دهشان المفزوع
دهشان المفزوع (تعليق)
سيدتي الأستاذة أميرة بدران جزاكِ الله خيرا على ما قدمتيه من نصائح وآراء في ردك على استشارتي ولكن سيدتي أستميحكِ عذرا لقراءة كلماتي بصدر رحب. لقد تخطى عمري الثمانية عشر ثم الإحدى وعشرون ثم أنا الآن في طريقي إلى السنة السابعة بعد العشرين، بمستوى تعليمي وثقافي واجتماعي مرموق والحمد لله، فلم أنتظر ردا يواسيني أو يحصر أفكاري في وساوس وهمية وهواجس. أعي تماما كما يعي الجميع أن الشاذ ليس هو القاعدة، وأن العالم من حولي مليء بالنماذج الحسنة وليست الحياة بهذه السوداوية التي آرها في استشارات هذا الموقع المثمر. ولكني أيضا أرى بعيني ما آلت إليه الأخلاق والأفكار من تدني مخيف على مقياس الدين والشرع وليس على مقياس العرف والآراء الشخصية.
لم يظهر في رسالتي ما يدعو لأن أترك الهندسة أو أتحول إلى "شارلوك هولمز"، وإن كنت أؤمن بالتخصص، فلن أتردد عن إجابتك إن سألتيني مثلا حول عطل في سيارتك كيف تكتشفينه وتصلحينه بنفسك، وسأزيدك ما دمت تستوعبين الزيادة بعيداً عن أي تعقيدات هندسية. هذا تماما ما كنت أنشد إليه في رسالتي إليكم. فليست هذه مشكلة أو "هواجس" فردية كما تفضلتي بالإشارة، وإنما هي رؤية الغالبية العظمي من الفئة الباحثة عن الزواج المستقر والحياة المستقيمة نتاج القلق مما يشاهدونه بأعينهم، وإن كان الأمر مجرد هواجس فأنا إذن محاط تماما بأناس من المجانين يرون نفس نظرتي الهاجسية.
بالفعل أنا أفعل ما أرشدتي إليه، وأحاول التعرف على الفتاة التي أتقدم إليها عن قرب وبصدق ولا أقتصر الخطوبة على "الدباديب" ولكن لا أقتصرها أيضا على "التحقيقات المجهرية" فهناك ثمة اتزان أفعله ويفعله أيا من يؤسس إلى حياة سوية، ولكن ألا ترين أني أضع نفسي في مأزق إذا تعلقت بتلك الفتاة ثم اكتشفت أنها واقعة تحت تلك المشاكل الجسيمة!
الحمد لله لم أمر بتجربة كهذه، ولكن كم مرة يمكنني أن أتحمل الاستغناء عن زوجة محتملة، وهل بالفعل أستطيع حينها اتخاذ قرار الابتعاد؟! فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. فلماذا لا أكتسب مهارة جديدة (بعيدة عن الهندسة) تمكنني من تقصير الطريق في التعرف على الطرف الآخر ومعرفة ما يقلق فأستشيركم فيه وما لا يقلق فأتغاضى عنه؟!
1/1/2016
رد المستشار
صدقت احتجت لرحابة صدر لأقبل سطورك مقابل ما أردت توصيله لك.
وأقول لك: أن حماية ذاتك من الأذى والذي قد يأخذ شكل استغلال، أو جرح، أو ألم؛ هو من صميم مسؤوليتك الشخصية التي لن يقوم بها عنك غيرك؛ فالتمادي مثلا مع مثل تلك الفتاة تحت دعوى أنك تعلقت بها، أو تعلقت هي بك وتحتاجك، أو أنك سئمت، وتعبت من تكرار ترك الزوجة المشروعة هي قريبة جدا من مبررات عدم قيامها هي بمسؤوليتها تجاه حماية ذاتها تجاه ما حدث لها من ألم؛ فليس فقط تعرض مثل تلك الفتاة لهذا الكم والنوع من البؤس هو فقط ما كان يحتاج لحماية ذاتها من الاستغلال، والألم، ولكن صيانة ذاتك من الألم، أو الجرح، أو غيره والذي يمكنك تفاديه هو مسؤوليتك حتى لو كان أقل مما تعرضت له مثل تلك الفتاة؛ فلتتعلم ألا تتورط في علاقة قبل أن تطمئن على نفسك فيها، وتبقى مساحة ما يمكنك تفاديه هي المساحة الشائكة!؛ فالارتياح يختلف عن الحب يختلف عن العلاقة؛ فالارتياح شرط أساسي جدا.
إكمال مشوار الزواج من أصله؛ فبدونه مهما وجدت من إغراءات في شخصية الفتاة عقلية، جسدية، مكانة؛ لن تنجح الزيجة ولو استمرت لحين، أما الحب فهو في حقيقته نسب لا يفقهها الكثيرين؛ ففيه نسبة أقل من اللاإرادة؛ والتي يشار لها بكلمات متعددة مثل "كيميا"، "دي بالذات"، الخ، والنسبة الأكبر "شغل"؛ فالحب يحتاج لجهد وصبر وعطاء لنشتري قلب الحبيب، فيه تبادل، فيه قبول غير مشروط، فيه طاقة إيجابية، فيه تسامح،الخ، والجزء اللاإرادي فيه يكون البداية وهو بالمناسبة سهل الرجوع عنه بلا خسائر!.
أما جزء الشغل هو العلاقة وفيها التورط وكلما توغلت وتركت نفسك كلما صعب الرجوع، ويبقى وجود مسؤوليتك تجاه حماية ذاتك من الألم، أو الاستغلال، أو التعلق بك من شخص اعتمادي هش هو الضامن الأكيد لعدم استمراريتك في علاقة تؤذيك تحت أي تأثير لدرجة الحب!؛ فالذي يستمر في علاقة مؤذية سنوات وسنوات ثق أن لديه مشكلة نفسية تجعله ملتزم بدور الضحية، أو دور المنقذ؛
فالحب إذن ليس هو الشرارة الأولى التي تلقي بالسهم الذي يصيب قلبك فلا تتفاداه إلا بالوجع والخوف من التكرار لهذا الحال، فمهاراتك التي ستجعلك لا تقع في براثن ما يقلقك ستبدأ في احترام ذاتك، وتقديرها بصدق، والعمل على حمايتها من الجرح، والأذى، وقيامك بمسؤولياتك التي تخص مرحلة التعارف بصدق، ثم تتوكل على الله بلا هواجس بلا تفريط، فحديثي كان واضحا جدا حين قلت أن ما يقلق كثير، لكن المطمئن أكثر، قم بمسؤوليتك تأخذ حقك في الراحة والأمان والفرح، فنحن لا نملك الآخر من حولنا، لكننا نملك أنفسنا فلنحميها ونحفظها لنسعد بتصرفاتها وعلاقاتها وأحبابها.