الزواج وعلاقته بالقضاء والقدر مشاركة 2
السلام عليكم، وكل عام وأنتم بخير.
أنا من القراء النهمين والدائمين للمجانين، وقد استفدت من بعض المشكلات التي عرضت على مجانين سواء لي أو لغيري.
أما ما سأل عنه الأخ الكريم والأخت المشاركة فأنا معهما، وبلدي مختلف عن بلديهما. وكما قالت الأخت فإن الفرق بين عالمنا العربي والغربي أننا هنا نعاني من اللعب تحت الطاولة؛ فتجد الشاب أو الشابة على السواء في حالة شديدة التهتك أخلاقياً ولكنه/ لكنها تمثل دور الفتى أو الفتاة الطاهر(ة). وصدقيني من الصعب جداً أن تميّزي بين الخبيث والطيّب في هذا العصر. ومن تجاربي شخصياً، فقد صدّقت أشخاصاً يظهر عليهم الصدق والطيبة والأخلاق ولكنهم في الصميم غير ذلك تماماً، وهذه التجارب التي حكيت لك عنها بعيدة عن العلاقات العاطفية، فأنا والحمد لله لم أقِم علاقة محرّمة مع أي شاب.
وللإشارة على هذا، فقد كنت أتحدث ومجموعة من الزملاء والزميلات في إحدى المرات عن هذه المسألة وقد بدر من كلا الجنسين الشك في الآخر، حيث أن أحد الزملاء قال لنا ''أي ثقة من الطبيعي أن نعطيها" ولي صديق يحكي أن العشرات من الفتيات المحجبات اللاتي يظهر عليهن العفاف يعملن كعاهرات في "الفنادق''. لقد كنت أسمع كلاماً من هنا وهناك عن هذا الأمر... وما زلنا نسمع. هذا ليس تتشويهاً للحجاب، فأنا والحمد لله فتاة محجبة أيضاً ويستفزني هذا الكلام... إلا أننا لا يمكننا نكرانه.
أتتذكرون قصة المرأة التي كانت تخون زوجها في بيته وسريره وهو يظن أن من تزورها امرأة، فلم تكن إلا رجلاً متخفياً تحت غطاء البرقع والنقاب!.
ولي تجربة شخصية؛ من طبعي ألا أحادث الجنس الآخر من الزملاء إلا لحاجة من قبيل الشيء الضروري فقط، فجاء إليّ أحد الزملاء وقال لي باستفزاز: "هل فعلاً هذه هي شخصيتك الحقيقية؟ أم أنك تمثّلين علينا هذا الدور. هناك بنات كثيرات يمثلنه فقط للحصول على زوج من قبيل أنهن يصلحن ليكن زوجات يحفظن أزواجهن" وتكرر نفس الكلام من زميل آخر، وقد صعقت فعلاً من كلامهم، فعلى رأيهم أن هذه التشكيلة من البنات قد انتشرت في الأرض.
لقد عرفت أشخاصاً -هم من أقربائي- في قمة الأخلاق والرقيّ بالإنسانية، ولكنهم في صميم الواقع يشاهدون الأفلام الإباحية ويمارسون الرذيلة ويغتصبون بعض محارمهم الصغار.
فبالله عليكم، كيف نستطيع أن نعرف الخبيث من الطيب؟ أقول لا يعلمه إلا الله، أما الزواج فهو كالبطيخ؛ إما تتزوج فيكون حظك جميل مع زوج/ زوجة طيبة أو العكس. أما أن نكشف الحقيقة التي تتصورونها فتأكدوا أن الطيب أصبح مثل الخبيث أو بمعنى أصح الخبيث أصبح كالطيب... يمثل ببراعة دوره، إلا إذا تعرّض لمجموعة من التجارب، آنذاك قد تأخذ فكرة ما وليس الحقيقة الكاملة.
والسلام عليكم.
9/9/2009
رد المستشار
وعليكم السلام أيتها القارئة الدائمة لمجانين والغالية عليه،
أنا معك فيما تقولين، ولست معك في آن واحد! فأنت تصفين الواقع بدقة ولكني لا أوافقك في كل ما علقت به على ذلك الواقع.
أولاً: أريد أن أعلّق على قضية "اللعب من تحت الطاولة": فإنه ليس أمراً سيئاً دائماً! وإنما هو سيء فقط إذا قصد ذلك اللاعب غش الناس، واستغلال ثقتهم فيه لتنفيذ مآربه الفاسدة، دون أن يكون متأسفاً على فعلته التي أخفاها. وباختصار: فالأمر يكون سيئاً إذا كان من قبيل النفاق.
أما إذا كان الإخفاء حياءً وخجلاً من الفضيحة، وكان الاستمرار في المعصية بسبب الضعف البشري فهو مؤشر خير تتميز به مجتمعاتنا عن المجتمعات الغربية، فهذا الإخفاء وهذا الحياء إذا لازم العاصي سيسوقه ولا بد إلى التوبة، وسيكون سبباً لمغفرة ذنبه، ثم إنه سيحمي سائر المجتمع من الانحلال واستحلال المعاصي وانتشارها... وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم – يقول: ((كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ. وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ، فَيَقُولُ: يَا فُلاَنُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ)). وها أنت ترين أن المجاهرة بالتبرج، والفسق، وأخذ الرشاوى، وأكل الربا... قد سبب الكثير من الويلات لمجتمعنا، فكيف تتخيلين الحال فيما لو صار الزنا جهراً، أو يفتخر فيه بين الناس على الأقل، والعياذ بالله تعالى؟.
