إغلاق
 

Bookmark and Share

رد على مشاركة الشيخ واصل ::

الكاتب: أحمد الكناني
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/06/2006

زواج المتعة.. بين التحريم والتنوير
زواج المتعة .. رد على من أباحه

ملاحظة للدكتور وائل: لتنتشر الأفكار كما الحياة في نهر ربيعي، ولا تصغيّن للمكفرين وطيور الظلام.

بسم الله الرحمن الرحيم؛
أشكر فضيلة الشيخ "نَصر فَريد واصل" على مقاله المُثري لمادة كنّا بأمس الحاجة لتسليط الضوء عليها، والخوض بحلبتها الفكرية والجدليّة. وبادئ ذي بدء، عليّ أن أعترف بأنني لم أستقي رأيي الفكري بشأن "الزواج المؤقت" من كتاب مؤلفٍ بعينه، وإنما توصلت لرأيي نتيجة بحث تأريخي ومقارنة منطقيّة للوضع الاجتماعي الراهن، والأوضاع الاجتماعية السابقة للمجتمعات الإسلاميّة.

فمن الواضح أننا أمّة لم تخسر خارطة سياسيّة على صفحات التأريخ فحسب- بعد أن أقتحم المغولي هولاكو بغداد بعام 656 للهجرة- وإنما خسرنا هويّة اجتماعية وأيدلوجيا شاملة إن صحّ التعبير. ذلك لأن المدن الإسلاميّة قد تهاوت ودمرت بكنوزها الفكريّة وعنصرها الإنساني، إذ يذكر التأريخ أن بغداد كانت تحمل ما يقارب المليوني نسمة عندما اجتاحها هولاكو، وقتل منها ثمانمائة ألف وفرّ الباقون. ولم تتجاوز نسبة بغداد السكانيّة العشرة آلاف منذ يومها الدامي ذاك حتى تأسيس الدولة العراقيّة بعام 1920.

الشاهد من هذا كلّه أن الوضع الفكري والاجتماعي والسياسي والقومي قد تمزق إربا، وضاعت هويتنا وتراجعت مداركنا وأصبحنا عاجزين عن استنباط الحقيقة وفق ثقتنا بمصداقيّة عقولنا، وإنما لجأنا للماضي المضطرب لتكوين هويّة فكريّة، وللأسف لم نرجع لماضي حسن ومشرق، أو نبحث بمصداقيّة حقيقيّة على الأقل، وإنما عدنا لماضي شديد الغليان وغارق بالارتجاجات العاطفيّة والسياسيّة (كعهد بن تيميّة) مما أعطى فكرا دينيّا متزمتا وغير قادر على استيعاب معادلة القرن الحديث حيث القوة الحقيقيّة بمدى رسوخ التوجهات الفكريّة وملاءمتها لقيادة كوكب بأكمله. نعم، أنه عصر حرب الحضارات.

وإن عدنا القهقريّ بصفحات التأريخ لمطلع الزمن الإسلامي، نجد أن هناك ممارسات كثيرة لدينا، لم توجد آنها كحجب الشعر أو الكبت الجنسي، بل يذكر المؤرخ الأمريكي الشهير "ويل ديورانت" بسلسلته الكبيرة "قصة الحضارة" (مجلّد "عصر الإيمان") أن الحياة الاجتماعية الجنسيّة كانت مستقرة بزمن الدولة الراشديّة وبدايات العهد الأمويّ، وأن البغاء تراجع لنسب كبيرة وأن للنساء حريّة كبيرة باختيار أزواجهن، وكذلك وجود محاكم متطوّرة للمطالبة بحقوق الزوجة إن هي ظلمت بحقوقها (وسأعود لهذه النقطة لاحقا) ويقول الفصل الثالِث:

