وسوست وشفيت هل أخبر عريسي؟!؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة وبعد؛
أود أن أشكر حضراتكم على هذا الموقع الرائع والجهود المباركة، وعسى أن يجعلها الله في ميزان حسناتكم بإذنه تعالى.
أنا فتاة في العشرينات من العمر خريجة طب عام، أكرمني الله بعائلة طيبة وشخصية محبوبة والحمد لله، أود أخذ رأيكم في موقف أنا فيه حالياً. لقد تقدّم لي خاطب من عائلة محترمة؛ خلوق، وملتزم، وطيب، وقد تم الانسجام بيننا وتمت الخطبة (دون العقد).
المشكلة هي أني أصبت بالوسواس القهري عندما كنت في الخامسة عشرة من العمر، وكان ذلك عندما نقلني أهلي إلى مدرسة جديدة لم أكن سعيدة فيها، وكانت الوساوس فكرية دينية مع اكتئاب، وبعد ستة أشهر من تغيّر حالتي النفسية عرضني أهلي على طبيب نفسي وقال أني أعاني من الوسواس القهري (بدرجة خفيفة)، ولكن الاكتئاب كان السبب الذي دفع أهلي للتحرك. أعادني أهلي إلى مدرستي القديمة حيث صديقاتي والجو الذي أحببته وتناولت الفافرين لمدة 3 سنوات، وتركته منذ 5- 6 سنوات الآن، وأنا الحمد لله بخير وعافية، اجتزت امتحانات الكلية بمعدل مرتفع وتعرّضت لظروف مختلفة والحمد لله لم أنتكس.
السؤال: هل يجب عليّ أن أخبر خطيبي بهذه القصة؟ طبعاً أهلي معارضون تماماً، وعندما سألت بعض الصديقات المقرّبات أخبرنني كذلك أني يجب أن أنسى الموضوع، فأنا بنظرهم طبيعية تماماً، وقالوا أنه من الناحية الشرعية أنا لست مجبرة أن أعلمه خاصة وأني قد شفيت منذ فترة. ولكننا نعلم أن احتمالية أن أنتكس ما زلت قائمة!. وأريد أن أستفسر عن علاقته بالوراثة ومصير الأبناء؟.
أرجو أن تشيروا عليّ برأيكم، وجزاكم الله كل خير.
14/09/2009
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا سارة،
لا بد من تناول الموضوع من جهاته كلها حتى نستطيع أن نصل إلى حل، وسأفصل لك الخطوات المنطقية التي يمكن من خلالها أن نصل لذلك الحل:
- إن الذي يعاني من حالة صحية ما، نفسية أو جسدية تكون نقصاً أو عيباً مستمراً فيه ويمكن أن يؤثر على أولاده لا بد أن يخبر شريك حياته بما يعاني منه، وإلا كان غشاً وخداعاً، كمن يعاني من مرض السكري مثلاً، وأو كان عاجزاً عن الإنجاب.
- ثم: من مرت عليه فترات اعتلال في الصحة مما يمكن أن يصيب سائر الناس عادة، ومضت هذه الفترات دون أن تترك أثراً يذكر أو أثراً يعد عيباً ونقصاً فهذا الإخبار به غير واجب بالطبع، كمن أصيب في صغره بجدري الماء مثلاً أو بالحصبة...
- لكن الحالة التي أنت فيها تأخذ من كلتا الحالتين معاً لهذا لا يمكن أن نجزم بوجوب إخبارك له، ولكن يظل في النفس شيء تجاه السكوت عن هذا الأمر. فمن جهة كون المرض ليس من الأمراض العارضة التي يمكن أن تصيب كل الناس، فالوسواس بخلافه، إذ هو مرض يصيب بعضهم لا الكل، وله نوع ارتباط بالوراثة غالباً وإن كان ذلك غير مدروس دراسة يمكن من خلالها القطع والجزم بشيء ما. ومن جهة أن الوسوسة غير مستمرة معك ولا تؤثر -حالياً- على حياتك فحالتك تشبه الأمراض العارضة.
