الفراشة م2
الزنزانة..!؟
السلام عليكم ورحمة الله، هاوية من الهاوية تحييكم، في الحقيقة لا أجيد المقدمات ولا أجد الكلمات التي تعبر عن شكري وامتناني لما وجدته من إصغاء وصدر رحب.. أستاذة أميرة بدران شكرا وبكل ما تحويه الكلمة من معنى شكرا.. وأعلم أن هذه الكلمة لاتكفي.
سأبدأ بإكمال فصول الحكاية... بانتظار هطول غيث من السماء، وإن لم يهطل الغيث بانتظار أن تنقشع الغيوم لتتضح الرؤيا، هل أسميه سباتا في الصحوة؟! أم كابوسا طويــلا متيقظا؟؟ أم خيوطا صارت متشابكة واختفت بداية الخيط؟ (قد تنزلق يداك ولكنك عرفت أين بداية الخيط) كنت أدرك وأخاف حقيقة الانزلاق من قبل أن يصلني ردكِ..
لاأقول أني انزلقت بالكامل ولا أعرف حقيقة هل انزلقت أم لا؟؟ فرغم خوفي وقلقي لم أشعر أني دفنت نفسي بالكامل، صحيح أني أحتقرتها وبشدة وكرهتها بدرجة كبيرة وكنت أحاسبها على كل شيء لكن هذا كله كان بداخلي أحسب هذا، فلازلت جيدة في تكوين العلاقات بعد اعتكاف لم يكن قصيرا ولازلت جيدة في النقاشات، رغم أنها علاقات سطحية وأنا من يتعمد أحيانا في جعل العلاقة سطحية.. لكن لازال الأمر يتعبني فلازلت أحبُ العزلة والجلوس في عقر داري على حاسوبٌ منهك من كتب وأوراق وأكواب قهوة وأعلم أن من سيعيدني إلى نفسي ليس فقط إلقاء نفسي في وسط المجتمع.. بل نظرتي إلى نفسي التي تغيرت بشكل بسيط وبعد عناء أيضاً فأنا أحاول لازلت..
تطرأ علي مشاعر أحيأنا لماذا نحن هنا؟! لماذا أنا أنا؟! وما المعنى من كل هذ؟! وتنتابني الكآبة ويتردد علي سؤال ما المعنى من هذا وذاك؟!! كانت تنتابني هذه الأسئلة في فترة المراهقة ولكن في ذلك الوقت كانت شيئا طبيعيا، أما الآن لا أدري أهي حالة كآبة فقط تجرُ وراءها هذه الأسئلة؟! أيُّ معنىً من انتظارِ موتٍ قادمٍ لا محالة؟ من اكتشافِ أن يَدكَ لا تُعينكَ على كتابةِ سطرٍ واحدٍ...
صدقيني ليست مشكلة في الإدراك بل إنني أعرف الأجوبة على الصعيد الديني أو العقلي ومقتنعة تماما بها، فمنذ الصغر لم أكن أُبقي سؤالا في رأسي حتى لو كانت الأسئلة محرجة كنت أتساءل، وكان والداي يجيبان على شتى أسئلتنا .. كبرت وبقيت أبحث وأقرأ لأبحث عن أجوبة أسئلتي المتبقية. كم هائل من الأسئلة ..كم هائل من المشاعر ..وكم هائل من أحلام اليقظة ياإلهي ما أكبر الدوامة!!! أشياء كثيرة تدور بداخلي وأعجز عن وصفها، وأعلم أنه لا أحد ينتشل نفسه من دوامته إلا نفسه، أتذكر ما يقوله أمير المؤمنين الإمام علي: (دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تُبصر)
الملل: هو حالة لانهائية وإلى أجل غير مسمى من كل شيء وفي كل شيء هذا بالنسبة إلي طبعا، سألت نفسي ما الشيء الذي لم أتململ منه والإجابة لا شيء، فمنذ الصغر ومن حولي يلاحظون أني أتململ بسرعة وينقلب مزاجي بسرعة ولا أتأقلم بسهولة! أستيقظ صباحا وأكمل التفاصيل اليومية لأنني أشعر أني مضطرة أن عيش!! أشعر أن الأحداث من حولي تمر ببطء، أشعر أن المشاهد مكررة، أشعر أن كل شيء يمر ببطء كمشهد المباراة حين تسديد الهدف فيقوم المصور بإعادته ببطء شديد!! أشعر بالملل من كل شيء وأحيأنا لا أستطيع إكمال أي شيء!!
