تحرش جنسي + توهّم حمل : خوف من الزواج
سلام الله على كل من يقرأ هذه الكلمات التي لم أتصور يومًا أن ألقي بها إلّا إلى طبيب نفسي -والذي لم أكن أحلم يومًا بالوصول إليه- ولكن قدّر الله أن يصل بي الزمان والمكان إلى حيث ألقي بهذه الكلمات من حجرتي وإلى مختص!
أنا فتاة أبلغ من العمر 20 عامًا، مشكلتي كانت في ذروتها بين سن التاسعة والثانية عشر، وهي أنني تعرضت إلى تحرش جنسي من قبل أحد الأقرباء فتوّهمت على أثر هذا التحرش أنني أحمل جنينًا منه في بطني، وخلّف فيني هذا الوهم أثرًا أكثر مما فعل التحرش ذاته.
أنا من أسرة بسيطة مستورة الحال، أدرس في السنة الثانية من الجامعة، لي من الأخوة 10 منهم البنات ومنهم الأولاد، الوالدة لم تكمل تعليمها الابتدائي والوالد أنهى تعليمه الثانوي. قبل 10 سنوات وفي بيتنا القديم كان لنا أقارب في العمارة الملاصقة لعمارتنا -شديدي القرابة- يسكن معهم قريب لهم ولنا في الستين من عمره، لم يسبق له الزواج.
كانت العائلتان بحكم القرابة الدموية والمكانية منفتحتين على بعضهما جدًا، أبنائهم يأكلون في بيتنا وقد ينامون عندنا ونحن كذلك، بيتهم كأنه بيتنا وبيتنا كأنه بيتهم، أهل ذلك المنزل محترمون ويخافون الله ولم يصدر منهم قط ما يعيب، لذلك يأمن علينا والدينا أنا وأخوتي عندما نكون في بيتهم. ولكن القصص الجميلة لا تكتمل.
في منزل الأقارب هذا كان يعيش الوحش، المتحرش، وهو رجل كبير في السن ولسانه متفلت منه ولكن عقله لا يزال معه ولأنه لا يتورع عن قول أي شيء ودائمًا عنده -سالفة- كان الجميع يحب مجالسته ومنهم أبي، فهو يلتقي به ويجلس معه بشكل شبه يومي بل أحيانا يبيت هذا الوحش في بيتنا.
كان له في بيت الجيران قسم خاص، وكانت في هذا القسم مجلس يجتمع فيه الناس عنده، كنا إذا زرنا بيتهم ندخل غرفته لأن الجميع يجتمعون فيها، خالتي أم جيراننا وأبنائها وبناتها اللاتي كنّ صديقات لي ووالدهم، لذلك كنا نكثر الدخول والخروج إليه ونحن في صغرنا.
كان يلاعبنا ويتبادل معنا الحديث -أنا وأخواتي وابنة خالتي وبنات الجيران- أعمارنا آن ذاك بين التاسعة والعاشرة، كان أحيانا يمثل أنه يلاحقنا في الغرفة ونظن أنها لعبة، فيمسك إحدانا ويدنيها منه بشكل مريب فتهرع الأخرى منا إلى تفليتها من بين يديه لكي يخسر وتنتهي اللعبة. ولكن بعد فترة بدأت ألحظ أن هذه ليست لعبة وأنه يحاول الاختلاء بإحدانا أو كلتينا بدليل أنه لا تصدر منه تلك الألعاب المشبوهة إلا عندما لا يكون أحد كبير معنا في الغرفة. وكان الفيصل عندما لمس بيديه المنطقة الحساسة السفلى مني بشكل سريع وعابر عند مروري بالقرب منه، هنا توجست ولم أرتح لهذا الذي لم أكن أعرف ما أسميه فهربت إلى بيتنا أرتعد.
لم أخبر أحدا ولم أفكر. ولكنني كنت أخشى عليّ منه وعلى ابنة خالتي التي تكبرني والتي كان منزلها بالقرب من منزلنا أيضًا، فلم أكن أعرف كيف أمنعها من الذهاب إليه! لم أقدر على الهرب البعيد، العائلتان لا تنفصلان، والأهل يعتبروننا نحن الصفار الخفاف مراسيل، يرسلوننا إليهم دائما، اذهبي بهذه إليهم واحضري تلك من عندهم، فكنت لا أنقطع عن منزلهم ولكنني كنت أتجنب لقائه لوحدي، أمر من عنده مرورا سريعا فمحاولاته لتكرار فعلته السابقة أشعر بها في نظراته لذلك كانت عيناي دائما في الأرض وخطاي سريعة. وعندما حاول تكرار فعلته هدّدته بأنني سأخبر والدي إن لم يكف.
كان الإحباط كبيرا عندما صرّحت لي ابنة خالتي التي تكبرني بسنوات قليلة عن محاولاته الدنيئة المشابهة وكشفه عورته أمامها. يا اااالله كم تمنيت ساعتها أن نكبر سريعًا لكي نحتجب عنه ولا نعود نراه ولا يرانا.
وتمضي الأيام، إلى أن جاء اليوم المشؤوم الذي أُرسِلتُ بطعام إليه ونجح في محاولاته ولمس بيديه المنطقة الحساسة من جسدي وأحاطني بيديه بقوة وحاول إدخالي معه دورة المياه ولكنني ناديت أختي الكبرى التي كانت معي في بيتهم بصوت مخنوق متردد يريد أن يخيف عدوه ولا يريد أن يفضح نفسه.
