إغلاق
 

Bookmark and Share

جميلة بوحيرد علاجك بالموقف والكرامة ::

الكاتب: عادل سمارة
نشرت على الموقع بتاريخ: 26/12/2009


جميلة بوحيرد:
بهية أنتِ في المعتقل... مضيئة في عمق المرض
علاجك بالموقف والكرامة
الاسم جميلـة بوحيرد
والعمر اثنان وعشرون
في السجن الحربي بوهران
والرقم اثنان وتسعونا
العينان كقنديلي معبد
والشعر العربي الأسود
كالليل كشلال الأحزان
امرأة من قسنطينة
لم تعرف شفتاها الزينة
لم تعرف كنساء فرنسا
بيت اللذة في بيجال.
نزار قبّاني

غطت وسائل الإعلام في الأيام الفارطة صرخة سيدة الجهاد، جميلة بوحيرد، وملخصها التالي:
((إخواني وأخواتي الجزائريين الأعزاء،
إنني إذ أتوجه إليكم بهذا الخطاب اليوم، فذلك لكونكم تُمثلون هذا الشعب المتنوّع والدافئ والمعطاء الذي أحببته دوماً. واليوم، أجدني مضطرة لطلب مساعدتكم.
اسمحوا لي أولاً أن أُقدم لكم نفسي: أنا جميلة بوحريد التي حُكم عليها بالإعدام في عام 1957 من طرف المحكمة العسكرية في الجزائر العاصمة. إنني أجد نفسي اليوم في وضعية حرجة، فأنا مريضة والأطباء طلبوا مني إجراء 3 عمليات جراحية خطيرة وجد مكلّفة ولا يمكنني التكفل بها؛ سواء تكاليف الإقامة في المستشفى والعمليات الجراحية والعلاج والدواء والإقامة في فندق، حيث لا يسمح لي معاشي الضئيل والمنحة التي أتقاضاها بسبب حرب التحرير بالتكفل بكل هذه النفقات.
ولهذا، أطلب منكم مساعدتي في حدود إمكانياتكم.
مع تشكراتي لكل الأخوات والإخوة الجزائريين وحناني الأخوي.
جميلة بوحيرد))

هكذا عرفها العرب منذ خمسينات القرن الماضي، ومنها عرفوا الجزائر والثورة والمليون شهيد، ومشروع اشتراكية التسيير الذاتي واحتضان مؤتمرات العالم الثالث والنظام الاقتصادي العالمي الجديد، وملتقيات ثوريي العالم من (جيفارا) إلى بن بركة. ولاحقاً الانحراف البيروقراطي العسكريتاري لـ بو مدين، والانتهاء إلى (الكمبرادور)، فالتبعية، وفساد القيادة البيروقراطية التي نخرها الفساد، وصراع الجيش على السلطة مع الإسلاميين رغم انتخاب الشعب لهم وهو لم ينتهِ بعد، وعودة الاستعمار المزدوج هذه المرة الفرنسي والأمريكي. هكذا لوحة الجزائر اليوم، وبصرخة سيدة المجاهدين/ات يمكننا القول إن اللوحة تراجيدية.

هي إيقونة الجهاد أولاً، النضال الذي يتحدى الذكورة فتقف المرأة على قدم المساواة وأكثر مع الرجل، رغم أنفه! هنا، في القتال تتضح قدرة المرأة على المساواة، وأي ميدان آخر هو ممكن للمساواة، وليس إلا رفاهاً بالمقارنة. وهي إيقونة الاستمرار الثوري، عدم التوقف. وربما كان هذا أهم من ممارسة النضال العالي لفترة محدودة، الحياة مقاومة الحياة ثورة. الحياة تغيير بأيدينا. فأخطر ما يقع فيـه المناضل هو أن يتوقف أو يتراخى. بالتراخي والتوقف، فما بالك بالفسـاد، يفقد الثوريون النقل والنقد. نقل التجربـة والبطولات، ونقد الأخطاء، ويتحول النضال إلى صور لغويـة على رقائق صفحات صفراء. لهذا بقيت جميلة دهشة دائمة وتوهجاً يوحي بالشباب وهي في لحظات الرحيل هكذا يجب أن نكون، ليس من أجلنا وحسب، بل ليعمل القادمون مثلنا وأكثر.

لأن جميلة ثورة دائمة، لم تتسلل ليلاً ولم تتوسل حراس قصر بوتفليقة لتطلب حاجتها، بل ألقت قنبلة الموقف لوجه العالم، وأنظمة التبعية مجسدة في النظام الجزائري. لذا رفضت بأدب "سخاء" أمراء الخليج، حيث تقول الصرخة:
"وقبل أن أنهي رسالتي، أريد أن أشكر بعض أمراء الخليج العربي الذين أعتبرهم إخواني من أجل سخائهم وتفهمهم، حيث عرضوا عليَّ بعفوية وكرم التكفل بكل النفقات العلاجية، لكنني رفضت عرضهم."

ولسـت أدري إن كانت جميلـة تعلم أن 2 تريليون دولار هي أموال صناديق السـيادة لبلدان النفط العربيـة قد تم الإلقاء بها في محرقـة الأزمـة الماليـة في الولايات المتحدة لتطفئ الأزمـة هناك، بينما يجوع في الوطن العربي حتى رموز الجهاد والحريـة!!!
وسواء أتقنت الاقتصاد السياسي أم لا، فهي كما يتضح تفهم جيداً "الاقتصاد السياسي للفساد" ومخاطره، وتعلم أن الأمراء يتبرعون بما ليس لهم، لم ينتجوه، بل لم يستثمروا بما يغرف رَيْعاً من بطن الأرض، وليسوا الأوصياء الحقيقيين على ذلك الريع، فما أبهاكِ سيدتي وأنت ترفضين. فمن واجه مشنقة الغاصب الفرنسي، لا بد أن يواجه مثلبة الانتفاخ الريعي بالأموال الكسولة.

ولا شك أن جميلة تعلم أن تقدير وتثمين واحترام المجاهدين لا يُستساغ لدى تابعي العولمة، لذا، ألقت عليهم قنبلة تحريك الشارع، كأنها تُحيي ذكرى حرب التحرير. وكل واحد يُعيد هذه الذكرى بطريقته. هكذا فعل الطاهر وطار.

في الوقت الذي وظف فيه النظام العسكري الجزائري كل الدعم المادي و(اللوجستيكي) للانفصاليين في الصحراء المغربية وعلى رأسهم أمينتو حيدر، برزت قضية المجاهدة والمناضلة جميلة بوحيرد لتكشف عن الوجه الحقيقي للزمرة الحاكمة في الجزائر التي بنت سلطتها وبسطت نفوذها السياسي والاقتصادي على حساب نضالات وتضحيات أبناء الشعب الجزائري من طينة جميلة بوحيرد والتي خرجت عن صمتها الذي دام قرابة نصف قرن لتُكذب مزاعم حكام الجزائر وفساد الإدارة العسكرية التي لا تبخل عن الانفصاليين، مادياً ودبلوماسياً وعسكرياً؛ إلا أنهم لا يجدون ما يؤثرون به على سيدة المجاهدين وأميرة المناضلين جميلة بوحيرد في الوقت الذي يصنعون فيه "أبطال" من ورق لخلق التوتر في جنوب المغرب والركوب على القضية لسرقة أموال الجزائريين...

نقلاً عن: كنعان النشرة الإلكترونية، السنة التاسعة ـ العدد 2104 ، 18 كانون الأول/ديسمبر 2009



الكاتب: عادل سمارة
نشرت على الموقع بتاريخ: 26/12/2009