الحياة اختيارات
أشياء كنت أحبها .. لكنني لم أعد كذلك!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نشكر القائمين على هذا الموقع الرائع، أردت السؤال عن مشكلة تواجهني منذ سنين
كنت في طفولتي أحب الرسم والاكتشاف وتجربة كل جديد يثير انتباهي، وفي المرحلة الثانوية بدأت أتغير شيئاً فشيئاً حتى قدرتي على تذكر الأشياء والأحداث بدأت تقل .. لا أعلم ما المشكلة أو ما الذي تغير، لكنني لم أعد أحب الرسم كما كنت، لقد كنت وخصوصا في الرسم أتعلم بسرعة, أقضي أوقات طويلة ممتعة فيه، لكنني وفي تلك المرحلة انقلبت الأمور، أصبحت أملُّ بسرعة، وأتكاسل كثيرا، عن جميع الأمور التي أحبها والتي لا أحبها، لقد فقدت الكثير من الأمور، فقدت المتعة، فقدت الأنشطة في حياتي، لقد أصبحت حياتي مملة روتينية خالية من أي شيء جَدّي أو مفيد ..
جدير بالذكر أنني بعدما أنهيت المرحلة الثانوية واجهت مشاكل وأزمة في البحث عن جامعة علما أنني في بلد الجامعات فيها غير مجانية وحالة عائلتي المادية أقل من الوسط، ولدي أخان كانا يدرسان وتركيز الصرف عليهما، وقد كنت منذ الصغر أواجه مشاكل وعقد من الزواج لأسباب عديدة منها أخواتي، وقد كنت في تلك المرحلة مهددة بالزواج، لأنني لن أستطيع الدراسة كما يدعون، لم يمهلوني فترة كافية للبحث والتنقيب حيث أنني متأكدة أنني سأجد فرصتي، لكنهم يريدون أن يزيحوا هماً، هو جل تفكيرهم،
على أي حال استطعت الالتحاق بكلية شبيهة بالتعليم المفتوح وقد درست تخصصا بسيطا والحمد لله، في السنة الأولى أجبر والداي على دفع التكاليف رغم أنها قد لا تكاد تذكر، فالكلية كانت أسعارها مناسبة بعض الشيء، وفي السنة الثانية بدأت العمل ودفع تكاليف دراستي، وأنهيت دراستي في ثلاث سنين، كان دوامي فيها (صيفي شتوي)، أي لا إجازات تقريبا، والحمد لله ..
الآن أنهيت دراستي منذ سنة، وأنا لا أجد عملا، فقد تركت السابق، لكنني ما زلت أعطي بعض الدروس الخصوصية لبضع طلاب في الابتدائية، والحمد لله، ورغم إنهائي للدراسة وتفرغي تقريبا إلَّا أنني إلى الآن لم أتعلم الطبخ، ولا أحبه، ولم أستطع يوما أن أجبر نفسي عليه، فكلما حاولت، أكون قد أصبحت محبطة وأشعر بانزعاج وغضب شديد وما أعده يصبح مثاراً للسخرية، أنا أعلم أنه سيكون كذلك فهي تكون غالبا أول تجربة ولا أقوم بها على أكمل وجه،
لكنني لا أجد المتعة في الطبخ أيضا ولا أشتاق له، وفي المرات النادرة التي أقرر فيها أن أقوم بشيء ما على الأقل من أجل والدي، فأنا الوحيدة التي أسكن معهما، إلا أنني نادرا ما أقوم بذلك أيضا للأسف، فكلمة واحدة ساخرة من أحدهم (أمي أو أبي) كفيلة بأن توقفني عما كنت أنوي القيام به، أيضا أعتقد أنني لا أحب الالتزام، لذلك أنا لا أستقر ولا أسمح لأحد بالاعتماد علي، فأنا أشعر أنني بمجرد أن أقوم بأي شيء لأحد سيقوم بالاعتماد علي للقيام بذلك بشكل مستمر، وأنا لا يعجبني ذلك ..
