الدمار النفسي وضعف توكيد الذات م4
السلام عليكم ورحمة الله
الأستاذ الدكتور/ مصطفي السعدني الدكتور الكريم دكتور مصطفي "ممكن أقول لسيادتك دكتوري العزيز الرائع مصطفي" ولا أكون خرجت عن حدودي أنا بعز حضرتك جدا وباحترام كل شيء تكتبه ويا رب تعمل عيادتك، وسأكون أول من تطرق الباب على العيادة.
سؤالي بسيط جدا، عندما تعمل في شركة مثلا تكون في بداية الأمر خجول "ولا تتكلم كثيراً"، وبعض الناس يتقربون لك من زملائك وبعض رؤسائك ويحدثونك أحيانا في شئونهم الخاصة أو يضحكون معك حتى لا يكون العمل ممل فتهتم لمصلحتهم وتعاملهم ليس كرئيس ولكن كشخصيات محببة إلى نفسك فتتبسط أحيانا في حديثك معهم وبدون أن تشعر بالطبع!!، أنا أشعر الآن أنني مخطئة وأنا أحدثك لتذكري بأنه رئيسي في العمل وليس زميل ولكن كيف تعامل رئيسك الذي يعطيك مساحة لتتكلم؟؟؟!! وكيف تتكلم مع رئيسك؟؟!! وكيف أعمل فرملة لنفسي؟! وكيف أتذكر أنه رئيسي؟؟!! ولكن المشكلة أنني أفعل ذلك أحياناً بدون أن أشعر؟
استودعك الله بكل خير وسلام يا دكتور مصطفي، ويا رب تكون دائما بخير وسعادة يا دكتور .
ميرامار
01/07/2007
رد المستشار
ابنتي "ميرامار" هناك متطلبات ومحاذير منا في معاملاتنا رؤسائنا بالعمل مثل:
أولاً: كيف تبنين علاقة ودودة مع رؤسائك؟
1. تذكر أنه لا يستطيع أحدنا أن يختار رئيسه في العمل، فهو يُفرض علينا ممن هو أكبر منه مركزاً.
2. ادرسي نقاط القوة في تفكيره وتصرفاته من أجل الاستفادة منها.
3. تعرفي على مزاج رؤسائك وانفعالاتهم وميولهم، وطريقتهم في الحديث والمناقشة، مع تجنب الأمور التي تثير أعصابهم أو تعكر مزاجهم قدر الإمكان.
4. عززي علاقتك برئيسك بلمسة شخصية أو مجاملة لطيفة (مجاملة صادقة ليس فيها كذب أو نفاق) أو بهدية جميلة في مناسبة يهتم هو بها، وعليك أن تُظهِري له الود والترحاب.
5. إذا كنت تودين إثارة موضوعاً للمناقشة مع رئيسك فيجب أن تدرسيه جيداً، وتجمعين البيانات اللازمة عنه، وأن تختاري الوقت المناسب لعرض ذلك الموضوع.
6. تسلحي مع رئيسك بالكلمة الطيبة الصادقة التي لا نفاق فيها (كي يستمر احترامك لنفسك وكذلك احترامه لك).
7. تجنبي الغضب أو الانفعال الشديد مع رئيسك، وتذكري أن ذلك يفقدك التفكير السليم.
8. أصغي إلى رئيسك عندما يصدر لك أمراً، وتعرفي على ماذا يريد رئيسك منك، وما نوع العمل الذي يريده، وما هي طريقة الأداء التي يطلبها والزمن المحدد لهذا الأداء.
9. حاولي أن تتجنبي التردد والخوف وإبراز أخطاء رئيسك (إن كان له أخطاء متكررة)، وكوني هادئة في عرضك للأمور، وتجنبي كذلك الإطالة المملة أو الاختصار الشديد.
10. اقبلي عذر رئيسك إذا اعتذر إليك وتفهمي تفسيره للموقف لأنه بلا شك أكثر إدراكاً منك.
11. حاولي أن تتعرفي على أحلامه وأمنياته في العمل، وساعديه على تحقيقها من أجل أن يساعدك هو أيضاً في تحقيق أحلامك.
ثانياً: إصلاح العلاقات المتضررة مع الرؤساء:
وذلك من خلال إعادة بناء العلاقة مع رئيسك يجب عليك أن:
1. تحافظي على ارتفاع مستوى جودة عملك.
