ألم الفراق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كنت قد أرسلت رسالة ووضعتم لها عنوان "ألم الفراق " أحكي لكم فيها عن مدى افتقادي الشديد جداً جداً لأبي، ومن شدة بكائي واضطرابي كانت كلماتي مبعثرة، فأبي مات منذ أكثر من خمس سنوات ولكنني منذ أكثر من عام أبكيه كثيراً كلما تعرضت لأزمة، كالطفلة الصغيرة المتعلقة بأبيها، والحمد لله أنا متماسكة الآن وأريد أن أتواصل معكم جزاكم الله خيراً.
لا أخفي عليكم انزعاجي الشديد جداً عندما وجدت أن الذي قام بالرد عليّ مستشار وليست مستشارة، فقلقت جداً وانزعجت لذلك، وأعلم أنه ليس هناك مبرراً لذلك فلم نتحدث بشكل مباشر، لكن سبب انزعاجي هو استغلال بعضهم لنقطة ضعفي الكبرى "افتقادي لأبي" والظهور بمظهر الأب ثم تغير النية أو بمعنى أدق المعاملة.
لمَ هذه القسوة على أبي في الرد؟ فهو لم يخطئ في حقي أبداً، وأنا أحسبه من أفضل الآباء، وربما الخطأ مني أنا، فقد كان يقول لي دائماً "أحبب حبيبك هوناً ما" ولكني لم أستطع وضع حدٍّ للتعلق به.
ليست الاعتمادية كما تظنون، فأنا أتحمل مسؤولية نفسي وأهلي فيما عدا قرار الزواج. وأريد أن أخبركم أني أتحمل المسؤولية بشكل جيد جداً مذ كنت طفلة صغيرة، مرّنني والداي على ذلك بالتدريج حسب سني، ولكني كثيرة القلق مذ كنت صغيرة من أمور لم تكن أختي تقلق منها، وأظن القلق طبيعة داخلية عندي لأمور قد تمر بسلام دون انزعاج.
أنا هادئة ظاهرياً وأخفي قلقي، ومتعاونة وسعادتي في إسعاد من حولي، وأتحمل مسؤولية عملي. أساعد كل من يحتاج لي، و أنصح الجميع، والكل يشهد لي بحسن الخلق والمثالية والإيثار والعقل والحكمة منذ صغري، والآن عمري 30 عاماً.
مشكلتي هي نصيحتي لنفسي، فأنا أعجز كثيراً عن اتخاذ قرار الزواج. تربيت على الدراسة والمذاكرة وعدم التفكير في الأولاد أو الكلام معهم أو اللعب أيضاً.
بعد أن تخرجت بأيام تقدّم لي شاب جيد، أخذت أبكي وأدعو ألا يأتي مرة ثانية وكنت مرعوبة من الخوف والقلق. وبعد موت أبي كانت أمي تقول أن هذا القرار صعب ويحتاج لرأي رجل، وأحياناً تبكي وتقول: "لم نرتاح إلا بعد الرفض". وإلى الآن:
أشعر أن الزواج بحر لا ساحل له، وأن حياتي ستنهار به وليس بداية لحياة جديدة، وإن بدأت أدرس القرار أميل للرفض لأني لا أستطيع الاستمرار. إذا تقدم لي أحدهم أستخير وأستشير وأنهار من البكاء لأنني لا أستطيع الاستمرار في القرار فأنظر أكثر في العيوب. تعرضت خلال السنوات الماضية لمرات من ضغط الأهل السطحي في أشخاص ليسوا مناسبين بالمرة، وكانت أمي موافقة لأنها تشعر بالضعف وتحتاج لتدعيم قرارها، بالرغم من ذلك فأنا في صراع دائم بين افتقادي للولي في حياتي. أحتاج من ينصحني ويفهميى ويحتويني.
قرأت كل مقالات واستشارات "كيفية الاختيار" ولكني أعجز عنه، أحتاج لزوج يفهمني وأتحمّل مسؤوليته ويتحمّل مسؤوليتي، يفكر معي، فأنا أفكر دائماً في كل شيء من بعد موت أبي، أتمنى ولياً لزيارة بيت الله.