الشعب
كان العرب في عهد الأمويين طبقة عليا حاكمة تحصل على مقررات من الدولة. وكان جميع الذكور القادرين من أبناء العرب، يخضعون، في نظير هذه المزايا للخدمة العسكرية، يُدعون إليها في أي وقت من الأوقات. وكانوا بوصفهم الفاتحين يفخرون بدمهم النقي في زعمهم وبلغتهم العربية الفصحى. وكان العربي يحرص أشد الحرص على أن يضيف إلى اسمه اسم أبيه كعبد الله ابن الزبير مثلاً، وكان في بعض الأحيان يضيف إليه اسم قبيلته وموطنه الأصلي، فكان اسمه سيرة له مصغرة فيقول مثلاً: أبو بكر أحمد ابن جرير الأزدي. غير أن نقاء الدم لم يلبث أن أصبح أسطورة خرافية بعد أن اتخذ الفاتحون لهم جواري من أهل البلاد المفتوحة؛ وأدخلوا أبناءهم منهن في زمرة العرب؛ لكن الفخر بالدم والأصل ظل كما كان من قبل.

وكان أفراد الطبقات العليا من العرب ينتقلون من مكان إلى مكان على ظهور الخيل، في أثواب من الحرير الأبيض، وسيوفهم مشرعة بأيديهم. أما العامة فكانوا يخرجون في سراويل منتفخة، وعمامات مطوية، وأحذية ذات أطراف رفيعة. واحتفظ البدوي بجلبابه الفضفاض، وشاله ومنطقته، وقد نهى النبي عن لبس السراويل الطويلة، ولكن بعض العرب نسوا أمره هذا، وكانت جميع طبقات الشعب تزدان بالحلي، وكانت الإناث يستهوين الذكور بصديرياتهن، ومناطقهن البرّاقة، ونُقبهن الواسعة الزاهية اللون.

وكن يعقصن شعرهن على جباههن، أو يرسلنه على جانبي رؤوسهن، أو يجدلنه غدائر تنوس على ظهورهن؛ وكن أحياناً يكثرنه بخيوط سوداء من الحرير، وفي أغلب الأوقات يزينه بالجواهر والأزهار. وأخذن بعد عام 715 يغطين بالنقاب وجوههن أسفل عيونهن، وازداد انتشار هذه العادة تدريجاً بعد ذلك العام، وبهذا كان في وسع كل امرأة أن تكون فاتنة جذابة، لأن عيني المرأة العربية مهما يكن سنها جميلتان تسبيان العقول. والفتاة العربية تبلغ الحلم في سن الثانية عشرة وتصبح عجوزاً في سن الربعين، وهي بين هذه السن وتلك تلهم معظم الشعراء وتلد الأبناء.

والمسلم لا يحترم العزوبة، ولا يخطر بباله أن يمتنع عن إشباع الغريزة الجنسية، ولا يرى أن هذا الامتناع حالة طبيعية أو مثالية. وقد كان لمعظم الصالحين من المسلمين زوجات وأبناء. وحدود الزواج أوسع في الإسلام منها في كثير من الأديان، وتفتح الشريعة الإسلامية منافذ كثيرة لإشباع الغريزة الجنسية؛ ولهذا قل البغاء في أيام النبي والخلفاء الراشدين. ولكن الانهماك في إشباع الغريزة الجنسية يتطلب عادة كثرة التنبيه، ولهذا لم تلبث الفتيات الراقصات أن أصبح لهن شأن كبير في حياة الرجال حتى أكثرهم أزواجاً.

إذا كان المقصود من الآداب الإسلامية أن تكون مقصورة على آذان الذكور وأعينهم، فإن منها ما لا يقل فحشاً عن حديث الذكور في البلاد المسيحية؛ فهذا الأدب يشتمل على طائفة كبيرة من الغزل، وقد عنيت كتب الطب عند المسلمين ببيان الأدوية المقوية للباء(42). والشريعة الإسلامية تجعل الإعدام من عقوبات الزنى واللواط، ولكن ازدياد الثروة خفف عقوبة الزنى فجعلها ثلاثين جلدة، وغض الحكام البصر في كثير من الحيان عن اللواط(43).