ارتفعت الحرارة وانخنق الجو وقاومت أمام باب الحمام حتى ردّت أختي بنعم ماذا تريدين؟ عندها أفلتني وهربت وصادفت في طريقي أختي وقالت نعم؟ قلت لا شيء وهربت إلى منزلنا بتجربة مفصلية في حياتي. عدت إلى المنزل وأنا في حالة هلع وفزع وخوف ورجفة وتعرق، وبحثت عن أمي، وكنت في حيرة، هل أخبرها فتتصرف؟ أم أصمت! وماذا أقول؟
عزمت أمري أن أخبرها ودخلت إليها الغرفة وأنا في حالة غير طبيعية ووجدتها تصلي، وناديتها ولم تجب، ناديتها بعد أن سلّمت من الصلاة وصرخت في وجهي: لماذا تنادينني وأنا أصلي، لا تدخلوا غرفتي، أريحوني منكم ولو قليلًا وكانت ردة فعلها مفزعة. حينها قررت عدم إخبارها ما حييت وابتلاع هذا السر في جوفي إلى الأبد؛ لأنها قد تضربني فقد كانت عصبية في تلك الفترة بسبب حبوب منع الحمل التي كانت تتناولها وكانت تحرقنا بالملعقة المحماة على النار وتعضنا وتضربنا بأسلاك الملابس وأحيانا أمام الناس. فكانت تظهر دائما في أحلامي كشخصية مخيفة، وكنت أعتقدها تدس لنا السم في الطعام ولكنها تغيرت عندما كبرنا ولم تعامل أخوتي الصغار كما كانت تعاملنا
كنت قد رأيت في بعض المسلسلات كيف يلمحون لوقوع العلاقة الزوجية بين البطل والبطلة ببعض التلميحات والحركات من قبلات ولمسات وغيرها والتي كنت أظنها هي سبب حمل البطلة، لذلك عندما عدت إلى المنزل ظننتني قد أصبحت حاملًا منه الآن. ربما تكون الفكرة مضحكة ولكنها حرمتني النوم لأيام.
دخلت في نوبة اكتئاب وحالة هلع مستمرة، انطويت وانزويت وهدأت حركتي وقلت مشاركتي للاجتماعات وكنت أفضل المكوث في المنزل على الخروج، فكما قلت كنا عائلتان كبيرتان وكانت الجمعات مستمرة فكنت إن اضطررت للمشاركة أجلس شاردة ومنزوية. هذا كله في الصف الخامس الابتدائي.
وتغيرت نظرتي للرجال، فصرت أخاف من والدي رغم أنه رجل فاضل مشهود له بالصلاح وكنت لا أحب أن أجلس معه لوحدنا في المنزل عندما يذهبن أمي وأخواتي للمناسبات ولا أذهب معهم، وكذلك أخوتي فكنت لا أحب أن أركب في المقعد الأمامي مع أحدهم في السيارة، حتى مع والدي كنت أفضل الجلوس في الخلف على أن أجلس معه في المقعد المجاور.
وأذكر أني توقفت عن محادثة عمي الذي يسكن معنا لأشهر وقلت له أني سأقاطعه فأرجو ألّا يكلمني لأنني توجست من أي اهتمام يتوجه لي من أي رجل وعمي هذا كان يحب المزاح معي بسبب ردودي البريئة المضحكة، فكان يتقبل هذا بظرافة ويحاول كسب رضاي بالحلوى والمال.
انخفض تحصيلي الدراسي ولاحظ الجميع نكستي ولكنهم تناسوها واعتادوا على خصالي الجديدة حتى ظنوها طبيعتي. كنت أحتقر نفسي وأنظر لي بنظرة نجسة لاعتقادي بأني حامل وسأدنس شرف العائلة وقد يذبحونني -كما أرى في المسلسلات- وكنت عندما أسمع بامرأة حامل في الشهر الأول أحسب لموعد ولادتي الموهومة معها، فأقول إن هي ولدت سألد بالتأكيد.
خلال هذه الأشهر وبعد أن انتهت الدراسة وجاءت عطلة الصيف، وذهب ما كان يُشغِلني من دراسة وصديقات عن هذه الوساوس، تفرّدت بي الأفكار السوداء وعادت بشكل أشد إلى درجة أني مرضت جسديًا أيضًا وكانت تأتيني حالة تشبه الهلع، فأبكي وتزداد نبضات قلبي بشكل متسارع وأشعر بضيق واختناق ،فأخذت أمي تقرأ علي القرآن وقرر والدي أن يذهب بي إلى المستشفى، وفعلا ذهبت وانتظرت في قاعة الانتظار وكنت أتأمل المرضى معي وكان أغلبهم أطفال، لا أذكر قد يكون طبيب أطفال الذي كان ينتظرني، ولكن أذكر أني كنت أتامل من يستفرغ منهم ويسعل وأحسده على مجرد هذا الأمراض الشريفة، فهم لا يحملون كارثة نجسة في بطنهم مثلي!
نادتني الممرضة أنا ووالدتي وسمعتها تقول للدكتور الـ (بيبي) لعلها كانت تقصدني، ولكنني قلت بالتأكيد تقصد الجنين الذي رأته عبر الأشعة في بطني والآن ستخبر والدي المسكين وسيغضب وقد يذبحني.