2. تحافظي على العلاقات الإيجابية مع زملاء العمل.
3. تظهري لرئيسك تقديرك للعمل.
4. ترفضي التحدث بسوء عن رئيسك أمام الآخرين.
5. تذكري أن الرؤساء يُقاس نجاحهم بكفاءة أداء موظفيهم!.
ثالثاً: عندما يتورط الأشخاص في خلافات لإحدى العلاقات فإن القليل منهم هم من يتصرفون بحكمة نتيجة الخبرة و الإدراك؛ فيتمكنون من معالجة الموقف بفعالية!. هناك ثلاثة عوامل تجعل من الصعب الفصل بين مستقبلك الوظيفي والإجهاد النفسي للموقف وهي:
1. تغليب النزعة الانتقامية: فعند حدوث إجهاد للموظف بسبب خلافات علاقات العمل فإنه يلقي اللوم على زملاء العمل وأحياناً على رؤسائه.
2. قبول النصيحة من المصدر الخطأ: فقد تأخذين المشورة من شخصٍ غير حكيم؛ وبالخطأ، فيزيد ذلك من اشتعال الخلاف.
3. تغليب الكبرياء: قد يقع الجميع في أخطاء ضمن إطار العلاقات الإنسانية، والكبرياء والتحيز دائماً يمنعان إيجاد حل دون ضحايا!.
رابعاً: استراتيجيّة الفوز:
هناك أساليب عملية تساعدك على بناء علاقات جيدة والحفاظ عليها بكفاءة؛ وهي:
1. اعملي على تكوين علاقات متنوعة وحافظي عليها؛ وتمتعي بعلاقات متعددة مع الرؤساء والزملاء والعملاء والأصدقاء، فكل هؤلاء سوف يساهمون بصورة مباشرة أو غير مباشرة في بناء مستقبلك الوظيفي.
2. ركزي على العلاقات لا الشخصيات؛ ففي علاقاتك مع الآخرين ركزي على نوعية العلاقة بغض النظر عن شخصية طرف هذه العلاقة! (وأنا أعلم أن تنفيذ هذا البند صعب جدا على من يفتقدون للمرونة في تصرفاتهم).
3. طبقي نظرية المنافع المتبادلة؛ فلكي تستمر العلاقة مع الآخرين يجب أن تكون هناك منافع متبادلة بين أطراف هذه العلاقة، وبحيث لا يشعر أحد الأطراف أنه وقع في موضع الضحية أو كبش الفداء.
4. تجاهلي المضايقات الصغيرة؛ وكُفّي عن التركيز على التوافه من الأمور، وركِّزي على الأمور الهامة والتي تؤثر على العلاقات في عملك.
5. ضعي لنفسك علاقة تحذير: كوني مراقبة لنفسك!، فهل بدأت تتصرفين بسلبية أو بإيجابية اتجاه الأشخاص أو المواقف؟!، وهل يؤثر ذلك على مستقبلك الوظيفي؟!.
6. اختاري مستشاريك بعناية: أنت بحاجة مستمرة إلى دعم من حولك، ولكن يجب أن تختاري أشخاصاً يتصفون بالحكمة والموضوعية حولك يرشدونك ويوجهونك كي تستنيري بآرائهم وأفكارهم.
7. كيف تبتعدين عن المشاكل؟!: تعلمي يابنيتي كيفية الانسحاب من المواقف الخاسرة بالنسبة لك، ولا تفسرين ذلك بالجبن أو الضعف!، وإنما سمّيه حلاً للخلاف، وتجنباً للوقوع كضحية.
8. متى تتنازلين : يُعدّ التنازل من أجل حماية مستقبلنا وعلاقاتنا ذكاء اجتماعياً؛ لأنه:
- يُكوِّن منافع جديدة - فعند قبولك أفكار الآخرين عن التنازل يُعد ذلك مكسباً لك – وبالذات عندما يكون التنازل هو الوسيلة الوحيدة لاستعادة العلاقة.
9. اجعلي الخطة (ب) جاهزة: يجب أن يكون لديك خيار بديل لمستقبلك الوظيفي والخطة (ب) تتضمن الخطوات التالية:
- أن تعملي بأقصى كفاءة في وظيفتك الحالية.
