السلام عليكم ورحمة الله،
أسأل الله العظيم أن يعينكم على نفع المسلمين و أن يجعل هذا الجهد في ميزانكم.
أحب أبي حباً شديداً وأعلم أن ذلك خطأ كبير، ولكنه رغماً عني، أجد فيه أغلب الصفات المثالية فهو أبي وصديقي ومعلمي وقدوتي ومثلي الأعلى، بيننا تفاهم كبير جداً.
قال لي أحبب حبيبك هونأً ما ولكني لم أتمكن من وضع حدود لحبي لأبي؛ أنا معه أشعر بالأمان فهو يحتوي ضعفي، ويساعدني في قراراتي المصيريه كنوعية الدراسة مثلاً دون أن يفرض عليّ ولكن يوضح لي الأمور ونتناقش ثم أحسم الأمر… هكذا تعودت معه. كان لي كابن تيمية لابن القيم، فقد قال ابن القيم: "كنّا إذا ضاقت بنا الدنيا وساءت منا الظنون أتيناه فما أن نراه ونسمع منه إلا ويذهب عنّا ما نحن فيه".
مات أبي منذ أكثر من خمس سنوات بعد مرض شديد جداً، إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
أحبه كثيراً جداً، أشعر أني أفتقد الأمان دونه، فأبي كان القائد لكل العائلة ولا يوجد مثله. أبكي أبي كثيراً، خاصة أني لم أكن أعرف الدنيا جيداً إلا بعد المرور بمواقف صعبة بعد موته. قرأت كثيراً جداً قبل موته في الصبر على الابتلاءات حتى أتهيأ لذلك، وبعد موته أيضاً حتى أكون صابرة، والغريب أني كنت صابرة جداً بعد موته حتى أحقق الصبر عند الصدمة الأولى، ثم بعد ثلاثة أشهر من الوفاة وجدت أني أنهار داخلياً وأبكي أبي كثيراً فتحدثت مع صديقتي رفقاً بأخواتي وأمي حبيبتي.
أعلم جيداً أنه صبر على المرض واحتسب عند الله، وأنه في حال أفضل فهو كان من الصالحين. ألوم نفسي كثيراً خاصة بعد أن قال لي شيخ أن افتقادي لأبي حرام.
أرضى بقضاء الله تعالى وقدره وأحاول ألا ألجأ إلا إلى الله وأن أشكو بثي وحزني إليه تعالى. لا أستطيع اتخاذ قرار الزواج بمفردي دون أبي، فلا يوجد له بديل بالرغم أني تجاوزت الثلاثين. أريد أن أكون أفضل حالاً من ذلك، فإني يمر عليّ لحظات كثيرة أفقد فيها أبي جداً، أنا متعلقة به جداً، أكثر من أخواتي وكان يحبنى جداً، فقد كنت دوماً بارة به مطيعة له، وأمي أحبها جداً وأطيعها وأبرها دائماً.
منذ أكثر من عام، وبعد أن تعرضت لبعض الابتلاءات زاد افتقادي لأبي أكثر، فأبكي أبي كثيراً عندما يواجهني موقف صعب وألوم نفسي لأني ينبغي ألا ألجأ إلا إلى الله. أريد عمل أشياء كثيرة ولكني أؤجل، وأكون أحياناً نشيطة وكثيراً كسولة. أحاول التفوق في عملي والتقرب إلى الله، والحمد لله لي صديقات، ولكني كما قيل لي حساسة ومثالية وأظن أنها عيوب. أتعلق بأبي تعلقاً شديداً كتعلق الطفل بأمه، أعلم أن ذلك خطأ ولكنه رغماً عني، أحاول كثيراً تغيير ذلك ولكن لا أستطيع.
أتمنى من الله أن أجد عندكم النصيحة.
6/7/2009
رد المستشار
صديقتي،
إن الاعتمادية الشديدة التي تعودت عليها مع أبيك تنعكس أيضاً في فكرتك عن الله واللجوء إليه، وهي فكرة غير سليمة وتؤدي إلى التواكل أو محاولة الرضا المزيف بالحال. إن الابتلاء أو الصعوبات أو التحديات أو المشاكل كلها لها غرض واحد وهو اكتشاف قدرات الإنسان بنفسه ولنفسه. وحتى وإن لم يكتشف شيئاً فمما لا شك فيه أن الخبرة التي لا تودي بنا إلى القبر! هي خبرة من الممكن التعلم منها. وعلى هذا يكون بالفعل "فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا".
لقد آن الأوان أن تنضجي وتعلمي بأنك قادرة على التعامل مع أي مشكلة تواجهك في الحياة لأن الله قد وعدنا بهذا عندما قال "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"
إن ما تكسبه النفس هو ما تعمل عليه وتجاهد فيه، وتكتسبه هو ما تأخذه من المجتمع ومن الآخرين بطريقة عشوائية وعمياء.. لقد أخطأ أبوك في حقك وحق نفسه وأخطأت أنت أيضاً في حقه وفي حق نفسك (بمنتهى حسن النية من الطرفين) عندما حافظتما على حالة الاعتمادية التي هي الآن مصدر العذاب في حياتك.
لو كان أباك هنا الآن، كيف تراه ينصحك وبم سينصحك الآن؟؟ تخيلي أنه موجود هنا معك الآن، ماذا سيقول وكيف سيناقشك حتى تصلي إلى أفضل الحلول؟؟
إذا كنت تريدين الإحساس بالأمان، فعليك أن تعي بأنك الشخص الوحيد الذي أنت ضامنة لوجوده كل يوم وكل ليلة ومدى الحياة وإلى الأبد.. فكيف توقعين بنفسك في فخ الاعتماد على من يمكنه أن يمرض أو يموت أو يسافر أو يغير رأيه؟ الإحساس بالأمان يأتي من داخل الإنسان أولاً وليس بوجود أي شخص آخر، وليس هناك مفر من المسؤولية الكاملة للإنسان عن نفسه ومصيره، فمهما اختار لك أبوك أو أي شخص آخر فلا مفر من أنك أنت التي ستتحملين عواقب هذا الاختيار، ألا ترين أنه إذا اخترت ألا تختاري (ويختار لك شخص آخر) فقد قمت بالاختيار؟؟؟
يقول الله عن الحياة "ما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو" فهوني عليك وتعلمي من خبرات الحياة وأقبلي عليها كهدية من الله وليس كمأساة أو كمين مخيف.
من المستحسن أن تراجعي المعالج النفسي لمناقشة هذه الأمور.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.
ويتبع >>>>>>>: ألم الفراق م