وانتظرت أن يفاجئ الدكتور والدي بالخبر ولكنه قال تخطيطات القلب سليمة فقال والدي بأن هذا تكرر معي قبل أشهر، رد الدكتور: لعلها تعبانة نفسيًا. عدت للبيت واقتنع أهلي بأني أتدلع وأبحث عن الاهتمام. بعد أشهر ولدت النسوة اللاتي كنت أنتظر موعد ولادتي معهن ولكنني لم ألد!؟
كنت أشك في أي انتفاخ أراه في بطني بعد الأكل أو الشرب فأظنه الحمل بدأ بالظهور فأبكي وأبكي وأضرب بطني وأفكر بالانتحار عن طريق شرب المنظفات ولكنني ولله الحمد لم أقدم يوما على هذا.
وأدعو الله في جوف الليل أن يرسل لي ملائكة تخبرني باليقين ورضى الله عني وتطمئنني، فلقد كنت طفلة حالمة ذات خيال واسع، وعندما تعذّرت رؤية الملاك تمنيت أن يرسل الله ولو شخصا يخبرني في المنام، يبشرني بأنه لا جنين في بطني، كنت في حيرة، الأمر طال ولم تظهر علامات ولكن لا أدري هل أنا حامل أم لا، الخوف كبير. ولكنني أنام ولا أرى إلا الكوابيس والكلاب التي تلاحقني.
كنت أترك اجتماعات الناس بشكل مفاجئ وأدخل غرفتي وأفتح القرآن وأبكي وأفتح صفحاته بشكل عشوائي وأدعو الله أن يوقع يدي على آية تخبرني بشيء، تطمئنني، ولكن!!؟؟
لا أعرف كيف مضت تلك الأيام، ولكنها مضت كما تقرأون، قد تعتقدونها مبالغات ولكنها والله الذي حصل.
انتهت المرحلة الابتدائية واطمئننت بعض الشيء حيث مرت سنتين على الحادثة ولم يظهر حمل، إذا أنا لست حامل. يا للبهجة
انتقلت إلى المرحلة المتوسطة وفي هذه المرحلة يحدث البلوغ عادة، وحتى لو لم يحدث يبدأ الفصل الكامل بين الذكور والإناث في بيئتي.
كانت هذه النقطة في صالحي تماما وأراحتني بشكل كبير من عناء التوجس من الرجال وتجنبهم، فلقد أمرني أهلي بالغطاء، فانعزل الذكور عني تماما ولم أعد أرى لا أبناء عمومة ولا قرابة ولا حتى ذلك المتحرش.
انتقلنا من بيتنا إلى بيت جديد في مدينة جديدة تبعد كل البعد عن ذكراي القديمة، وأيضًا إلى مدرسة جديدة عرفت فيها من محادثات الطالبات في المدرسة المعنى الفعلي للعلاقة الزوجية فاطمئن قلبي لأنني تأكدت من عدم حدوث الحمل، فتلك التحرشات كانت مجرد لمسات لم تستمر سوى ثوانٍ معدودة.
المهم أن خلال هذه المرحلة المتوسطة ذهب عني الاكتئاب وشعرت بأني نسيت ما مر بي وأني سعيدة في حياتي، فالرجال بعيدون عني وأنا لا ولم أحمل جنينا في بطني والذي تحرش بي قد مات!
في أيام مضت كنت أنتظر موته ولكن بعد ما مات بالفعل لم أشعر بشيء، لم أفرح ولم أحزن، وهذا ما عزّز لي فكرة أنني تجاوزت أمره بالتأكيد. إلى درجة أنني أسامحه في بعض الأحيان وأغفر له كبر سنه ولكن عندما أتذكر أنه كان يترصد ويتجنب أن يرى منه أحد ما يفعل أعي أنه كان سليم العقل حينها، ولكنني مع هذا أسامحه، ربما لأنه ميت!
كانت المرحلة الثانوية والمتوسطة من أمتع أيام عمري، ففيها استعدت بعضًا مني ونسيت ما قد مضى وكنت ظريفة ومحبوبة من قبل الزميلات ولا أنزوي كثيرًا بل وأخرج في المدرسة وألقي الإذاعة في بعض المرات بثقة تعجب المعلمات وكنت متفوقة بطبيعة الحال وعدت إلى ممارسة هوايتي التي كنت أحبها قبل النكسة وهي القراءة، حيث كنت أستعير القصص من المكتبة وأقرأ مجلدات الأساطير العالمية وأحملها معي في الصف السادس إلى الفصل وأقرأها على الطالبات في حصص الفراغ -هذا في السابق-؛
ولكن لم تكن تتوفر لي الكتب بسهولة في المتوسطة والثانوية فكنت أقرأ ما يقع تحت يدي من كتب لوالدي أو أقربائي حتى الكتب التي أراها الآن أنها كانت كبيرة على سني مثل تفسير ابن كثير وجزء أو جزئين من البداية النهاية والطب النبوي والصحف والمجلات، هذا في المرحلة المتوسطة والثانوية ولكن كما قلت لأنه لم يتوفر لي غيرها، وهذا الاطلاع أكسبني بعض المعلومات التي كنت أضيفها للمعلمات أثناء الشرح فكن يزددن إعجابا بي ويقلن للطالبات لماذا لا تصبحن مثلها، لماذا هي تعرف هذا وأنتم لا، هل هي في الأربعين من عمرها؟
لم أكن طالبة أنانية على العكس كنت أحب المساعدة وتقديم المعونة بشكل كبير إلى الطالبات المحتاجات والشرح لهن إن احتاج الأمر بل أن حتى ضعيفات التحصيل أو الغير مكترثات بالدراسة كن يجدنني لطيفة ولا يحسدنني أو ينظرن لي بنظرة الفيرة لأنني قريبة منهن.