الملل، الشعور بالروتين مهما حاولت التغيير! وأتساءل لماذا من هم حولي لايعانون الملل؟! أتساءل لماذا الأستاذة الجامعية لاتمل من تكرارها للمحاضرة لجميع الشعب؟؟ أتساءل لماذا عامل النظافة في الشارع لا يمل من رؤيته لنفس الشوارع يوميا والفرق زيادة الأوساخ ربما.. وأتساءل لمَ لا تملِ من كلماتي ومن حالة روتينية لابد أنها مرت عليكِ من بين مئات الحالات التي عالجتها!! كل شيء صار مكررا بالنسبة إلي!! أحيانا أشعر أني أصبحت بحالة صنمية لا أريد أن أسمع الطرف الآخر يعبر عن مشاعره ولا أريد التعبير عن مشاعري من كثرة التكرار ومن شعوري الشديد بالملل..
لماذا الكل لا يشعر بالتكرار والملل؟؟ هل العلامة الفارقة هي وجود الأهداف؟!!!
إن كانت الأهداف، فلستُ خالية الوفاض، لكنني ربما لست على اتصال دائم بها يسيطر علي أحيانا الشعور بالإرهاق فألتحق بسبات الدببة أثناء الشتاء.. وسيلة للهرب أليس كذلك؟ لاأدري لمَ اليأس يسيطر علي بشدة إلى درجة الشعور بالخمول على الصعيد النفسي والجسدي... وأحيانا أُستفز بسهولة وأتصفُ بالحدة، (كل شيء بات باهتاً يا أبي...كل الطرقات تكره الأرصفة.. وأكثر المباني آيلة للسقوط)! أجواء خريفية تأكل الأخضر واليابس ..أم أن حواسي الخمسة أصابها عطلٌ ما ولا ترى بقية الفصول!! هل أنا بحاجة إلى محسن مزاجي ليدفعني قليلا أو لأشعر بقليل من الإقبال على هذه الحياة أو ليكون الصباح أقل بؤسا أو ليكون مساء هادئا؟! أتمنى أن أحظى بليلة لا أتنازع فيها مع نفسي، لا أريد التهرب من المرآة ومن صورتي الحقيقية.
قل تركيزي ولا أعلم ما السبب، على الصعيد الدراسي هذا شيء معهود فكان يُضرب بي المثل لكمية الكره التي أحملها تجاه الدراسة.. لكنني لا أركز حتى في ممارسة هواياتي أو في القراءة العادية أو في كتابتي للرسالة الآن! هل هذا فقط نتيجة تصادمي مع مرآتي النظيفة؟! أم أنه شيء آخر؟ هل تقاسيم الكآبة موجودة لا محالة، أم أنها فقط حالة مؤقتة نتيجة لتشتتي؟ لا أريد العودة إلى الصفر أجرُ ورائي خذلاني المر.. فلقد عاد بريق أحلام اليقظة لكنني لم أستسلم بالكامل.. أهي وسيلة هرب؟؟ أم هي فترات نقاهة من ثقل ظل الواقع؟؟
هناك "سيناريوهان" لا ثالث لهما لاحا لي: إما أن أستمر في تنظيف مرآتي بعناء شديد، ومحاولة إدراك المشهد وما يتطلبه المشهد.. بشكل أكبر.. وإما أن يمر الوقت بين أحلام اليقظة وبعد سنوات أسجل الدخول إلى موقع مجانين وأطلب استشارة من الأستاذة أميرة بدران وسأكون حتما على وشك الجنون. لا لا أريد أن أُلصق التهم بالواقع أو بماضٍ قد ولى ولكن آثاره مستمرة، أيا يكن لا أريد أن أبرئ نفسي أو أظهر بدور الضحية، لا أقصد بأني أنكر آثار التربية ولكنني لا أريد أن تكون شماعة بالنسبة إلي فما أسهل هذا ولا أخفيك أنني كنت أخاف أن أجد شماعة جاهزة خاصة في لحظات الكآبة وأرمي بالتهم على تلك الشماعة. كنت سأقسمُ رسالتي لشقين أو ثلاثة لأعرف أرتب أفكاري ولأعرف المهم والأهم والأعرف على أي أرضٍ أقف.. لكن هيهات لن أعرف شيئا وسط هذا الزحام وهذه البعثرة...
