السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
بداية أود أن أشكركم جدا جدا على هذا الموقع الذي طالما حلمت أن يكون لدينا مثله، وأشكر جميع العاملين على هذا الموقع، كما أخص بالشكر الدكتور وائل أبو هندي الذي أعجبتني إجاباته جدا، وكنت دائما أتذكر فيك الشهيد المجاهد محمود أبو هنود رحمه الله، وكنت دائما أتخيل أنك عجوز كهل لما في هذه الحياة من معجزات تحتاج إلى عمر طويل لفهمها، ولكن لم أتوقع أبدا أنك لم تصل للأربعين من العمر.. بارك الله لك في عمرك.
وأنتِ أيتها الدكتورة ليلى الأحدب، لقد أعجبتني إجاباتك المنطقية والواقعية المليئة بالحب والحنان، فبارك الله لكم في أعماركم وأعمار جميع القائمين على هذا العمل الدءوب.
أما بعد: فأنا فتاة في العشرين من عمري، طالبة في إحدى الجامعات، ولكن مع كل هذا المحيط الذي يحيط بي من جامعة وأهل وإخوة وأقارب لم يعني على أن أكون خالية من المشاكل. ومشكلتي باختصار هي أني أخاف.. أخاف من اللا شيء، أخاف من الجلوس وحدي، أخاف من النوم وحدي، أخاف جدا جدا لدرجة أني أتمنى الذهاب إلى ربي دون الموت؛ لما في القبر من ظلمة ووحشة.
أخاف الظلام كثيرا وإن كان اسمي يعني كل الظلام، إني أعاني الكثير بسبب هذا الخوف. أنا مؤمنة بربي كثيرا ولكن لا أعرف لماذا هذا الشيطان!! فكثيرا ما يحدث لي وأنا في الصلاة أن أتخيل أحدا مر من أمامي فتلتفت عيني يمينا وشمالا لكي تراه، مع العلم أن أهل البيت نيام (3 أشخاص وأنا).
كثيرا ما أشعر أن هناك من هو خلفي ويريد أن يضربني ويبطش بي، لدرجة أني وأنا صغيرة (13 عاما) كنت أنظر خلفي أثناء الصلاة، لكن هذه الحركة اختفت ولكن مع بقاء صراع داخلي بوجود شيء ما سيضربني أو سيظهر لي فجأة. وأنا أخاف من عالم الخيال.
وإذا جن الليل ويلٌ لي، فعلى أي الجنبين أنام؟!! أحب النوم على الجانب الأيمن وذلك حسب السنة، ولكن الخوف يمنعني؛ فعندما أنام على جنبي الأيمن أكون قبالة الحائط وخلفي باقي الغرفة (فراغ)، ولكن إن نمت على جنبي الأيسر أطمئن؛ لوجود الحائط من خلفي وعيني في باقي الغرفة كي ألاحظ من سيأتي (أرجو أن تكون قد وضحت الصورة).
وبسبب ذلك -أي نومي على جهة واحدة- أشعر طوال الليل بألم في رأسي وكأني لم أنم، وأرتاح عندما أرى أن الجميع سينامون، أسرع قبلهم كي يسبق النوم أحلامي وتخيلاتي لأني عندما أراهم نائمين وأنا مستيقظة أشعر أن الجميع من حولي ميتون، لا أشعر بل أعرف؛ لأني سمعت حديثا يؤكد ذلك بأننا حين ننام نكون قد متنا ميتة صغرى وتخرج أرواحنا. وأنا أخاف من الموت كثيرا ومن الميتين ومن كل شيء.
أحلم كثيرا وتأتيني أكثر من عشرة أحلام في الليلة الواحدة، هذه التي أتذكرها وأستعيدها فقط وجميعها كوابيس إلا ما ندر، مع أني لا أنام إلا على وضوء، ولا أستطيع النوم بدون وضوء بتاتا.
كثيرا ما أشعر بالأرق، وكثيرا ما أستيقظ مبكرا متعبة مرهقة كأني لم أنم. أخاف عالم الجن، وأشعر مرارا أنه سيظهر لي أحدهم. وأخاف كذلك من كل شيء خفيّ حتى إني عندما أقرأ القرآن أشعر بأن ملكا سيخرج لي، وهذا أيضا يخيفني.. أرجوكم ساعدوني.