ونشأت طائفة من المخنثين المحترفين تشبهوا بالنساء في ثيابهم وعاداتهم، يظفرون شعورهم، ويصبغون أظافرهم بالحناء ويرقصون الرقص الخليع(44). وعاقبهم سليمان بن عبد الملك بإخصاء من كان في مكة من المخنثين، وأبصر الهادي امرأتين تباشران عملية السحاق فأمر بقطع رأسيهما على الفور(45). ولكن اللواط والسحاق رغم ما فُرض عليهما من العقاب الصارم أخذا ينتشران انتشاراً سريعاً حتى كانا كثيري الحدوث في بلاط هارون الرشيد، وفي قصائد شاعره المحبوب أبي نواس ولما يمضِ على زمن الهادي إلا بضعة أعوام. ذلك أن الرجل الذي حالت التقاليد بينه وبين النساء قبل الزواج، وملهن بعده، عمد إلى العلاقات الجنسية الشاذة، والمرأة التي حجبها أهلها عن جميع الرجال زلت هي الأخرى فسقطت فيما سقط فيه الرجل.

وكان اتصال العرب بالفرس من أسباب انتشار الحجاب واللواط في البلاد الإسلامية. لقد كان العرب قبل الإسلام يخشون مفاتن المرأة ويعجبون بها على الدوام، وقد ثأروا لأنفسهم من خضوعهم الغريزي لها بإثارة الشكوك التي يثيرها الذكور عادة حول فضية المرأة وقوة عقلها. وقد نصح عمر قومه باستشارة النساء ومخالفة مشورتهن(46)، ولكن المسلمين في القرن الأول من التاريخ الهجري لم يحجبوا النساء، فقد كان الرجال والنساء يتبادلان الزيارات ويسيران في الشوارع جنباً إلى جنب، ويصليان معاً في المساجد(47).

وكانت عائشة بنت طلحة زوج مصعب بن الزبير لا تستر وجهها من أحد فعابها مصعب في ذلك فقالت "إن الله تبارك وتعالى وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضله عليهم، فما كنت لأستره، ووالله ما فيَّ من وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد"(48). ثم انتشر الحجاب ونظام الخصيان في أيام الوليد الثاني (743-744). وكان منشأ عادة عزلة النساء في بادئ الأمر تحريمهن على الرجال أيام الحيض والنفاس. وكان الزوج المسلم يدرك ما يتصف به الرجل في الشرق من شدة العاطفة وسرعة الانفعال، ويحس بالحاجة إلى حماية نسائه، ويرى أن يمنعهن من الغواية بحجزهن في البيوت، فحرم عليهن أن يسرن في الشوارع إلا مسافات قصيرة وهن محجبات، وكان في وسعهن أن تتزاورن، ولكن ذلك كان في العادة داخل هودج مسجف، ولم يكن أحد يراهُنَّ خارج البيوت أثناء الليل.

وكان يفصلهن عن الرجال في المسجد ستر أو حظار أو رواق خاص، ثم انتهى الأمر بمنعهن منها منعاً باتاً(49)، وأصبح الدين الذي وصف في العالم المسيحي اللاتيني بأنه لابد منه للإناث، وأنه ضروري لهن لا يزيد عليه في ذلك إلا الغريزة الجنسية، نقول أصبح الدين في العالم الإسلامي، أو بالأحرى أصبحت العبادة العامة وقفاً على الذكور دون الإناث. وكان أشد من هذا قسوة عليهن، منعهن من التردد على الأسواق لقضاء حاجاتهن منها، فكن يبعثن إليها من يقضي حاجاتهن، وكان البائعات المتنقلات، وكن في العادة من النساء يأتين إليهن ليعرضن عليهن بضائعهن في داخل البيوت، وقلما كانت النساء يتناولن الطعام مع أزواجهن اللهم إلا عند الطبقات الدنيا، ومنع المسلم أن يرى وجوه النساء عدا وجوه أزواجه وإمائه، وأقاربه الدنين؛ وحتى الطبيب نفسه لم يكن يسمح له أن يرى من النساء غير الجزء المصاب من أجسامهن.