(فقط عليك أن تميزي بقوة أن هناك فارقا كبيرا بين قبول لتلك المشاعر والمخاوف والموافقة عليها؛ فقبولك لا يعني موافقتك) الآن لا أشعر أني موافقة أو لا مبالية بهذا الأمر، وأحاول دفع نفسي وعدم العودة إلى الوراء فأعلم أنني إن تخطيت على الأقل ثلاثة أرباع أو نصف المسافة ستكون العودة إلى الوراء صعبة جدا.. لكن ماذا إن لم أستطع أن أصافح ذاتي أستغرب من حجم العداوة التي اكتشفتها مؤخرا بيني وبين نفسي، ويبدو أنني لم أصافحها ولا مرة ولو على سبيل المجاملة!! فحتى لو صرت أنظر إليها بأقل حدة واحتقار لا يعني ذلك شيئا فالطريق طويل أنا حتى لم أصل إلى أن أنظر إليها بنظرة خالية من الحب والكره.. تدور في خلجات نفسي ضحكات ساخرة من نفسي!! أحيأنا أشتاق إلى لحظات اللامبالاة التي عشتها أثناء المراهقة فلم تكن تسلم المعلمات من طول لساني وتعبت أمي من استدعاءات إدارة المدرسة.. كنتُ أنفس عن كرهي للدراسة.. وأحيانا أتمنى أن أعيش باللامبالاة نفسها لكن في ذلك الوقت كان يشفع لي أني مراهقة وفترة ستنتهي أما الآن لا شيء يشفع لي.. تنتابني لحظات أشعر فيها بتبلد فظيع .. ولا أستطيع البكاء في أغلب الأحيان هذه الفترة أجدبت عيناي وصرت أعاني جفافا روحيا! مالحل؟! هل أصلي الاستسقاء؟؟ لا فصلواتي أصبحت حركات من غير خشوع! أم أطلب من قلب رحيم أبيض كجدتي أن تصلي الاستسقاء لتكون صلاة تسكنها الطمأنينة؟؟
أشعر أنني في ممر طويل ومظلم وزنزانات متعددة... الخوف- الملل - الكآبة- الكسل- اليأس... والخوف أضيق الزنزانات وأبشعها، مصطلح الخوف لوحده يعني حبس مؤبد.. بالرغم من أنني شخصية توصف باللامبالاة لكنني لم أستطع أن لا أبالي بالملل.. أو بحالاتي المزاجية أخاف أن يمتد مللي إلى ما لا نهاية!
لا أدري إن كان شعوري بالملل له علاقة بالوساوس رغم أني لا أشعر أن له علاقة، عدت إلى استشارة ورأيت أنني استرسلت في وصف الشرود وأحلام اليقظة والوساوس ولم أتطرق كثيرا إلى الملل أو الكآبة لا أدري لماذا؟
لا أدري هل تعودت على اللامبالاة ولهذا وصلت إلى هذا الحال؟!! تراني من أكون؟ وكيف سأكون؟! وصدقيني بالرغم من طول الاستشارة لكنها ليست على سبيل الثرثرة بل إنني حقا أشعر أني في الهاوية!
حاولت ترتيب الاستشارة بالقدر الذي أستطيع ويبدو أنني لم أفلح، وصدقيني بالرغم من طول الاستشارة لكنها ليست على سبيل الثرثرة بل إنني حقا أشعر أني في هاوية!
ترى ما اسم هذه الهاوية؟
ما لونها؟
ما طعمها؟
أين تقع؟
وكلمات الشكر لن توافيك حقكِ لذا أتوجه الى الباري جل اسمه بدعوة خالصة بالتوفيق في الدارين
وأشكر الدكتور وائل أبو هندي لما أتاحه من فرصة عظيمة وأرجو من الله العلي القدير أن يوفقكم لما يحب ويرضى.
وسلام من الله عليكم
06/01/2015
رد المستشار
لقد تحدثت هذه المرة بتفصيل مختلف فهل لاحظت؟! التفصيل تلك المرة كان فيه الملل والاستثارة السريعة والكسل والإحساس "إياه" -بأنا هنا بعمل إيه عاوزة أمشي-!، وكذلك "الشوفان"؛ فرغم أن تلك التفاصيل تشير لوجود اكتئاب بدرجة، إلا أن "الشوفان" يجعلك قادرة على تخطي معاناتك؛ فلقد تمكنت من شوفان ألمك وتسميته، وشوفان تطور مسيرتك، ولم يكن حديثي عن التربية، أو غيره تقديم لشماعة إطلاقا؛ فالشماعة معناها أن تظلي "معطلة"، تظلي "غير مسؤولة"، ولكن معرفة الأسباب يجعلنا نضع تفسيرا لما يحدث بداخلنا أولا، ثم نتقبل ما حدث وما يحدث "بدون موافقة" حتى نتمكن بصدق من التعامل مع ما نجده، وهنا تبدأ المسؤولية التي لا يمكن أن تتنصلي منها؛ ولا أي إنسان من تعهد نفسه.