في كثير من الأحيان -خاصة عند النوم- أقول لنفسي: إني لا أريد التفكير فيما يخيفني من صور شنيعة أو لحظات سيئة أو تخيلات مريعة، ولكن سرعان ما يقوم عقلي بإصدار كل ما لديه من صور مخيفة وتهيئات شنيعة؛ بل ويقوم بزيادة درجة تخويفها كأني قلت له العكس: تذكر يا عقلي كل ما لديك كي لا أنام!. لا أعرف لماذا يعمل هكذا؟!! تعذبت كثيرا من هذا الخوف، وتعرضت كثيرا لمواقف محرجة بيني وبين أختي الصغيرة التي لا تخاف.
هل هذا يتعارض مع إيماني وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا؟ والله إني أؤمن بهذا ولكن سرعان ما تتأجج مشاعري بالخوف عند تذكر أو تخيل أنه سيحدث لي شيء أو سيظهر لي شيء.
أرجوكم ساعدوني من هذا الوهم، من هذه الحياة المخيفة التي أعيشها، وهل أنا مريضة؟ وإن كنت كذلك فما أسباب ذلك برأيكم؟ وما العلاج؟ وكيف أتخلص من هذا الوهم دون رجعة؟ أفيدوني أفادكم الله.
بارك الله فيكم، وصلى الله على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1/3/2007
رد المستشار
وعليك السلام يا ابنتي.
الابنة العزيزة، أهلا وسهلا بك وشكرا على دعواتك الطيبة، وإطرائك الرقيق، أمتعتني قراءة سطورك الإلكترونية، وأفادتني كثيرا من الناحية المعرفية، فجزاك الله خيرا.
بداية أنت تكونين كثيرا في منتهى القلق، وعن الخوف والقلق سأحدثك طويلا فاصبري. ولكنك -ولله الحمد- تؤدين أداء طيبا في مجمله من الناحية الأكاديمية والأسرية، اللهم إلا ما يبدو أنه تصاعد في الآونة الأخيرة بسبب المقارنة بينك وبين أختك، أو بين خوفك وشجاعة أختك الصغرى، ولا أخفيك أنه أمرٌ محرج وأنت ست العارفات، ولكنك طالبة جامعية تمتلك أسلوبا رائعا وقدرة جديرة بالثناء على الوصف والتعبير، مفعلة أعراضها مع جوانب حياتها كمسلمة واعية إن شاء الله، بحيث يكونُ كلامها كلاما يتعلم منه الأطباء النفسيون، ولست أبالغ في ذلك.
أنت تشتكين من الخوف، وأنا أقول لك: القلق، فما الفرق يا ترى بين الخوف والقلق؟ أبسط المقاربات تسطيحا لشرح ذلك هي أن القلق هو الخوف من تهديدٍ غير واضح بالخطر؛ أي من مصدر غير واضح، وقد يكونُ التهديد داخليا ولكنه أيضًا غير واضح، وقد تكونُ له علاقة بصراعات صاحبه الداخلية وقد لا يكونُ الرابط واضحا، بينما الخوف يكونُ من شيء يعرفه الخائف بوضوح، وغالبا ما يكونُ موضوع الخوف خارجيا، وغالبا لا علاقة له بصراعات الإنسان النفسية.
والحقيقة أن الفرق أعمق من ذلك، وليس أعمق فقط وإنما الواقع يقول بأن الإنسان نادرا ما يعيش حالة نقية من أحدهما؛ ففي معظم الأحيان يكون لدى الإنسان خوف وقلق أو قلق وخوف. وسأضرب لك مثلا بالامتحان الشفهي، فقد يكون الخوف من أن أسأل فيما لم أذاكره أصلا خوفا منطقيا مبررا، ولكن ماذا عن خوف من ذاكر كل المقرر لكنه يخاف أن ينسى فجأة هكذا في الامتحان؟ هل الأخير أيضًا خوف؟
والحقيقة أننا نستطيع تقسيم مشاعر المنتظر أمام لجنة الامتحان الشفهي إلى خوف من أسبابٍ معروفة ومنطقية، وإلى قلق يهيم حول احتمالات وتوقعات سيئة مبهمة وغير منطقية، وكل من جرب الامتحان يستطيع أن يرجع بذاكرته للوراء، وبالتأكيد سيجدُ أنه عاش خلطة ما من الخوف والقلق.