وأما قضية المحجبات اللواتي يعملن عاهرات: فهذا موجود فعلاً، لكن من قال لك أن الإنسان إذا رآهن لا يستطيع اكتشاف الفرق بينهن وبين المحجبات الطاهرات؟ ولا يستطيع شمّ رائحة سوء أخلاقهن من كلامهن وأفعالهن؟ هذا الفرق الذي أريد أن أؤكد عليه، وقد قلت في إجابتي للأخ: إني لا أعني بالحجاب مجرد قطعة قماش، أو مجرد غطاء رأس تُسكت به الفتاة ضميرها، وهي في واقعها قد عريت عن كل مظاهر الحجاب الذي شرعه الله! ولكن أعني به الالتزام بجميع فرائض الإسلام وآدابه، وهذا الأمر مهما مثلت العاهرات فلن تتقنه. ثم مَن قصير النظر أعمى القلب هذا الذي سيذهب لخطبة واحدة منهن؟ ومن قال أن الزوجة –أو الزوج- يكون اختيارهما من الشارع عن طريق الحب من أول نظرة؟ من فعل هذا فلا يلومن إلا نفسه، وليس له أن يقول بعد ذلك: لقد تمّ خداعي!.
وهذا الذي دخل متخفياً بالنقاب، ما علاقته فيما نحن فيه؟ من سيذهب إلى داره ويخطبه على أنه أنثى؟ إن لبسه للحجاب ليس ليظهر تدينه أمام الناس، ولكنه يريد الدخول ولو وجد طريقة يخفي فيها نفسه ويدخل بها البيت غير الحجاب لفعلها!.
وأنا ما زلت مصصمة على أن الأمر قضية بيئات، وكما أنكم تتكلمون على واقع ترونه وتعيشونه، فأنا أيضاً أتكلم على واقع أراه وأعيشه! لا أحد ممن حولي يخطر في باله عندما يذهب لخطبة امرأة: ماذا لو كانت غير عفيفة! ولا أحد من الفتيات إذا جاءها خاطب يخطر في بالها ذلك الأمر! العائلات المعروفة بالاستقامة والحريصة على الاقتران بالصالحين الطاهرين، لا تذهب لخطبة إلا من عرفوا الطهر في عائلتها وسيرتها، ولا تستقبل من الخطاب إلا من كان على نفس الشاكلة! ومصادفة غير الطاهرين بين هؤلاء نادر، ولا حكم للنادر وكل إنسان معرض للزلل، ويبقى الأمر كما قلتِ: قدر ولا أحد يعلم المستقبل وما كتب له، غير أننا نعمل بالأسباب وندعو الله تعالى بالتوفيق، ولنا أجر نيتنا وسعينا.
لكن فعلاً حتى هؤلاء الذين أتكلم عنهم –وأنا أيضاً مثلهم- إذا رأوا شاباً وفتاة يتحادثان (بل حتى إن لم يتحادثا) إذا رأوهم في الشارع أو في الجامعة، ويرتديان ثياباً أنت أعلم بها وأدرى... لن يخطر في بالنا جميعاً إلا: يا ترى ما مدى العلاقة بينهما؟ هل يعقل بعد هذا أن يرضى أحدنا بالاقتران بواحد من هذا النوع؟
من يريد أن يخطب أو يصادق أحداً من هذا النوع فلا يتعب نفسه في إزالة الشك لأنه لن يفلح! وهناك مثل عندنا يقول: (لا تنم بين القبور، ولا تحلم بأحلام مزعجة)! والذين انغمسوا في الفساد فلا يتعبوا أنفسهم في فهم كيف يكون الإنسان الطاهر موجوداً قبل أن يجربوا الطهر بأنفسهم، والذين اتهموك –والله أعلم بحقائقهم- ربما هم من هذه الشاكلة، أو ممن عاشر هذه الشاكلة!.
ثم آتي إلى ما ذكرته عن الذين يعيشون بوجهين في غير العلاقات العاطفية: وهؤلاء موجودون –وبكثرة- منذ عصر النبوة بل قبله، وكلنا يراهم ويصدم بهم، ويتأسف على حالهم، لكن لا بد أن ينكشف أمرهم مهما طال تمثيلهم، وحينها لا يصاحبهم إلا من كان على شاكلتهم، وبعد التجارب والخبرات يتعلم الإنسان كيف يكتشفهم وكيف يتعامل معهم.
أخيراً: لا يعدم المرء -على مدى حياته- الصديق المخلص، والأخ الناصح الطاهر، فالدنيا من قانونها أن تحوي الطيب والخبيث، فنسأل الله تعالى أن يجمعنا بالصالحين في الدنيا والآخرة.