كنت أتمتع بكثير من المبادئ ولا زلت، وهذا يعرفنه عني الزميلات لهذا لم يكن ليتضايقن مني، فعلا سبيل المثال كنت أفضل أن أشرح دروس الاختبار كلها لأكثر من طالبة وأقتطع لهن من وقتي وأعيرهن كتبي وأبذل المجهود على أن أدني لهن ورقتي لينقلن الإجابات منها، رغم أن الخيار الثاني هو الأسهل. ولكن لأنه يخالف مبدأي الديني والأخلاقي أرفضه، فكن يعلمن ذلك لهذا لا يتضايقن مني. وهذا التمسك بالمبادئ زاد من احترامي لنفسي وقبولي لها.
وللأمانة أعترف أني خرجت من تجربة التحرش بإيجابيات وحصانة ممتازة، فلم تكن تغريني اهتمامات الطالبات ببعضهن البعض الشاذة كالإعجاب، أو محاولة الشباب للتواصل مع الفتيات عن طريق تبادل الأرقام وغيره، كل هذه الأشياء كانت مرفوضة تماما بالنسبة لي -ربما لأنها مرتبطة بالجنس- لذلك كنت فتاة محافظة على الدوام بل ينعتنني بعض الصديقات بالمعقدة نفسيا لأني أخجل من ابداء إعجابي بممثل اتفقن على حسنه مثلا أو عدم تفاعلي مع استقبالهن لي بالأحضان بعد الإجازات الطويلة، على العكس كنت أتجنب احتضانهن قدر الإمكان ولا أبادلهن إيها بارتياح.
أضف إلى ذلك أن حرصي على أخوتي الصغار والأطفال عموما كان متيقظا، فكنت حريصة على عدم تركهم لوحدهم أو إرسالهم إلى أماكن خارج المنزل خوفًا عليهم، وهذا الحرص لا يزال مستمرًا حتى مع أبناء أخوتي حتى اليوم.
ميولي الجنسية طبيعية، فهي تجاه الذكور وإن كنت أخشى الارتباط بهم، وكنت قد قرأت أن المتحرش به قد يتحول إلى متحرش ولكن في حالتي على العكس. أكون حريصة أثناء تعاملي مع الأطفال بحيث لا تبدر مني تصرفات أو لمسات عشوائية لا أقصدها ولكنها تلتصق في ذاكرتهن.
لا أمارس شيئا من العادة السرية أو نحو ذلك لخجلي من هذه الممارسات التي موقفي منها سلبي أصلا. هذه كلها إيجابيات أتلمسها في حياتي الآن. وكنت مرتاحة واعتقدت أني نسيت، إلى أن دخلت الجامعة وبدأ الخطاب يتقدمون. كنت أردهم على الفور من باب أني في بداية دراستي وكان أهلي لا يمانعون.
ولكن عندما تقدم خاطب ممتاز -حسب معاييرهم- يملك مال وبيت وسيارة وأهله كريمون وطيبون ولم نسمع عنهم قط ما يسوء، شعروا أنه من الحرام أن أضيعه، فبدأت محاولات إقناعي من أخواتي اللاتي يكبرنني ومن الوالد والوالدة لأن العريس كما يقولون -لا يفوّت!
رفضت ورفضت واستمرت المحاولات أيام، ولم يقتنع والديّ برفضي فبدأن يضغطن علي بأسلوب هيّن ليّن. فأبي بكلامه العقلاني الجميل، وأمي بمرضها الذي زاد بسبب رفضي على حد تعبيرها، وأخواتي بتجاربهن الجميلة مع الزواج.
كانت الفترة التي ينتظرون مني بها الموافقة كئيبة، كانت دموعي تنزل في وسط كفتيريا الجامعة، وفي الباص المؤدي إلى الجامعة، كنت أفضل العودة إلى المنزل مع الحافلة الجامعية التي تدور في الشوارع لساعات على أن يقلّني والدي بسيارته ويفاتحني بالموضوع، لاحظت دكتورة في الجامعة الحالة التي كنت فيها وسألتني: شكلكِ متغيرة؟ ما بك! ولكنني تعذرت بأعذار كاذبة. ومع ذلك كنت في بعض الأوقات أقتنع بكلام أهلي لأن حججهم منطقية فأشعر بالرضى.
بعد أيام من الإقناع قلت في نفسي هي خاربة خاربة، هذا العريس أو غيره لا يهم، سيكون حالي واحدًا مع جميع الرجال فلماذا لا أوافق وأريحني وأهلي من العناء، فإن حدث ما يسؤوني ألقي باللوم عليهم لأنه اختياراهم، أفضل من أرفض الجيدين ثم أخضع في النهاية لخاطب سيء فيلقي أهلي عليّ باللوم ويذكرونني بمن قد استحسنوه لي ورفضته.
