إغلاق
 

Bookmark and Share

الاستغلال الجنسي للطفلة ::

الكاتب: د.وائل أبو هندى
نشرت على الموقع بتاريخ: 27/08/2003

كَثُرتْ في الآوِنَةِ الأخيرة المناقشات  حول موضوع العنف ضد المرأة في مجتَمَعِنا المعاصر وأشعرني ذلك بأنَّ هناك جانبا مفقودا في هذا النوع من المناقشات ألا وهو جانب الاستغلال الجنسي للطفلة الصغيرةِ وما قد ينجم عنه من آثارٍ سلبية خطيرة يلمسها كل طبيب نفسي يهتم باستقراء هذه الجوانب في تاريخ مرضاه ويشغلني بالفعل هذا الموضوع من حيث هل هو نوع من العنف ضد المرْأةِ؟؟ هل يمكن أن ينطبق عليه تعريف العنف أم لا؟؟

*
فإذا بدأنا بتوضيح معنى الاستغلال الجنسي للطفلة فهو أن يتم التحرش الجنسي بطفلة صغيرة فلنقل دون سن البلوغ من قبل ذكر بالغ أو على الأقل أكبر من الطفلة بعدة سنوات لكي يتم الفصل بين مفهوم الاستغلال الجنسي للطفل و مفهوم اللعب الجنسي في الأطفال فالأول جريمة قد تسبب ضررا نفسيا بالغا ، وأما الثاني فهو إلى حد كبير ظاهرة طبيعية!


نعود إلى مفهوم الاستغلال الجنسي للطفلة هذا الموضوع الذي ظل إلى حد بعيد موضوعا لا يناقش وذلك لعدة أسباب أهمها تحفظ المجتمع أو ما أسميه وضع الرأس في الرمل على طريقة النعام !!! هذا الموضوع يتم في الغالب الأعم دون أي نوع من العنف بل على العكس ربما لجأ الرجل إلى كافة أساليب استمالة الطفلة الصغيرة وربما أحيط الفعل بغلالة من العطف و الحنان وربما دون كلام وربما بالتدريج وعلى مرات متعاقبة دون أي لجوء للعنف بل ربما تم ذلك أثناء اللعب!

إذن من أتحدث عنه أنا هو شخص يكون قريبا من الطفلة بشكل عادى أي أنه أحد أفراد الأسرة أو الجيران مثلا وغالبا ما يكون وجود الطفلة معه وحدهما عاديا في الإطار الاجتماعي المألوف! يفهم من ذلك أن المفترض في هذا الشخص من قبل المجتمع ومن قبل الضحية أنه أحد رموز الحماية الاجتماعية للطفلة!

فإذا تخيلنا ما يحدث داخل الطفلة التي تتعرض بداية لتصرفات قد يفهم منها العطف والحنان ثم تبدو غير طبيعية و لكن الطفلة غالبا ما تعود باللوم على نفسها هي ثم بعد ذلك تبدو الأمور أكثر وضوحا فما يحدث هو ما حذرتها أمها منه!! وهنا تقع الضحية في حيرة كبيرة وفي صراع نفسي معقد لأن من يقوم بهذا الفعل هو من يقدم الحب والعطف وربما الهدايا وهو من يعتبر المسؤول عن حمايتها أمام الآخرين ثم تزيد الأمور تعقيدا عندما يحذرها من أن تخبر أحدا بذلك وتدخل البنت بعد ذلك في العديد من المخاوف من أهمها هل هي ما زالت عذراء؟؟ و برغم أن ما يحدث لطفلة صغيرة غالبا ما يكون فعلا خارجيا لا يؤثر على عذريتها بأي شكل من الأشكال إلا أن الطفلة كطفلة لا تدرك ذلك ولا تستطيع في نفس الوقت أن تتكلم مع أحد ولا أن تسأل! ثم أن مشكلةً أخرى قد تنتج من ذلك ألا وهي أن تشعر الطفلة بمشاعر جنسية وربما وجدت فيها شيئا من المتعة وَربما أصبحت لديها الرغبة في ذلك وهكذا تتعقد الأمور أكثر فأكثر فهناك من تلجأ إلى العادة السرية(الاسترجاز) وهناك من تنتقل من مستغل إلى آخر!

المشكلة بالطبع تكون أكثر ضررا في الطفلة أو البنت التي يمنعها الخوف أو الخجل من أن تتكلم مع أمها أو أختها أو حتى صديقتها وخصوصا إذا امتلأ رأسها بفكرة أنها ضاعت ولم تعد عذراء أو أنها أذنبت ذنبا لا يغفر! وما سمعته خلال عملي كطبيب نفسي يشير بوضوح إلى أثر ذلك على المراهقة وعلى الراشدة بل على التي تزوجت بالفعل و أنجبت! فهناك العديد من المشاكل النفسية التي لا يصبح فهمها سهلا إلا إذا رأيناها من خلال تأثير هذا الفعل الذي تعرضت له البنت أثناء الطفولة وأستطيع أن أوضحه من خلال الصراع الموجود في اللاوعي والذي ينعكس على علاقات المراهقة أو المرأة الراشدة حيث تتميز هذه العلاقات بالتذبذب الحاد بين تقديس الشخص الآخر وبين رؤيته كأسوأ شخص في الوجود هذا الشخص نفسه و ربما خلال أسبوع أو أقل أي أن صورة الآخر تكون غير ثابتة بل جاهزة للانقلاب الحاد تحت أي ظروف!

وهذا بالطبع ما هو إلا إعادة للصراع النفسي القديم بخصوص "حاميها حراميها" لأنه كما ذكرت في أول مقالي يكون المستغل قريبا أو جارا للطفلة ويقدم لها الحب والحنان مع الأفعال الجنسية فيكون الشخص بالنسبة لها الشيئين معا أي الإنسان الطيب جدا والإنسان السيئ جدا!! وفي نفس الوقت!

هناك أيضا ما تشكو منه الكثيرات من اللاتي تم استغلالهن جنسيا أثناء الطفولة من القرف من المواضيع الجنسية برمتها! والمشكلة تكبر خصوصا إذا ذكرت أن الكثيرات ينسين بالفعل ما حدث لهن أثناء الطفولة فهذا نسيان مرغوب فيه بطريقة لا واعية أي أن الذكرى المؤلمة تنسى تماما" تُكْبَت" ولا يبقى للمرأة إلا إحساسها الدفين بالقرف أو الذنب من الجنس وما يتعلق به وذلك رغم حبها لزوجها مثلا ورغم أنه لا يوجد سواه في حياتها!

مثل هذه الحالات بالطبع تكتشف وتشخص ببساطة في المجتمعات الغربية لكن نساءنا يعانين في صمت وربما في جهل أو خوفٍ أيضا!

*أعود الآن إلى سؤالي الأول هل هذا نوع من العنف ضد المرأة ؟؟ هل نحكم على العنف من خلال الكيفية التي يحدث بها أم من خلال النتائج التي يؤدي إليها ؟؟؟بطريقة أخرى هل القتل بهدوء وَبدون إحداث ألم عنف أم لا ؟؟وهل إذا قام أحد الباحثين بمحاولة دراسة هذه الظاهرة هل يتوقع صدقا من المشاركات في البحث أو تعاونا من مؤسسات الدولة؟ هذا ما أتمناه!



 



الكاتب: د.وائل أبو هندى
نشرت على الموقع بتاريخ: 27/08/2003