ابني يرفض الأكل بمفره
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مرة أخرى أتقدم إليكم بالشكر، سائلة الله أن يجعل عملكم في ميزان حسناتكم يوم القيامة لما نجده من مساعدة مثمرة منكم.
سؤالي هو عن ابني الأوسط والبالغ من العمر 3 سنوات. حيوي ومرهف الأحاسيس ويتمتع بشخصية قوية؛ إذ يحب أن يقوم بأعماله بنفسه منذ الصغر، ونحن نشجعه على ذلك
لكنني أعاني معه رفضه الأكل بمفرده فهو يقول لا أستطيع الأكل وحدي، لكن الشيء الذي لمسته هو أنه يكره الأكل؛ لأنه ينزعج إذا ابتلت يداه أو اتسخت، وإذا رفضت إطعامه طالبة منه أن يفعل ذلك بنفسه فإنه يتوقف عن الأكل قائلاً لقد شبعت، ولو كان أحب الطعام لنفسه.
وإذا أكل فإنه يمسح يديه بعد كل لقمة، فهل هذا التصرف طبيعي يزول بمرور الوقت أم أنه سلوك يحتاج لعلاج؟ وشكراً لكم على سعة الصدر، وجزاكم الله عني خير الجزاء.
20/7/2017
رد المستشار
الأم الفاضلة.. أهلاً وسهلاً بك على صفحتنا استشارات مجانين. وشكراً على ثقتك، تبدو مشكلة ابنك ناتجة عن عوامل متعددة، وهي بكل تأكيد سلوك يجب أن نعمل على تغييره تدريجيًّا، وإن شاء الله نصل سويًّا إلى ذلك، ولكن من المهم أولاً أن نحلل بعض ما يستلهم من إفادتك.
ولدك الأوسط بارك الله لك فيه، تصفينه بأنه مرهف الأحاسيس وحيوي وذو شخصية قوية؛ لأنه يحب القيام بأعماله بنفسه وأنتم تشجعونه على ذلك، كل هذا جيد جدًّا، ولكنه لا يستقيم مع ما يبديه ويؤكده من عجزه عن إطعام نفسه بنفسه! كيف ذلك؟.
أحسب أن الفارق الزمني بينه وبين مولودك الأصغر يهمني في هذه الحال، فهو/ هي غالباً في السنة الأولى أو الثانية من العمر المبارك إن شاء الله، وموضوع الأكل موضوع مهم بشكل عام وبشكل خاص بالنسبة للأم فيما يتعلق بأبنائها، ومعروف أن الأم هي المطعم الأول لكل بني آدم، وإنما يبدأ الطفل في إطعام نفسه بنفسه بعد أن تفرغ أمه من عادة إطعامه؛ لأنه كبرَ ويجبُ أن يعتمد على نفسه إلى آخر الأسباب المعروفة.
إطعام الطفل نفسه يعني الاستقلال، فهل الاستقلال عنك مناسب لابنك الأوسط -في رأيه هو- الآن؟ أظنُّ لا، لسبب بسيط هو ذلك المنافس الجديد في الالتصاق بك، أي أحدثُ من ولدت.
من الواضح أن ابنك الأوسط استطاع أن يدرك بذكائه (وهو الحيوي الذي تعجبك استقلاليته وتكافئين فيه أنت وأبوه نزوعه لفعل الأشياء بنفسه) أن إطعامه نفسه بنفسه هو آخر قشة لو أمسكها لاعتبرته رجلاً كبيراً وتفرغت لمنافسه كلية، ألا توافقين؟.
جزء من المشكلة فيما أخمن هو أن رغبتك في دفعه للاستقلال واعية وغير واعية قد مثلت نوعاً من الضغط عليه، وهو الآن يؤكد لك بصراحة أنه لم يزل طفلاً يحتاج إلى رعاية منك إذاً ما الحل؟.
عليك أولاً بالتدرج معه في إظهار اهتمامك بأشياء أخرى يفعلها هو غير الأكل، في نفس الوقت الذي تتركينه فيه (بالتدريج) للجوع! نعم للجوع.. وتأكدي أنه سيختبر تماسكك وإصرارك أكثر مما تتخيلين، بمعنى أن: عليك أن تتماسكي وأن تجعلي طعامه في متناول يديه أو أن تضعيه أمامه في الأوقات التي تأكلون فيها جميعاً، واصبري فسيغير من نفسه إن شاء الله.
إلا أن هنالك نقطة في منتهى الأهمية أود بيانها لك؛ نظراً لخطورة ما تحمل من معنى على الأقل بالنسبة لنا معشر الكبار، ويجب أن نتمثلها لنغرسها في أطفالنا، وهي:
أن للمأكول (أي الطعام) قيمة في الإسلام تستمد من أنه نعمة من الله، هذه القيمة قائمة بغض النظر عن سعر ذلك المأكول بالدولار أو الريال أو الدينار أو الجنيه. والأهم من ذلك هو أن في المأكول بركة يجب على المسلم أن يتحراها، وما دفعني إلى ذلك إلا قولك إن ابنك عافاه الله: (يكره الأكل لأنه ينزعج إذا ابتلت يداه أو اتسخت)، فهنا ما أخاف منه ولا أحسبه إلا سلوكاً متعلماً.. أتدرين لماذا؟ لأن الطبيعي أو الفطري والشائع في الأطفال هو أنهم يلعقون أصابعهم بعد أكل ما يحبون! لكنكم في البيت على ما يبدو تتبعون آداب المائدة الغربية.
