سوء حظ أم سوء اختيار أم إهمال أم نصيب أممممممم؟
السلام عليكم،
الأخت الفاضلة الأستاذة رفيف حفظك الله وأفادني شخصياً بعلمك، فأنا أقرأ ردودك على أصحاب المشكلات وأناقشك بكل هدوء.
أختي الفاضلة،
حفظ الله كبدك وطحالك، وأما البيض فقد غلا ثمنه، وأما الطماطم ارتفعت أسعارها بسببب رمضان تقبّل الله صيامك، وما كان لي أن أرمي أستاذتي بشيء منها، وإن فهمت مني هذا كهجوم عليها في ردّي فلا أقصد مضايقتك أو إلقاء التهم جزافاً عليك، ولكن يبدو أنني لم أتمكن من إيضاح وجهة نظري لك، وإليك التفاصيل:
أنا لا أعرف صاحبة المشكلة ولا أعرف صاحبها، ولكني مررت بتجربة قاسية ومرّ زملائي وهم صادقون في مشاعرهم بهذا الموقف -رجالاً ونساءً-، ولك أن تعتقدي أني أبيح الحرام لأنك تفكرين بكبدك، لا والله، ولكني أقول أن التوافق الفكري مهم كالتوافق الاجتماعي، وسأفصّل بعد هذه القصة الحقيقية.
الفتاة الجميلة المهذبة فلانة، المتواضعة، أنعم الله على والدها ببعض فضول الأموال بعد أن كان يجد قوته بشق الأنفس. في عمر الزهور، يتقدم لها شاب أحبها وأحبته، بدأ راتبه ب 1200 جنيهاً مصرياً، يرفض الوالد لأنه لن ستطيع إعاشتها في المستوي المادي الذي تحياه؟! مع أننا لو رجعنا للوراء قليلاً لكان رقم مثل هذا بالنسبة للوالد "أملة كبيرة"، ولو تقدمنا بالعمر قليلاً لتخطت تلك الفتاة الثلاثين من عمرها! فماذا تقولين؟.
الشاب فلان، مهذب من عائلة متوسطة، عمل طوال عمره للإنفاق على أسرته ومساعدتها، كبر ودخل الجامعة وأحب زميلة له في المرحلة الثانوية من نفس مستواه الاجتماعي، اجتهد وعمل بأحد الفنادق الشهيرة وأصبح قادراً على الإنفاق عليها... أحبته هي الأخرى. تخرّج الشاب ولكنه رُفض، وبعد تخرجة بشهر أجبرت الفتاة على استخدام العقل بطريقة الكبد والطحال! وتزوجت بشخص لا تطيقه أصلاً، ودُمّر هذا الشاب نفسياً لدرجة أنه صنع ميدالية تحمل اسمها ليضع فيها مفاتيحه كي يظل يتذكرها؟!.
إن الفطرة التي أتحدث عنها هي فطرة الحب وليس الخيانة أو الالتفاف، فحبك لوالدك وحب شخص وقور زميل له بقدر شبه مساوٍ لا يعني خيانة الأبوة، الحب هبة من الله. لكن حب الزوجة لغير زوجها هو العكس، اسمه خيانة أو خلط مفاهيم وكسوتها ثوب الحب العفيف الفطري كما أسلفت. سيدتي، قد يكون هذا الفتى صادقاً، كيف نعرف صدقه من كذبه؟ كيف نعرف هو مساوٍ لنا اجتماعياً وفكرياً أو مقارب لنا؟ باللاسلكي؟! هنا تكمن جريمة عدم مصادقة الأبناء واعتبار تأمينهم نظرياً فقط من باب المعاملات المفروضة، هو الخطر الذي يدفع الخيانة للنمو بكل أنواعها من أول الحب غير العفيف والاغتصاب والانتقام.
سيدتي، ألا تلاحظين معي أن بالتفكير بالكبد والطحال في الشطارة أصبحت البنت فتاة شبه لعوب؟ وفقدت حياءها وتزينت أملاً في أن تحظى بكلمة مخطوبة لإشباع غريزتها وفطرتها ثم إشباع احتياجها النفسي لمن يكملها، فلا هي خطبت ولا هي احتفظت بوقارها. أختي الفاضلة، والله أتعلم منك الكثير، ولكن -والله- الشباب يحتاج توجيهاً والمجتمع يحتاج لتسليط الضوء على هذه النقطة كيف نواجه باب الجامعة، وكيف نعلمه بدل أن يلعن الظلام أن يشعل مصباحاً وليس شمعة، لأنه يستطيع ذلك بدلاً من ندب حظه أو عدم أخذ موضوع حب الشاب لابنتهم بجدية، ومحاولة تفهّم وتعقّل الأمور والتعرف على الشاب بهدوء.