وبالمناسبة -وزيادة في التركيب مع الأسف- فإن القلق والخوف له شكلان أحدهما طبيعي وصحي والآخر مرضي؛ فالخوف حين يكونُ من شيء يخاف أغلب الناس منه خوف طبيعي، لكننا أحيانا نجد خوفا مما لا يخاف منه الناس عادة ونسمي هذا بالرهاب، وأنواعه عديدة لكن أفيدها في شرح المثال هو الرهاب النوعي Specific Phobia كمن يخاف من أحد الحيوانات أو من ركوب المصعد الكهربائي إلى آخره.
ولعل من الأفضل اعتبار أن أفضل تمثيل للعلاقة بين الخوف والقلق هو أن نتخيلهما كمفاهيم على متصل معرفي شعوري سلوكي، وكل منهما يحتل ناحية في أقصى المتصل، بينما عباد الله يعيشون على ذلك المتصل أقرب للقلق الصحي غالبا، ولكن بعضهم يصاب بما نسميه اضطراب القلق المتعمم Generalized Anxiety Disorder واختصار GAD، وبعضهم بغيره من اضطرابات القلق الأخرى، لكن المهم هو أن تنتبهي هنا إلى أن القلق أصلا جزءٌ من حياة الإنسان بل هو وقود يحركه، وكلنا معتادٌ عليه، لذلك قد أكونُ في منتهى القلق ولكنني لا أراه بسهولةٍ مرضا كما تتساءلين في آخر إفادتك.
لا أستطيع الجزم في أمر حالتك النفسية هذه يا ابنتي إلا بشيء من القلق، وهذا القلق عندي لأني أتعامل مع سطور إلكترونية، ومهما أحسنت صاحبتها أو أحسن صاحبها الوصف فلا أنجو من قلق طبيب نفسي يرد على سطور يعتقد أنها لمريض أو مريضة، ويعرف أن كل كلمة مسئولية، ولكن قلقي يزول بعد أن أحسن الرد؛ لأنني بفضل الله لا أعاني من القلق المرضي، ولذلك أقلق مع المهمة التي في يدي وأخلص من قلقها بعدها، وهكذا قلقي كمستشارة نفسية.
دعيه الآن.. إن الحال ليس هكذا عندك يا ابنتي فيما يتعلق بما هو غير مرئي لك ولا واضح، وهذا ما يجعلني أشك في أن القلق المتعمم عندك في الخلفية، وها هو يلاحقك في صورة الخوف المفرط من كل ما هو غير ظاهر أو مبهم. وبالمناسبة أتمنى أن تراجعي نفسك في أمر علاقة اسمك بالظلام، فالليالي لا تعني كل الظلام كما قلت، وتذكري القمر الذي لا يكونُ إلا في الليالي.. أليس كذلك؟
أيضًا لماذا لا تغيرين اتجاه السرير؟ أليس هذا ممكنا؟ على الأقل مؤقتا يا ابنتي حتى تدبري أمرك فيما سأنصحك به، فأنا بالتركيز على ما وصلني من حالتك أجدُ أنك رغم ما وصفت من أعراض تشبه أعراض بعض الموسوسين، فإني أحسبها لا ترقى لمنزلة اضطراب الوسواس القهري، أو لعلها درجة خفيفة منه لا تعوقك عن النجاح، وإن نغصت عليك طعمه عافاك الله، وقد لا تكونُ أكثر من جزء من خوفك المتعمم: أو قلقك المتعمم، الله يا ابنتي أعلم.
أنا يا ابنتي احترت بين جمال النص وإيحاءاته، وآلمني أن تطول معاناتك بهذا الشكل، لذلك أسوق لك النصيحة بأن تفكري بفتح موضوع حاجتك إلى طبيب نفسي مع أقرب مقرب من أهلك؛ فهو -إن شاء الله- يستطيع تقييم الموقف أفضل منا،
وإن شاء الله تجدين الشفاء، وأنا في انتظار متابعتك.