دون حاجة لاستعارة نظام.. هم أول من يصرخ منه والمصلحون ؟؟؟؟؟؟؟؟ منهم يحذرون من أنه سيكون سبب سقوط هذه الحضارة العظيمة ماديًا لأنه يضرب روحها في مقتل حيث تتخلل المجتمعات والأسر تحت نظر الجميع تحتاج إلى أعمال درامية وأفلام سينمائية تروج لبضاعتنا وتقدم النموذج الذي يحتذ به الشباب ليري ما نقوله له من أفكار وافقًا يتجسد أمامه على الشاشة فيؤمن به ويحاول أن يطبقه في حياته وعندما يسبق الفن المجتمع ويقوده وهذا هو الدور الحقيقي للفن لمن أراد أن يفهم أو يؤمن.. فهل نجد من يستطيع فعل ذلك ليس من أجل الفني فقط ولكن من أجل مجتمع نخشى أن يكون قد فات أوان إنقاذه من الانهيار.
 



الكاتب: د.عمرو أبو خليل
نشرت على الموقع بتاريخ: 03/10/2005