إغلاق
 

Bookmark and Share

في علاج العشق ، تلخيص ابن القيم ::

الكاتب: د.محمد شريف سالم
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/12/2003

في علاج العشق ، تلخيص ابن القيم
" يقول ابن القيم : هذا مرض من أمراض القلب مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه إذا تمكن واستمكن منه الأطباء وداؤه وأعيي العليل داؤه . وعشق الصدر إنما يبتلي به القلوب الفارغة من محبة الله تعالي المعرضة عنه .المتعوضة بغيره عنه فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلي لقائه دفع ذلك عنه مرض عشق الصدر ولهذا قال تعالي في حق يوسف كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين مثل علي أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته والعشق مركب من أمرين استحسان المعشوق وطمع في الوصول إليه فمتي انتفي أحدهما انتفي العشق . وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تنافي منها اختلف .

وقال تعالي وإذا النفوس زوجت أي قرن كل صاحب عمل بشكله ونظيره نقرن بين المتحابين في الله في الجنة وقرن بين المتحابين في طاعة الشيطان في الجحيم فالمرأ مع من أحب شاء أو أبي وفي صحيح الحاكم وغيره عن النبي صلي الله عليه وسلم لا يحب المرأ قوما إلا حشر معهم والمحبة أنواع متعددة فأفضلها وأجملها المحبة في الله والله وهي تستلزم محبة ما أٍحبه الله وتستلزم محبة الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ومنها محبة الاتفاق في طريقة أو دين أو مذهب أو كلمة أو صناعة أو قرابة أو مراد ما ومنها محبة نيل فرص من المحبوب إما من جاهه أو من ماله أو من تعليمه وإرشاده أو قضاء وطر منه ، وهذه هي المحبة العرضية التي تزول بزوال موجبها وإما المحبة التي بين المحب والمحبوب فمحبة لازمة لا تزول إلا لعارض يزيلها ومحبة العشق في هذا النوع فإنها استحسان روحاني وامتزاج نفساني .

ولولا مانع الكبر والحسد والرياسة والمعاداة في الكفار لكانت الرسل أحب إليهم من أنفسهم وأهليهم و أموالهم ولما زال هذا المانع من قلوب اتباعهم كانت محبتهم لهم فوق محبة الأنفس والأهل والمال

"المقصود أن العشق لما كان مرضا من الأمراض كان قابلا للعلاج وله أنواع فإن كان ما للعاشق سبيل من وصل محبوبه شرعا وقدرا فهو علاجه كما ثبت في الصحيحين من حديث بن مسعود قال رسول الله صلي الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فدل المحب علي علاجين أصلي وبدلي وأمره بالأصلي وهو العلاج الذي وضع لهذا الداء فلا ينبغي العدول عنه إلي غيره ما وجد إليه سبيلا.

وروي ابن ماجة في سننه عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال لم نر للمتحابين مثل النكاح وهذا المعني الذي أشار إليه سبحانه عقيب احلال النساء حرائرهن وإمائهن عند الحاجة بقوله يريد الله إن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا فذكر تخفيفه في هذا الموضع واعتباره من ضعف الإنسان يدل علي ضعفه عن احتمال هذه الشهوة وأنه سبحانه خفف عنه أمرها بما أباحه له من أطايب النساء علاجا لهذه الشهوة وتخفيفا عن هذا الخلق الضعيف ورحمة به .

- وان كان لا سبيل للعاشق إلي وصال محبوبه قدرا وشرعا أو هو ممتنع عليه من الجهتين وهو الداء العضال فمن علاجه إشعار نفسه اليأس منه فان النفس متي يئست من الشيء استراحت منه ولم تلتفت اليه فان لم يزل مرض العشق مع اليأس فقد انحرف الطبع انحرافا شديدا فينتقل إلي علاج آخر وهو علاج عقله بأن يعلم بأن تعلق القلب بما لا يطمع في حصوله نوع من الجنون . وان كان الوصل متعذرا شرعا لا قدرا فعلاجه بأن ينزله المتقدر قدرا إذا لم يأذن فيه الله فعلاجه الصبر ونجاته موقوف علي اجتنابه .

فإن العاقل متي وازن بين نيل محبوب سريع الزوال بفوات محبوب أعظم منه وأدوم وْأنفع وألذ أو بالعكس ظهر له التفاوت فلا تبع لذة الأبد التي هي لا خطر لها بلذة ساعة تنقلب آلاما وحقيقتها أنها أحلام نائم أو خيال لإثبات له فتذهب اللذة وتبقي التبعة وتزول الهوة وتبقي الشقوة . فإذا تيقن أن في إعطاء النفس حظها من هذا المحبوب هذين الأمرين هان عليه تركه ورأي أن صبره علي فواته أسهل من صبره عليهما بكثير فعقله ودينه ومروءته وإنسانيته تأمره باحتمال الضرر اليسير الذي ينقلب سريعا لذة وسرورا وفرحا لدفع هذين الضررين العظيمين . وجهله وهواه وظلمه وطيشه وخفته بأمره بإيثار هذا المحبوب العاجل بما فيه جالبا عليه ما جلب والمعصوم من عصمه الله

فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء ولم تطاوعه لهذه المعالجة فلينظر ما تجلب عليه هذه الشهوة من مفاسد عاجلته وما تمنعه من مصالحها . وليجاوز بصره حسن الصورة إلي قبح الفعل وليعبر من حسن المنظر والجسم إلي قبح المخبر والقلب

فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا صدق الملجأْ إلي من يجيب المضطر إذا دعاه وليطرح نفسه بين يديه علي بابه مستغيثا به متضرعا متذللا مستكينا فمتي وفق لذلك فقد ترك باب التوفيق فليعف وليكتم ولا يشبب بذكر المحبوب ولا يفضحه بين الناس ويعرضه للأذي فإنه يكون ظالما متعديا

ولا يفقه بالحديث الموضوع من عشق فعف فمات فهو شهيد وفي رواية من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة فإن هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا يجوز أن يكون من كلامه . فإن إفساد عشق الصور للقلب فوق كل إفساد بل هو خمر الروح الذي يسكرها ويصدها عن ذكر الله وحبه والتلذذ بمناجاته والاستجابة له ويوجب عبودية القلب لغيره .

د.محمد شريف سالم



الكاتب: د.محمد شريف سالم
نشرت على الموقع بتاريخ: 13/12/2003