مفاجأة أخرى أعرف أنها غائبة عنك وهي سنة لعق الأصابع بعد الأكل، فمما رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: {إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة} صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إذا وقعت لقمة أحدكم، فليأخذها وليمط ما كان بها من أذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه؛ فإنه لا يدرى في أي طعامه البركة} صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أخرى لهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا أكل أحدكم فلا يمسح يديه بالمنديل حتى يـلعـقَـها أو يـلْـعِـقها} صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال النووي: المراد إلعاق غيره ممن لا يتقذر من زوجة وجارية وخادم وولد، وكذا من كان في معناه كتلميذ معتقد البركة بلعقها وكذا لو ألعقها شاة ونحوها، وقيل: في الحديث رد على من كره لعق الأصابع استقذاراً لفم يحصل ذلك إذا فعله في أثناء الأكل؛ لأنه يعيدها في الطعام وعليها أثر ريقه، وقال الخطابي: عاب قوم أفسد عقلهم الترفه فزعموا أن لعق الأصابع مستقبح كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي علق بالأصابع جزء من أجزاء ما أكلوه، فأي قذارة فيه؟.
وأحيلك هنا إلى مقال على موقع مجانين سيكمل مفاجأتك يا أختي هو: لعق الأصابع بعد الأكل/ لعق الأعضاء مع الجنس، لأريك كيف ترفعنا عن الاقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي تحايل فقهاؤنا فيه لكي نقلد الغزو السلوكي الغربي في سلوكياتنا.
عليك أن تستبدلي حرصك على تحري البركة فيما تأكلين بحرصك على أن يأكل الولد، وافعلي ذلك أمامه وحبذا لو أقنعت أباه أيضاً، فاجعلي ابنك يرى قيمة المأكول عند المسلمين، وكيف أنكم لا تستقذرون لعق أصابعكم بعد الأكل، جربي وتابعيني.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري:
شكر الله تعالى لأخي العزيز الدكتور وائل أبو هندي، وفي الحقيقة أرى أنه أضاف شيئاً جديداً أو شيئاً غائباً عن كثير من الناس، غير أني أحب أن أوضح أن حث النبي صلى الله عليه وسلم على لعق الأصابع يجب أن يوضع في منظومة حتى يفهم بصورته الصحيحة وهي:
1- أن الله سبحانه وتعالى طلب منا أن نأكل أجود الطعام وأحسنه قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون}، وقال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات}.
2- أن من السنة التنظيف قبل الأكل فيغسل الإنسان يده قبل الأكل وبعده حتى يزيل ما علق بها من أتربة وغير ذلك، وفي ذلك إبعاد للجراثيم والميكروبات عن الأيدي قدر الطاقة.
3- أن يأكل بثلاثة أصابع من يده وهي السبابة والوسطى والإبهام؛ لأن الأكل بالأصابع كلها يجعل الإنسان يأكل أكل النهم.. هذا إن لم يكن بملعقة.
4- أن يأكل مما يليه ولا يطيش بيده في الطبق الذي يأكل منه.
5- أن يضع أمامه مقدار ما يأكل حتى لا يسرف في الطعام، وقد قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}، فإذا وضع الإنسان أمامه ما يكفيه من أكله فلا يجوز له أن يستقذر لعق ما علق بأصابعه من الطعام؛ لأن عملية الأكل أن يمسك بالخبز بيده ويخرج به بعض الطعام، وفي الغالب أنه يعلق في يده بعضه، وهذا الطعام هو نعمة الله تعالى فكيف يستقذر الإنسان طعاماً وضعه في جوفه.. ألأنَّ بعضه علق في يده يستقذره، كما أن الفارق الزمني بين إدخال الطعام وعلوقه باليد قصير جدًّا.
إن لعق الأصابع يدرب المرء على شكر نعمة الله والحفاظ عليها، كما يعلمه التواضع وألا يدخل الكبر في قلبه، وأحسب أن كثيراً من الشعوب الغربية لا تأكل بمثل هذا الإسراف مثلنا، بل إنهم يضعون أمامهم من الطعام ما يكفيهم، وبالتالي يأكلون كل ما في الأطباق، وهذا يعني أنهم يطبقون السنة، وإن كانوا لا يؤمنون بها دينًا وعقيدة، وما ذكره أخي الدكتور وائل فيه كفاية فإن المرء لا يدري أين البركة من الطعام.
ويتبع >>>>>>>>>: من أدب الأكل لعق الأصابع قبل غسلها م