نأتي لقضية الانتكاس، أيضاً لا يوجد دراسات شاملة تقطع بحصول الانتكاس وإن كان أمراً موجوداً في الواقع، ويزيد على 50%.. إذن: حصول الانتكاس محتمل فقط لا مقطوع به، وبهذا الاحتمال لا يمكن القول بحرمة السكوت، ولكنه يظل احتمالاً وارداً، ويمكن القول: إنه من الأفضل أن تخبريه، أو أنه أمر مسنون فقط، والله تعالى أعلم.
نأتي لنقطة الأخرى:
الأفضل أن تخبريه وهذا لا شك به، لأنه لو حصل وعاد الوسواس لن يكون سبباً لحصول المشكلات، أو لاتهامك بالغش والتدليس، ولكم مجتمعنا كما تعلمين لا يدرك الأمراض النفسية على حقيقتها بل ينفر منها جميعها أيما نفور ويرمي من أصيب بها بالجنون مع أن قسماً من هذه الأمراض على خلاف ذلك تماماً. ولعلك لو أخبرته لتخيل الأمر على نحو أخطر مما هو عليه، ولعل الأمر يصل إلى أهله، فترينهم عند أول سوء تفاهم تافه يضربون كفاً بكف ويقولون لك: (ألا يكفي أننا خطبنا لابننا مجنونة!) وهذا أمر كثيراً ما نسمع به، فيكون إخبارك عبارة عن ضرر محقق في سبيل درء ضرر محتمل وهذا غير وارد شرعاً ولا عقلاً! ولو كان المرض قائماً لكان من واجبك الإخبار رغم كل هذا لكن هنا الأمر مختلف. علماً بأن الأمراض النفسية يختلف مسارها من شخص لآخر لأسباب متعددة، ولا يمكن الحكم بشيء في حقك قبل معرفة الأمر بتفاصيله وملابساته كلها.
فالذي أراه –والله تعالى أعلم- أن تذهبي أولاً إلى طبيبك الذي عالجك، فتتناقشي معه في الأمر وخاصة أنك أصبحت طبيبة الآن وهذا سيفتح مجالاً واسعاً للحوار بينكما ولمناقشة الأمر على نحو علمي. وقد يمكن للموقع أن يساعد بعض المساعدة عن بعد في حال تعذر الذهاب للطبيب بشرط أن تفصلي في حالتك أكثر، وبعد أن تفهمي الموضوع تماماً، قارني حالتك بما ذكرته لك أولاً من خطوات لمعرفة الحل، وانظري حالتك إلى أي الأنواع المذكورة أقرب وتصرفي حسب ذلك، والاجتهاد في هذا مهمتك ولا نستطيع نحن القيام به.
وإن قررت إخبار الخاطب، فأخبريه بطريقة علمية –مستفيدة من دراستك- لا تترك في نفسه انطباعاً أكثر مما عليه المسألة ولا أقل أيضاً، وحاذري أن يعلم أحد غيره بما قلته له، سواء من طرف أهلك أو أهله، أو من الأصدقاء. فإن رضي بعد ذلك فبها ونعمت، وإن ترك فأنت قد برأت ذمتك عند الله تعالى، وهو أولاً وأخيراً ليس من نصيبك.
واستشارتك ذكرتني بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ»، وذكرتني بقصة جرت مع إحدى قريباتي، حيث ذهبت تشتري بعض الفواكه، فسألت البائع: هل بضاعتك جيدة؟ فقال: لا أبداً، ولا أنصحك بشرائها! فقالت في نفسها: هذا المسكين ربما تكسد بضاعته، فيرجع إلى أولاده وليس معه مال، وأنا إن لم أشترِ، فربما لا يشتري منه أحد غيري! ثم قالت له: بعني ما عندك من هذه الفاكهة! فكسب هذا البائع المنزلة التي وُعِد بها، ولم يخسر المال، والرزق إنما هو من الله تعالى وليس من فلان أو فلان... والرزق في الزواج لا يختلف عن الرزق في المال.
ولتكون الصورة أوضح لديك بالنسبة لحالتك، فسأرفق إجابة الدكتور وائل لي عندما استشرته في شأن حالتك من الناحية الطبية، ففيها ما يفيدك في إلقاء الضوء على حالتك، أو في نقاشك مع طبيبك المعالج الأسبق، مع تمنياتي لك بالتوفيق والشفاء.