وبالفعل أعطيتهم الموافقة وكنت مطمئنة ليوم أو يومين. ولكن بعدها جاءتني نوبة اكتئاب استمرت لأشهر طويلة. فعندما أتذكر أني أعلم من نفسي شيئا لا يعلمه أهلي أندم على مطاوعتي إياهم. وذهبت إلى والدتي لتلغي الخطبة ولكتها صاخت وباخت ورفضت وحذّرتتي من إخبار والدي الذي سيتصرف معي، فأبناء الناس ليسوا لعبة أقلبها حسب مزاجي فأقبلهم اليوم وأرفضهم غدًا، وهكذا أرهبتني حتى قلت لها أن تنسى ما قلته ولا تخبر والدي بشيء.
طالت فترة الخطوبة لأكثر من سنة وضقت ذرعًا وكنت أكتئب وخصوصًا في العطل والأجازات عندما لا يشفلني شاغل عن هواجسي ووساوسي. فطريقة الزواج أصلًا غير مقنعة، فلا أجد حماسًا في الارتباط بشخص لا أعرف عنه إلا اسمه وعمره ووظيفته، حتى شكله لا أعرفه، بل أن يعض تفاصيله كنت أتحرج من سؤال أهلي عنها لأنني أعتقد أنهم سيستخفون بمعاييري، التي كانت طبيعية، كأن يكون متعلمًا جامعيًا!
ولكن لا يوجد طريقة للارتباط بغير هذه في مجتمعي إلا بمعجزة. لذلك لم أكن أطمح لغير الموجود.
إذا هو المجهووول بعينه بالنسبة لي، ولم أكن أعرف هل اكتئابي بسبب رفضي للزواج كله -لتخوفي من الارتباط برجل-؟ أم لأن الخاطب لا يوجد فيه ما يعجبني! ففكرة الارتباط جنسيًا برجل أجدها مقلقة.
كانت لا تمر ليلة إلا وأدعو الله فيها بالخلاص العاجل وأن يصرف هذا الرجل عني. ولكن الموضوع خرج من يدي إلى من هم أكبر مني.
الفترة الأخيرة زاد فيها الاكتئاب ولكنه ليس كاكتئاب العام الماضي الذي حاولت فيه فركشة الخطوبة وفشلت، حيث كنت أشعر أني يابسة ولا يوجد في جسمي ماء أو دماء وكنت لا أتكلم كثيرا ولا آكل كثيرا وأشعر بالقرف والكره لنفسي ولعائلتي وأتمنى الموت، أما الاكتئاب الحالي يزيد في أيام الفراغ وينقص في أيام العمل، ولكن بشكل عام أعاني من خمول وكسل ووهن في الجسم وعدم رغبة في الاختلاط بالناس وانسداد الشهية بين الحين والآخر.
ذهبت بي أمي إلى طبيبة عامة بسبب نحفي ووهني فصرفت لي فيتامين دال وفيتامين سي وحمض الفوليك، انفتحت شهيتي على الطعام وأصبحت أنشط وأكثر إقبالًا على الحياة لمدة شهر ثم شعرت بأن مفعول الدواء انتهى، أو لأني أهملته، لا أعرف.
أنا مترددة نوعا ما وأشك في ثقتي أحيانا رغم أني عندما أقارن نفسي بمن هم في سني أجدني أكثر ذكاء وحكمة وجمال وأعلم هذا في قرارة نفسي ولكن لا أحب ولا أجرؤ على التصريح به وأستغرب ممن يفعل ذلك، فصرت لا أدري هل هذا تواضع مني أم نقص تقدير للذات.
أحيانا في الجامعة وفي الدراسة أجدني منطلقة في الحديث ولدي ما أقوله ولكن على صعيد الأسرة والأقارب ليس لدي ما أقوله وكلامي قليل ربما لأن مواضيعهم لا تعنيني. ليس لدي أي شغف لا بملابس ولا ماكياج ولا موضة ولا جمعات ولا طبخ ولا بأسواق ولا سينما ولا أغانٍ ولا هواية ولا أي مجال معين، حتى الذهاب إلى طبيب الأسنان أو التسوق مهمة شاقة بالنسبة لي. فقدت متعتي بالقراءة وركيزي قلّ. وكنت أدمن مواقع التواصل الاجتماعي ولكن مؤخرًا تخلصت من أغلبها بسبب تأثيرها السلبي وسرقتها للوقت، فأنا شخص يحاسب نفسه ويلومها باستمرار.
تفكيري لا يتوقف، في كل شيء، أحيانا أشعر بأني لا أريد حلا لمشكلتي أصلا لأني لا أريد التغيير فأظن بأني أستمتع بالحزن فأعاتب نفسي وأقول أن المشكلة قد انتهت أصلا ونسيتها ولكنني شخص متخاذل يحب أن يعلل كسله وعدم اكتراثه بما وقع له في الماضي.
حساسة كثيرا، قد أفكر في كلمة قيلت لي ليومين أو ثلاثة من شخص يهمني أمره فأحزن رغم أنه يقولها ولا يلقي لها بالًا، وقد تبكيني نظرة العتاب العابرة من والدي.