وكان في هذا النظام مرضاة للرجل، فهو في البيت يتيح له أكبر فرص الاستمتاع، ويجعله في خارجه أبعد ما يكون عن الرقابة والمفاجأة. أما عن النساء أنفسهن، فإنا لا نجد حتى القرن التاسع عشر ما يدل على أنهن قد عارضن في العزلة أو في النقاب، بل كن يستمتعن بما في جناح الحريم من سِرَّية، وطمأنينة، وراحة، وكن يغضبن إذا فرط أزواجهن في واجب المحافظة على عزلتهن، ويرين في ذلك إهانة لهن(50)؛ وظلت الزوجات الشرعيات يضطلعن من سجنهن الظاهري بقسط موفور من مجريات الحوادث التاريخية، وكان للخيزران أم الرشيد، ولزوجته زبيدة في القرنين الثامن والتاسع قسط كبير من النفوذ والسلطان، وكانتا تستمتعان بكثير من الأبهة والسلطان.

وكانت شؤون الزواج يتولاها الآباء، كما يتولونها في معظم البلاد المتمدنة، فقد كان من حق الوالد أن يزوج ابنته لمن أراده هو لها أن تبلغ سن الرشد؛ أما بعد هذه السنن فكان لها أن تختار. وكانت البنات يزوجن في العادة قبيل سن الثانية عشرة، ويصبحن أمهات في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة، ومنهن من كن يتزوجن في سن التاسعة أو العاشرة، كذلك كان الشبان يتزوجون عادة في سن مبكرة قد لا تزيد على الخامسة عشرة. وكان عقد الزواج ينص على أن يقدم الخطيب لخطيبته صداقاً يبقى لها طوال مدة الزواج وبعد الطلاق إن حدث. وقلما كان يسمح للعريس أن يرى وجه عروسه قبل الزواج. وكان يدخل بها بعد ثمانية أيام أو عشرة من عقده عليها، وليس الزواج في الحاجة إلى رجل من رجال الدين، ولكنه يصحبه دعاء قصير، ويصحبه في بعض الأحيان موسيقى، ووليمة وبعض الهدايا، وإضاءة منزل العريس والشارع الذي هو فيه بالأنوار الساطعة. وبعد هذه الحفلات يدخل الزوج غرفة زوجته الخاصة ويرفع النقاب عن وجهها وهو يقول "بسم الله الرحمن الرحيم"(53)). انتهى الاقتباس.

مما نراه الآن أن الكثير من صفات المجتمع الإسلامي الأول قد تغيّرت، وصار الزواج عمليّة معقّدة تتطلب قبول العشيرة كلّها، مما يعني أن هناك إسلاما بدويّا قد تغلب على ذاك الذي كانت المرأة تكتفي بأن توافق على الزواج ويحدد الرجل مهرها لفظا ويشهد هذا الأقارب والمحتفلين، أو اثنان من الناس إن توفرا، وإن لم يتوفرا و أدعيا أمام المجتمع أنهما زوج وزوجة، كان لزاما على الرجل أن يخضع لشروط المحكمة الإسلاميّة بتوفير النفقة لزوجته ولأطفالها، حتى لو لم يكونا متزوجين، أو كان يعاشرها ببيتها وأدعى أنه زوجها كذبا.