وأصدق ما وصلك من "الشوفان" هو صراعك مع نفسك الذي لا تعلمين سببه ولا إلى متى ولا من أجل الوصول إلى ماذا؟؟؟ وهنا دوري في الاستزادة من الشوفان؛ فالملل حقيقة حقيقته من داخل النفس "غضب"؛ فأنت غاضبة، وعلمتني الحياة؛ حين أجد شخصا يتخبط بين أنواع متعددة من الغضب دون أن يستقر على شيء واضح ومحدد يغضب منه؛ ففي الغالب الغضب يكون تجاه العلاقة مع الله سبحانه،
وحتى أكون أكثر وضوحا وبلا مجاملات ليس لها أي مدلول يخص الله سبحانه وتعالى، ولا يمس التبجيل والتعظيم له سبحانه؛ فأنت غاضبة من الله، نعم غاضبة منه لأسباب كثيرة هي نفسها الأسباب التي تتأرجحين بينها في سطورك شرقا وغربا؛ فلتقبلي هذا أيضا ولا تضخمي مساحة كيف يكون هذا الغضب موجودا عندك، ولا ترفضيه فتقعين من جديد في تلك المتاهة؛ فقبولك لغضبك من الله تعالى سيجعل العلاقة بينك وبينه سبحانه أكثر قربا وحبا!
أما الله سبحانه وتعالى فلا نخاف عليه ولن يمسه شيئا من إحساس الغضب تجاهه؛ فهو الله تعالى الذي يقدر ولا نقدر ويفعل ولا نفعل، ويخلق ولا نخلق، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن؛ فلتعددي بينك وبين نفسك أسباب هذا الغضب، واقبليه بدون الموافقة عليه؛ لتتمكني من رؤية القائم الحقيقي بما أغضبك؛ ولن تجدي سوى أفعالنا نحن يا صديقتي؛ فالله تعالى مثلا أراد لنا أن نأكل حتى نظل على قيد الحياة، وأوضح لنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه بأننا نأكل حين نجوع، وحين نجوع نأكل حتى قبل الشبع، ولكننا نحن البشر اخترعنا الإفطار والغذاء والعشاء، وجعلنا الغذاء لابد وأن يحتوي على طيور ولحوم، والعشاء يحتوي على كذا والإفطار كذا، وتظل المرأة تطهو طعاما وراء طعام فترة كبيرة من اليوم!، وتورث لأولادها نفس القصة، وتتنافس المطاعم، والقنوات الفضائية لتقديم المزيد والمزيد، وهكذا تحول أمر الله تعالى البسيط جدا لموضوع ضخم في كل بيت، وهكذا يمكنك القياس الكثير مما صنعته أيدينا وغضبنا اتجه في النهاية من الله تعالى!!
فاقبلي غضبك منه تعالى وتعرفي عليه واستكشفي مسؤوليتنا فيه وستجدين راحة لم تدركيها من قبل في التعامل مع نفسك، وبعد مرور الوقت ستتمكنين من معرفة الله سبحانه بصدق، وتقرئي كلامه سبحانه وأنت مصدقه له بصدق؛ وحين تعرفي أنه حدثك وقال لك في كتابه الكريم ولقد كرمنا "أنت" لن تصدقي الرسالة القديمة التي وصلت لك من البيت، والمدرسة، والجيران، والأقارب، العلاقات الأخرى في حياتك بأنك بلا قيمة إلا إذا كنت.. -متفوقة، منظمة، جميلة، مطيعة، إلخ- وستصدقين فقط ما قاله الله تعالى أنك مهمة وذات قيمة لأنك بشر!
أعلم أن حديثي قد يربكك وأنت مرتبكة بالفعل، ولكن المفاجأة أن التغيير الحقيقي الذي يستمر ولا يعتريه النكوص بعد فترة يملؤه الارتباك والضيق والقلق، فحين نتغير بصدق نمر بتعتعات نفسية وكأننا نتحرك في رمال عميقة، فلا تتصوري أنك ستعودين للوراء ثانية، تقبلي نفسك بكل ما فيها، تقبلي غضبك، تقبلي تخبطك، وهذا التقبل ذاته هو سر التغير والتعامل الصحيح مع الذات ومن ثم الآخرين.
ويتبع>>>>>: الفراشة م4 م. مستشار