أحيانا أشعر أني أبالغ في موقفي من الزواج وأني دراما وأستحق من يصفعني، ولكنني وإن زال الخوف والرهبة للحظات لا أجد الفرح أيضًا بالارتباط. ربما لأنه لا تربطني معرفة سابقة بالخاطب.
معلومات قد تفيد:
* التزامي الديني قل عن السابق كعبادات فعلية ولكن كقيم أظنها متأصلة فيني، أفكر كثيرا في الوجود ولا أظن بأنه لم يمر يوم لم أفكر فيه بالله ورحمته وعذابه.
* علاقتي بأسرتي عادية، لا مشاكل بيننا ولكن قلوبنا أنا وأخوتي ليست على بعض، محادثاتنا رسمية روتينية عابرة، قد أرى الدمعة في عين أختي ولا أجرؤ على احتضانها.
أمي تغيرت عن الحالة التي كانت فيها في طفولتي، أصبحت أكثر حنانا ولطفا إلى درجة تفضلني على أخوتي لتعاملي الجيد معها ولكن عندما أكتئب أشعر أني أكرهها هي ووالدي فهي لا تتفهم حالتي النفسية وتدعو علي لأنها تكلمني فلا أرد عليها أثناء اكتئابي فأتمنى أن أعيش بمفردي عنهم.
أما علاقتي بوالدي وأخوتي طبيعية فالمخاوف التي كانت في الطفولة منهم زالت. ولكن محادثاتنا سطحية ولا نعرف الكثير عن بعضنا.
* اهتمامي بنفسي معتدل، لا أحب أن يراني الغير بحالة رثة فألتزم بالنظافة والترتيب أولًا ثم قد أتتبع خطوط الموضة إذا سنحت الفرصة، ولكن هذا نادر، لأني لا أميل للمبالغة في زخرفة مظهري ولو فعلت ذلك أشعر أنه لا يليق بشخصيتي.
* رغم أني لا أميل لتجمعات الناس أو الخوض معهم إلا أني أكره الأماكن العامة التي تخلو منهم وأتوجس، ففي المدرسة كنت أحزم حقيبتي بسرعة إذا خلا الفصل من الطالبات في آخر الدوام لشعوري بالوحشة، وأيضًا أفكر بأني أخاف القبر وعذابه أكثر من النار، من باب أن النار يشاركني فيها ناس بينما القبر لا، أفكار غبية كهذه.
* أفرط في تتبع الذكريات الجميلة والحنين لها
* أكره الحياة أحيان كثيرة وأتمنى الموت ثم أخاف منه وأمقت وجودي إلى درجة أشعر فيها أن فكرة الخلود في الجنة لا تغريني.
* ابنة خالتي التي تكبرني والتي قد صرحت لي كما ذكرت بمرورها بنفس تجربتي في التحرش، تزوجت وتظهر عليها السعادة، بل وتحاول إقناعي بالزواج، ولكن بشكل عام أنا أكثر حساسية منها لذلك أظن أن التجربة تركت فيّ أثرًا لم تتركه فيها. وخصوصًا أني توهمت الحمل لأشهر طويلة تعبت فيها نفسيًا.
* أهلي يخبرونني أني أتكلم أثناء النوم بصوت عالي وكأني أعاني وأنادي أحدًا إلى درجة يسمعون صوتي من الغرف المجاورة، وهذه الحالة تكررت بشكل ملفت للانتباه بعد الخطبة أعتقد. بالإضافة إلى ذلك كانوا يخبرونني أني أرخي فكي السفلي أثناء النوم فيظل فمي مفتوحا، وهذا جديد علي ولا أعرف هل هذا بسبب الضغوط النفسية أم الضغوط الجسدية والإرهاق أيام العمل.
* بشكل عام إذا خرجت للناس أو الجامعة لا تبدو علي سمات الاكتئاب، أبدو عادية بل قد ألقي بالنكات مع المقربين، لذلك تحب الطالبات مجالستي.
* أشعر بالرضى عن شكلي الخارجي في الأغلب وأحيانا عن داخلي أيضًا، هادئة في الأغلب، لا أستسيغ الرقص والصراخ وإظهار الانفعالات ولفت الانتباه وإن فعلت ذلك أشعر بأني أسرق هذا من الناس وأنه لا يليق بي.
* لا أدري إن كان ما وصفته عن وضعي الحالي بالاكتئاب يصحّ، ولكنه حاليًا هو ضيق وسأم وشعور لا يعرقلني عن القيام بضروريات الحياة كالذهاب إلى العمل والدراسة وتحصيل الدرجات. ولكنه في العام الماضي كان أشد مما هو عليه الآن.
أرجو أن لا أكون قد أطلت وإن كنت أعلم أني فعلت. فما رأي حضرتكم في ما أعاني منه؟
هل لما حصل في الماضي تأثير مباشر على موقفي من الزواج؟ أم أن رفضي للزواج نابع من اكتئابي الذي أعاني منه حاليًا والذي يرفض التغيير وأني أبالغ؟! أم أن منشأ اكتئابي أصلا هو الماضي. أم قد يكون السبب جهلي بالخاطب فقط؟ فأنا لا أعرف لو تقدم لي شخص يعجبني ويخضع لمعاييري هل كان لموقفي من الزواج أن يتغير!