* وهذه إجابة الدكتور:
السلام عليكم،
الموقف العلمي من وراثة القابلية للوسوسة يؤكدها نتيجة لملاحظات ودراسات متعددة لعل جزءًا كبيراً منها هنا: زواج موسوس من موسوسة؟ هل يصح؟!
والموقف الحالي هو لا جديد أكثر من بعض النسب، مثلاً إذا كنت مريضاً بالوسواس القهري فأبناؤك أكثر عرضة للإصابة بالوسواس بمعدل خمس مرات أعلى من غير الموسوس... وهذا يكون أكثر عند من تداهمهم الوسوسة قبل سن الثامنة عشر، حتى أنهم يفترضون وجود نوعين من الوسوسة نوع يحدث قبل سن 18 سنة وهو غالباً وراثي بوضوح، ونوع يحدث لصاحبه بعد تلك السن وملاحظة الوراثة فيه قليلة.
والعامل الوراثي كذلك أوضح بالنسبة للأحداث العقلية التسلطية منه للأفعال القهرية، ومنه يمكننا استنتاج أن هذا يصح أكثر عند من تتخذ نوبة الوسوسة عنده شكلاً فكرياً تكون فيه الوساوس غير مصحوبة بأفعال قهرية- مثل غالباً هذه الحالة لأنها لم تتطرق لأي أفعال قهرية.
نحن لا نعرف نسبة حدوث الانتكاس إلا في مجموعة دُرست من مرضى الوسواس ولكننا لا نعرف المسار الطبيعي للحالات غير المدروسة، ولا أثر شيوع تعاطي العقاقير لعلاجه على تقليل الانتكاس إلا في المجموعات التي درست، وليست هناك نتائج نهائية بعد ولكن جماع الدراسات يشير إلى نسبة انتكاس تصل إلى ما يزيد عن 50% على الأقل عند من عولجوا بالعقاقير فقط، وهي أقل عند من عولجوا بالعلاج المعرفي السلوكي. لكن الانتكاس يكون أكثر في الحالات التي تحدث فيها الوسوسة لأول مرة في سن قبل 18 سنة، رغم أن صاحبتنا بسم الله ما شاء الله تقول أنها بلا وسوسة منذ 6 سنوات.
وفي حالة صاحبتنا هذه لا أستطيع الفصل دون إلمام كامل بالحل لأنني أشك أنها كانت سليمة من الوسوسة، فلعل كانت لديها وسوسة متماشية مع ذاتها لا تشتكي منها. كذلك هناك احتمال أنها أصلاً ليست مريضة وسواس قهري وإنما مريضة اكتئاب وعندما اشتد عليها الاكتئاب حدثت الوسوسة، وكأنما استغل الوسواس اكتئابها. هنا تكون المسألة ربما مختلفة لكن أيضاً الاكتئاب اسمه الاكتئاب الرديد Recurrent Depression واحتمال الانتكاس والانتقال إلى الذرية أعلى ربما في حالات الاكتئاب! خاصة أيضاً وأنه اكتئاب حدث في سن مبكرة وهذا أسوأ من الذي لا يحدث إلا متأخراً.
الله أعلم، لكنني أكثر ميلاً في حالة هذه البنت إلى أهمية أن يعرف الخاطب أنها قد تتعرض لنوبات اكتئاب ووسوسة، وقد تنقل القابلية للاكتئاب وللوسوسة لأيٍّ من نسلها، وسبب ذلك هو كون سنها وقت نوبة الاكتئاب/الوسوسة أو الوسوسة/الاكتئاب كان 15 عاماً، وهو ما يعني أنها من النوع الذي يشتبه في كونه وراثيا،ً وليس بالإمكان القطع بشيءٍ خاص بهذه الفتاة دون معرفة تفاصيل أكثر.
هذا والله أعلى وأعلم.
واقرئي أيضًا على مجانين:
زواج موسوس من موسوسة: الطيب أحسن!
موسوس وموسوسة هل يتزوجان