ونلاحظ أيضا أن رأي الوليّ للقاصرة وليست البالغة، فهي من تختار زوجها بإرادتها سابقا عندما تثبت عقلا وبلوغا ورشدا، ولكن هذه الممارسة المتحضرة محقت حتى بمجتمعات يغلب عليها المذهب الجعفري الذي مازال يعترف بكل ما سبق من حرية المرأة بالزواج وعدم ضرورة الشهود أو رأي الوليّ، علما أن هناك طوائف سنيّة أيضا تعترف بهذا، إلا أن الابتلاع الفكري السلفي (الإسلام البدوي) لهذه الطوائف قد بلغ أوجه، وأدى لشلّ الأزهر فكريا وتشويهه بين الفينة والأخرى، والانتهاء بإيصال المجتمع لركن مظلم ومتخلف ومأساوي. حتى أن الشاعر العربي العالمي الشهير أدونيس له مقولة جميلة ومحزنة وهي:"القوا نظرة على خريطة العالم الإسلامي؛ ستجدون أن ما يتراجع هو الحياة، وان ما يهجم هو الموت".

نعم، يؤسفني أن أعلمكَ بهذا يا فضيلة الشيخ الموّقر، وسامحني بشأن خطابي الفكري هذا، فأنا لم أعتد أن أدعم فكرتي بأحاديث ومواقف وروايات دينيّة جاهزة، لأنّي أسلط الضوء على جوهر الموضوع من جهة- ولأنّي لا أمتص أي فكرة مصبوغة بصبغة دينيّة- ثم نقاش جوانبه كلها بما فيها الديني. وجوهر الموضوع هو أننا أمّة تعاني من جنون طائفي وتهافت اجتماعي وفكري ومصيري سببهُ إسلام بدويّ إرهابي كفّر كل مخالف له، وأصبح أي صوت تجديدي هو صوت محكوم بالموت، ولا تفهم أنني أصنّفك مع هذا الخط المدمّر، إلا أنني أشير لكَ كمقدمة لدخول بقضيّتنا الأساسيّة.

وهكذا فسن الزواج الأقرب الآن لشاب يكوّن نفسه هو أربعون عاما، ومن ذا الذي سينتظر كل هذا ولماذا؟ أما المرأة فهي غير مبالية بالزواج تارة، أو محكومة بسلطة عائلتها المتعجرفة التي- ببساطة- لا تصدق أن لأبنتهم رغبات وعواطف مهما كبُرت. ما أريد أن أقوله بكلمة أكثر إيجازا، هو أننا نتحرق من الداخل، ولم يعد مقنعا لأحد منّا أن يسكت تحت مُسميات دينيّة بتنا نشُكّ أنها من تكوين الدين حقا.

وأعتقد أن أي فعل إنساني يمكن أن يكتسب صفة نبيلة أو حيوانيّة على حدّ سواء، فكما يمكن أن تتخيل أن الزواج المؤقت ما هو إلا ترسيخ للجذور الحيوانيّة فينا، أعتقد أنا أيضا أن الزواج الدائم يمكنه أن يفوق كلّ حيوانيّة عندما تتزوج فتاة شابة رجلا كهلا لأجل ماله، أو تتزوج أخرى رجلا لا تطيقه أو تعرفه، إلا أنه مُبارك لأنه من بلدها وبعدها لن تطالها ألسن المجتمع اللزجة. وأيضا، ما قدسية الزواج الدائم عندما يتزوج الإنسان امرأة لمدة عقود ربما، بينما كلّ ما يريد (وتريد هيَ) هو أن يكتشف بها نفقا أنثويّا بطول 15 سم؟ والأهم أنه ليس ذنب الزواج المؤقت أننا قاصرون ثقافيّا وحضاريّا لأدراك كيفيّة عمله! ولا عجب فنحن أمة لا تعرف نصفها الآخر، فكيف يمكن أن تفكر بأن هناك علاقة إنسانيّة يمكن أن تتم بين الجنسين عدى العلاقة الجنسيّة المحضة والحيوانيّة؟

بالطبع الجنس ليس قذرا عندما يكون في دائرة شرعيّة وقانونيّة، ولم يحرم الزنا لأن الرجل والمرأة لم يعيشا معا أو ينفق الرجل كما يوضح لنا الإسلام البدويّ الظلامي، وإنما لأن الزنا عمليّة جنسية بلا غطاء قانوني يضمن مصير الطفل بأسرة، ولأنه أيضا قضيّة تؤدي لمشاكل صحيّة بالمجتمع (كتفشي الأمراض) وبالفرد من الناحية النفسية والأخلاقيّة.

