الوساوس الجنسية تجعلني مجرماً
السلام عليكم... أنا شاب أبلغ من العمر 23 عاماً، أشعر أني لم أعش يوماً سعيداً منذ ولدت، وأتمنى لو أني لم أولد، وياليتني كنت حطاماً أو جماداً لا يحس ولا يشعر. لا أدري كيف أصيغ رسالتي بالقدر الذي يجذب انتباه حضراتكم لتمطروني بكلمات قد تساعدني، ولكني سأحاول.
كانت حياتي طبيعية تماماً حتى بدأ الوسواس يغزوها منذ سنتين تقريباً... كنت في السنة الدراسية الرابعة بالجامعة، بدأ الوسواس معي بالشك في الأدوية التي أصرفها في الصيدلية بحكم أن طالب بكلية الصيدلة "هل صرفت علاج خاطئ قد يدمر حياة المريض؟ هل تأكدت من تركيز العلاج الذي صرفته؟" مع أني أكون قد تأكدت من كل هذا، ولكن تأتي الشكوك والوساوس وتنغص يومي، وأستمر بالتفكير والتفكير في مصيري إذا أخرجت صنف خاطئ يوماً ما، وتلك الفكرة كانت مسيطرة عليَّا بدرجة كبيرة جداً لدرجة أنها كانت تعطلني عن مهامي ونشاطاتي اليومية، تلك كانت بداية الوساوس معي.
مرت الأيام وتخرجت من الجامعة، كنت مدمناً للعادة السرية والأفلام الإباحية، قمت بعمل حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وكنت أقوم بالدردشة مع فتيات في أمور الجنس أو نمارس تلك العلاقة بشكل افتراضي عن طريق الدردشة، ولكن بدأت الوساوس تكسر كل الحواجز واخترقت كل نواحي حياتي (حتى الجنسية).
كنت قد تعرفت علي فتاة، وكنا نقوم بتلك العلاقة الافتراضية بشكل شبه يومي، واقتربت مني بدرجة قوية جداً، حتى فوجئت في صباح يوم برسالة منها وهي مفزوعة تقول فيها أنها استقيظت مستثارة وقامت بفعل العادة السرية وحدها وفوجئت بنزول بعض قطرات الدم، ثم تبعها في نفس اليوم ألم الدورة الشهرية، أُصِبت بالزهول فلم أكن أتخيل أن هذا قد يحدث ويمكن أن أكون السبب فيه، اطمأنت أنها لم تُدخِل أي شيء صلب في المهبل، بل أكدت لي أنها قد مارست العادة من الخارج فقط، فطمأنتها وأخبرتها أن هذا الدم هو دم الدورة الشهرية فقط ولا داعي للقلق، كما أنها كانت تشعر بألم الدورة الشهرية واستمرت معها أيام بعدها مما يدل أن هذا الدم هو دم الدورة الشهرية وليس دم البكارة.
اطمأنت هي، ومرت الأيام واستمررنا فيما كنا فيه من علاقة افتراضية، ولم يتكرر هذا الأمر، ونسيت هي ما حصل، وتظاهرت أنا بالنسيان.. وبعد فترة ليست بالقصيرة اتفقنا على التوبة، وبالفعل تبنا إلى الله من ذلك الفعل القبيح، وتبت من العادة السرية والأفلام الإباحية، وانتظمت بالصلاة، ولكن يأتيني الوسواس ويسألني بعد كل هذا الوقت "ماذا لو كان هذا الدم دم غشاء البكارة لتلك الفتاة؟ أنت السبب في هذا الأمر، أنت من شاركها في هذا، أنت سبب استثارتها، أنت حقير".
تراودني أسئلة كثيرة جداً مثل: لما عليَّ أن أقلق بشأنها رغم أني لم أُرغِمها على ممارسة العادة؟ لما عليَّ أن أهتم لأمرها بالرغم من عدم رؤيتي لها أصلاً فالأمر كان مجرد افتراضي؟ لم عليَّ أن أهتم بمن حولي وأقلق بسببهم؟ مع ذلك فأنا على تواصل حتى الآن مع تلك الفتاة، وعلاقتنا جيدة جداً جداً كأصدقاء بدون أي تطرق لأي مواضيع جنسية لأننا قد نوينا التوبة الصادقة من هذا الفعل والتزمنا.. هل أنا إنسان حقير بالفعل وقد دمرت حياة تلك البنت وهي تخاف أن تقول لي هذا؟
هل عليَّ أن أنتحر لأنقذ العالم مني؟.. أشعر أني اؤذي جميع من حولي، أخاف على غيري أكثر من خوفي على نفسي، وأخاف أن أتسبب في جرح أحد أو إيذاء أحد بقصد أو بدون قصد.
