عندما مات أبي مت أنا
أنا فتاه عمري 24 كنت متعلقة بوالدي جدًا وكان يقوم بكل ما يلزمني ويدرس لي وأحس أنه أفضل رجل في العالم مثال لكل الأخلاق والقدوة الحسنة وعندما كنا بالخليج توفاه الله ورجعت إلى الأردن وأنا بالصف التاسع لم أعد أحب المدرسة أو أحب العلاقات الاجتماعية.
والدي -رحمه الله- زرع في نفسي آمال عالية ولكن آمالي كانت أكبر من عملي واجتهادي وظلت أحلامًا فأخدت شهادة الثانوية بعد 4 سنين وتحقق لي مرادي بكلية عالية فدرست الصيدلة ولكن بقيت على نفس المنوال من عدم الاجتهاد وطبعًا الفارق العمري حال دون العلاقات الاجتماعية. المهم أنا أحس بأن نفسي ضائعة مشيت على حلم الطفولة وبعدها توقف عقلي عن العمل لم يعد لي هدف أو طموح.
لا أخاف من الموت في أي لحظة بل أتمنى الموت مع أنني لم أستعد له. أحس أنني مخيبة للأمل وأن الناس يتهربون من الحديث معي لذلك دائمًا أغلق هاتفي وكافة نوافذ العالم الاجتماعي. حتى صديقة الطفولة حاولت أن تتواصل فرميت الشريحة، وأهم مشكلة أنني عندما أحاول بجدية التفكير بشيء ما أجد مخي توقف عن العمل كأن عقلي الباطن لا يعمل إلا عندما أكون مشتتة التفكير.
أعتقد أن الآمال والطموحات العالية عندما نتركها على الرف تنتقم منا بهذا الشكل وأنا فعلًا لا أفكر في الزواج مع أنني جميلة ومنذ صغري من تشدد والدي كنت مكبوتة وأحاول أن أخفي الجمال وإذا سمنت فهو أفضل وإذا لبست مشرشح فهو أفضل مع أن كل البنات يسعين لإبراز أنفسهن فأنا أتمنى أن أكون كالجندي المجهول لا أحب المديح وحتى بالكلية.
كنت أتمنى أن أعمل بالأعمال التطوعية لكن خوفي من الظهور بالعلن والإفصاح عن نفسي أبعدني عن كل ما أحب مشاعري لا أستطيع الإفصاح عنها ولا أستطيع التعامل مع الرجال أو النظر بأعينهم مع أن وظيفتي تتطلب ذلك أعتقد أن هذا يسمى الخجل المرضي مع أنني لا أعتقد أنني خجوله بكل المواقف فقط مع من أعرف، أما الغرباء فأنطلق معهم بكل أريحية هذه المشكلة تنفيس فقط أعتقد أنكم ستجدونها تافهة ولا يوجد دواء لعلاجها إلا الهيروين.
2/10/2015
رد المستشار
صديقتي:
بما أن الموت جزء لا يتجزأ من حياتنا الآدمية الدنيا، فليس هناك من تتوقف الحياة من أجل موته. ولكن الغريب أنك لم تسيري على نهج أبيك عندما كان يدرس لك. ألم يكن مهتماً بك وبنجاحك؟
أنت على حق عندما تقولين أن أحلامنا تنتقم منا إن تركناها على الرف ولم نسعَ لتحقيقها. المواهب والإمكانيات التي وضعها الله في كل منا، وضع معها الرغبة في تنفيذها. إن لم ننفذها فطاقة الرغبة المصاحبة لها تتحول إلى غضب نحو أنفسنا، مما يتحول إلى اكتئاب وعدم الرغبة في التفاعل مع من نعرفهم وعدم المقدرة على التفكير والرغبة في الاختفاء من العالم الذي نعرفه. ما يضاعف الاكتئاب هو التستر وراء قناع الأريحية المفتعلة مع الغرباء. مما يؤدي إلى المزيد من الغضب من النفس والمزيد من الاكتئاب.
أرجو أن تتوقفي فوراً عن جعل ذكرى أبيك أغلالاَ تقيدين بها نفسك وكأنك لا تريدين إعطاء نفسك الحق في الحياة. الاستمتاع بالحياة والإنجاز والنجاح فيها لا يمكن أن يكون خيانة لذكرى والدك وإنما هذا العزوف عن الحياة هو خيانة لذكراه وإهانة لمجهوده الذي من الواضح أنه أثمر بدليل نجاحك، بالرغم من رغبتك في تدمير نفسك.
الفارق العمري لا يحول دون العلاقات الاجتماعية وإنما فكرتك عنه وعن نفسك هو ما يفعل هذا. ما يحول بينك وبين أي شيء في الحياة هو الرغبة والسعي. ليس هناك مشكلة يمكنها أن تصمد أمام الاستمرار في التفكير والعمل البناء.
أنصحك بمراجعة معالج نفسي لمناقشة هذه الأمور ولوضع خطة بسيطة ذات خطوات صغيرة نحو أهداف صغيرة يؤدي تراكمها إلى إنجاز أهداف كبيرة.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.
واقرئي أيضًا:
رد فعل الأسى عند الفاجعة مشاركة
الثكل أو رد فعل الأسى: اضطراب تأقلم؟
رد فعل الأسى : الخوف من التعلق
فاقدة نفسي القديمة رد فعل الأسى
رد فعل الأسى : كانت سوبر أم !