أحب أن أستمتع بأي شيء أقوم به، أعلم من باب البر يجب أن أقوم به، لكن حتى هذا الدافع لم يكن قويا كفاية، لا تعجبني نفسي الحالية، ولست راضية عما أقوم به، أو ما لا أقوم به إن صح التعبير، لا أريد أن أبقى كما أنا، لا أكترث حقا إن تعلمت الطبخ أو لا، لكنني أريد حقا أن أقوم بذلك على الأقل من أجل والديّ، أريد أن أعود للرسم كما كنت أحب، أريد أن أطبق ما أراه وأتعلمه، أريد أن أعود للاستكشاف والتجربة، أريد أن أتقن أي عمل أقوم به، فأنا سرعان ما أشعر بالملل وأنهي الأمر (أي كلام)، كيف أغير هذا الحال المزري، كيف أعيد صبري إلى محله، رغم أنني أعتبر من الأشخاص الصبورين كما يشيد غيري، لكنني لا أعتبر نفسي كذلك، أنا أصبر فقط في الحديث مع الأشخاص رغم انزعاجي من بعض الأحاديث، ومع ذلك أنا لا أعتبره صبرا إيجابيا وإنما سلبي، فأنا أشعر بضعف شخصيتي، أعرف أنني ضعيفة وأنني لا أجرؤ على إسكاتهم لذلك أصبر وأسكت، حتى وإن انزعجت، حتى وإن لم أكن مكترثة لحديثهم أو كان حديثهم على حساب وقتي ..
هناك الكثير من الأمور في حياتي لكنني حقا لا أعرف كيف أربطها رغم تأكدي من أنها مرتبطة ببعضها لكن أرجو أن يكون ما ذكرته (رغم تلخبطه وتخبطه) كافيا لتوضيح المسألة ..
أرجو إرشادي كيف أتصرف؟ وكيف أعين نفسي؟، كيف أعيد صبري حتى أستطيع فعل أي أمر؟، كيف أجعل المتعة فيما أقوم بفعله؟، كيف أعود لنفسي القديمة؟، كيف أسعد نفسي ؟، ما الذي يجب أن أقوله لنفسي لأقنعها بأن ألتزم؟، بأن لا أبقى أبرر لنفسي عدم الالتزام، بأن أبر والديّ ..
كيف أحافظ على ذاكرتي وأحفظها من النسيان الرهيب الذي أعاني منه؟، من أصغر الأمور في حياتي إلى أهمها، لا أعرف ماذا أكتب أيضا أشعر أنني قد نسيت حقا ما كان يجول في خاطري ..
عموما أرجو أن يكون هذا كافيا ، وعذرا على الإطالة فأنا لم أرتب مشكلتي مسبقا لقد كنت في مشكلة مسبقة نلت بعدها التأنيب حيث جعلتني أهرول مسرعة لترك مشكلتي وطلب الحل دون ترتيب مسبق ..
وجزاكم الله خيرا كثيرا
ملاحظة : [أرجو أن يكون الحل مفصلا قليلا لأفهمه :) ]
15/6/2017
رد المستشار
لقد تغيرت عما كنت منذ عامين! فلقد كنت أكثر وضوحاً مع نفسك عن الآن، وكنتِ تصدقين ما تفكرين فيه أكثر من ذلك، ولا أعلم هل طلبك في نهاية رسالتك لمزيد من الإسهاب للتوضيح يعني أنك لم تتمكني من استقبال ما رددت عليك به سابقاً، أم هو من تبعات تغيرك الآن؟؟
ولكن على أية حال تقريبا نفس مشكلاتك التي تسألين عنها لم تتغير كثيراً وسأوضح لك ردود تساؤلاتك. في شكل نقاط واضحة لتتمكني من مراجعتها كلما أردت ذلك بشكل مبسط:
1- لاحظت تلك المرة، وربما يكون هذا من فوائد المتابعات مع مزيد من التفصيل أن جزءا كبيراً مما يشعرك بعدم راحة هو أزمة علاقتك بوالديك خصوصاً علاقتك الرئيسية بوالدتك؛ فالفارق العمري كبير، وكنتِ الصغيرة وسط كثير من الأبناء، والتصقت وأنتي صغيرة بأخوتك الصبية أكثر من الفتيات بسبب زواجهن صغارا دون إتمام تعليمهن! فلم تتمكني من عمل علاقة حقيقية صحية قريبة آمنة مع أمك يا ابنتي، وهذا جعلك نفسيا وكأنك لا تقفين على أرض ثابتة مستقرة لسبب تلك العلاقة الغير عميقة من ناحية معها، وبسبب اكتشاف اختلاف طريقة تفكيرك عن والدتك ووالدك وباقي إخوتك الفتيات، وقد يكون سببا كبيرا في رفضك الداخلي للزواج دون أن تدري؛ فالزواج وكأنه في منزلكم كأنه ملجئ لمن لا حول له ولا قوة، وكأنه عبء، وتحمل مسؤولية أفراد حتى حين خروجهم من البيت تحت أي درجة من الوعي، أو التعليم بادِّعاء السترة وسد النفقات؛ فلا علاقات حقيقية، ولا طموح، ولا علم، ولا احترام لقيمة، ومكانة الأنثى ففقدت رغبتك فيه.