لكنما الزواج المؤقت وضع لحالات معينة هي حالات طلب عشرة لفترة محددة، تليها عدّة كاملة كأي امرأة مطلقة، وللطفل حق حمل اسم أبيه ووراثته، وعلى الرجل أن ينفق على أم طفله ما دامت لأبنه مرضعا وإن لم تكن على ذمته، ويمكن أن يجدد العقد لعدة مرات مع ذات الشريكين. والزواج المؤقت يمكن أن يكون حلا لجانب كبير من التوتر الجنسي، لو سنّت القوانين الملائمة للسيطرة عليه كإقامة سجلات بالمحاكم لهؤلاء المتزوجين به، للتحكم بالقانون الإسلامي بإلزام الرجل أن ينفق على طفله. ويمكن لامرأة مطلّقة أن تتزوج متعة لأنها لا تريد أن تنجب أطفالا ولا تريد أن تدخل بزواج ثاني، إلا أن غياب هذا الخيار يحوّل أغلب المطلقات لمدفونات بالحياة أو زانيات سرا أو شاذات جنسيا. أنها مهزلة.

وبعودة للقضيّة الأساسيّة، فما تقوله حضرتك أن زواج المتعة كان موجودا بثلاث مناسبات وحرّم على يد رسول الله، ولكنكَ عدت ودافعت عن قدرة عمراً على التحريم. ما يخدم نقطتي الآن هو أن الإسلام قد أتى بشيء مما نتحد عنه، أي أنها ليست قضيّة دخيلة على الإسلام، وليس معقولا أن يرتضي الإسلام ما تسميه حضرتك "ممارسة حيوانيّة سامّة" ولذا سأعتبر أن حضرتكَ سحبت الاتهام مقدما عن الزواج المؤقت بأنه قضيّة حيوانيّة، وإلا سيتحول هذا لشتم مباشر لأمر إلهي.

والآن الخلاف بين الجعفريين الأماميين (أو ما يسمون بالشيعة بلغة العوام) والمذاهب الأربعة السُنيّة هو فرضيّة تحريمها أو عدمه. عندها يمكن أن نطالب بالآيات التي نزلت بتحريم هذا الزواج، لأن هذه هي الطريق الوحيدة للتحريم، فالرسول (روحي له الفداء) لا يستطيع أن يحرّم أو يحلل بقضايا جذريّة وإنما هو ناقل رسالة محددة. ولو كان الرسول بحد ذاته لا يمتلك القدرة على تحريم ما أتى صراحة بالقرآن، فما الذي يعطي عمراً القدرة على أن يحرّم أو يحلل؟ هل يعني هذا أن عمراً يتجاوز صلاحياته كقائد سياسي وروحي للمسلمين بحقبة محددة؟

الواضح- تاريخيا- أن عمرا بن الخطاب كان ضحيّة للنزاع الطائفي الذي بدت ملامحه بالعهد العباسيّ، وحيث سقط شخص عمر بن الخطاب ضحية لمتطرفين سنّة، سقطت شخصية علي بن أبي طالب ضحيّة لمتطرفين جعفريين. ونلاحظ أن كلا الطرفين هاجم الآخر من منطلقات زائفة بأحيان كثيرة، ولطالما نسب قول لعليّ عند الشيعة، ولعمراً عند السُنة! ويبدو أن هذا الخلاف وصلنا بالعهد العباسيّ، لأنه كان عهد تدوين، وإذا تكلمنا عن التدوين فأننا قد نكتشف أن هناك تزييف بشأن تحريم عمرا للمتعة، ذلك أن أول كتاب للفقه الإسلامي صدر بعام للإمام مالك بن أنس (قدّس سرّه) المتوفي بعام 179 للهجرة، ولم يحوي برسالته الفقهيّة سوى حديثين عن المتعة، وكلاهما لم يحرما الزواج، بينما احتوت كتاب رسالة بن حنبل الفقهيّة على اثنان وعشرون حديثا وقد مات الأخير بعام 256 للهجرة، وأحتوى صحيح مسلم على ثلاثين حديثا ومات بعام 261 للهجرة.