ماذا أفعل ؟.. أجيبوني
10/10/2020
رد المستشار
مرحبا بك يا "عليّ" على موقع مجانين للصحة النفسية.
لم تدمّر حياة أحد يا "عليّ"، وإن بقيت على هذا التفكير فحياتُك هي التي ستدُمّر، تتحدث وكأنّك ديكتاتوري سفّاح (ولن ينتحر ليرتاح العالم منه على أيّ حال!!)... أقصد هنا "بهذا التفكير" لا وساوسك فهي لا إرادية، بل أقصد ردّة فعلك المبالغ فيها والتي تخلو من الحب والرحمة تجاه نفسك.
إليك نظريّتي بخصوص وضعك (والتي قد يؤكدها الطبيب النفساني فيما بعد أو ينفيها جزئياً أو كليّاً): أنت كنت تعاني من حزن دائم منذ المراهقة، وسطرك الأول يفيد هذا، عند دخولك الجامعة تفجّرت الوساوس واتخذت أشكالاً مختلفة في حياتك، بداية بوصفات الأدوية إلى الأمور الجنسية إلى مصير فتاة كل ما فعلتُه كان مع نفسها وبنفسها.
أسبقية أحاسيس اللاجدوى وغياب السعادة وتمني الموت يقرّبنا من تشخيص "اكتئاب وسواسي"، والذي يتّسم بوجود وساوس وقهور ذهنية (أفعال قهرية عقلية) مع غياب للقهور السلوكية (طقوس الغسل والتكرار والتحقق وعيرها من الأشياء المتعلقة بفعل جسدي).
ما يحصل معك ببساطة يتجاوز إرادتك، ومن هنا أسئلتك الأخلاقية في الأخير ليس لها معنى نهائيـــــاً، وأكبر مساعدة يمكن أن تسمعها من أحد على وجه هذه البسيطة هي أنّك أصبت بـ "اضطراب الوسواس" ولا تتحكم فيه، وأنّها مجرد وساوس ولا علاقة لها بالواقع، ولا تعكسه إلا في "ذهنية الموسوس السحريّة"، وهي خاصية تفكير عند المصابين بالوسواس تجعلهم يربطون وقائع وأشياء ونتائج ببعضها بطريقة "سحرية" لا وجود لها، ومستحيل أن يتخيّلها المعافون.
توقع الأذى في نفسك وفي غيرك نابع من تصديق تلك الوساوس وتوقع حدوث شيء سيء، وقد يعني هذا ترافق "فوبيا الاندفاعات"، وهي عبارة عن خوف مرضي في فعل شيء بمجرد أن الفكرة حضرت، ومن ثمّ يسعى الإنسان لتفادي المواقف التي يمكن أن تؤدي لذلك الفعل، كأن لا تقترب الأمّ وهي تحمل طفلها من النوافذ أبداً لأنها تشعر بفكرة وسواسية تقول لها "ماذا لو رميت طفلك من النافذة؟"، وهي تصدق أنها قد تفعل فتتجنب النوافذ بشكل مرضيّ مرافق لرعب وترقب، وغير هذا.
فأنت ضحيّة "الاجترار الوسواسي obsessional ruminations" وتحتاج تدخلاً طبياً في أقرب وقت، وكل شيء سيكون على ما يُرام، وتابع الأدوية التي سيعطيك إياها الطبيب النفسي، لكن لن يكتمل العلاج إلا بجلسات تقويم لطريقة تفكيرك المشبعة باليأس وتأنيب الضمير والشعور بالغزي، والتي يبدو أنّها تشكّلت قبل هذه النوبة الوسواسية بكثير.
تمنيات لك بالشفاء، وانتبه لردَّات فعلك غير المنطقية والمبالغة تجاه الوساوس فهي تزيد الحالة سوء، وجود وساوس سيئة وغير منطقية ومتعبة شيء، والقيام بردة فعل مرعوبة ودراماتيكية شيء آخر ولا ينفع في شيء.
وأتركك مع بعض الروابط لتفهم جيداً ما معنى "الاجترار الوسواسي" وما يميّزه عن مجرد "التأمل أو التعمق الطبيعي":