إغلاق
 

Bookmark and Share

العلاج المعرفي للاكتئاب (11) ::

الكاتب: د.محمد شريف سالم
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/11/2006

العلاج المعرفي للاكتئاب (10)  

طريقة نزع السلاح

إحساسك بالعجز قد يزداد إن كان اهلك وأصدقاءك قد اعتادوا ملاحقتك بالطلبات،ذلك الإلحاح قد يزيد من الأفكار المهينة التي تدوي في رأسك بالفعل. وذلك الأسلوب لن يلبث أن يفشل. وذلك لأن كل فعل رد فعل مساوي في القوي ومعاكس في الاتجاه، عندما تشعر إنك محاصر، ومدفوع في اتجاه لا ترغب بالذهاب إليه بغض النظر كان هذا الدفع مادي أو معنوي، فإن التوتر سيملئك وتبدأ لا شعوريا بالمقاومة حتى تستعيد توازنك.

ستحاول الحفاظ على سيطرتك وكرامتك بأن ترفض فعل ذلك الشيء الذي يدفعونك نحوه، بغض النظر عن ماهيته، وبغض النظر عن النتيجة والتي غالبا ما تكون إيذاء نفسك. عندما يضايقك شخص لأداء شيئا قد يكون في مصلحتك، يضعك هذا في الزاوية، فلو رفضت فعل ما يريده هذا الشخص فإنك تنتهي بهزيمة نفسك، لو كان فقط حتى لا يملى أي شخص أرادته.

ولو فعلت ما يريده هذا الشخص، ستشعر بالضيق لأنك استلمت لمطالبة الملحة، وتشعر إنك تحت أرادة شخص أخر، وهذا يسلبك احترامك لنفسك. لا أحد يحب أحساس أنه مسلوب الإرادة. مثال على ذلك.. فتاة في أخر سنين المراهقة وطلب أهلها معالجتها من الاكتتاب.. كانت تقضي الشهور بمفردها في غرفتها لا تفعل شيء غير مشاهدة TV، كان ذلك جزيئا نتيجة شعورها إن شكلها غريب، وإن الناس يحدقون فيه، وجزئا أخر كان لتجنبها سيطرة أمها عليه، كانت تعرف إنها يجب أن تبدأ في التفاعل مع الحياة. ولكن ذلك يعني أن تستسلم لسيطرة أمها عليها التي غالبا ما كانت تصرخ فيها لتتحرك وتبدأ في عمل أي شيء، وكلما زاد النجاح زادت المقاومة السلبية وبقاءها في غرفتها.

إنها حقيقة مؤسفة في الطبيعة البشرية إنه كلما زاد الضغط عليك لأداء شيء حتى ولو كان في مصلحتك كلما ازداد مقاومتك لأدائه. ولحسن الحظ يمكننا دائما أن نتعلم كيف نتعامل مع الأناس اللحوحين. تخيل نفسك في موضع تلك الفتاة، لقد فكرت وقررت إن الوقت قد حان للتفاعل مع الحياة، وعندما اتخذت ذلك القرار وفي نفس اللحظة دخلت والدتك صارخة فيك"لا أريد أن أراك جالسه هكذا، ستطيع حياتك هباء، أريد أن تتحركي وتفعلي ما يفعله الناس الطبيعيين"في هذه اللحظة ورغم إنك بالفعل قد اتخذت هذا القرار فإن نفورا هائلا سيملؤك تجاهه.

طريقة نزع السلاح هي طريقه إيجابية لمواجهة هذا المواقف. أساس هذه الطريقة هي موافقة والدتك، ولكن تفعل هذا بطريقه تخبرها أن ذلك الفعل هو نتيجة لقرار اتخذته أنت، وليس لأنها تريد هي ذلك "نعم يا أمي، لقد فكرت كثيرا في هذا الموقف، وقررت أن أبدا الحياة،قراري يا أمي وسأنفذه" وأبدا في فعل كل شيء وأي شيء بدون أن تشعر بأي سوء.

تخيل النجاح
وسيلة فعالة لتحفيز النفس هي وضع قائمة بكل محاسن عمل كنت تتجنبه لأنه يتطلب قدرا من ضبط النفس.هذه القائمة ستمرنك على النظر إلي كل الجوانب الإيجابية لهذا العمل. إنه جزء من الطبيعة البشرية كونك طموحا..ضع في ذهنك نظرية الحمار والجزرة، كم هي جميلة طازجة تلك الجزرة.

نفترض مثلا إنك تريد التوقف عن التدخين، ستظل نفسك بالسرطان وكل أضرار التدخين الأخرى.. نظرية الخوف تلك سيملؤك بالتوتر مما يجعلك لا شعوريا تأخذ سيجارة أخرى، ولذلك فإنها لا تصلح. ها هي طريقة تصلح، تتضمن ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: ضع قائمة بكل النواحي ألإيجابية التي ستنتج عن توقفك عن التدخين..
1/صحة أحسن
2/احترام اكبر لنفسك
3/ضبط اكبر للنفس،مع نمو ثقتي بنفسي سأستطيع فعل أشياء أكثر كنت أؤجلها سابقا.
4/سأستطيع أن اجري واشعر بجسدي تمله الطاقة.
5/سيصبح كلا من القلب والرئة. أقوي،وسينخفض ضغط الدم.
6/ستصبح رائحة أنفاس أفضل.
7/سيتوفر معي مالا زائدا للإنفاق.
8/
سأعيش.
9/سيصبح الهواء حولي أنقي.
10/سأخبر العالم بأكمله أني توقفت عن التدخين.