فأنا أشعر بميل طبيعي للرجال الذي يعجبونني كفكرة ولكن كفعل لا أدري. وهل إن وافقت مع عدم ثقتي بتقبلي للطرف الآخر سيكون فيها ظلم له؟
كنت قد فكرت أن أبقى طوال حياتي عزباء ولكن وضع المرأة في بيئتي لا يدعم الغكرة، فلا متنفس أبدا غير ما يرتضيه الأهل، قد تمر أيام وأسابيع لا أخرج فيها من المنزل لأن لا أحد يذهب بي، فالمرأة في بلادي لا تقود السيارة وغالبًا لا تخرج إلا مع ذي محرم، إلى درجة أني أطلب الكتب التي أقرأها من مناطق بعيدة ودول مجاورة فقط لتوفر خدمة التوصيل إلى المنزل فتكلفني ضعف المبلغ، وأهلي يجدون صرف المال على الكتب تبذير، وأنا لا أحب تكليف أحد من أخوتي بشيء يعتبرنه ترف لأني لا أحب الإثقال على أحد، وهذا مما يجعلني أتصور حجم الألم الذي سأعيشه لو بقيت لوحدي، فقد أنهي دراستي ولا أتوظف وتفترسني الأفكار ويشمت بي الشامتون. ويصبح لا عمل لي في المنزل إلا التنطيف والغسيل والخروج مع أمي لجمعات النساء التي أكرهها وهذا ما لا أتمناه، فأنا لا أرى نفسي في هذا. خصوصا أن الاكتئاب يزيد في العطل فإن أنهيت الدراسة أخشى أن يلازمني.
أحب العلم والتعلم وأشتركت مؤخرًا في دورة منزلية لـ 6 أشهر لتعلم الثوابت الشرعية وأتمنى تعلم اللغة الإنجليزية وأنا متميزة في مجالي الدراسي. ولكن أخاف أن تزوجت أن يكون الزواج هو الحلقة الأخيرة، وأن تعود مخاوف وذكريات الطفولة فأمرض وأفشل وأفقد شغفي بكل هذا. وأخاف إن اخترت العزوف عن الزواج أن أكتئب مع الفراغ والوحدة وتصدق فيّ تحذيرات أمي وأخواتي.
عمومًا كما قلت الأمر شبه خرج من يدي وأمور الزواج توشك أن تأخذ إجراءتها ولكن في حال تم أو لم يتم، هل يوجد ما يمكن تداركه وإصلاحه؟! فأحيانًا أشعر أنني أحمل بذرة إيجابية ولكن أحتاج إلى من يدفعني. هذه أحلامي ومخاوفي ولا أعرف إن كان فيها ما يستحق الالتفات إليه يالنصح والإرشاد والتوجيه منكم.
ختامًا، أنا أقدر العلم والعلماء، لذلك قد تخرج المشورة منكم وتتسونها ولكنني لن أنساها ما حييت وسأتّخذها منارة أرجع إليها بعد الله كل ما ضاق بي الحال وأظلم العمر وضللت الطريق.
اعتنيت بهذه الرسالة كأنها عمري فاستودعتها الله.
23/6/2016
رد المستشار
آه يا ابنتي.... ضحية أنت لأفكارك السحرية منذ طفولتك!، فهناك ما يعرف علميا بأخطاء التفكير، ومنها هذا النوع الذي يسمى بالتفكير السحري الذي يغرق صاحبه في مشاعر مبالغ فبها حتى الإعياء! فالتفكير السحري يغرق صاحبة في التصورات، التي تجعله غير قادر على استدعاء المنطق، ولا الأدلة العلمية التي تثبت عدم صحة تفكيره!!
وانظري معي كيف تعاملت مع ما حدث معك لأكثر من عامين!!؛ فتخيلت حملك، وتابعت نفسك بقلق وخوف، ورعب ميعاد ولادتك مع من حمل في توقيتك ورغم أنهن ولدن، إلا أنك ظللت في مخاوفك قرابة العامين حتى بدأت ترتاحين قليلا وتصدقين بالبرهان أنك لست حاملا!، وهذا لا يتعلق بصغر سنك في الحقيقة؛ فلقد كنت تعين فكرة الحمل، ووقته، الخ، والآن أرجو منك أن تعي عدة نقاط لتجعلينها نصب عينيك لا للرد على سؤالك اليوم عن الزواج من عدمه، ولكن لأجل تغييرك أنت الذي سيصلح علاقتك بنفسك، والآخرين، والزواج بإذن الله.
وأعود فأقول: كذلك أنك كنت بين عشرة من الإخوة أم واحدة فيهم بنين، وبنات.... فتهت بينهم يا ابنتي خاصة مع أم مرهقة متوترة لا تحتمل مسؤوليات كل هذا العدد؛ فكانت تلجأ لطريقة التخويف والزجر لتريح نفسها من طلبات كل هؤلاء الأطفال، -ناهيك عن مشكلات قد لا تدرين عنها شيئا تخصها، أو تخص علاقتها بوالدك،- فافتقدت من يعينك على فهم ذاتك، والحياة، والعلاقات الإنسانية، والونس بها ومعها.