أختي لم أقذفك باتهام ولكن غاظني جداً كلمة "شاطرة". وأخيراً بشيء بسيط هو قصة شاب في كلية الهندسة كافح مراراً ليصل إليها، أحب فتاة من قريباته مهذبة مؤدبة، تقدم لها قريب له ولها غير مكافئ لها اجتماعياً ويعلوها مادياً بشيء يسير، كان أهلها يعلمون أن الشاب الأول يحبها وأهله أيضاً، ولكن وقفوا صامتين. وأخيراً تمت خطبة الفتاة لذلك الشاب الميسور لشهرين وتركها وقد سبب لها جرحاً عميقاً إضافة إلى أن قريبها الذي أحبها بصدق نصحه أهله أن يبتعد عنها لكي لا تحدث قطيعة ومشاكل في العائلة... أتعرفين كم مرّ على هذه الفتاة من خطاب تم رفضهم بلا استثناء إلا اثنين ذوا خلق ومكافئين اجتماعياً ولكن لم تستطع نسيان ذلك الشاب الأول ولم ينساها يوماً، فلم ترضَ بالخطبتين بعد جلسات قليلة. غرست نفسها في العمل لكي تنسي هموم الحياة وذلك الشاب، وكذلك فعل الشاب في دراسته لأنه متأخر عنها دراسياً بسبب كفاحه للوصول للهندسة.
علماً بأن الشاب غير جاهز إلا بالقليل جداً، فوّض أمره لله وتقدّم لتلك الفتاة، تتخيلي أنها وافقت وقالت لأبويها أن لن ترضى بأحد بعد ذلك الاختيار، في نفس الفترة تقدم لها شخصيات مرموقة وتم رفضهم. أعتقد أن كبدها وفشتها سليمة لكن ليست "شاطرة" أليس كذلك؟ هذه القصة حدثت بالفعل ولا أكذبك أني أتكلم بأن افتراضي هو صحة الموازين وتفهم الأهل وليس العبث تحت شعار الحب كما يحدث في الجامعة. حفظ الله قلبك وعقلك، والله تعجبني آرائك ولا أقصد تجريحاً، ولكن استفزتني كلمة "شاطرة" لأن غالباً من يعتقدون أنفسهم شاطرين ويوردوا الشباب المهالك بحجة تأمين المستقبل.
وأكرر أنا أتكلم في تناسق الموازين الفكرية والاجتماعية، ربما كانت كتابتي تعبّر عن شيء داخلي الآن، وأترك لك خيار اعتقاد أن أبطال القصة الأخيرة هم أنا وزوجتي المستقبلية حفظها الله، وقد تفهمين أن هناك شباباً صادقين كما أسلفت. وتقبلي اعتذاري إن فهمت أني أرميك بالبطيخ والشمام والبيض والطماطم، ولكني أوضح أمراً لم أقصد فيه الإساءة إليك وإن لم أستطع التعبير، ولم أقصد كبدك بسوء ولكن القلب والعقل جناحي المؤمن، والحكمة ثالثة الاتزان له وهي ضالته. فأرجو إرشادي حفظك الله، وحفظ عقلك وقلبك، وأنار طريقك وحفظ كبدك.
وإلى لقاء آخر.
سلام
27/8/2009
رد المستشار
وعليكم السلام يا "محمد حسن"،
سلّم الله أعضاء الجميع من مفرق رأسهم إلى قدمهم، فالأعضاء السليمة نِعَمٌ غالية خفيت علينا لاعتيادنا عليها وقليل من يدرك قيمتها.
أخي الكريم،
إن كلمة "شاطرة" التي استفزتك تستخدم عندنا في سوريا عادة للتشجيع مع التحبب إلى السامع! إلا إن دل الحال على أنها للاستهزاء! وأنا لم أقصد إلا تشجيعها! فالأمر إذن عائد إلى اختلاف في استخدام العبارات! وهذا أمر يحصل كثيراً في المراسلات وخاصة عند اختلاف البلد وطريقة الكلام فيه.