2- لم تلاحظي أنتِ أن مخاوفك تلك تخص اختيارات والديك في فهم الحياة وتصديق تلك الاختيارات، لذا كانت رسالتي الأولى لك هي أن تختاري أنتِ ما تصدقيه وتختبريه لتتعلمي موافقته لك من عدمه، والحمد لله كنتِ شجاعة، وقادرة على إكمال مسيرة دراستك مع العمل، وغدا بإذن الله تعالى ستجدين عملا جديدا أكثر ملائمة.
3- والدتك اختارت الزواج بذلك الفهم؛ فنتج عنه اختيارا لرجل-والدك-يناسب تلك الأفكار، ولكنك لست أمك، ولست مضطرة للزواج برجل يشبه أباك.
4- علاقتك بالأنوثة تحتاج مراجعة لأنك أنثى، والأنوثة عطاء، وطاقة، وحياة، ودفء، وحنان، وهو ما تتمتعي به تماما حتى وإن لم تجيدي الطبخ، أو أعمال المنزل!
5- يبدو أن الانتقاد، والتخويف وسيلتان من وسائل الضغط في البيت؛ مما كان له أثر على نفسيتك، وجعلك سريعة الإحباط، وقريبة من الاكتئاب الذي تبدو بعض ملامحه؛ فحين تتأكدي أن والديك يحبانك، ولكن يستخدمان دون وعي منهما تلك الوسائل الغير سليمة؛ فلتنفضي عنك أثرهما؛ وتعذرين جهلهما النفسي، والتربوي؛ حتى تتمكني من ممارسة ما تقومين به دون انتظار "التقييم"؛ وهذا التقييم بالمناسبة هو سبب رئيسي في إحباطك السريع، وعدم إتمامك لأعمال كثيرة.
6- بر الوالدين لا يعني الطاعة، ولكن قصد به الله سبحانه الأدب الجم مع الوالدين لدرجة أن كلمة أوف لا تقال لهما، ولكن يمكنك رفض أمور يجدانها هما صحيحة بعد التأكد من عدم صحتها لك، ولتعذريهما كثيرا بينك وبين نفسك لأنهما اجتهدا من وجهة نظرهما، ولم يعرفا أكثر مما عرفا، أما أنت فلا.
7- كونك أصغر إخوتك يجعل منك عقلا واسعا واعيا ناقدا لأحداث كثيرة في خبرات حياة كل من يكبرك، وهو في نفس الوقت مع عدم وجود متابعة تربوية صحيحة كالتشجيع، وبث الثقة، والحب غير المشروط، وغيره ؛ يجعلك كالتائهة وسط أحداث كثيرة تسبب أحيانا تعثرا في اتخاذ قرارات، وخوفا من تحقيق نتائج مشابهة ترفضينها، لذا حل ذلك الآن وليس بعد ذلك أن تبدئي في تصديق حدسك، وتصديق أفكارك، وعدم سماحك لأي تأثير سلبي عليها حتى تخوضي تجربتك في الحياة لنفسك لتتعلمي ما عليك تعلمه، وأن تسمحي لنفسك خلال تلك التجربة أن تتعلمي مما قد تخطئين فيه، أو تفشلين فيه، وحين تفعلي ذلك فعلاً...
ستجدين نفسك التائهة وقد هدأت وظهرت ملامحها، وستتغير طريقة نظرتك لنفسك، وللحياة، وللرجل، وللزواج.... فالحياة تحتاج شجاعة خوضها وتحمل مسؤولية التعلم منها، وقبول ألمها.... هيا ابدئي.