هذا يشير إلى أن هناك أحاديث أستولدت لتخدم الطرفين، وأن القضيّة الفعليّة لم تكن ذات وجود، ويمكن أن نلاحظ أن حديث عمر بن الخطاب المزعوم كان بأنه حرّم متعة النساء والحج، ومع هذا يمارس السُنة متعة الحج ليومنا هذا (العمرة)، بينما امتنعوا عن متعة النساء، الأمر الذي يشير إلى أن هناك استغلال عقائدي لهذه المسألة لكلا المدرستين الإسلاميتين الكبيرتين.

وبالطبع، كان عهد الراشدين وبعدهم بقليل عهد تقديس أعمى للأجيال اللاحقة، فكل خلاف شخصي تحوّل لاحقا لخلاف مذهبي، ولو فرضنا أن عمرا غضب وقال مقولته، فهل يعني أننا سنسقط التحقيق التأريخي بالأمر لأنها مسألة قد حدثت بتلك الحقبة الحساسة؟ لا أعتقد.

ومما يجدر قوله أن عدد كبير من الصحابة مارسوا هذا اللون من الزواج، وأن التابعيين مارسوه بقوة للتأكيد عليه كما مارسه التابعيّ ابن جريج (فقيه مكة) بسبعين امرأة متعة للتأكيد عليه، وكما تزوج به أبا سعيد الخُدري وابن مسعود وابن عبّاس وجابر بن عبد الله الأنصاريّ.

النقطة الأساسيّة بمداخلتي هي عدم قدرة عمر بن الخطاب على التحريم أو التحليل، ولو فعلها فهو قرار خاطئ، ولو كان هذا حادثا تأريخيا صحيحا لقرأنا عن ثورة على إدارة عمر بن الخطاب السياسيّة والفقهيّة للدولة الإسلاميّة الشابة.

المشكلة الآن هو بقبول هذا اللون من الزواج عند من يؤمن به حتى، إذ يظن البعض أن العوائل المؤمنة به تهدي بناتها للغرباء، وينسى أن القضية بشكل عام أتت كخيار شخصي لكل فرد لا يجد طريقا للزواج الدائم، سواء لضعف بالحالة الماديّة أو لعدم استعداد نفسي أو اجتماعي.

طبعا للزواج المؤقت أحكام وأبواب فقهيّة على مسائل كثيرة، كأن تكتشف المرأة أنها حاملا بوقت العدة وما إليها من مسائل فقهيّة، ومن أحب أن يتزود أكثر يمكنه أن يراجع "شرائع الإسلام" للمحقق الحلي (باب النكاح المنقطع) وكذلك أي رسالة عمليّة لأي مرجع شيعي سواء أكان مرجعا أعلى أو مرجعا رائدا بالمرجعيّة، وهناك مراجع منهم المفكر والفيلسوف الشهيد محمد باقر الصدر، السيّد علي السيستاني المرجع الأعلى في الوقت الراهن، السيّد محمد حسين فضل الله.

أخيرا، أنا لا أناقش ألمعيّة شخص عمر بن الخطاب أو غيره، وكما قلت لحضرتك بأن هناك مبالغة لكلا الشخصين عند المذهبين المسلمين الكبيرين، وليس هذا باب نقاشنا. أشكر العالم الديني على مشاركته، وسعيد أن خلافاتنا بهذه الفرعيات بدلا من الأساسيات.

دمتَ للحقيقة
 



الكاتب: أحمد الكناني
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/06/2006