وأما أمثلتك التي ذكرتها جميعاً فلي عليها تعليق واحد:
إنها أمثلة معروفة ومنتشرة للأسف، وكل من كان عنده ذرة من إخلاص وفهم يؤلمه ذلك، ويفكر في تصحيح الأوضاع، ولطالما فكرت فيما يجري وفيما يدعو إليه المصلحون من تيسير سبل الزواج، وفي غيرها من الأمور المتعلقة بالمسألة، ولكني أظل أدور وأدور إلى أن أصل إلى حل واحد: وهو إحداث قدر من الوعي عند عدد من الناس يبدؤون بالتغيير والتأسيس ويتحملون المصاعب والأذى الذي سيلقونه أثناء تغيير مسار المجتمع من أجل تصحيح الأخطاء وتمهيد الطريق وإيجاد العيش الهانئ لمن بعدهم، ولهم في جهدهم هذا عظيم الأجر والمثوبة، وفي صحائفهم يكتب كل خير يعيشه الناس من بعدهم.
إذا لم يوجد هؤلاء الناس، فلن تجدي الحلول المطروحة بأسرها! إذا لم يربِّ الناس أنفسهم وأولادهم على التضحية بمصالح النفس ولذاتها لأجل الله، وعلى الخضوع للحق أينما كان، وعلى فهم أن جميع ما نقوم به في هذه الحياة إنما هو اختبار يجب أن نسعى للنجاح فيه... وبعبارة أخرى: إذا لم يطبق الناس الإسلام في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم مع فهمهم العميق لمعانيه ومقاصده، فلن تجدي الحلول ولن يكون لصيحات الشباب المظلومين، والمصلحين المتألمين أيّ أثر!.
عندما نجد أن البلاء يكمن في تعلق الأهل بزخارف الدنيا والكمالات وبتعويد بناتهم على الترف والدلال... أي قول وأي نصح سيجدي معهم إذا لم يكونوا تربَّوا في الأصل على أن الدنيا زائلة، وأن التعلق بها وطلبها مذموم، وأن المقصود من الزواج إعفاف النفس والحفاظ على وجود الإنسان الذي يعبد الله تعالى؟
عندما نجد أن البلاء يكمن في إطلاق البصر والاختلاط بين الجنسين على وجه غير شرعي، أي نصح سيجدي مع هؤلاء الشباب وقد وقعوا في أخطر محنة في حياتهم –محنة الحب والتعلق والحاجة لإرواء الغرائز- أي نصح بغض البصر وتقوى الله سيجدي معهم إن لم يكونوا في الأصل تربّوا على التقوى وترك شهوات النفس في سبيل مرضاة الله تعالى؟ محنة الحب والحاجة للزواج تجعل عروق الإنسان تغلي وتؤثر على توازنه وسيطرته على نفسه، فأي نصح سيفيده إن لم يكن تدرب من صغره على ضبط النفس عند هجوم الشهوات؟.
وعدد ما شئت أن تعدد من المشكلات، لن تجد لها حلاً إلا تربية الإنسان الذي يلتزم دين الله تعالى في حياته كلها لتصطبغ روحه به فلا يزلّ عند الشدائد. وبعد أن يوجد هذا الإنسان أطلب منه أن يحل مشكلة الزواج، فأوصيك ونفسي وكل من يقرأ هذه السطور أن يحول ألمه وحرقته على مجتمعه إلى طاقة يغير بها مساره، وإلى تفكير عميق يحاول به معرفة الحق من الباطل في هذه الأيام التي اختلطت فيها الأمور وماعت، وأن يبدأ بنفسه ويحاول التغيير بصدق، وأن يوطّن نفسه أن يبذل دون أن يأخذ، وأن يستعلي على سفاهات المجتمعات ويضع نفسه في مقام الإنسانية الرفيع... فإننا إن صدقنا في محاولة تطبيق ذلك، ستتغير الأمور قبل أن نكمل تغيير ما فينا، فالله تعالى إنما يريد منا هذه الخطوة، فهو ليس بحاجة إلى صلاحنا، ولا يضره فسادنا.