هذه ثاني نقطة مهمة لك: فبعدك عن علاقة حقيقية صحية مع أمك خاصة، وأبوك أفقدك يوما بعد يوم "تحريك وتشغيل" المشاعر، وكأنك قررت بدون وعي منك وسط هذا الزخم، ووسط هذه القسوة، والزجر ألا يكون هناك مكان للمشاعر بداخلك؛ بسبب عدم الاعترف بها في طفولتك حتى تعودت على عدم السماح لها مع نفسك، ولا أي آخر حتى لو ارتحت للتعامل معه وأيا كان موقعه منك، وكذلك طريقة التربية التي كان فيها تخويف، وإشعار بالتقصير سواء بالتلميح، أو التصريح جعلك تلقفين كورة الإحساس بالذنب فابتلعتها حتى صار الإحساس بالذنب صديقك الصدوق، فالإحساس بالذنب هو "بيت راحتك" الذي يجعلك نفسيا دون أن تدري تخففين وطأة كرهك للمسؤولية! وهذه نقطة غاية في الأهمية تحتاجين تعهدها للتخلص منها فورا، وكذلك احتياجك أن يراك من حولك، ويلتفتون لك وعدم توفر ذلك كان له الأثر الأكبر في الرغبة الشديدة بأن تتميزي بعيدا عن مساحاتهم التي يغلب عليها أعمال المنزل، والحوارات الغير هادفة، الخ، فجعلك تتبنين صورة الكمال والمثالية لتشعري بتفردك حتى عن أبيك وأمك اللذين لم يتما تعليمهما كما ينبغي من وجهة نظرك.
ووصل شعورك الداخلي بالتفرد ألا تنسجمين مع ما أسميته مشاعر شاذة كالإعجاب بشباب!، أو الجلوس في الفصل وحيدة بلا مخالطة لأقرانك في اللعب، أو الكلام.... الخ، وتشبثك بالقراءة والقراءة والقراءة فما أسهلها كعلاقة واضحة بسيطة لا تحتاج لجهد ولا مشاعر، ولا مسؤولية، ولا تشعرك بالدونية التي تتجذر بداخلك دون أن تدري!!؛ فهذه هي الحقائق التي تستتر وراء كل مبرر "براق" تقولينه بداخلك؛ فتجربة التحرش تجربة سيئة جدا، ومؤلمة، ومخيفة، ولها آثار كثيرة تختلف من شخص آخر حسب مرات تكرار التحرش، وكيفيته، وطريقته، ونوعه، وكذلك شخصية وبيئة من تم التحرش به، والذي آراه عندك أهم مؤثر!؛ فما ينغص عليك عيشك يا ابنتي ليست تجربة التحرش المؤسفة بقدر طبيعة شخصيتك الحساسة القلوقة الخائفة المترددة الغارقة في الإحساس بالذنب الوحيدة اللامسؤولة!!.
ولا تتصوري أبدا أنني لم أثمن معاناتك، أو أنني لا أشعر بك، أو برعبك، ووحدتك، أبدا يا ابنتي أبدا فحرصي عليك يدفعني لقول ما قلته وكذلك تميزك فأنت باحترام العلم، وأنا أحترم عقلك جدا، واحترم احترامك للعلم، والعلم يقول ماذكرته لك، ولقد طلبت أن تفهمي، ولقد أوضحت لك جزء كبير مما رأيته؛ لتعيني نفسك على التخلص مما تعانيه؛ وستكون البداية من اكتشافك الأكبر لوقوعك في القلق، وما يجره من وسوسة وتفكير سحري، أو يطلق عليه التفكير الخرافي، وستهدهدين نفسك لما تعرضت له من وحدة رغم وجود عشرة من الإخوة، ووالدين!، لتنضجي بقبول ما حدث معك في طريقة تربيتك، وكذلك ما كان من الوحش رغم عدم موافقتك عليه، ولا تقفزي لبناء بيت وزواج قبل أنت تحققي الخطوة الأولى في تغيير ما تعودت عليه من رعب وتوهمات لا منطقية في جو من العزلة تفترسك، وأنا أعذرك تماما فيما أنت فيه، واعذري نفسك في كل ما سبق من حياتك حتى تلك اللحظة التي تقرئين فيها تلك السطور؛ أنك منذ تلك اللحظة صرت تعرفين، وتعين ما لم يكن في إدراكك وهذا يعني أنك أول مرة ستكونين مسؤولة مسئولية حقيقية صادقة واعية.
وتتدربين على التخلي عن أخطاء التفكير، والذي منها نوع آخر يتعلق بتضخيم أمور وتسفيه أمور أخرى؛ فتعدلين ميزان تقييمك للأشياء بلا مبالغة بلا تهوين، وقد تشعرين بأنك مشوشة مما قلت، وهي علامة جيدة وتعني أنك ستبدئين طريق الوعي بنفسك، وأفكارك، ومشاعرك لتتعرفين عليها عن قرب، وتسلكين طريقا جديدا لتكوني أنت كما خلقك الله بلا رعب، بلا تفكير سحري، بلا علاقات سطحية تغمر حياتك، وأعلم تمام العلم صعوبة ما أقول، ولكن أعلم أيضا أن من رأيتهن مثلك برجاحة عقلك، وترتيبه، أنك ستقدرين، وستكونين أفضل مما أنت عليه الآن بكثير، وأترك لك روابط كثيرة تساعدك في فهم ما أشرت لك به فيما يخص طرق التفكير، والقلق، ومشاعر الذنب المؤذية، إلخ.... دمت طيبة راضية مرتاحة الفؤاد والعقل.
ويتبع>>>>>>>>>> تصورات سحرية م