أنا شاب في الخامسة والعشرين، بدأت معاناتي مع المرض النفسي منذ بدايات دخولي للجامعة، حيث كنت أشعر بحالات من الضيق الشديد وعدم الراحة عندما أتواجد وسط الناس والزحام، وبالذات عند التعامل مع الجنس الآخر، لكن كان هذا كل شيء ولم أعتبر أن عندي مشكلة أصلاً.
في 2004 بدأت أشعر بحالات من الضيق الشديد والقلق والغضب وسرعة الاستثارة دون أي سبب مفهوم، عانيت لفترة ثم ذهبت لطبيب نفسي وتناولت مودابكس وليبراكسن ولكن لم يحدث أي تحسن وإنما تفاقمت الأعراض لتتحول لوساوس دينية قاتلة ورهاب اجتماعي واكتئاب، ودون إطالة تخرجت بشق الأنفس من الكلية بعد أن كنت طالباً متفوقاً.
المهم أني ذهبت لكثير من الأطباء وتناولت تقريباً جميع الأدوية النفسية الموجودة في السوق كان أبرزها سيروكسات لمدة عام كامل، وأيضاً اللوسترال لفترة طويلة مع بعض مضادات الذهان كال risperidal وغيرها دون نتيجة مرضية، وبعد التخرج لم يمكنني الصبر على أي وظيفة لمدة أكثر من ستة أشهر، لا أدري هل لا أشعر بأي رضى من العمل بسبب الاكتئاب أم أن الوظيفة نفسها هي السيئة؟ أنا إنسان عصابي وانطوائي ومكبوت، أشعر دائماً بالدونية.
تخليت عن كثير من العبادات بعد أن كنت على درجة عالية من الالتزام، لم يعد لدي أي نوع من الوساوس ولكن القلق اللعين لا يريد أن يتركني، كما لو كانت مضخة أدرينالين في دمي! أفكر كثيراً جداً بالانتحار وأتمنى تنفيذه لولا أني لا أريد أن أنتهي في جهنم! كبديل أدخن بمعدل فظيع وأتعاطى المهدئات بكثرة هذه الأيام ولي تجارب محدودة في المخدرات أتمنى ألا تتطور! وأحياناً أدعو "اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي" من شدة كربي وضيقي.
أشعر بفقدان الأمل في المستقبل تماماً.
الخلاصة أني أظن أن ما أنا فيه هو مرض مزمن وأني سأظل أعاني هكذا طيلة عمري (وبالمناسبة أبي أيضاً كان مريضاً بالاكتئاب والرهاب). لا أريد الذهاب لأطباء آخرين لأني سئمت من المرور بتلك الحلقة المفرغة من الكلام ثم مضادات الاكتئاب ثم لا نتيجة ثم الإحباط والغضب... ثم أحاول الوقوف على أقدامي مرة أخرى والعمل ثم أترك العمل.. ثم البطالة واليأس.
أعتذر عن عدم النظام.. لم أعد أستطيع أن أضيف أي تفاصيل أخرى الآن.
خالص التحية والتقدير لد.وائل وباقي مستشاري الموقع على مجهوداتهم.
18/10/2009
رد المستشار
الابن العزيز،
إن العقاقير والأدوية، وأنت خير العارفين، ليست دائماً هي الحل، إنما هي في حالتك بالتحديد مثل "العكاز" أو الدعامة التي نتكئ عليها حتى نستطيع السير، ولو تركناها بلا مجهود منا لما تحركنا من مكاننا. كما أن اللجوء للعلاج الذاتي بالعقاقير يعتبر من أسوأ الممارسات التي يمكن أن يأتي بها الأطباء أو الصيادلة والتي قد تؤدي حتماً إلى الإدمان في حالتك، أرجو الانتباه.
من الواضح أنك تعاني من بعض المشاكل في القدرة على التكيف، والتي تتمخض عن حالة مستمرة من التوتر والضيق والقلق الشديد، وقد تحتاج لبذل لبعض المجهود تحت إشراف متخصص مثلاً في العلاج السلوكي والمعرفي، كما أن عليك أن تقوم بنوعين محددين من الرياضة بما يحمله المعني من تمرين وترويض وصبر على المشقة، حتى يرتفع مستوى الأداء وهو ما نسميه باللياقة (الذهنية والجسدية) حتى تستطيع الاستمرار بعد ذلك بأقل مجهود.
الرياضة الأولى وهي واجبة؛ هي الصبر على العبادة والطاعات والمحاولة المستمرة أولاً في الانتظام عليها، ثانياً في إتقانها، لما في ذلك من ترويض للنفس ورفع للقدرة الذهنية، بالإضافة للحصول على رخصة التمتع بالدعم الإلهي الذي وعد الله به المؤمنين والصابرين جعلني الله وإياكم منهم.
أما الرياضة الثانية، والتي لها من التأثير المضمون –بعون الله– على حالتك وهي الرياضة البدنية المنتظمة.
هذا طبعاً بالإضافة لما قد يصفه لك الطبيب المتخصص من العلاج سواء الدوائي أو النفسي.
أرجو منك عدم إصلاح الأخطاء بأخطاء أخرى حتى لا تتورط فيما هو أشد من ذلك، وشفاك الله وعافاك.
واقرأ أيضاً:
إلا الكلام
أبو بدر: تعاني من الاكتئاب... وإليك الحل
مهندس مكتئب
يارا والاكتئاب المزمن
عيب يا دكتور الاكتئاب له علاج
متى يكون الطبيب النفسي بلا فائدة؟
لا لا نرى الشيطان، بل الإنسانُ في معاناته