الحرام، أحتاج من يسأل عني ويهتم بي، ولكني أشعر أن مجرد بدأ الخطوات للزواج كما لو كنت سأرمي نفسي في النار. لذلك وبسبب ما تعرّضت له من رؤية الحياة بحقيقتها القاسية بعد موت أبي، وبعد أن كنت أراها جميلة ومثالية وكل الناس طيبون، رأيت الحقيقة فأفتقد أبي وأبكيه كثيراً عندما أتعرض لأمور صعبة.
أظن أن أبي هو من كان سيساعدني في قرار صعب كهذا.
أعتذر للإطالة وأتمنى أن أكون أوضحت بعض الأمور،
وجزاكم الله خيراً.
19/7/2009
رد المستشار
صديقتي،
إليك بعض النقاط التي تدل عليها رسالتك الثانية:
- انزعاجك لأن الرد جاء من ذكر وليس من أنثى بسبب تغيّر المعاملة من بعض الأشخاص الذين لعبوا دور الأب يوحي بتعميم في غير محله.
- إبراز ما قد يكون خطأ في طريقة أبيك معك ليس قسوة وإنما تقرير واقع واضح كل الوضوح.. جلّ من لا يسهو أو يخطئ.
- تحتارين في قرار الزواج وتريدين من شخص آخر (أبيك) أن يختار لك، هذه هي الاعتمادية.
- تخافين من الجنس والارتباط والنضج وهذا يجعلك تبحثين عن العيوب أولاً.. من المهم رؤية العيوب بوضوح ولكن من منا يخلو من العيوب؟! المهم ألا تكون هذه العيوب جوهرية.
- تريدين وليّاً لزيارة بيت الله الحرام، هذا يدل على أن الزوج أو الولي في الوقت الحالي بالنسبة إليك مجرد وسيلة.
- إذا كانت الحياة القاسية تجعلك تفتقدين أباك فهذا دليل آخر على الرغبة في العودة إلى الطفولة والاعتمادية، الحياة هي الحياة وهي جميلة بما فيها من قسوة وألم وحنان وبهجة وحب.
من المهم الآن أن تعيشي سنك، ثلاثين عاماً، أي أنك يجب أن تفكري في أن تكوني أنت من يعتمد عليها أطفالها ولا تعتمد هي على أبيها المتوفى وتتمنى رجوعه من العالم الآخر ليتخذ لها القرارات المهمة والصعبة في حياتها.
R03;أقترح عليك مراجعة معالجة نفسية لمناقشة هذه النقاط.
وفقك الله وإيّانا لما فيه الخير والصواب.
التعليق: السلام عليكم،
أكتب لكم اليوم، يوم وقفة عرفات بعد مرور أكثر من عامين على إستشارتى لأقول لكم أننى لم أفهم معنى كلام المستشار إلا بعد وقت طويل، كنت تائهة جدآ بعد أن اكتشفت حقيقة الدنيا بعيدآ عن الجنة التى كنت أتصور نفسى فيها، لقد أمضيت فترات صعبة جدآ كنت لا أتحمل فيها مجرد وجودى فى الدنيا، و مما صعب الأمر أنه لم تجدى معى أدوية الاكتئاب المعتادة، أمضيت وقتآ طويلآ فى البحث عن نفسى لدرجة أننى كنت أتعرف على نفسى مثل الكمبيوتر عندما يوصل بطابعة جديدة تحتاج كارت تعريف.
تعبت الدكتور وائل معي كثيرآ جدآ جزاه الله خيرآ ولكنه كان صبورآ ويتحمل جنوني الذي كان جديدآ على طبعي ولم أعتده من قبل في حياتي التي كانت هادئة ومستقرة.
الآن أرى الدنيا بأفراحها وآلامها وأحزانها وإقبالها وإدبارها بصدر رحب بعيدآ عن الضيق والحزن والاكتئاب ولكن بنضج ومحاولة للفهم.