- تعرَّفي جيداً على قيمتك السوقية؛ بمعنى احتمالية عملك في مكان آخر مشابه، ومقدار راتبك والمميزات التي ستحصلين عليها من مكان العمل الجديد.
- ضاعفي من شبكة علاقاتك مع الآخرين لاكتشاف فرص عمل أفضل.
- موقفك أثمن ما لديك فحافظي عليه؛ حيث تُقاس نوعية المواقف بمقدار الكفاءة والإنتاجية، فكلما كانت مواقفك إيجابية كان ذلك دليلاً على كفاءتك وإنتاجيتك العالية والعكس صحيح، ولكي تتخذي مواقف إيجابية عليك بهذه الأساليب:
* استخدمي أسلوب (الوجه الآخر) للموقف بمعنى: انظري إلى المواقف من زوايا متعددة غير النظرة السلبية!؛ ثم حاولي أن تبحثي -عند حدوث المشاكل- عن بعض الفوائد أو الجوانب الإيجابية في حدوث تلك المشاكل لك.
* العبي أوراقك الرابحة، أي ركّزي على الأمور الجيدة التي تُبدي لك الأمور السيئة صغيرة.
* اعزلي نفسك عن الهموم الكبيرة، أي قاومي بشدة تلك الهموم التي أفرزتها المشكلة، وادفعيها عن ذهنك كي لا تؤثر على أدائك.
* شاركي بموقفك الإيجابي مع الآخرين: اجعلي الموقف الإيجابي الذي تتخذينه يتعدى إلى غيرك ممن هم حولك.
* انظري إلى نفسك بشكل أفضل: وكوِّني لنفسك صورة إيجابية لكي تعيدي التوازن لنفسك، وتصبح نفسيتك مستقرة.
لعلك تلاحظين معي أن كل الأساليب السابقة هي نابعة من العلاج المعرفي، والتي نُعلِمُها كأطباء نفسيين دائماً لمرضى الاكتئاب أو القلق. ولقد ذكرني بعضٌ من الأساليب السابقة بموقف لفولتير الفيلسوف والأديب والثائر الفرنسي الحُر (الشديد الاعتداد بذاته)، وأحد مُشعِلي ومؤججي الثورة الفرنسية والأب الروحي لنابليون بونابرت والقائل "العمل أبو اللذة ومصدر السعادة":
كيف حوّل خسائره إلى مكاسب؟:
كان فولتير يعيش في المنفى في لندن في وقت كانت فيه العواطف المُعادية للفرنسيين في أوجها، وذات يوم عندما كان يسير في الشارع رأى نفسه محاطا بحشد غاضب من الناس الذين راحوا يصرخون "اقتلوه، اقتلوا هذا الفرنسي"
فخاطبهم فولتير بهدوء بهذه الكلمات: "يا أبناء إنجلترا: إنكم ترغبون في قتلي لأنني فرنسي، ألا يكفيني عقوبة أنني لم أولد إنجليزيا؟!" فهتف المتجمهرون لكلماته المتعقلة، لقد دغدغ عواطف العامة من الإنجليز؛ فرافقوه بسلام إلى مكان سكنه، وبدلاً من أن يقتلونه هتفوا له وخلدوا ذكراه، لقد تنازل فولتير بذكاء شديد وحكمة منقطعة النظير للجماهير الإنجليزية الغاضبة؛ فزادت أسهمه لديهم وتحول إلى بطل بمجاملة عاطفية رقيقة أسرت قلوب الجماهير الحانقة من الشعب الإنجليزي، ولم يكذب فولتير فيما قاله من مجاملة؛ فالإنجليز وإن كان لديهم عيوب عامة كأي شعب إلا أن لديهم صفات حميدة تجعل من الكثيرين من أبناء الشعوب الأخرى يتمنون لو وُلدوا وعاشوا كإنجليز!!.
ابنتي "ميرامار"
سأعيد هذا الكلام مرة أخرى في الفصل التاسع عشر عندما أتحدث عن تأكيد الذات في العمل، ولكنني ذكرت تلك الإجابة المستفيضة من كتاب تأكيد الذات حتى تتمكني من الاستفادة منها مع مديريك في العمل، أتمنى أن أسمع منك أخبارا طيبة عن تقدمك في عملك، وتابعينا بأخبارك.