بإعدادك لتلك القائمة أصبحت مستعدا للخطوة الثانية:
كل ليلة قبل ذهابك للنوم تخيل إنك في مكانك المفضل،تمشي عبر الأشجار في يوم خريفي صحو، أو ربما تجلس على شاطئ هادئ تراقب الأمواج الزرقاء والشمس دافئة على جسدك. مهما تخيلاتك، أغرق في التفاصيل، واجعل جسدك يسترخي، وكل عضلة تلين، والتوتر يغادر كل جسدك.. أنظر كم السلام الذي سيملأك وقتها.. أصبحت الآن مستعدا.

للخطوة الثالثة: تخيل إنك لا تزال في نفس المكان وقد توقفت عن التدخين. راجع القائمة التي كتبتها وكررها لنفسك بهذه الطريقة: لقد تحسنت صحتي كثيرا وكم استمتع بذلك. أستطيع الآن أن اجري على الشاطئ دون تعب. الهواء حولي منعش ونقي، احترامي لنفسي قد زاد كثيرا، املك سيطرة أكبر على إرادتي، أستطيع الآن أن اتحدي الآن أي شيء.
 
هذه هي طريقة أصلاح العادات من خلال قوة التفكير الايجابي. لقد ساعدتني والعديد من معارفي على التوقف عن التدخين. تستطيع أنت أيضا فعلها بسهولة وستجد إنها تساوي مجهودك، تستطيع استعمالها في خسارة الوزن، الاستيقاظ مبكرا كل صباح، الالتزام بالرياضة أو أي عادة أخرى أريد تغييرها.

وقف طفل صغير عمره ثلاث سنوات على حافة بركة السباحة خائف أن يقفز، والدته أمامه، تشجعه حينا وتصرخ فيه حينا أخر،وهو متردد. استمر ذلك الصراع نصف ساعة، ثم قفز.. استمع بالمياه. ولم يكن هناك شيئا يخاف منه ولكن لسوء الحظ فلقد وصلت إليه رسالة انطبعت في عقله "يجب أن يدفعني أحد قبل أن افعل شيء، أي شيء بنفس، إني لا أملك الجرأة كي أقفز وحدي مثل باقي الصبية."

نفس الفكرة كانت عند والديه. "لو ترك وحده ما فعل شيء، إنه لن يجرؤ أبدا على النزول بمفردة، ستكون تربيته صراعا طويلا مستمرا". وبالطبع تكرر هذا الموقف الدرامي عدة مرات خلال نشأته، كان لابد من دفعه وإقناعه كي يذهب إلى المدرسة، كي يلتحق بفريق الكرة، لكي يذهب إلي حفلة، وهكذا.. نادرا ما بدأ أي نشاط بمفرده، وعندما بلغ سن الواحدة والعشرين كان لديه اكتئاب مزمن ولا يزال يعيش مع والديه ولا يفعل الكثير بحياته.

كان ينتظر الناس كي يخبرونه ماذا يفعل، وكان والديه قد ملأ اختياره ماذا يفعل.. بعد كل جلسة كان يغادر المكتب مليئا بالحماس كي ينفذ خطة علاج اتفقنا عليه، مثال على ذلك، في أسبوع اتفقنا على أن يبتسم أو يسلم على ثلاثة رجال أغرب عنه كخطوة صغيرة لكسر انعزاله، وفي الأسبوع المقبل يأتي وهو ينظر إلي الأرض وابتسامه خجولة يعلن إنه (نسي) أن يفعل ذلك.في أسبوع أخر كان عليه أن يقرأ مقالا من ثلاث صفحات عن كيفية تغلب الرجال العذاب على وحدتهم، أتي الأسبوع القادم ليخبرني إن النص قد ضاع منه قبل أن يتسنن له قراءته.
وهكذا كل أسبوع يغادر يملأه الحماس وما أن يصل للمصعد يعرف في أعماقه إن عمل هذا الأسبوع شديد الصعوبة عليه.

ماذا كانت مشكلة هذا الولد الحقيقة؟ يعود التفسير إلي ذلك اليوم عند بركة السباحة، لا يزال يحمل داخله فكرة "لا أستطيع فعل شيء بنفس أنا من صنف الرجال الذي يجب أن يدفعه الآخرون". لم يخطر ببالة أبدا أن يتحدي هذه الفكرة، استمرت كأنها نبؤه دائمة التحقيق، واستمر خمسة عشر عاما وداخله هذا الإيمان "إنه حقا كذلك". وكان الحل أن يدرك إن هناك خطأين هو مذنب بفعلهما وهما أساس مشكلته "الفلتر الذهني،وإطلاق الألقاب".

كان عقله يملأه أفكار عن الأشياء العديدة التي يؤجل عمله،وتجاهل مئات الأشياء التي يؤديها حقا بدون أن يدفعه أحد لعملها. قمت فعلا بتفسير تلك الأخطاء له، فقال ربما يكون ما تقوله حقا ولكن كيف أقوم بتغيره؟ اقترحت عليه خطة بسيطة، كل يوم يدون الأشياء التي قام بفعلها بمفردة بدون أي دفع أو تشجيع، ويحفظها في سجل يومي. خلال عدة أسابيع وجد أن قائمته تزيد، وكل يوم يدون فيه شيئا جديدا يكتشف إنه استعاد السيطرة على حياته، كان يمر نفسه بهذه الطريقة على ملاحظة ما يفعله بمفرده.

هل يبدوا هذا بسيطا؟ إنه كذلك! هل سيساعدك أنت؟ ربما لا تعتقد أنت هذ، ولكن لماذا لا تجرب؟
أكتب قائمتك اليوم، اخضع نفسك للاختيار.. واهتم بالمهم فعل،ستندهش للنتيجة.

مترجم بتصرف عن كتاب: Feeling Good By David Burns



الكاتب: د.محمد شريف سالم
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/11/2006